فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضَّعَفة والمساكين والمنكسرين والإِحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم

رقم الحديث 260 ( وعن سعد بن أبي وقاص) مالك القرشي الزهري تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب الإخلاص ( قال: كنا مع النبي ستة نفر) إما أن يكون خيراً ومع حال منه: أي مصاحبين له أو بالعكس، والنفر بالتحريك: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة قاله في الصحاح وفيه أيضاً: والرهط ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة اهـ.
( فقال المشركون) أي أشرافهم، فقيل هو أمية بن خلف الجمحي ومن تابعه، ففي أسباب النزول للواحدي عن ابن عباس في قوله تعالى: { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} ( الكهف: 28) قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي وذلك أنه دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أمر كرهه من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} ( الكهف: 28) وفيه أيضاً عن سلمان الفارسي قال: «جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم، يعنون سلمان وأبا ذرّ وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها، جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى: { واتل ما أوحي إليك} ( الكهف: 27) إلى قوله: { إنا أعتدنا للظالمين} ( الكهف: 29) الحديث أورد ذلك عم والدي الشيخ العلامة الجليل الشيخ أحمد بن محمد علان الصديقي البكري في كتابه الذي جعله في علوم القرآن وغيرها وسماه مجموعة العلوم وأودعها مائة وسبعين علماً ومن خطه نقلت.
وأما العم فهو العارف با تعالى الشيخ العلامة أحمد بن إبراهيم بن محمد بن علان الصديقي النقشبندي رحم الله الجميع ونفع بهم وأمدني بمددهم آمين فتحصلمنه أن بعض المشركين قال ( للنبي: اطرد هؤلاء) أي الستة المذكورين وكان ذلك أنفة منهم من مجالستهم لاستصغارهم واستقذارهم لاحتقارهم لهم لفقرهم وخمولهم في الدنيا ونسب القول في الحديث للكل لرضاهم به ( لا يجترءون) أي لئلا يحصل منهم الجرأة ( علينا) فنعير بذلك ثم بين النفر الستة بقوله: ( وكنت أنا وابن مسعود) الهذلي ( ورجل من هذيل) لم أرَ من سماه من شرح صحيح مسلم ( وبلال) مولى أبي بكر ( ورجلان لست أسميهما) كأنه يعني أبا بكر وعلياً رضي الله عنهما ولعل وجه إبهامه لهما استبعاد القوم طلب أشراف الكفار لطردهما فإنهما كانا من أعيان قريش ومشاهيرهم، ولعل طلب طردهما إن كان فلمخالفتهما لهم في الإسلام فأرادوا بذلك التعريض إلى حقارتهم ولا يطفىء أنوار الله أفراد أعدائه ( فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع) أي من طرد أولئك عنه لما علم من كمال أنفسهم ومخالطة الإيمان لبشاشة قلوبهم فلا يفارقه أحدهم لما نزل وتقريب المشركين طمعاً في إسلامهم وإسلام قومهم نظير إعطائه الفىء لجمع من المؤلفة تألفاً له ومنع ذلك عن بعض محتاجي المؤمنين اكتفاء بما وقر في قلبه من نور الإيمان المغني عن التألف ورأى النبي أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئاً ولا ينقص لهم قدراً ( فحدّث نفسه) أي بذلك قال القرطبي في «المفهم» : وفي بعض كتب التفسير أنهم لما عرضوا ذلك على النبي أبى.
فقالوا له: اجعل لنا يوماً ولهم يوماً وطلبوا أن يكتب لهم بذلك فهمّ النبي بذلك ودعا علياً ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية ( فأنزل ا) : ( { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه} ) فنهاه عما هم به من الطرد لا أنه وقع الطرد ووصف أولئك بأحسن أوصافهم، وأمره بأن يصبر نفسه معهم بقبوله: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ} فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رآهم بعد ذلك يقول: مرحباً بالذين عاتبني الله فيهم وإذا جالسهم لم يقم عنهم حتى يكونوا هم الذين يبدأون بالقيام وقوله: { يدعون ربهم بالغداة} بطلب التوفيق والتيسير، وبالعشي يطلب العفو عن التقصير وقيل معناه: يذكرون الله من بعد صلاة الفجر وصلاة العصر، وقيل يصلون الصبح والعصر.
وقال ابن عباس: يصلون صلاة الخمس.
وقال يحيى بن أبيكثير: هي مجالسهم الفقهاء بالغداة والعشي.
وقيل يعني به دوام أعمالهم وعبادتهم.
رخص طرفي النهار لما تقدم من أنهما وقتا عمل وشغل فإذا لم يلهوا فيهما ففي غيرهما أولى.
وقوله: { يريدون وجهه} أي يخلصون في عبادتهم وعملهم تعالى ويتوجهون إليه بذلك لا لغيره ويصح أن يقال يقصدون بذلك رؤية وجهه الكريم: أي ذاته المقدسة عن صفات المخلوقين ( رواه مسلم) في الفضائل من «صحيحه» ورواه النسائي في «المناقب» ورواه ابن ماجه في الزهد بنحوه، ومداره عندهم على سريج بن هانىء بن يزيد بن نهيك الكوفي عن سعد كما في «الأطراف» للحافظ المزي.


رقم الحديث 261 ( وعن أبي هبيرة) بضم الهاء وفتح الموحدة وسكون التحتية بعدها راء ثم هاء ( عائذ) بالعين المهملة وبعد الألف همزة فذال معجمة ( ابن عمرو) بن هلال بن عبيد بن يزيد بن رواحة بن رايبية بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن ثوره بن هدمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن مضر ( المزني) بضم الميم وفتح الزاي وبعدها نون: نسبة إلى مزينة أم عثمان وأخيه أوس ابني عمرو: قاله في «أسد الغابة» ( وهو من أهل بيعة الرضوان) أي من الذين بايعوا النبي بالحديبية تحت الشجرة على أن لا يفرّوا.
وفي رواية على الموت وكانوا ألفاً وأربعمائة» وفي رواية «وخمسمائة» .
وجمع بينهما بأن المائة المزيدة لعلهم أتباع أولئك/ فأنزل الله تعالى: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} ( الفتح: 18) فسميت بيعة الرضوان لأنها سبب ذلك تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب الأمر بالمعروف ( أن أبا سفيان) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ( أتى على سلمان) بسكون اللام وهو الفارسي في السنة الأولى من الهجرة ( وصهيب) بن سنان الرومي ( وبلال) مولى الصديق ( في نفر) من نفر الصحابة وكان إتيانه وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية ( فقالوا ما أخذت سيوف الله من عدو ا) يعنون أبا سفيان ( مأخذها) أي أنه لم تعمل فيه سيوفالمسلمين ( فقال أبو بكر) الصديق ( رضي الله عنه) تألفاً لأبي سفيان وتعظيماً ليسكن الإيمان في قلبه ويميل إلى المؤمنين وتوادهم ( أتقولون هذا) أي القول، فهو مفعول مطلق ( لشيخ قريش وسيدهم) فإنه كان عقيدهم في الحروب وإليه مرجعهم فيها لكونه كان أكبر بني عبد مناف حينئذٍ ( فأتى) الصديق ( النبي فأخبره) بما وقع من أولئك ومنه في جوابهم ( فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم) أي زجرتهم، أو أسأت إليهم فتسبب عن ذلك غضبهم؛ ثم بين ما يترتب على غضبهم مؤكداً بالقسم المقدر المؤذن به اللام في قوله: ( لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك) لأنهم أولياؤه، وفي الحديث القدسي «ومن عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب» وفي التعبير بربك المؤذن إلى أنه رباه بنعمه ونقله من حالة إلى حالة أكمل منها بفضله وكرمه، وذلك مستلزم للمحبة فقد جبل الإنسان على حب الإحسان، ومن أحبّ شيئاً أحبّ ما يتعلق به ويرجع إليه وهؤلاء لكونهم جنده وحزبه محبوبون له، فمن أغضبهم فقد غفل عن ذلك وتعرض لغضب الباري سبحانه وتعالى، الإيماء إلى طلب محبة أوليائه المؤمنين والتلطف بهم.
وهذا الحديث فيه دلالة على عظم رتبة المذكورين فيه عند الله تعالى، وفيه احترام الصالحين واتقاء ما يؤذيهم أو يغضبهم ( فأتاهم فقال: يا إخوتاه) يا فيه للنداء للاستغاثة بهم، وإذا استغيث بالاسم المنادى ولم تدخل عليه لام الجر كيا لزيد فالأكثر أن يتصل بآخره ألف كقوله: يا يزيدا الآمل نيل عز وغنى بعد فاقة وهوان ولك إذا وقفت حينئذٍ أن تأتي بهاء السكت كذا في التوضيح وغيره، وحينئذٍ فلعل الصديق وقف على هذا المنادي فلذا أتى فيه بالهاء أو أنه أتى بها على لغة من يلحقها لغير المندوب وهي لغة قليلة حكاها ابن السيد في «شرح الجمل» وغيره ( أغضبتكم) أي بما قلته من جهة أبي سفيان ( قالوا: لا) أي لم يحصل لنا من ذلك غضب وذلك لعلمهم بأن الصديق لم يحتقرهم ولا قصد إيذاءهم، إنما أراد تألفه ليكثر سواد المسلمين بإيمانه وإيمان تابعيه، وقولهم ( يغفر الله لك) جملة دعائية مزيدة على الجواب.
وفي «اللطف واللطائف» للثعالبي «أن الصديق رضي الله عنه رأى في يد دلال متاعاً فقال: أتبيعه؟ فقال: لا،يرحمكالله، فقال له الصديق: قل: لا، ويرحمكالله، لئلا يشتبه الدعاء لي بالدعاء عليّ» وقد نقل مثله المصنف في «شرح مسلم» فقال: قال القاضي: وقد روي عن الصديق أنه نهى عن مثل هذه الصيغة وقال: قل وعافاك الله ولا تزد: أي ولا تقل قبل الدعاء لا، فتصير صورته صورة نفي الدعاء.
وقال بعضهم: قل ويغفر الله لك اهـ.
قال بعض الأدباء: وهي أحسن من واو الأصداغ ( يا أخي) وفي تعبيرهم بهذا اللفظ إيماء إلى سبب عدم تأثرهم من كلامه وحملهم له على أحسن المحامل، لأن هذا شأن الإخوان وإن قل ذلك في الكثير من أبناء الوقت والزمان وبا المستعان ( رواه مسلم) في الفضائل من «صحيحه» والنسائي في «المناقب» بنحوه.
فائدة: من فضائل سلمان قوله: «لو كان العلم بالثريا لنا له سلمان» وفي رواية «لناله رجال من فارس» وقوله: «إن الله أمرني أن أحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم: عليّ وأبو ذر والمقداد وسلمان» وقول علي رضي الله عنه: «سلمان علم العلم الأول والآخر بحر لا يترف هو منا أهل بيت» وقوله أيضاً: سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم ومن فضائل صهيب قوله: «من كان يؤمن با واليوم الآخر فليحب صهيباً حب الوالدة ولدها» وقوله: «صهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة» اهـ.
ملخصاً من «المفهم» للقرطبي ( قوله مأخذها) قال المصنف ضبطوه بوجهين أحدهما مأخذها بالقصر وفتح الخاء المعجمة والثاني بالمد وكسر الخاء وكلاهما صحيح ( أي لم تستوف حقها منه) تفسير لمجموع قولهم إن سيوف الله إلخ ( وقوله) أي القائل من النفر، واكتفى به لأن الظاهر من إخباره عن نفسه وباقي النفر ( يا أخي روي بفتح الهمزة وكسر الخاء) المعجمة ( وتخفيف الياء، وروي بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد الياء) على صيغة التصغير وهو تصغير تحبب وترفق وملاطفة، وما أحسن قول الشاعر: ما قلت حبيبي من التحقير بل يعذب اسم الشخص في التصغير ثم هذا الذي حكاه المصنف هنا من أنه روي بالوجهين قد يخالفه قوله في شرح مسلم وأما قوله يا أخي فضبطوه بضم الهمزة على صيغة التصغير.


رقم الحديث 262 ( وعن سهل بن سعد) الساعدي ( رضي الله عنه قال: قال رسول الله: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) خبر، وقوله في الجنة في محل الحال ويصح العكس، ولعل الأول أقرب ( وأشار) لزيادة التبيين وإدخال المعاني في ذهن السامع لكونها بصورة المحسوس المدركة عادة ( بالسبابة) .
وفي رواية بالسباحة بحاء مهملة بدل الموحدة الثانية وهي التي تلي الإبهام، سميت بذلك لأنها يسبح بها في الصلاة ويشار بها في التشهد لذلك وهي السبابة أيضاً لأنها يسب بها الشيطان ( والوسطى) قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به فيكون رفيق النبي في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك ( وفرج) بتشديد الراء أي فرق ( بينهما) أي بين السبابة والوسطى إشارة إلى أن بيت درجة النبي وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى.
قال القرطبي معنى قوله: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين» أنه معه فيها وبحضرته غير أن كل واحد منهما على درجته فيها إذ لا يبلغ درجة الأنبياء غيرهم ولا يبلغ درجة نبينا أحد من الأنبياء وإلى هذا المعنى الإشارة بقرانه بين أصبعيه فيفهم من الجمع المعية والحضور ومن تفاوت ما بينهما اختصاص كل منهما بدرجة ومنزلة اهـ.
وفي رواية «كهاتين إذا اتقى» أي إذا اتقى الله فيما يتعلق بحق اليتيم، ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حال دخوله الجنة لما أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة رفعه «أنا أوّل من يفتح باب الجنة فإذا امرأة تبادرني فأقول من أنت؟ فتقول: أنا امرأة قائمة على أيتام لي» ورواته لا بأس بهم، وقوله تبادرني، أي لتدخل معي أو في أثري، ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين سرعة الدخول وعلوّ المنزلة.
قال الحافظ العراقي لعل الحكمة في تشبيه كافل اليتيم بالنبي في دخول الجنة أو في علوّ المنزلة أو في القرب منه كونه من شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلاً لهم ومعلماً ومرشداً/ وكذا كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه فيرشده ويعلمه ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك اهـ.
( رواه البخاري) أي في الأدب من «صحيحه» وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي كلهم عن سهل كما في «الجامع الصغير» ، قال المزي وأخرجه أبو داود في الأدب والترمذي في البر ( وكافل اليتيم القائم بأموره) ديناً ودنياً وذلك بالنفقة والكسوةوالتربية والتأديب وغير ذلك، قال في «شرح مسلم» وهذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم من مال نفسه أو مال اليتيم بولاية شرعية.


رقم الحديث 263 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: كافل اليتيم له) الظرف يصح أن يكون حالاً من المضاف إليه وجاز لكون المضاف عاملاً في المضاف إليه قبل الإضافة فهو نظير { إليه مرجعكم جميعاً} ( يونس: 4) وأن يكون صفة لليتيم وجاز لأن المحلى بأل الجنسية كالنكرة من جهة المعنى وكونه له قال في «الكوكب المنير» بأن يكون جداً أو عماً أو أخاً أو نحو ذلك من الأقارب أو يكون مات أبو المولود فقامت أمه مقامه بكفالته أو ماتت أمه فقام أبوه مقامها في التربية اهـ.
ومثله في «شرح مسلم» للمصنف وفي شمول الخبر للأخيرة ما لا يخفى إلا إن كان بطريق القياس على ما تضمنه الخبر إذ ما فيه ليس بيتيم والله أعلم ( أو لغيره) بأن يكون أجنبياً منه وكافل مبتدأ، وقوله ( أنا) مبتدأ ثان ( وهو) معطوف عليه، وقوله ( كهاتين في الجنة) خبر أو حال كما عرفته فيما قبله والمبتدأ وخبره الأول والرابط اسم الإشارة والمشار إليه هو السبابة والوسطى كما قال ( وأشار الراوي وهو) الإمام الجليل ( مالك بن أنس) ابن أبي عامر بن عمرو الأصبحي أبو عبد الله الفقيه المدني إمام دار الهجرة رأس المتقين وكبير المثبتين حتى قال البخاري أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر، ومن أتباع التابعين مات سنة مائة وتسعة وسبعين، وكان مولده سنة ثلاث وتسعين، وقال الواقدي بلغ تسعين سنة كذا في «تقريب التهذيب» للحافظ ( بالسبابة والوسطى، رواه مسلم) في أواخر الكتاب ( وقوله له أو لغيره معناه قريبه أو الأجنبي منه) فيه لف ونشر مرتب، فالمراد بقوله له القريب وبقوله لغيره الأجنبي ( فالقريب مثل أن تكفله أمه أو جده أو أخوه أو غيرهم من قرابته) أي غير الأب ليكون يتيماً ( والله أعلم) .


رقم الحديث 264 ( وعنه) أي عن أبي هريرة رضي الله عنه ( قال: قال النبي: ليس المسكين) أي الكامل الممدوح من هذا النوع الأحق بالصدقة والأحوج إليها ( الذي) يسأل و ( ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان) عند سؤاله لأن المتردد يكون قادراً على تحصيل قوته ( إنما المسكين) أي أما المسكين الكامل ( الذي يتعفف) أي يترك السؤال من الناس مع فقره وليس المراد نفي المسكنة عن الطواف بل نفي كمالها ( متفق عليه) فأخرجه البخاري في كتابي الزكاة والأطعمة وأخرجه مسلم في الزكاة.
( وفي رواية في الصحيحين) ورواه كذلك أحمد وأبو داود والنسائي كما في «الجامع الصغير» كلهم عن أبي هريرة مرفوعاً ( ليس المسكين الذي يطوف) أي يدور ( على الناس) سائلاً وجملة ( وترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان) في محل نصب على الحال أي ليس هو منحصراً في ذلك كما أفاده الموصول والحال المفيدة للصلة أو الجملة مستأنفة لبيان حاله ( ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه) صفة زائدة على اليسار المنفي إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر/ وكأنّ المعنى نفي اليسار المفيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار ( ولا يفطن) بالبناء للمفعول أي لا يعلم ( له) أي لاحتياجه لتعففه وعدم تعرضه وفي نسخة به بدل اللام ( فيسأل الناس) قال الخطابي وغيره: إنما نفى المسكنة عن السائل الطوّاف لأنه تأتيه الكفاية، وقد تأتيه الزكاة زيادة عليها فتزول خصائصه ويسقط اسم المسكنة عنه، وإنما تدوس الحاجة والمسكنة فيمن لا يسأل ولا يعطف عليه فيعطي.


رقم الحديث 265 ( وعنه) أي أبي هريرة رضي الله عنه ( عن النبي قال: الساعي على الأرملة) هي كما قال الجوهري: التي لا زوج لها وقد أرملت المرأة إذا مات عنها زوجها، قال ابن السكيت: الأرامل المساكين من نساء ورجال ويقال لهم وإن لم يكن فيهم نساء ويقال قد جاءت أرملة من نساء ورجال محتاجين، قال المصنف: وقيل الأرملة التي فارقها زوجها، قال ابن قتيبة: سميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج، يقال أرمل الرجل: إذا فنى زاده اهـ.
( والمسكين) أي المكتسب لهما ما يمونهما به ( كالمجاهد في سبيل ا) وشبه به لأن القيام على المرأة بما يصلحها ويحفظها ويصونها لا يتصور الدوام عليه إلا مع الصبر العظيم ومجاهدة النفس والشيطان فإنهما يكسلان عن ذلك ويثقلانه ويفسدان النية فيه وربما يدعوان بسبب ذلك إلى السوء ويسؤان له ولذا قل من يدوم على ذلك العمل وقلّ من يسلم منه فإذا حصل ذلك العمل حصلت منه الفوائد: كشف كرب الضعفاء وإبقاء رمقهم وسدّ خلتهم وصون حرمتهم كذا في «المفهم» للقرطبي قال في مسلم ( وأحسبه قال) وفي البخاري في النفقات بدل قوله وأحسبه، أو التي هي للشك، أي أو قال بدل ذلك ( وكالقائم) أي بالتهجد ( الذي) كما في نسخة ( لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر) أي هو كالملازم للعبادة ليلاً ونهاراً في دوام الثواب واستمراره بدوام العمل الصالح ( متفق عليه) رواه البخاري في النفقات وفي الأدب من «صحيحه» ، ومسلم في الأدب، ورواه الترمذي في البر، وقال حسن صحيح غريب، والنسائي في الزكاة وابن ماجه في التجارات، ومداره عندهم على أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة اهـ.
ملخصاً من «الأطراف» للمزي.


رقم الحديث 266 ( وعنه) أي أبي هريرة ( عن النبي قال: شر الطعام) أفعل تفضيل حذفتهمزته تخفيفاً وجاءت ثابتة في حديث عن أنس سئل عن الأكل قائماً فقال: ذلك أشر ( طعام الوليمة) قال في «الصحاح» : هي طعام العرس وسيأتي فيه مزيد ( يمنعها) بالبناء للمفعول ( من يأتيها) للحاجة والفاقة وهم الفقراء وهم الفقراء والمساكين ( ويدعى إليها من يأباها) قال المصنف: معناه الإخبار بما يقع من الناس بعده من مراعاة الأغنياء في الولائم وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم بطيب الطعام ورفع مجالسهم وغير ذلك مما هو الغالب في الولائم ( ومن لم يجب الدعوة) بفتح الدال المهملة، قال ابن السيد في كتاب المثلث الدعوة بالفتح: الدعاء إلى الله تعالى وكذا كل شيء دعوته وكذا الدعوة إلى الطعام، وبالكسر أن ينتسب الرجل إلى غير أبيه وغير أهله: وبالضم زعم قطرب: أنها الدعوة إلى الطعام، ولا أحفظ ذلك من غيره، والذي حكاه اللغويون دعوة بالفتح اهـ.
ملخصاً ( فقد عصى الله ورسوله) والمراد منه الدعوة لوليمة النكاح فإن الإجابة إليها واجبة بالشروط المعروفة في كتب الفقه ( رواه مسلم) .
( وفي رواية في الصحيحين عن أبي هريرة بئس) وهي كلمة لإنشاء الذم وفاعلها إما اسم ظاهر محلى بأل، ومنه قوله: ( الطعام) واختلف فيها هل هي للجنس أو للعهد أو مضاف لما فيه أل نحو بئس منزل الأشرار النار، أو ضمير مبهم مفسر باسم نكرة منصوب على التمييز والمخصوص بالدم هو قوله: ( طعام الوليمة) والوليمة طعام العرس، والذي عند الإملاك نقيعة كذا في «المصباح» .
وفي النجم: الوليمة الطعام المتخذ للعرس، وقال الماوردي إصلاح الطعام واستدعاء الناس لأجله، ولفظها من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان، وهي تقع على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من إملاك وختان وغيرهما لكن استعمالها على الإطلاق في العرس أشهر، وفي غيره بقيد، فيقال وليمة الختان وغيره اهـ.
فظاهر أن ما في الحديث مما أريد بما فيه مطلق الطعام المتخذ لأيّ سرور كان وبين سبب الذم على سبيل الاستئناف البياني بقوله ( يدعى) بالبناء للمفعول ( إليها الأغنياء) نائب الفاعل والظرف قبله لغو متعلق بالفعل ( ويترك الفقراء) أي يمنعون.
في «المصباح» يقال ترك حقه إذا أسقطه اهـ.
فيؤخذ من التعبير به أن لهم الحق في ذلك وأن المانع لهم ساع في إسقاط حقهم.
وفي الحديث أن القربة قد يقترن بها ما يخرجها عن ذلك، وفيه الاحتياط والتحرز عن الموبقات، وفيه مراعاة الفقراء والتلطف بهم، وفيه النهي عن الركون إلى الأغنياء وتعظيمهم لغناهم، فقد ورد «من عظم غنياً لغناه ذهب ثلثا دينه» وذلك لأن أعمال العبادة باللسان والجنان والأركان فهذا استعمل لغرض نفسه ثلثي ما يستعمل في العبادة فأثنى على ذلك بلسانه بالباطل وأكرمه بجوارحه طمعاً فيما عنده وغفله عن أبي الذي ينبغي أن يتوجه إليه العبد على كل حال هو الله الموصوف بأنواع الكمال، قالوا: فإن جمع إلى تعظيمه بلسانه وأركانه تعظيمه بجنانه ذهب جميع دينه والمراد التعظيم المنهى عنه، أما شكره لكونه مظهراً للفيض الرباني فلا منع منه بل هو مأمور به، قال: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» وقال: «من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا فكافئوه بالدعاء» .


رقم الحديث 267 ( وعن أنس) بن مالك ( رضي الله عنه) ناقلاً ( عن النبي قال: من عال جاريتين) أي قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما مأخوذ من العول وهو العون ومنه: «ابدأ بمن تعول» وفي «المصباح» : عال الرجل اليتيم عولاً من باب قال كفله وقام به ( حتى تبلغا) بالفوقية أي تصيرا بالغتين.
قال في «المصباح» : بلغ الصبي بلوغاً من باب قعد: احتلم وأدرك، وقال ابن القطاع: بلغ بلاغاً فهو بالغ والجارية بالغ أيضاً بغير تاء، قال ابن الأنباري يقال جارية بالغ فاستغنوا بذكر الموصوف وبتأنيثه عن تأنيث صفته كما يقال امرأة حامل، قال الأزهري: وكان الشافعي يقول جارية بالغ وسمعت العرب تقوله، وهذا التعليل والتمثيل يفهم أنه لو لم يذكر الموصوف وجب التأنيف دفعاً للبس اهـ.
ثم بلوغها إما بالسن أو بالحيض أو بالاحتلام ويقدر بلوغها قبل الولادة بستة أشهر، قال القرطبي ويعني ببلوغهما وصولهما إلى حال يستقلان بأنفسهما وذلك إنما يكون في النساء إلى أن يدخل بهن أزواجهن فلا يعني به بلوغهما إلى أن تحيض وتكلف إذ قد تتزوج قبل ذلك فتستغني بالزوج عن قيام الكافل، وقد تحيض وهي غير مستقلة بشيء من مصالحها ولو تركت لضاعت وفسدت أحوالها، بل هي في هذه الحالة أحق بالصيانة والحفظ والقائم عليها لتكمل صيانتها فيرغب في تزويجها ولهذا المعنى قال علماؤنا لا تسقط النفقة عن والد الصبية ببلوغها بل بدخول الزوج بها اهـ.
( جاء يوم القيامة) معي وبقربي ( أنا وهو) أي مقرونان فالخبر محذوف وجوباً لدلالة واو المعية عليه وقيامها مقامه، قال ابن مالك في «شرح المشارق» : أنا مبتدأ وهو معطوف عليه وخبره هكذا أي المصرح به في روايته والجملة حال بغير واو أي جاء مصاحباً لي، وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره جاء هو وأنا لأن في جاء ضمير يعود إلى من فكلمة هو تأكيد له وأنا معطوف عليه، وقدم لشرفه ولكونه أصلاً في تلك الخصلة اهـ.
وعلى الأول فالخبر مقدر وهو كهاتين وقد صرح في رواية من حديث أنس وهي عند البخاري وجاءت في حديثه بلفظ «من عال جاريتين حتى يدركا دخلت أنا وهو الجنة كهاتين» قال السيوطي في «الجامع الصغير» أخرجه مسلم والترمذي وبين ذلك المقدر قول الصحابي ( وضم أصابعه) مبيناً لذلك القرب المشار إليه بالمقدر ( رواه مسلم) في كتاب الأدب ثم فسر المصنف ( الجاريتين) المذكورتين في الخبر بقوله ( أي بنتين) ولا يظهر وجه قصر الجاريتين في الخبر على البنتين فإن الجارية في اللغة لا تختص بالبنت، قال في «المصباح» : الجارية السفينة، سميت بذلك لجريها في البحر، ومنه قيل للأمة جارية على التشبيه لجريها مسخرة في أشغال مواليها، والأصل فيها الشابة لخفتها، ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزاً لا تقدر على السعي تسمية بما كانت عليه اهـ.
وأصرح منه ما في «المعرب» للمطرزي الجريّ بوزن الوصي الوكيل لأنه يجري في أمور موكله والجمع أجرياء، ومنه الجارية لأنثى الغلام لخفتها وجريانهم بخلاف العجوز اهـ.
فلا يختص الفضل المذكور في الخبر بالبنتين بل يعمهما وغيرهما.
ففي «مسند الفردوس» للديلمي عن أبي المحبر قال: قال رسول الله: «من عال بنتين أو أختين أو خالتين أو جدتين أو عمتين فهو معي في الجنة كهاتين» الحديث أخرجه أحمد في «المسند» .


رقم الحديث 268 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت) بتسكين التاء وهي الدلالة على تأنيث الفاعل وقوله ( عليّ) بتشديد الياء متعلق به و ( امرأة) فاعل وفي «المصباح» ، الأنثى امرأة، وفيها لغة أخرى مرأة بوزن تمرة، ويجوز نقل حركة الهمزة إلى الراء فتحذف وتبقى مرة بوزن سنة، وربما قيل أمرء بغير هاء اعتماداً على قرينة تدل عن المسمى.
قال الكسائي:سمعت امرأة من فصحاء العرب تقول: أنا امرء أريد الخير، بغير هاء وجمعها نساء ونسوة من غير لفظها اهـ.
وهذه المرأة وبنتاها لم أقف على من عينهن من شرّاح الصحيحين ولا غيرهما.
قال الشيخ زكريا لم تعرف أسماؤهن ( ومعها ابنتان) جملة حالية وتعدد الرابط، وقوله ( لها) في محل الصفة وجملة ( تسأل) مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن قائلاً يقول: ما سبب دخولها بمن معها؟ فقالت: تسأل ( فلم تجد عندي شيئاً) من مطلوبها الذي تعرضت له بالسؤال ( غير تمرة واحدة) أكدت مفهوم الواحدة الدال عليها التاء في تمرة دفعاً لتوهم أنها للتأنيث لا للواحدة و «وواحدة مما انفرد بها مسلم عن البخاري فلم يذكرها في الحديث في كتاب الزكاة ( فأعطيتها) أي المرأة ( إياها) أي التمرة.
قال في «فتح الباري» : فيه مزيد حرص عائشة رضي الله عنها على الصدقة امتثالاً لوصية النبي لها بقوله: «لا يرجع من عندك سائل ولو بشق تمرة» رواه البزار ( فقسمتها) بتخفيف السين: أي الثمرة ( بين ابنتيها ولم تأكل منها) أي التمرة وفي نسخة «شيئاً» وهذا منها محتمل لكونه لداعي الثواب لكونه لذلك ولداعي الطبع أيضاً، فإن طبع الوالد إيثار الولد بذلك، فيؤخذ منه على الاحتمال الأخير حصول الثواب فيه، ويؤيده حديث سعد السابق في باب الإخلاص «وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعل في امرأتك» ( ثم قامت) أي منصرفة ( فخرجت) ولعل حكمة الإتيان بثم في الأول وبالفاء في الثاني أنها كانت راجية حصول شيء غير التمرة فأطالت الجلوس لانتظاره، فلما غلب على ظنها عدم ذلك قامت فعقبت قيامها بخروجها ( فدخل النبي علينا) أي أهل المنزل الشامل لها ولمن عندها من خادم وجليس، فالنون على حقيقتها ويحتمل أن يكون الضمير استعملته في نفسها على انفرادها تعظيماً لكونها من أمهات المؤمنين وزوجات سيد المرسلين لا لذاتها، وقالت بالنظر لذاتها متواضعة كما هو مقتضى عظيم شأنها ومزيد فضلها ( فأخبرته) وحذفت المفعولين الأخيرين لدلالة السياق عليهما ( فقال: من ابتلي) بضم الفوقية مبنى للمجهول أي امتحن واختبر، وسماه ابتلاء لموضع الكراهة لهن ( من هذه البنات) من فيه بيان لقوله ( بشيء) وهو نائب الفاعل: أي بأنفسهن أو أحوالهن.
قال القرطبي: يفيد بعمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدة من البنات، فإذا عال زيادة على الواحدة فيحصل له زيادة على الستر السبق مع النبي إلى الجنة كما في الحديث السابق «من عال جاريتين» إلخ ( فأحسن إليهن) هذه الجملة عند مسلم، وعندالبخاري في كتاب الأدب وليست عنده في كتاب الزكاة، وإحسانه إليهن: صونهن والقيام بمصالحهن والنظر في أصلح الأحوال لهن، فمن فعل ذلك قاصداً به وجه الله تعالى: ( كنّ له ستراً) أي سبب ستر ( من النار) ولم يقل أستاراً لأن المراد الجنس المتناول للقليل والكثير، ولا شك أن من لم يدخل النار دخل الجنة، وقد جاء في الحديث الآخر في المرأة التي قسمت التمرة بين بنتيها «قد أوجب الله لها الجنة وأعاذها من النار» والحديث عند مسلم ( متفق عليه) رواه البخاري في الزكاة والأدب، ورواه مسلم في الأدب، ورواه الترمذي في البرّ والصلة وفي «الجامع الصغير» بعد ذكر المرفوع منه الرمز لمن ذكر وزاد أحمد.


رقم الحديث 269 ( و) روي ( عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة) مأخوذ من السكون: أي ذهاب الحركة وهو بفتح الميم في لغة بني أسد وبكسرها عند غيرهم.
قال ابن السكِّيت: المسكين الذي لا شيء له، والفقير الذي له بلغة من العيش، وكذا قال يونس وجعل الفقير أحسن حالاً من المسكين قال: وسألت أعرابياً أفقير أنت؟ قال: لا وا بل مسكين، وقال الأصمعي: المسكين أحسن حالاً من الفقير، وهو الوجه لأن الله تعالى قال: { أما السفينة فكانت لمساكين} ( الكهف: 79) وكانت تساوي جملة.
وقال في حق الفقراء: { لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} ( البقرة: 273) وقال ابن الأعرابي: المسكين هو الفقير وهو الذي لا شيء له فجعلهما سواء، والمسكين أيضاً الذليل وإن كان غنياً والمرأة مسكينة، والقياس حذف الهاء لأن بناء مفعيل ومفعال في المؤنث لا تلحقه هاء نحو امرأة معطير ومسكان لكنها حملت على فقيرة فدخلت الهاء كذا في «المصباح» ( تحمل ابنتين لها) أي تسأل كما تقدم في الرواية قبلها وحذف لدلالة الحال عليه/ وكذا ظاهر قولها ( فأطعمتها ثلاث تمرات) بفتح الفوقية والميم جمع تمرة بسكونها كسجدة وسجدات ( فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرةلتأكلها) بحق القسمة ( فاستطعمها) وفي نسخة فاستطعمتها وفي نسخة فاستطعمتها بإثبات التاء ( ابنتاها) حذف المفعول الثاني لاستطعم: أي استطعمتها التمرة الثالثة أي طلبتا منها أن تطعمهما إياها ( فشقت التمرة) أي شقين ( التي كانت تريد أن تأكلها) وقولها ( بينهما) متعلق بمحذوف أي وقسمتها ( فأعجبني شأنها) لما فيه من الإيثار على النفس بحظوظها ورحمة الصغار ومزيد الإحسان والرفق بالبنات طلباً لوجه الله تعالى، وفي «مفردات الراغب» : الشأن الحال والأمر الذي يتفق ويصلح ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور اهـ.
( فذكرت التي صنعت) بتاء التأنيث أي الخصلة التي، وفي نسخة «الذي» أي الأمر الذي ( لرسول الله) والإتيان بالفاء الدالة على التعقيب، إما لكونه كان بالمنزل إلا أنه لم ير ذلك أو لدخوله عقب صدور ذلك منها كما جاء كذلك فيما قبله ( فقال: إن الله قد أوجب لها) أي للمرأة ( بها) أي بهذه الفعلة ( الجنة) بفضله لما عندها من الرحمة والشفقة وذلك سبب لحلول الرحمة قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة» ( أو) شك من الراوي، ويحتمل كونها بمعنى الواو ( أعتقها بها من النار) لإعتاقها نفسها من الركون إلى الدنيا والغفلة عن جانب الله بالإيثار للصغار ورحمة لهم ( رواه مسلم) في الأدب من صحيحه.