فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور

رقم الحديث 169 ( عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: من أحدث) أي: ابتدع( في أمرنا) أي: ديننا ( هذا) أي: دين الإسلام ( ما) أي: الذي أو شيئاً ( ليس منه بأن لم يشهد له أصل من أصوله) ، فلا ينافي ما تقدم من أن من البدع ما هو واجب ومنها ما هو مندوب ( فهو رد) أي: مردود لا يلتفت إليه من إطلاق المصدر على اسم المفعول كالخلق على المخلوق.
قال المصنف: هذا الحديث مما ينبغي حفظه وإشهاره في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به لذلك.
وقال الحافظ العسقلاني: هذا الحديث معدود من أصول الدين وقاعدة من قواعد.
وقال الطوفي: هذا الحديث يصح أن يسمى نصف أدلة الشرع ( متفق عليه) ورواه أبو داود وابن ماجه كما في «الجامع الصغير» .
( وفي رواية لمسلم) ورواها أحمد أيضاً عن عائشة قال الشيخ نفيس الدين سليمان العلوي ومن خطه نقلت على نسخة له من هذا الكتاب: هذه الرواية في مسلم قد ذكرها البخاري في «صحيحه» تعليقاً بصيغة الجزم ذكرها في كتاب البيوع في باب النجس وفي باب «إذا اجتهد العالم أو الحاكم» وقد ذكره المصنف في «الأربعين» له فقال رواه البخاري ومسلم اهـ وما ذكره عن كتاب الأربعين للمصنف لم أجده فيه كما قال، بل الذي فيه الاقتصار على العزو إلى مسلم كما هنا ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا) أي: أمر الدين ( فهو ردّ) وهذا أعم من اللفظ الأول فيحتج به في إبطال جميع العقود المنهية وعدم وجود ثمراتها المترتبة عليها وفي ردّ المحدثات ورد جميع المنهيات إذ ليست من أمر الدين، ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر لقوله: «أمرنا» أي أمر الدين، وفيه أن الصلح الفاسد ينتقض والمأخوذ عليه مستحق.


رقم الحديث 170 ( وعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب) خطبة لأمر يقتضيها من تحذير عن منهي أو تخويف من عقوبة ( احمرت) بتشديد الراء ( عيناه وعلا صوته واشتد غضبه) لما يتجلى عليه من بوارق الجلال ولوامع أضواء الأنظار وشهود أحوال أمته وتقصيرأكثرهم في امتثال ما يصدر عنه، ومن ثم مثل جابر حاله في إنذاره بمجيء القيامة وقرب وقوعها وتهالك الناس فيما يؤذيهم بحال من ينذر قومه عند غقلتهم بجيش قريب منه يقصد الإحاطة بهم بغتة من كل جانب بحيث لا يقرب منهم أحد فقال: ( حتى كأنه منذر جيش) أي: مخبر بجيش العدو الذي يخاف ( يقول) في إنذاره لهم فهو صفة منذر ( صبحكم) العدو مغيراً عليكم ( ومساكم) كذلك فاحتفظوا منهـ فكما أن هذا لشدة اعتنائه بحال قومه يرفع صوته وتحمرّ عيناه ويشتدّ غضبه من تغافلهم عما يستأصلهم ويهلكهم كذلك حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشدة حرصه على أمته وعظم رأفته ورحمته بهم وخوفه عليهم من الساعة وأهوالها، ومن ثم عقب ذلك جابر بقوله عطفاً على كأنه ( ويقول بعثت أنا) أكد به ليصح العطف ( والساعة كهاتين) بالرفع والنصب قال المصنف: والمشهور النصب على المفعول معه.
قال القاضي عياض: يحتمل أنه تمثيل لمقاربتهما وأنه ليس بينهما أصبع أخرى، كما أنه لا نبيّ بينه وبين الساعة، ويحتمل أنه لتقريب ما بينهما من المدة كنسبة التقارب بين الأصبعين تقريباً لا تحذيراً ( ويقرن) بضم الراء على المشهور الفصيح وحكي كسرها ( بين أصبعيه) تثنية أصبع وفيه عشر لغات تثليث الهمزة والموحدة والعاشرة أصبوع ( السبابة) سميت بذلك لأنهم كانوا يشيرون بها عند السب ( والوسطى، ويقول: أما بعد) فيه استحباب قولها في خطب الوعظ والجمع والعيد وغيرها وكذا في خطب الكتب المصنفة واختلف في أول من تكلم بها وتقدم بسطه في خطبة الكتاب ( فإن خير الحديث كتابالله، وخير الهدي محمد) قال العلقمي: هو بضم الهاء وفتح الدال فيهما وبفتح الهاء وسكون الدال أيضاً كذا جاءت الرواية بالوجهين.
وقال القاضي عياض: روينا في مسلم بالضم وفي غيره بالفتح، وفسره النووي على رواية الفتح بالطريق: أي أحسن الطرق طريقه، وعلى رواية الضم بالدلالة والإرشاد وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد، قال تعالى: { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} ( الشورى: 52) وقال تعالى: { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوام} ( الإسراء: 9) أما الهداية بمعنى اللطف والتأييد فتفرد بها سبحانه ومنه قوله تعالى: { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} ( القصص: 56) اهـ ملخصاً ( وشرّ الأمور محدثاتها) أي: مالم يكن معروفاً في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا أصل له فيها.
وروي شرّ كما قال الطيبي بالنصب عطف على اسم وإن وبالرفع على محل إن مع اسمها ( وكل بدعة ضلالة) هذا عام مخصوص كما تقدم في حديث العرباضبن سارية في باب المحافظة على السنة ( ثم يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) هو موافق لقوله تعالى: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} ( الأحزاب: 2) أي أحق.
قال أصحابنا: كان النبيّ إذا احتاج إلى طعام أو غيره وجب على صاحبه بذله له، وجاز له أخذه من مالكة المضطرّ له، وهذا وإن جاء له إلا أنه لم يقع ( من ترك مالاً فلأهله) الوارثين له وإن استغرقوا فما بقي من فرضهم إليه ( ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ) .
قال الحافظ: هذا تفسير لقوله «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه» قال أهل اللغة: الضياع بفتح الضاد المعجمة العيال.
قال ابن قتيبة: أصله مصدر ضاع يضيع ضياعاً، المراد من ترك أطفالاً وعيالاً ذوي ضياع، فأوقع المصدر موقع الاسم كما تقول: من مات وترك فقراء اهـ.
قال بعضهم: وإن كسرت الضاد كان جمع ضائع كجائع وجياع.
قال السيوطي: قال أبو البقاء: هو بفتح الضاد وهو في الأصل مصدر وليس للكسر هنا معنى اهـ.
وقوله: «وعليّ» بتشديد الياء: أي: قضاء ذلك الدين، فقيل كان يقتضيه تكرماً، قال المصنف: والأصح أنه كان واجباً عليه، وهل هو من خصائصه أو واجب على الإمام بعده كذلك من بيت المال إن لم يكن ثمة أهم منه؟ وقوله: «وإليّ» أي: الضياع، ففي الحديث لف ونشر غير مرتب ( رواه مسلم) قال في «الجامع الصغير» : ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه، كلهم من حديث جابر.
ــــ ( وعن العرباضبن سارية رضي الله عنه حديثه السابق) بالرفع مبتدأ خبره الظرف قبله ( في باب المحافظة على السنة) .


رقم الحديث -19 بكسر ففتح ( ومحدثات الأمور) أي: التي ليست على قواعد الشرع ولا فيها يؤيدها.
( قال الله تعالى: { فماذا بعد الحق إلا الضلال} ) إذ هما ضدان وبترك أحدهما يقع الآخر، والحق ما جاء به الكتاب والسنة نصاً أو استنباطاً.
وفي أحكام القرآن للسيوطي: سئل مالك عن شهادة اللاعب بالشطرنج والنرد أيجوز؟ قال: أما من أدمنها فلا لقول الله { فماذا بعد الحق إلا الضلال} فهذا كله من الضلال اهـ.
( وقال تعالى: { ما فرطنا في الكتاب من شيء} ) قال الخازن في «تفسيره» : يعني اللوح المحفوظ لأنه يشتمل على أحوال المخلوقات، وقيل: المراد بالكتاب القرآن أي إنه مشتمل على جميع الأحوال اهـ.
( وقال تعالى: { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} - أي الكتاب والسنة) لف ونشر مرتب، وتقدم الكلام في معناها في باب الأمر بالمحافظة على السنة.
( وقال تعالى: { وأن هذا} ) الذي وصيتكم به ( { صراطي مستقيماً} ) حال ( { فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} ) الطرق المخالفة له ( { فتفرق} ) فيه حذف إحدى التاءين ( { بكم عن سبيله} ) أي: دينه.
وفي الآية التفات من المتكلم إلى الغيبة.
( وقال تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر ذنوبكم} ) سبق الكلام عليها في الباب المذكور ( والآيات في الباب) أي: النهي عن البدع ( كثيرة معلومة وأما الأحاديث) النبوية في ذلك فكثيرة جداً بكسر الجيم صفة مصدر محذوف أي كثرة جداً: أي تامة مبالغة فيها ( وهي مشهورة) عن علماء السنة المشتغلين بها ( فنقتصر على) إيراد ( طرف) بفتح أوليه المهملين أي جانب ( منها) .