فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم

رقم الحديث 234 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: المسلم أخو المسلم) كالتعليل للحكم المذكور بعده، لأن الأخوة مقتضية للشفقة داعية للمعروف والمنفعة ( لا يخونه) من الخيانة ضد الأمانة، أو يخونه ينقصه حقه الذي له عليه من التعاون والتعاضد ( ولا يكذبه) يجوز أن يكون بفتح الياء: أي يخبره خبراً كاذباً ومنه قوله تعالى: { كذبوا الله ورسوله} ( التوبة: 90) ويجوز أن يقرأ ويجوز أن يقرأ بضم أوله وسكون ثانيه وتخفيف ثالثه: أي لا يلقيه للمخبر بفتح الباء كاذباً أو بتشديد الثالث: أي لا ينسبه إلى الكذب، ثم رأيت عن المصنف ضبطه بضم أوله وإسكان ثانيه، وفسره بأن لا يخبره بأمر على خلاف الواقع لغير مصلحة ( ولا يخذله) بضم الذال المعجمة أي: لا يترك نصرته المشروعة سيما مع الاحتياج والاضطرار، قال الله تعالى: { وتعانوا على البرِّ والتقوى} ( المائدة: 2) وقال تعالى: { واستنصروكم في الدين فعليكم النصر} ( الأنفال: 72) فالخذلان محرم شديد التحريم، ودنيوياً كان كأن يقدر على نصرة مظلوم ودفع ظالمه عنه فلا يدفعه، أو دينياً كأن يقدر على نصحه عن نحو غيبة فيترك.
وقد روى أبو داود «ما من مسلم يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذلهالله في الدنيا والآخرة» ( كل) مبتدأ ( المسلم) فيه ردّ على من زعم منع إضافة كل للمعرفة ( على المسلم حرام) خبر ويبدل من كل ( عرضه) أي حسبه ومفاخرة ومفاخر آبائه بأن تنتهك بالسبّ والغيبة والبهت، ويمنع من حمل العرض هنا على النفس وإن كان يطلق عليها لغة أنه لو حمل عليها لكان تكراراً مع قوله: «ودمه» إذ هو عبارة عن النفس ( وماله) بأن يغصب أو يخان فيه ( ودمه) أي نفسه بأن يتعرض لها بقتل أو أطرافها وأدلة تحريم هذه الثلاثة مشهورة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وجعلها كل المسلم وحقيقته لشدة اضطراره إليها، أما الدم فلأن به حياته ومادته المال فهومادة الحياة، والعرض به قيام صورته المعنوية، واقتصر عليها لأن ما سواها فرع عليها وراجع إليها، لأنها إذا قامت الصورة الحسية والمعنوية فلا حاجة إلى غير ذلك وقيامها بتلك الثلاثة لا غير، ولكن حرمتها هي الأصل لم يحتج إلى تقييدها بما إذا لم يعرض ما يبيحها شرعاً كالقتل قوداً وأخذ مال المرتد فيئاً وتوبيخ المسلم تعزيراً ونحو ذلك ( التقوى ههنا) أي في القلب ( بحسب) بإسكان السين والباء فيه مزيدة وهو مبتدأ: أي كافي ( امرىء) أي شخص ( من الشر) في أخلاقه ومعاشه ومعاده ( أن يحقر أخاه المسلم) لأن الله إذا لم يحتقره إذ أحسن تقويم خلقه وسخر له ما في السموات والأرض كله لأجله ومشاركة غيره له فيه بطريق التبع وسماه مسلماً أو مؤمناً وعبداً، وجعل الأنبياء الذين هم أفضل المخلوقين من جنسه كان احتقاره احتقاراً لما عظمه الله وشرّفه، وهو من أعظم الذنوب والجرائم، قال: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرّة من كبر» وقد فسره في الحديث بقوله: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» أي احتقارهم ومنه أن لا يبدأه بالسلام احتقاراً له ولا يرده عليه ( رواه الترمذي) ومعناه عند مسلم في الحديث الآتي عقبه.
قال السخاوي فيتخريج الأربعين للمصنف: رواه الترمذي بجملته وذكر فيه بعد وعرضه «التقوى ههنا، ويشير بيده إلى صدره ثم قال: بحسب» ورواه أبو داود مقتصراً على «كل المسلم» إلخ دون قوله: «وأشار بيده إلى صدره» ( وقال) أي الترمذي ( حديث حسن) وزاد السخاوي عنه: حسن صحيح.
وقال المصنف في «الأذكار» : وما أعظم نفعه وأكثر فوائده اهـ.


رقم الحديث 235 ( وعنه) أي عن أبي هريرة ( قال: قال رسول الله: لا تحاسدوا) أي: لا يحسد بعضكم بعضاً، وأصله تتحاسدوا بتاءين حذفت إحداهما تخفيفاً، وهل هي تاء المضارعة أو فاء الكلمة؟ فيه خلاف.
وقد أجمع الناس من المتشرعين وغيرهم على حرمة الحسد وقبحه، ونصوص الشرع الواردة بذلك كثيرة في الكتاب والسنة.
وهو لغة وشرعاً: تمني زوال نعمة المحسود، ويخالف الغبطة، فإنما هي تمني مثل تلك النعمة مع بقائها لصاحبها.
ووجه ذم الحسد وقبحه أنه اعتراض على الله تعالى له حيث أنعم على غيره مع محاولته نقض فعله وإزالة فضله.
ومما يوضح ظلمه أنه يلزمه أن يحبّ لمحسوده ما يحب لنفسه وهو لا يحبّ لها زوال نعمتها، فقد أسقط حق محسوده مع ما فيه من تعب النفس وحزنها من غير فائدة بطريق محرم فهو تصرف رديء.
والحسد أقسام: فمنهم من يسعى بلسانه ويده في نقل نعمة المحسود لنفسه أو لغيره وهو أخبث أنواعه، ومنهم من لا يسعى في ذلك، فهذا غير آثم كما قال الحسن البصري بل ورد مرفوعاً من وجوه ضعيفة، وظاهر أن محله إن عجز عن إزالة الحسد من نفسه بأن جاهدها في تركه ما استطاع، بخلاف من يحدث نفسه به اختياراً مع تمني إزالة نعمة المحسود فهذا لا شك في تأثيمه بل تفسيقه.
ومنهم من يسعى في حصول مثل المحسود عليه فهذا حسن إن كان في الأمور الدينية، فقد تمنى الشهادة في سبيل الله، ولا حسن فيه في الامور الدينية كذا لخص من الفتح المبين ( ولا تناجشوا) أي لا ينجش بعضكم على بعض بأن يزيد في السلعة لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره وهو حرام إجماعاً على العالم بالنهي سواء كان بمواطأة البائع أم لا، لأنه غش وخداع وهما محرّمان، لأنه ترك للنصح الواجب، ويصح تفسير النجش هنا بما هو أعم من ذلك، لأن النجش لغة، إثارة الشيء بالمكر والحيلة والخداع فالمعنى: لا تتخادعوا ولا يعامل بعضكم بعضاً بالمكر والاحتيال وإيصال الأذى إليه، قال تعالى: { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} ( فاطر: 43) فيدخل فيه على هذا جميع أنواع المعاملات بالغش ونحوه كتدليس عيب وكتمه وخلط جيد برديء، ويجوز المكر بمن يحل أذاه وهو الحربي ومن ثم قال: «الحرب خدعة» ( ولا تباغضوا) أي لا يبغض بعضكم بعضاً: أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأنه قهري كالحبّ لا قدرة للإنسان على اكتسابه ولا يملك التصرف فيه، وهو النفرة عن الشيء لمعنى فيه مستقبح وترادفه الكراهة،ثم هو بين اثنين، إما من جانبيهما أو من جانب أحدهما، وعلى كل فهو لغير الله تعالى حرام وهو محمل الحديث، وله واجب ومندوب، قال: «من أحبّ وأبغض وأعطى فقد استكمل الإيمان» وبغض إنسان تعالى لمن خالفه المتجه أن مخالفة الغير له إن علم أنها نشأت عن اجتهاد لكونه من أهله لا يجوز له بغضه حينئذٍ لأنه ليس / إذ الذي له ما يكون لأجل المعصية، ولا معصية هنا لأن المجتهد مأجور وإن أخطأ، وإن علم أنها نشأت عن تعصب وهوى نفس أو تقصير في البحث جاز.
ولشرف الألفة أمتنّ بها تعالى على عباده فقال: { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً} ( آل عمران: 13) ولذا كانت حرمة النميمة أشد لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء وجاز الكذب للإصلاح ( ولا تدابروا) أي لا يدبر بعضكم عن بعض: أي يعرض عما يجب له من حقوق الإسلام كالإعانة والنصر وعدم الهجران في الكلام أكثر من ثلاثة أيام إلا لعذر شرعي كرجاء صلاح أحدهما، ووجه مغايرته لما قبله أن الشخص قديبغض ويوفي الحق، وقد يعرض لنحو تهمة أو تأديب وهو محبّ ( ولا يبع) نهى تحريم عندنا ( بعضكم) معشر المكلفين من المسلمين والذميين، والتقييد بالمسلم في الأخبار لا مفهوم له ( على بيع بعض) فلا يجوز لأحد بغير إذن البائع أن يقول لمشتري سلعة في زمن الخيار: افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه، وذلك لما فيه من الإيذاء الموجب للتنافر والبغض، ومن ثم ورد «ذلك بأنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم» ومثله الشراء بغير إذن المشتري، بأن يقول آخر لبائع زمن الخيار: افسخ البيع لأشتريه منك بأغلى أما بعد انقضاء الخيار فلا تحريم، إذ لا مقتضى له، وكونه يؤدي إلى الإلحاح عليه حتى يقبله فيؤدي إلى ضرر مردود بأنه متمكن من عدم الرد، فإن اختاره كان هو المضرّ بنفسه، والإلحاح إنما يقتضي تحريم ذاته لأنه إضرار بالملحوح عليه ( وكونوا عباد ا) أي يا عباد الله ( إخواناً) أاكتسبوا ما تصيرون به إخواناً مما سبق ذكره وغيره مما يدعو إلى الألفة ويمنع من النفرة: أي تعاونوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلب والنصيحة بكل حال، وهذا كالتعليل لما قبله كأنه قيل إذا تركتم التحاسد وما بعده كنتم إخواناً كالإخوان فيما مرّ،ووجه طاعة الله في كونهم إخواناً التعاضد على إقامة وإظهار شعاره إذ بدون ائتلاف القلوب لا يتم ذلك كما قال تعالى: { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم} ( الأنفال: 62، 63) الآية.
( المسلم أخو المسلم) أي لأنهما لجمع دين واحد لهما أشبها الأخوين المجتمعين في ولادة من صلب أو رحم أو منهما، بل الأخوة الدينية أعظم من الأخوة الحقيقية لأن ثمرة هذه دنيوية وثمرة تلك أخروية ( لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) بفتح أوله وبالمهملة والقاف المكسورة: أي لا يستصغر شأنه ويضع من قدره، لأن الله تعالى لما خلقه لم يحقره بل رفعه وخاطبه وكلفه، فاحتقاره تجاوز لحد الربوبية في الكبرياء وهو ذنب عظيم، ومن ثم ورد كما تقدم «بحسب امرىء من الشرّ» إلخ فالاحتقار ناشىء عن الكبر فهو بذلك يحتقر الغير ويراه بعين النقص ولا يراه أهلاً لأن يقوم بحقه.
وروي بضم أوله وبالخاء المعجمة والفاء: أي لا يغدر عهده ولا ينقض أمانه.
قال القاضي عياض: والمعروف الصواب هو الأول الموجود في كتاب مسلم، ويؤيده رواية «ولا يحتقره» ومعنى هذه الجملة أن من حق الإسلام وأخوته أن لا يظلم المسلم أخاه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، وللإسلام حقوق ذكرت في غير هذا الحديث وجمعت في حديث «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» وتخصيص ذلك بالمسلم لمزيد حرمته لا لاختصاص به من كل وجه/ لأن الذمي يشاركه في حرمة ظلمه وخذلانه بنحو ترك دفع عدوّه والكذب عليه واحتقاره: أي من غير حيثية الكفر القائم به أما من تلك الحيثية فجائز، قال تعالى: { ومن يهن الله فما له من مكرم} ( الحج: 18) ( التقوى) وهي اجتناب عذاب الله بفعل المأمور وترك المحظور ( وههنا ويشير) بيده ( إلى صدره ثلاث مرات) أي محل مادتها من الخوف الحاصل عليها القلب الذي هو عند الصدر.
قال: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم» أي إن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، إنما تحصل بما يقع في القلب من عظيم خشية الله ومراقبته، فمن ثم كان نظر الله بمعنى مجازاته ومحاسبته على ما في القلب من خير وشرّ دون الصور الظاهرة، إذ الاعتبار في ذلك كله بالقلب.
وفي الحديث دليل على أن العقل في القلب دون الرأس، وفيه خلاف،الراجح منه هذا، ووجه مناسبة هذا لما قبله الإعلام بأن كرم الخلق إنما هو التقوى، فربّ حقير عند الناس أعظم قدراً عند الله من كثير من عظماء الدنيا ( بحسب امرىء من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) تقدم الكلام عليه في الحديث قبله.
وقدم هنا الدم أي النفس لأنها الأصل والمال لتعلق النفس به أتمّ لكونه قوامها فلم يظهر وجه تأخير العرض حينئذٍ، وحكمة تقديمه عليهما ثمة أن الابتلاء بالوقوع فيه أكثر منه فيهما، فابتدىء به اهتماماً به زيادة في التحذير منه والبعد عنه ( رواه مسلم) .
قال الحافظ السخاوي في تخريج الأربعين التي جمعها المؤلف: هذا حديث صحيح رواه أحمد ومسلم في «صحيحه» ، وعنده في بعض طرقه من الزيادة «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم، وأشار بأصابعه إلى صدره» وأخرج ابن ماجه بعضه وأبو عوانة أيضاً وأبو نعيم بتمامه في «المستخرج» اهـ.
( النجش) بسكون الجيم لغة، إثارة الشيء بالمكر والخديعة، وشرعاً ( أن يزيد في ثمن سلعة ينادى عليها في السوق ونحوه) من مواطن البيع ( ولا رغبة له في شرائها بل يقصد أن يغرّ غيره) أما إذا كان المال لنحو يتيم ورآه يباع بأقل من ثمن المثل وقصد وصوله لثمن مثله الواجب فيه لا إضرار الغير، فلا ( وهذا حرام) مع العلم.
( والتدابر أن يعرض) أي الإنسان ( عن الإنسان) احتقاراً له ( ويهجره) فوق ثلاثة أيام ( ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر) في الاحتقار به وعدم الاهتمام بشأنه.


رقم الحديث 236 ( وعن أنس رضي الله عنه عن النبي قال: لا يؤمن أحدكم) أي إيماناً كاملاً ( حتى يحبّ لأخيه) أي المسلم فيجب على كل مسلم من حيث إنه مسلم أن لا يخصأحداً منهم دون الآخر لأن إضافة المفرد تفيد العموم ( ما يحبّ لنفسه) من الطاعات والمباحات أي ويبغض له مثل ما يبغضه لنفسه وسكت عنه مع كونه من كمال الإيمان اكتفاء بذكر ضده.
قال العلماء في هذا الحديث من الفقه: أن المؤمن مع المؤمن كالنفس الواحدة، فينبغي أن يحبّ لها ما يحبّ لنفسه من حيث إنها نفس واحدة كما في الحديث «المسلمون كالجسد الواحد» الحديث.
وقال ابن العماد: الأولى أن يحمل على عموم الأخوة حتى يشمل الكافر فيحبّ لأخيه الكافر ما يحبُّ لنفسه من دخوله في الإسلام كما يحبّ للمسلم دوامه، ومن ثم كان الدعاء بالهداية مستحباً، وحتى هنا جارة لأن ما قبلها غير ما بعدها فإنه غاية لنفي الكمال.
ثم ظاهر الخبر أن هذه المحبة كافية في كماله وإن لم يأت ببقية أركانه/ وليس مراداً بل إنما ورد تحريضاً على التواضع ومحاسن الأخلاق وترغيباً في محبة المسلمين بعضهم بعضاً وائتلافهم، ولا يخفى أن ذلك يؤدي إلى التعاضد والتناصر، وبه ينتظم شمل الإيمان وتتأيد شرائعه، كما علم مما مر في الحديث قبله، أو ورد مبالغة حتى كأن تلك المحبة ركنه الأعظم «كالحج عرفة» إذ هي مستلزمة لبقية أركانه ثم المكلف به مقدمات المحبة مما تقدم لا المحبة نفسها، لأنها ميل طبيعي لا يطاق تحت نطاق الاختيار والتكليف به تكليف بمحال، فالمراد إيثار ما يؤدي للمحبة مما يقتضي العقل اختياره وإن كان خلاف هوى الإنسان كالدواء فإنه يكرهه المريض طبعاً ويميل إليه اختياراً بحكم عقله لعلمه بأن صلاحه فيه، والمراد محبة الرحمة والإشفاق ( متفق عليه) .
قال السخاوي في التخريج المذكور بعد تخريجه باللفظ المذكور: وشك غندر فقال لأخيه أو لجاره.
قلت وكذلك هو عند مسلم بالشك فيهما، قال السخاوي ولفظ المعلم وهمام: «لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير» زاد المعلم أوله «والذي نفسي بيده» ما لفظه: هذا حديث صحيح.
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده والدارمي وعبد في مسنديهما وابن ماجه في «سننه» وأبو عوانة في «مستخرجه» ، وابن حبان في «صحيحه» وعند الترمذي حديث صحيح، وكذا اتفق عليه الشيخان من حديث يحيى بن سعيد القطان عن حسين المعلم لكن بدون قوله: «من الخير» وهي صحيحة لأنها خارجة من مخرجالصحيحين بل هي على شرطهما وأخرجها ابن منده في كتاب الإيمان من حديث روح بن عبادة عن العلم ووافق المعلم عليها همام اهـ.
وقد سبق الحديث مشروحاً آخر باب النصيحة.


رقم الحديث 237 ( وعنه) أي: أنس ( قال: قال رسول الله: انصر أخاك) ولا تخذله ( ظالماً) كان لأنه مظلوم حقيقة كما سيأتي ( أو مظلوماً) بأن تعدى عليه إنسان في نفسه أو ماله أو عرضه ( فقال رجل أنصره إذا كان مظلوماً) أي بدفع الظلم أو منعه منه ( أرأيت) أخبرني ( إن كان) أي أخي ( ظالماً) بالتعدي على الغير فيما ذكر ( كيف أنصره؟ قال: تحجزه) بضم الجيم أي تجعل نفسك حاجزاً له ( أو) شك من الراوي ( تمنعه من الظلم فإن ذلك) أي المنع من الظلم ( نصره) قال الحافظ ابن حجر: قال ابن بطال: النصر عند العرب الإعانة وتفسيره نصر الظالم بمنعه من الظلم من تسمية الشيء بما يؤول إليه وهو من وجيز البلاغة.
قال البيهقي: معناه أن الظالم مظلوم في نفسه فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حساً ومعنى، فلو رأى إنساناً يريد أن يجب نفس لظنه أن ذلك يزيل مفسدة طلبه للزنا مثلاً منعه من ذلك وكان ذلك نصراً له واتحد في هذه الصورة الظالم والمظلوم.
( لطيفة) ذكر المفضل الضبي في كتابه «المفاخر» أن أول من قال: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم وأراد بذلك ظاهره وهو ما اعتاده من حمية الجاهلية لا ما فسر في الحديث وأنشدوا: إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم على القوم لم أنصر أخي حين يُظلم ( رواه البخاري) قال في «الجامع الصغير» وأحمد والترمذي كلهم عن أبي هريرة، ورواه الدارميّ وابن عساكر عن جابر مرفوعاً بلفظ: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، إن يك ظالماً فاردده عن ظلمه، وإن يك مظلوماً فاردد عنه ظلمه» اهـ.


رقم الحديث 238 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: حق المسلم) قال الحافظ ابن حجر معنى الحق هنا الوجوب خلافاً لقول ابن بطال: المراد حق الحرمة والصحبة والظاهر أن المراد به هنا الأمر المطلوب على وجه التأكيد، ويؤيده قول الشيخ زكريا يعم وجوب العين والكفاية والندب أي فيفسر بالأمر المطلوب للمسلم ( على المسلم خمس) لا ينافي ما في رواية بعده أنه ست إما لأن العدد لا مفهوم له وإما لأن محل العمل بمفهومه ما لم يعلم خلافه فإن الحقوق المتأكدة كثيرة واقتصر على ما ذكر إما لأنها المشروعة إذ ذاك وما عداها شرع بعد وإما لأنها الأنسب بحال السامعين بتساهلهم فيها أو شدة احتياجهم إليها ( رد السلام) وهوواجب عيناً إذا كان المسلم عليه واحداً وكفاية إذا كانوا جمعاً قال الحليمي: وإنما وجب رد السلام لأن معناه الأمان فإذا ابتدأ به المسلم أخاه فلم يجبه يتوهم منه الشر فيجب عليه دفع ذلك الوهم.
قلت: ولذا لم يسقط الفرض برد مميز عن المكلفين بخلاف فرض صلاة الجنازة فيسقط به عنهم لأن القصد منه الدعاء والمميز من أهله، والقصد هنا التأمين وليس من أهله ( وعيادة المريض) واختلف فيها هل هي فرض كفاية أو سنة: فقال الجمهور هي في الأصل مندوبة وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض.
وعن الطبري تتأكد فيمن ترجى بركته، وتسن فيمن يراعى حاله، وتباح فيما عدا ذلك وفي المشرك خلاف.
قال الماوردي هي مباحة وقد يقترن بها ما يصيرها قربة كرجاء إسلامه، وقد نقل المصنف الإجماع على عدم وجوب العيادة أي عيناً وعموم المريض يقتضي عيادة كل مرض ولو أُريد، وحديث: «ثلاثة ليس لهم عيادة: العين والدمل والضرس» صحح البيهقي وقفه على يحيى ابن كثير.
وقد جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم قال: «عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجع كان بعيني» أخرجه أبو داود والحاكم وصححه وهو عند البخاري في «الأدب المفرد» .
ويؤخذ من إطلاق الحديث أنها لا تتقيد بزمن يمضي من ابتداء المرض وهو قول الجمهور وجزم الغزالي في الإحياء بأنه لا يعاد إلا بعد ثلاث، ولا بيوم معين وما اعتاده بعض الناس في باب عيادة المريض ( واتباع الجنائز) أي تشييعها من محلها أو محل الصلاة فهو سنة متأكدة ( وإجابة الدعوة) وهي واجبة في وليمة العرس بشروطها المقررة في الفقه وفي سائر الولائم وهي سنة متأكدة ( وتشميت) بالمهملة وبالمعجمة ( العاطس) أي الدعاءله بالخير والبركة من السمت أو الشوامت وهي القوائم، كأنه دعاء للعاطس بحسن السمت والهدى أو بالثبات على الطاعة.
وقيل معناه: أبعدك الله عن الشماتة، وهو بعد حمد العاطس سنة متأكدة عيناً إن لم يكن غيره وإلا فكفاية بأن يقول له: رحمك الله ( متفق عليه) .
( وفي رواية لمسلم) عن أبي هريرة أيضاً ( حق المسلم على المسلم ست) أي ستّ خصال، وفي «المشكاة» : قيل: ما هنّ يا رسول الله؟ قال: ( إذا لقيته فسلم عليه) فهي وما بعدها من الجمل المتعاطفة على هذا التقدير مقول القول، وعلى عدمه فيحتمل أن يكون كذلك من باب حذف القول وإبقاء المقول وهو كثير في كلام العرب، حتى قال أبو علي الفارسي: هو من حديث: «عن البحر حدث ولا حرج» ويحتمل أن يكون بدلاً من ستّ أو خبراً لمبتدأ محذوف: أي هي ( إذا لقيته فسلم عليه) : أي ابدأه به ندباً عينياً إن كنت وحدك وإلا فعلى الكفاية ( وإذا دعاك فأجبه) وجوباً عينياً إذا دعاك إلى وليمة عرس وإلا فعلى الكفاية ولا بد من إطاقة التخليص في الحالين وندباً إذا دعاك إلى غير وليمة عرس ونحوها ( وإذا استنصحك) أي طلب منك النصح وهو تحري ما به الصلاح من قول أو فعل ( فانصح له) وجوباً عليك بأن تذكر له ما به صلاحه وطلبه ليس شرطاً لوجوب بذله أو ندبه لأنه يجب تارة ويندب أخرى لمن طلب ومن لم يطلب فذكره/ إنما هو لإفادة أن تأكده بعد الطلب أكثر ( وإذا عطس) بفتح الطاء ( فحمد الله فشمته) بخلاف ما إذا لم يحمد فإنه لا يستحق التشميت لتقصيره بترك الحمد على نعمة العطاس التي وصلت إليه «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب» ولأن العطاس حيث لا عارض من زكام ونحوه إنما ينشأ عن خفة البدن وخلوه عن الأخلاط المثقلة له عن الطاعة بخلاف التثاوب فإنه ينشأ عن ضد ذلك ( وإذا مرض فعده) ندباً متأكداً في أي يوم كان ( وإذا مات فاتبعه) ندباً كذلك من بيته إلى أن يفرغ من دفنه ( رواه مسلم) ورواه البخاري في «الأدب المفرد» .


رقم الحديث 239 ( وعن أبي عمارة) بضم العين المهملة وبعد الألف راء ويقال أبو عمرو، ويقال أبوالطفيل ( البراء) بتخفيف الموحدة والراء وبالمد، هذا هو الصحيح المشهور عند طوائف العلماء من أهل الحديث والتاريخ والأسماء واللغة والمؤتلف والمختلف وغيره وحكى فيه القصر ( ابن عازب) الصحابي ابن الصحابي ( رضي الله عنهما) تقدمت ترجمته في باب التوكل ( قال أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المرضى) ندباً في سائر الأوقات فلا تكره إلا إن شقت على المريض ( واتباع الجنائز) أي تشييعها والمكث إلى الفراغ من دفنها ( وتشميت العاطس) إذا حمد الله تعالى والأمر في هذه الثلاث للندب ( وإبرار المقسم) بنحو أقسمت عليك با أو نحو وا لتفعلن كذا فيسن له حيث لا مانع تخليصاً له عن ورطة الاستهتار بحقه في الأول وحنثه في الثاني ( ونصر المظلوم) ولو ذمياً يمنع الظالم عن ظلمه وجوباً على من قدر على ذلك بفعله أو قوله وهذا يرجع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا واجب عيناً تارة وكفاية أخرى كما سبق في بابه ( وإجابة الداعي) وجوباً تارة وندباً أخرى وقد تقدم تفصيله ( وإفشاء السلام) أي إشاعته وإذاعته بأن تقرىء السلام على من عرفت ومن لم تعرف وهذا أمر ندب عيناً إن كنت مفرداً أو كفاية إن كنت مع الغير.
وفي رواية «ورد السلام» وعليها اقتصر في «المشكاة» وهو كما علم مما تقدم واجب عيناً تارة وكفاية أخرى ( ونهانا) أي معشر الرجال وكذا الخناثا دون النساء ( عن خواتيم) جمع خاتام أحد لغات خاتم ( أو) شك من الراوي ( تختم بالذهب) فيحرم على غيرهن تحريماً غليظاً لبسه كاستعمال سائر أنواع حلي الذهب إلا نحو أنف وسن وأنملة، ويحرم عليهن استعمال غير الحلى منه كالأواني وكذا الحلي إن خرج عن غير الاعتدال إلى السرف كخلخال وزنه مائتا مثقال ( وعن شرب بآنية الفضة) والذهب أولى مع أنه صرح به في حديث آخر ومثل الشرب سائر الاستعمال وذكره كالأكل في حديث آخر مثال فيحرم استعمال واتخاذ إناء النقدين إلا لحاجة كأن لم يجب غير إنائهما فيجوز استعماله وكذا لووصف له التكحل بمرود من الذهب لداء بعينه ( وعن) استعمال ( المياثر الحمر) بضمتين ويسكن الثاني تخفيفاً والتقييد بذلك باعتبار أنه الأغلب في مراكب الأعاجم رعونة وتزييناً فهي من حرير أي نوع كان وبأيلون أو مما أكثره حرير وزناً حرام ولو غير حمراء والحمراء غير الحرير مكروه ( وعن) استعمال ( القسي وعن لبس الحرير والإستبرق) وما غلظ من الديباج وهوعجمي معرب وعطفهما على الحرير من عطف الخاص على العام لأنهما من الحرير ( متفق عليه) .
( وفي رواية) لمسلم ( وإنشاد الضالة زادها) أي: الراوي ( في السبع الأول) بضم ففتح يعني المأمور بها قال المصنف في «شرح مسلم» بدل إبرار المقسم أو للقسم: وإنشاد الضالة تعريفها وهو مأمور به المياثر ( بياء مثناة من تحت قبل الألف وثاء مثلثة) مكسورة ( بعدها) أي بعد الألف ( وهي جمع ميثرة) وأصلها مؤثرة وقلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة نحو ميزان وميعاد ( وهي شيء يتخذ من حريرويحشى قطناً أو غيره) تعميم للمحشو به ويلحق به في الحكم ما كان متخذاً من حرير وغيره والحرير أكثر وزناً ( ويجعل في السرج) ما يجعله على الفرس ( وكور البعير) بضم الكاف أي رحله وجمعه أكوار ويجعل ذلك ( ليجلس عليه الراكب) فتحصل له الراحة ( والقسيّ بفتح القاف) على الصحيح المشهور قال المصنف وبعض أهل الحديث يكسرها قال أبو عبيد: أهل الحديث يكسرونها وأهل مصر يفتحونها ( وكسر السين المهملة المشددة) بعدها ياء النسبة ( وهي ثياب تنسج من حرير وكتان مختلطين) هذا حكاه المصنف بلفظ قيل وقال قبله: قال أهل اللغة و «غريب الحديث» : هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس بفتح القاف: وهو موضع من بلاد مصر.
وهي قرية على ساحر البحر قريبة من تنيس، وقيل هي ثياب من القز وأصله القزي منسوب إلى القز وهو رديء الحرير فأبدل من الزاي سين قال المصنف وهذا القسي إن كان حريره أكثر من الكتان فالنهي عنه للتحريم وإلا فللكراهة التنزيهية ( وإنشاد الضالة) في تلك الرواية ( تعريفها) .


رقم الحديث -28 ( باب تعظيم حرمات) بضمتين جمع حرمة بضم فسكون، وهي ما لا يحلّ انتهاكه من أهل ومال ( المسلمين وبيان حقوقهم) على إخوانهم المسلمين ( والشفقة) معطوف على تعظيم ويصح عطفه على حرمات أو حقوق ( عليهم والرحمة) عطف تفسير ( بهم) .
( قال الله تعالى: { ومن يعظم حرمات ا} ) أحكامه وسائر ما لا يحل هتكه أو المراد به الحرم أو ما يتعلق به الحج من التكاليف ( فهو) أي فالتعظيم ( خير) أي قربة وزيادة في الطاعة ( له عند ربه) ثم قيل الظاهر أن خيراً هنا ليس أفعل تفضيل.
( وقال تعالى: { ومن يعظم شعائر ا} ) دين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكه أو الهدايا لأنها من معالم الحج وهو أوفق لظاهر ما بعده، وعليه فتعظيمها أن يختارها سمانا غالية الأثمان.
«روي أنه أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برّة من ذهب.
وأن عمر أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار» ( { فإنها من تقوى القلوب} ) أي فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي القلوب فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من، وذكر القلوب لأنها منشأ التقوى والفجور والإمرة بهما.
( وقال تعالى) مخاطباً لنبيه: ( { واخفض جناحك للمؤمنين} ) وتواضع لهم وارفق بهم.
( وقال تعالى { من قتل نفساً بغير نفس} ) أي بغير نفس توجب القصاص ( أو) بغير ( فساد في الأرض) كالشرك وقطع الطريق.
وثبت بالسنة رجم الزاني المحصن وقتل تارك الصلاة ( فكأنما قتل الناس جميعاً) من حيث أنه هتك حرمة الدماء وسن القتل وجرأ الناس عليه أو من حيث أن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استجلاب غضب الله والعذاب العظيم ( ومن أحياها) أي تسبب لبقاء حياتها بعفو أو منع عن القتل أو استنفاذ من بعض أسباب الهلكة ( فكأنما أحيا الناس جميعاً) أي كأنه فعل ذلك بهم جميعاً والمطلوب منه تعظيم قتل النفس وإحياؤها في القلوب ترهيباً من التعرض لها وترغيباً في المجافاة لها.


رقم الحديث 222 ( وعن أبي موسى) الأشعري ( رضي الله عنه قال: قال رسول الله: المؤمن للمؤمن كالبنيان) فالمؤمن مبتدأ، وقوله كالبنيان خبره، وقوله للمؤمن يصح كونه حالاً من المبتدأ وصفة له، لأن أل فيه جنسية، وقوله: ( يشد بعضه بعضاً) جملة استئنافية لبيان وجه الشبه؛ قال القرطبي: هذا تمثيل يفيد الحض على معاونة المؤمن للمؤمن ونصرته، وأن ذلك أمر متأكد لا بد منه، فإن البناء لا يتم ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضاً ويقويه.
وإن لم يكن ذلك انحلت أجزاؤه وخرب بناؤه، وكذا المؤمن لا يشتغل بأمر دنياه ودينه إلا بمعاونة أخيه ومعاضدته ومناصرته، فإن لم يكن ذلك عجز عن القيام بكل مصالحه وعن مقاومة مضادّه فحينئذٍ لا يتم له نظام دنيا ولا دين ويلحق بالهالكين ( وشبك) يحتمل أن يكون النبي وأن يكون الراوي ( بين أصابعه) وذلك تقريب لوجه التشبيه وبيان للتداخل ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الصلاة والأدب، ومسلم في الأدب من «صحيحهما» ورواهالترمذي في الزهد وقال: صحيح غريب من حديث أبي موسى، والنسائي في الإيمان.


رقم الحديث 223 ( وعنه) أي أبي موسى ( قال: قال رسول الله: من مرّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا) قال الحافظ ابن حجر هو تنويع من الشارع وليس شكاً من الراوي ( ومعه نبل) جملة في محل الحال من فاعل مرّ، والنبل بفتح النون وسكون الموحدة: السهام العربية وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها ( فليمسك أو) شك من الراوي ( ليقيض) بكسر اللام للأمر أيضاً ( على نصالها) قيل: «على» فيه بمعنى الباء، وقيل ضمن العامل معنى الاستعلاء للمبالغة.
والنصال: بكسر النون وبالمهملة الحديدة التي في رأس السهم ( بكفه) متعلق بيمسك أو يقبض، مخافة ( أن يصيب أحداً من المسلمين منها) أي بسبب النصال فمن تعليلية ( شيء) فيتأذى به ( متفق عليه) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، ومسلم في الأدب ورواه أبو داود في الجهاد، وابن ماجه في الأدب، كذا في «الأطراف» للمزي.


رقم الحديث 224 ( وعن النعمان) بضم النون وسكون العين المهملة ( ابن بشير) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة وسكون التحتية ( رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: مثل) بفتح أوليه، ويقال فيه مثل ومثيل ومثلها شبه وشبه وشبيه: أي فصة ( المؤمنين) وفي نسخة «المسلمين» والذي في الصحيحين «المؤمنين» : أي الكاملين الإيمان كما قال ابن أبي حمزة ( في توادهم) بتشديد الدال والأصل تواددهم فأدغم، والتوادد تفاعل من المودة: وهي: تقرب شخص من آخر بما يحب.
قال القرطبي: ووقع في رواية توادهم بغير «في» ويصح ذلك ويكون مخفوضاً على أنه بدل اشتمال من المؤمنين ( وتراحمهم وتعاطفهم) قال ابن أبي جمرة: الذي يظهر أن التراحم والتوادد والتعاطف وإن كانت متقاربة فيالمعنى لكن بينها فرق لطيف فالتراحم المراد به أن يرحم بعضهم بعضاً بأخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر، والتوادد المراد به: التواصل الجالب للمحبة فالتزاور والتهادي، والتعاطف المراد به إعانة بعضهم بعضاً كما يعطف طرف الثوب عليه ليقويه اهـ ملخصاً ( مثل الجسد) أي بالنسبة إلى جميع أعضائه، وجه الشبه فيه التوافق في التعب والراحة كما بينه بقوله ( إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد) أي دعا باقيه بعضه إلى بعض إلى المشاركة في الألم، يقال تداعت الحيطان: أي تساقطت أو كادت ( بالسهر والحمى) الظرف متعلق بتداعي، وتداعيه بالسهر لأن الألم يمنع النوم، وأما الحمى فلأن فقد النوم يثيرها.
والحمى بضم المهملة وتشديد الميم عرّفها حذاق الأطباء بأنها حرارة غريبة تشتعل في القلب فتنبثّ منه في جميع البدن فيشتعل اشتعالاً يضرّ بالأفعال الطبيعية.
قال ابن أبي جمرة، شبه الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء، لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف، فإذا أخل المرء بشيء من التكاليف شان ذلك الإخلال الأصل، وذلك الجسد أصل كالشجر وأعضاؤه كالأغصان، فإذا اشتكى عضو من جسد اشتكت الأعضاء كلها بالاهتزاز والاضطراب اهـ.
قال القاضي عياض: وفي الحديث تعظيم حقوق المسلمين والحضّ على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضاً ( متفق عليه) .
وفي رواية لمسلم عن النعمان مرفوعاً «المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله» .