فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الإِنفاق مِمَّا يحبُّ ومن الجيِّد

رقم الحديث 297 ( وعن أنس) بن مالك ( رضي الله عنه: كان أبو طلحة) زيد بن سهل ( رضي الله عنه أكثر الأنصار) هم أولاد الأوس والخزرج وهو اسم إسلامي، سموا به لنصرهم النبي بالمدينة ( مالاً) تمييز عن نسبة الأكثرية إليه ( من نخل) بيان لمال ( وكان أحب أمواله إليه) يجوز أن يكون مرفوعاً اسم كان وخبرها ( بيرحاء) ويجوز العكس، ويؤيد الأول قوله الآتي: «وإن أحبّ مالي إليّ بيرحاء» ففيه أن مراده بيان الأحب إليه، لا الحكم عليها بأنهاأحبّ إليه، وجاء في ضبط هذا اللفظ أوجه كثيرة ضبطها في «النهاية» فقال: يروى بفتح الباء وبكسرها وفتح الراء وضمها وبالمد والقصر فهذه ثمان لغات، كذا في باب الزكاة على الأقارب من الفتح للحافظ ونازعه تلميذه شيخ الإسلام زكريا بأن الذي في عبارة «النهاية» أنها بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها والمد فيهما وفتحهما والقصر فجملتها خمسة لا ثمانية كما وقع لبعض الشراح، وكأنه تصرف في عبارة «النهاية» اهـ.
قال الحافظ: وفي رواية حماد بن سلمة «بريحاء» بفتح أوله وكسر الراء وتقديمها على التحتية، وفي «سنن أبي داود» «بأريحا» مثله لكن بزيادة ألف، وقال الباجي: أفصحها بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء مقصوراً وكذا جزم به الصاغاني وقال: إنه فيعلا من البراح، قال: ومن ذكره بكسر الموحدة فظن أنها بئر من آبار المدينة فقد صحف.
وقال القاضي عياض: رواية المغاربة إعراب الراء والقصر في حاء، وخطأ هذا الصوري، وقال الباجي: أدركت أهل العلم ومنهم أبو ذر يفتحون الراء في كل حال، زاد الصوري وكذا الباء: أي أوله فانتهى الخلاف في النطق بها إلى عشرة أوجه.
واختلف في «حاء» هل هي اسم رجل أو امرأة أو مكان أضيفت إليه، أو هي كلمة للإبل، فكأن الإبل كانت ترعى هناك وتزجر بهذه اللفظة فأضيفت البير إلى اللفظ المذكور ( وكانت مستقبلة) بكسر الموحدة ( المسجد) النبوي ( وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها) أي الحديقة المذكورة ( ويشرب من ماء فيها طيب) أي عذب.
ففيه جواز دخول أهل الفضل للحوائط والبساتين والاستظلال بظلها والأكل من ثمرها والراحة والتنزّه، وقد يكون ذلك مستحسناً ليترتب عليه الأجر إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة وتنشيطها في الطاعة ( قال: أنس) أعاد الراوي ذكره لطول الكلام وهذه عادة العرب في محاوراتها ( فلما نزلت هذه الآية) وبينها بقوله: ( لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة قاصداً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن الله سبحانه وتعالى يقول: ( لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون) وهذا من أبي طلحة من باب لازم فائدة الخبر ( وإن أحبّ مالي إليّ بيرحاء وإنها) لكونها أحبّ إليّ وقد وقف حصول البرّ على الإنفاقمن المحبوب ( صدقة تعالى) أي وقفا على المتصدق بها عليه، ويحتمل صدقة التمليك وهو ظاهر سياق الماجشون عن إسحاق حيث قال: فجعلها أبو طلحة في ذوي رحمه، قاله الحافظ ( أرجو برّها) أي خيرها ( وذخرها) بضم الذال المعجمة وبالخاء الساكنة المعجمة هو ما يعد لوقت الحاجة إليه كما في «المصباح» : أي انتفاعي بها وقت حاجتي إليها وهو يوم القيامة وسائر أوقات الشدائد، وفسره الشيخ زكريا بقوله أي أجرها ( عند الله تعالى) ظرف تنازعه ما قبله ( فضعها يا رسول الله حيث أراك ا) تفويض منه إليه في تعيين مصرفها لا في وقفيتها ( فقال رسول الله: بخ) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وقد تنون مع التثقيل والتخفيف بالكسر والرفع: كلمة تقال لتفخيم الأمر والإعجاب به ( ذلك) أي المتصدق به ( مال رابح) بالمثناة التحتية بعد الألف أو بالموحدة بعدها كما سيأتي.
قال الحافظ: في الحديث فضيلة لأبي طلحة لأن الآية تضمنت الحثّ على الإنفاق من المحبوب، فترقى هو إلى إنفاق أحبّ المحبوب، فصوب رأيه، وشكر عن ربه فعله، وكنى عن ذلك بقوله: بخ إلخ.
قال البيضاوي في «التفسير» : وهذا يدل على أن إنفاق أحبّ الأموال على أقرب الأقارب أفضل وإن الآية تعم الإنفاق الواجب والمستحب اهـ.
( وقد سمعت ما قلت) إن كانت ما مصدرية فلا خلاف، وإن كانت موصولة فالعائد محذوف: أي قلته، ثم أمره أن يخص بها أهله بقوله ( وإني أرى) من الرأي في الأمر، والجملة معطوفة على قوله وقد سمعت ( أن تجعلها) صدقة ( في الأقربين) أي لك ( فقال أبو طلحة أفعل) بضم اللام على أن الضمير المستتر فيه لأبي طلحة ( يا رسول الله فقسمها أبو طلحة) فيه تعيين أحد الاحتمالين في رواية غيره حيث وقع فيها أفعل فقسمها فإنه احتمل الأول، واحتمل أن يكون أفعل صيغة أمر وفاعل قسمها النبي فانتفى الاحتمال الثاني بهذه الرواية، وذكر الحافظ ابن عبد البرّ أن إسماعيل القاضي رواه من القعنبي عن مالك فقال في روايته: فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقاربه وبني عمه» قال وقوله أقاربه: أي أقارب أبي طلحة قال ابن عبد البرّ إضافة القسم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان شائعاً في «لسان العرب» على معنى أنه الآمر به لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك، والصواب رواية من قال: فقسمها أبو طلحة ( فيأقاربه وبني عمه) من عطف الخاص على العام، وجاء في أحاديث تبيين الأقارب وأوضحها ما في «مراسيل أبي بكر» بن حزم: فرده على أقاربه أُبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه وابن أخيه شداد بن أوس ونبيط بن جابر فنقاوموه، فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم، وهذا موافق للاحتمال السابق من كون ذلك تمليكاً للأقارب ( متفق عليه) رواه البخاري في الزكاة وفي الوصايا وفي الوكالة وفي «التفسير» ، ورواه مسلم في الزكاة، ورواه النسائي في «التفسير» ( قوله: رابح) مرويّ ( في الصحيحين رابح ورائح بالباء الموحدة والياء المثناة) لفّ ونشر مرتب أو مشوش.
قال المصنف: قال القاضي عياض: روايتنا فيه في كتاب مسلم بالموحدة اهـ.
وأما البخاري فرواه بالوجهين ثم معناه بالموحدة واضح من الربح: أي ذو ربح.
وقيل هو فاعل بمعنى مفعول: أي مربوح فيه، وأما بالتحتية فمعناه رايح عليك أجره وبمعناه قول المصنف ( أي رائح عليه) وفي نسخة ( عليك نفعه) ولا يخفى ما فيه من إبهام أنه معناه على الوجهين وليس كذلك، وقد عبر به في «شرح مسلم» على الصواب فقال: أما بالموحدة فمعناه ظاهر، وأما بالمثناة فمعناه رايح عليك أجره ونفعه في الآخر اهـ.
قال ابن بطال: والمعنى أن مسافته قريبة وذلك أنفس الأموال وقيل معناه يروح بالأجر ويغدو به اهـ.
واكتفى بالرواح عن الغدو، وادعى الإسماعيلي أن من رواه بالتحتية فقد صحف اهـ.
ملخصاً من «الفتح» ، وقيل إنما عبر به، لأن المراد أنه مال من شأنه الرواح وهو الذهاب والفوات فإذا ذهب في الخير فهو أولى ( وبيرحاء حديقة نخل) وليس اسم بئر ( وروي بكسر الباء وفتحها) أي مع فتح الراء وضمها والمد والقصر كما تقدم عن الحافظ بما فيه، قال المصنف: في هذا الحديث من الفوائد: أن النفقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين، وفيه أن القرابة يراعى حقها في الصلة وإن لم يجتمعوا إلا في أب بعيد، لأن النبي أمر أبا طلحة أن يجعل ذلك في الأقربين فجعلها في أُبيّ بن كعب وحسان بن ثابت، وإنما يجتمعان في الجد السابع اهـ.


رقم الحديث -38 أي من محبوبه طبعاً فما مصدرية أو من الذي، أو من شيء يحبه، فما موصول اسمي أو نكرة موصوفة والعائد محذوف عليهما ( ومن الجيد) عادة، أو من الجيد بالنسبة للمدفوع إليه المحبوب عنده.
( قال الله تعالى) : ( { لن تنالوا البر} ) أي لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير، أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضى والجنة ( { حتى تنفقوا مما تحبون} ) أي من المال أو مما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الإخوان والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيله، ومن للتبعيض أو للابتداء، ويؤيد الأول أنه قرىء بعض في مكان من.
( وقال تعالى) : ( { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} ) من حلاله أو من خياره ( { ومما أخرجنا لكم من الأرض} ) أي ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الحبوب والتمر والمعادن فحذف المضاف لتقدم ذكره، وفي الإملاء الحسن: أظن والله أعلم أن أفضل ما يتصدق به الشخص ما كان من كسب يده، وقد كان يذهب الواحد من الصحابة رضي الله عنهم يكتسب بنحو عمل ثم يتصدق به أو منه ( ولا تيمموا الخبيث) ولا تقصدوا الردىء ( منه) أي من المذكور أو مما أخرجنا، وتخصيصه بذلك لأن التفاوت فيه أكثر ( تنفقون) حال مقدرة من فاعل تيمموا، ويجوز أن يتعلق منه به ويكون الضمير للخبيث والجملة حالاً منه.
قال بعضهم من تصدق بنفيس فاز بنفيس - { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} .