فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار عَلَى القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات

رقم الحديث 491 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد) المراد منهم هنا أهل بيته من أزواجه وخدمه الذين كان يمونهم ( من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض) أي توفي، وهذا لإعراضه عن الدنيا وزهده فيها، ولم يضطره مولاه سبحانه لذلك، بل عرض عليه جبال مكة وبطحاءها تسير معه ذهباً أينما سار كما تقدم في الباب قبله، فاختار ذلك إعلاماً بحقارة الدنيا وأنها ليست بحيث ينظر إليها تحريضاً لأمته على الزهد فيها والإعراض عما زاد على الحاجة، منها ولا منافاة كا قال المصنف في «شرح مسلم» بين حديث الباب وحديث أنه كان يدخر قوت عياله سنة لأنه كان يفعل ذلك أواخر حياته، لكن تعرض عليه حوائج المحتاجين فيخرجه فيها، فصدق أنه ادخر قوت سنة وأنهم لم يشبعوا كما ذكر لأنه لم يبق عندهم ما ادخره لهم ( متفق عليه) .......
( وفي رواية) هي للبخاري في كتاب الأطعمة والرقاق من «صححيه» ، ولمسلم في أواخر الكتاب، ورواها النسائي وابن ماجه من طريق منصور بن المعتمر عن الأسود عن عائشة، وأما اللفظ الذي قال المصنف إنه متفق عليه فقضية كلام المزي أنه انفرد به مسلم عن البخاري وعبارته بعد ذكره من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن خالد عن الأسود عن عائشة رواه مسلم في آخر الكتاب والترمذي في الزهد وقال: حسن صحيح، وفي «الشمائل» والنسائي في الأطعمة، ثم أشار المزي إلى وهم جمع من المحدثين توهموا أنهما من طريق واحد وليس كذلك، وكأن مراد المصنف بقوله فيما تقدم متفق عليه: أي من حيث المعنى لا بخصوص المبنى ( ما شبع آل محمد منذ) بضم الذال: أي من حين ( قدم المدينة) خرج ما كانوا قبل الهجرة ( من طعام بر) بضم الموحدة وتشديد الراء، قال في «المصباح» : هو القمح، الواحدة برة خرج ما عداه من باقي المأكولات ( ثلاث ليال) أي بأيامها ( تباعاً) بكسر المثناة الفوقية أي متتابعة يخرج المتفرقة ( حتى قبض) أشار إلى استمراره على ذلك مدة إقامته بالمدينة، وهي عشر سنين، وزاد ابن سعد في رواية له وما رفع عن مائدته كسرة خبز فضلاً حتى قبض» ووقع في رواية بلفظ «ماشبع من خبز بأدم» أخرجه مسلم، وعند ابن سعد عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت عليه أربعة أشهر ما شبع من خبز البرّ، وفي حديث أبي هريرة نحو حديث الباب «ما شبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام تباعاً من خبز الحنطة حتى فارق الدنيا» أخرجه البخاري في الأطعمة وأخرجه مسلم أيضاً بنحوه.......


رقم الحديث 492 ( وعن عروة) بضم المهملة الأولى وسكون الثانية ابن الزبير ( عن) خالته ( عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول وا يا ابن أختي إن) بكسر الهمزة وسكون النون مخففة من الثقيلة أي إنا ( كنا) واللام في ( لتنظر) هي الفارقة بينها وبين إن النافية ( إلى الهلال) قال في «المصباح» : الأكثر أنه القمر في حالة مخصوصة، ويسمى القمر لليلتين من أول الشهر هلالاً، وفي ليلة ستّ وعشرين وسبع وعشرين أيضاً هلالاً، وما بين ذلك يسمى قمراً.
وقال الفارابي وتبعه الجوهري: الهلال لثلاث ليال من أول الشهر ثم هو قمر بعد ذلك، وقيل الهلال هو الشهر بعينه والجمع أهلة كسنان وأسنة اهـ.
وفي كتاب «إشارات المحتاج إلى لغات المنهاج» لابن النحوي: الهلال معروف سمي به لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه.
قال السهروردي في «شرح ألفاظ المصابيح» : وحكى صاحب «المهذب» خلافاً فيما يخرج به عن تسميته هلالاً، ويسمى قمراً فقيل إذا استدار، وقيل إذا بهر ضوؤه اهـ.
وظاهر أن المراد هنا بالهلال هو في أول ليلة الشهر ( ثم) أتت بها لبعد ما بين كل من الهلالين ولا ينافيه قوله تعالى: { أياماً معدودات} ( البقرة: 184) لأن ذلك لئلا ينفروا عن الانقياد للصوم لو سمعوه بلفظ الشهر أو الثلاثين ( الهلال ثم الهلال) بالجر فيهما عطفاً على ما قبلهما، ويجوز نصبه بإضمار: ثم نرى، ويكون ثم لعطف الجبل، وقولها ( ثلاثة أهلة في شهرين) يجوز أن يقرأ بالرفع مبتدأ خبره متعلق الظرف أو خبر لمحذوف: أي هي ثلاثة أهلة والظرف في محل الحال.
قال في «الفتح» : المراد بالهلال الثالث هلال الشهر، وهو ير عند انقضاء الشهر وبرؤيته يدخل أول الشهر الثالث ( قلت: يا خالة) يجوز فيه الضم على أنه منادى مفرد والكسر والفتح على أن مضاف لياء المتكلم حذفت منه واكتفى بدلالة الكسرة عليها على الأول أو بعد إبدالها ألفاً واكتفى بدلالة الفتحة عليها على الأخير ( فما كان يعيشكم) بضم التحتية وفي بعض نسخ البخاري ما...... يغنيكم بسكون المعجمة بعدها نون فتحتية ساكنة ( قالت الأسودان التمروالماء) قال الصغاني: أطلق الأسودان على التمر والماء والسواد للتمر دون الماء، فنعتا بنعت واحد تغليباً، وإذا اقترن الشيئان سميا باسم أشهرهما.
وعن أبي زيد: الماء يسمى الأسود أيضاً، واستشهد له بشعر نظر فيه الحافظ في «الفتح» .
قال: ووصف التمر بالأسود لأنه غالب تمر المدينة.
وزعم صاحب المحكم وتبعه بعض المتأخرين من شراح البخاري أن تفسير الأسودين بالتمر والماء مدرج، وإنما أرادت الحرة والليل، واستدل له بما رده عليه الحافظ في أوائل كتاب الهبة من «فتح الباري» ، وقد يقع للخفة والشرف كالعمرين لأبي بكر وعمر، والقمرين للشمس والقمر ( إلا أنه كان للنبيّ جيران من الأنصار) زاد أبو هريرة في حديثه «جزاهم الله خيراً» والاستثناء منقطع، والجملة المستثناة في محل نصب على الاستثناء كما نبه عليه في «مغنى اللبيب» وزادها على حصر الجمل المعربة المحل في سبع.
والجيران: جمع جار وهو المجاور في السكن، وللجار معان أخر.
حكى ثعلب عن ابن الأعرابي: الجار الذي يجاورك بيتاً ببيت، والجار الشريك في العقار مقاسماً كان أو غير مقاسم، والجار الخفير الذي يجير غيره: أي يؤمنه مما يخاف، والجار المستجير أيضاً وهو الذي يطلب الأمان، والجار الحليف، والجار الناصر، والجار الزوج، والجار أيضاً الزوجة ويقال فيها أيضاً جارة، والجارة الضرة قيل لها جارة استكراهاً للفظ الضرة اهـ.
من «المصباح» .
والأنصار: اسم إسلامي علم بالغلبة على أولاد الأوس والخزرج كما تقدم ( وكانت لهم منايح) جمع منيحة بنون وحاء مهملة اسم من المنحة بكسر الميم وهي الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلاً يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع لبنها كذا في «المصباح» ، والجملة معطوفة على خبر إن، ويصح أن تكون في محل الحال بإضمار قد ( فكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها) يحتمل كون «من» للتبعيض ويحتمل كونها...... للتبيين لمقدر شيئاً هو ألبانها، والثاني أنسب لكونها منيحة كما علم من معناها لغة ( فيسقينا) يجوز ضم التحتية وفتحها مزيد ومجرد من السقي قال ابن أقبرس في «شرح الشفاء» : إن قلت: كتم هذا الخبر مما يدل عليه صحيح الأثر لما فيه من إيهام الشكوى وإفشاء ما يستحب ستره من العبادات قلت: هو من مثلها على طريق الإرشاد إذ لا يليق كتم أفعال المشرع لأنهعلم الهدى وإمام الاقتداء اهـ.
( متفق عليه) أخرجه البخاري في الهبة ومسلم في آخر الكتاب.......


رقم الحديث 493 ( وعن سعيد) بن أبي سعيد كيسان ( المقبري) قال السيوطي في «لبّ اللباب» في الأنساب بفتح الميم وسكون القاف وضم الموحدة، وكأنه اقتصر عليه لكونه أفصح، وإلا فقد ذكر غير واحد منهم المصنف في «شرح مسلم» والشيخ محمد طاهر في «المغنى» جواز الفتح للموحدة والكسر نسبة إلى مواضع القبور.
قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» : يكنى أبا سعيد مدني ثقة من كبار التابعين، تغير قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة روى عنه الستة ( عن أبي هريرة رضي الله عنه) أي عن قصته ( أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه فأبى أن يأكل) ورأى أنه من الترفهات وشأن المحب أن يتبع آثار محبوبه ويأتم بها فلذا امتنع ( وقال) موضحاً لسبب إيائه ( خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا) أي توفي ( ولم يشبع من خبز الشعير) لا ينافى ما سيأتي في حديث أبي الهيثم، فلما أن شبعوا لأن الشبع ثم لم يكن من خبز الشعير بل كان من التمر واللحم، أو لأن المنفي الشبع التام الذي لا يبقى معه مساغ لتناول غيره كما هو شأن الشره المهتم ببطنه، والمثبت أصل الشبع أو المنفى الشبع لحظ نفسه، والمثبت أنه يشبع لحظ غيره كأن ينزل به ضيف فيشبع لأكله مؤانسة له أو ينزل ضيفاً بغيره فيشبع ليقرّ عين ربّ المنزل بذلك ويكرمه به لا لحاجته إلى الطعام ( رواه البخاري) في الأطعمة من «صحيحه» ( مصلية بفتح الميم) اسم مفعول من صليت اللحم أصلية: أي شويته ( أي مشوية) .......


رقم الحديث 494 ( وعن أنس) بن مالك ( رضي الله عنه قال: لم يأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خوان) بكسر الخاء المعجمة ويجوز ضمها وهي المائدة ما لم يكن عليها طعام، وهو معرب يعتاد بعض المتكبرين والمترفهين الأكل عليه احترازاً من خفض رؤوسهم فهي بدعة لكنها جائزة( حتى مات وما أكل خبراً مرققاً) أي محسناً مليناً كخبز الحوّاري وشبهه، والترقيق التليين، وقد يراد بالمرقق الموسع، قاله القاضي عياض، وجزم به ابن الأثير فقال: وهو السميد وما يصنع به من كعك ونحوه، كذا في «أشرف الوسائل» والذي في «النهاية» المرقق هو الأرغفة الواسعة الرقيقة، يقال رقيق ورقاق كطويل وطوال اهـ.
وقال ابن الجوزي: هو الخفيف كأنه أخذه من الرقاق وهي الخشبة التي يرقق بها وهو قريب من كلام «النهاية» : وظاهر قوله ( حتى مات) أنه لم يأكل ذلك قبل البعثة ولا بعدها سواء خبز له أو لغيره، ويؤيده رواية البخاري عن أنس الآتية بعده ( رواه البخاري) في الأطعمة ورواه مسلم أيضاً كما في «الأطراف» .
( وفي رواية له) أي البخاري في الرقاق من «صحيحه» عن أنس قال: «فما أعلم النبي رأى رغيفاً مرققاً حتى لحق با» ( ولا رأى شاة سميطاً بعينه قط) السميط: هو ما أزيل شعره بماء سخن وشوي بجلده، وإنما يفعل ذلك بصغير السن وهو من فعل المترفهين.
قال ابن الأثير: ولعله يعني أنه لم ير السميط في مأكوله، إذ لو كان غير معهود لم يكن في ذلك تمدح وقط بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة، ظرف لما مضى من الزمان: أي لم يره في شيء من أزمنته.......


رقم الحديث 495 ( وعن النعمان) بضم النون وسكون المهملة ( ابن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وسكون التحتية بعدها راء تقدمت ترجمته وهو صحابي ابن صحابي ( رضي الله عنهما قال: لقد) هذه اللام مثلها في قوله تعالى: { ولقد علمتم} ( البقرة: 65) قال أبو حيان: ي لام الابتداء مفيدة لمعنى التوكيد، ويجوز أن يكون قبلها قسم مقدر وألا يكون.
وقال ابن الحاجب في «الأمالي» : لام الابتداء يجب أن يكون معها المبتدأ، وقال الزمخشري في { ولسوف يعطيك ربك} ( الضحى: 5) لام الابتداء لا تدخل إلا على مبتدأ وخبر، وقال في { لا أقسم} لام ابتداء دخلت على مبتدأ محذوف ولم يقدرها لام قسم لأنها عنده ملازمة للنون، وكذا زعم في ولسوف أن التقدير ولأنت سوف.
وقال ابن الحاجب: هي لام التأكيد اهـ.
( رأيت نبيكم) الظاهر أن الرؤية فيه بصرية وجملة ( وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه) في محل الحال، وقيل إنها علمية والجملة مفعول ثان دخلتها الواو إلحاقاً لها بخبر كان على رأي الأخفش، وإضافة النبيّ إلى المخاطبين ليحثهم على الاقتداء به والإعراض عن الدنيا ما أمكن، فلذا لم يقل نبييّ ونبيكم، وقتل خالد مالك بن نويرة لما قال له كان صاحبكم يقول كذا فقال صاحبنا ولي بصاحبك فقتله ليس لمجرد هذه اللفظة بل لما بلغه من ارتداده وتأكد عنده ذلك بما أباح له به الإقدام على قتله ( رواه مسلم) في آخر «صحيحه» ، ورواه الترمذي في الزهد من «جامعه» وقال صحيح وفي الشمائل، ورواه أبو عوانة وغيره وهو طرف حديث أوله «ألستم في طعام وشراب ما شئتم لقد رأيت» الخ ( الدقل) بفتح الدال المهملة والقاف ( تمر رديء) وفي «النهاية» هو رديء التمر ويابسه، وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً اهـ.
وفي «المصباح» الدقل أردأ التمر وقد تقدم الحديث مع الكلام عليه في الباب قبله.......


رقم الحديث 496 ( وعن سهل بن سعد) الساعدي ( رضي الله عنه قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي) أي الخالص من النخالة ونفى رؤيته مبالغة في نفي أكله ( من حين ابتعثه ا) أي نبأه وبعثه، والتاء فيه للمبالغة في تحمل أعباء الرسالة لثقلها ( حتى قبضه ا) أي توفاه سبحانه ونقله إلى دار كرامته ( فقيل له هل كان لكم في عهد) أي زمن ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل) جمع منخل بضم أوله وثالثه المعجم وسكون النون بينهما، وهو أحد ما خرج عن قياس بناء اسم الآلة لأن قياسه الكسر وجمعه باعتبار جمع المخاطبين ( قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منخلاً من حين) بالفتح على الأفصح لإضافته جملة ( ابتعثه الله تعالى) وهي مبنية الصدر وقال بعض المحققين: أظنه احترز بهذا عما قبل البعثة لكونه سافر تلك المدة إلى الشام تاجراً، وكانت الشام إذ ذاك مع الروم،والخبز النقي عندهم كثير، وكذا المناخل وغيرها من آلات الترفه لا ريب أنها كانت عندهم ( حتى قبضه) بفتح الموحدة أي توفاه ( اإليه فقيل له) لم أقف على تعيين القائل ( كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول) بالنصب على الحال ووجه التعجب من ذلك كثرة نخالته فربما نشب في الحلق ( قال: كنا نطحنه وننفخه) أي المطحون الدال عليه نطحنه ( فيطير ما طار) من نخالته ( وما بقي) بكسر القاف: أي فضل من النخالة في الدقيق بعد نفخه ( ثريناه.
رواه البخاري)
في الأطعمة والرقاق من «صحيحه» والنسائي ( قوله النقي هو بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء) ولم يحتج إلى تقييد بالتحتية المأتي به للاحتراز عن الفوقية لأن الصورة الخطية هنا دالة على التعيين ( وهو الخبز الحوّاري) بضم المهملة وتشديد الواو وبالراء ثم ألف من الحور: البياض فهو الخبز الأبيض كما قال ( وهو الدرمك) بفتح الدال وسكون المهملة.
قال في «الصحاح» : هو دقيق الحواري اهـ.
وبه يعلم أن في كلام المصنف مضافاً مقدراً: أي خبز الدرمك ( قوله ثريناه هو بثاء مثلثة ثم...... راء مشددة) مفتوحتين ( ثم ياء مثناة من تحت) ساكنة ( ثم نون) الأوضح ثم بالنون لأن ما ذكره يوهم أنها نون النسوة ( أي بللناه) بفتح أوليه الموحدة فاللام المخففة كما في «المصباح» ، قاله بللته بالماء بلا فابتل ويجمع البل على بلال مثل سهم وسهام والاسم البلل بفتحتين، وقيل البلال ما يبل به الحلق من ماء ولبن، وبه سمى الرجل اهـ.
( وعجناه) أي فيلين ما يبقى من نخالته فلا ينشب في الحلق.


رقم الحديث 497 (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم) أي في الحقيقة التي هي اليوم وأتى بذات دفعاً لتوهم أن المراد به مطلق الزمان (أو) شك من الراوي (ليلة) بالإضافة والمضاف لفظ ذات (فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما) أيففاجأ خروجه رؤيتهما، وهو مبتدأ والظرف بعده خبر (فقال، ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟) أي التي لم تجر العادة بالخروج فيها لأنها ليست وقت صلاة ولا ما يجتمع له من كسوف أو نحوه من الحوادث (قالا: الجوع) يجوز أن يعرب مبتدأ خبره جملة محذوفة دل عليها السؤال: أي أخرجنا ويجوز إعرابه فاعلاً لأخرجنا مقدراً وأيهما أولى يبني على الخلاف في أي المرفوعات أصل المبتدأ أو الفاعل أو هما في مرتبة واحدة فعل الأول يعرب مبتدأ وعلى الثاني فاعلاً وعلى الثالث يخير (قال) (وأنا) الواو فيه للاستئناف ثم في رواية صاحب «الشمائل» وغيره الغابة «قال أبو بكر: خرجت للقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنظر في وجهه والسلام عليه فلم يلبث أن جاء عمر فقال: ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسولالله، قال رسول الله: قد وجدت بعض ذلك» فيحتمل أن الصديق كان قال كلا من المقاتلين وإنما اكتفى بلقي المصطفى والنظر إليه والسلام عليه لأن بذلك يحصل كمال القوى فيذهل عن ألم الجوع كما قال في وصاله في صومه «إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني» على أحد الأقوال فيه (والذي نفسي بيده) أي بقدرته فيه ندب...... القسم لتأكيد الأمر عند السامع والحلف من غير استحلاف (لأخرجني الذي أخرجكما) وعند الترمذي في «شمائله» «وأنا وجدت بعض ذلك» أي الجوع.
قال في «أشرف الوسائل» : فيحتمل أنه جمع بين المقالتين وفي عقد التقي الفاسي عن جده قال: سمعت الإمام محمداً المرجاني يقول قوله الذي أخرجكما لفظ مبهم ظاهره الجوع، والمراد والله أعلم هوالله، إذ هو الذي أخرجه حقيقة فعبر بلفظ الذي الصادق على السبب وعلى المسبب ليشاركهم في ظاهر الحال دفعاً للوحشة الواقعة في ذكر الجوع.
قلت: وهذا من معالي الأخلاق وكريم الشيم وهو من معنى قوله تعالى: { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} (الشعراء: 215) اهـ.
كلامه.
قلت: وهذا يسميه البديعيون بالتوجيه، ومنه قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه في خياط أعور: خاط لي عمرو قباء ليت عينيه سواء...... فإنه محتمل للدعاء له والدعاء عليه (قوموا فقاموا) أي على الفور كما تؤذن الفاءوانصرفوا (معه فأتى رجلاً من الأنصار) يأتي تعيينه في الأصل بما فيه (فإذا هو ليس في بيته) أي ففاجأ مجيئهم فقدانه من البيت، وهو مبتدأ والجملة بعده في محل الخبر (فلما رأته) أي أبصرته (المرأة) فيؤخذ منه جواز نظر الأجانب إليه كما يجوز نظره للأجانب منهن وأنه معهم كالمحارم في جواز الخلوة والنظر، ويحتمل أن تكون الرؤية علمية والمفعول الثاني محذوف لدلالة المقام عليه: أي مقبلاً، والمرأة بوزن التمرة ويجوز نقل حركة هذه الهمزة إلى الراء فتحذف وتبقى مرة بوزن سنة، ويقال فيها امرأة كما يقال مرأة وربما قيل امرأ بغير هاء اعتماداً على قرينة تدل على المسمى.
قال الكسائي: سمعت امرأة من فصحاء العرب تقول أنا امرأ أريد الخير وجمع امرأة نساء ونسوة من غير لفظها كذا في «المصباح» ولم أقف على اسمها (قالت مرحباً) أي وجدت منزلاً رحباً: أي واسعاً فانزل (وأهلا) أي وصادفت أهلاً فأنس كذا في هذه الرواية، وفي رواية أنهم كرروا السلام ولم يجبهم حتى هم بالانصراف، ثم أجابت واعتذرت بأنها أرادت كثرة دعائه وتكريره لها ولصاحب منزلها فلعلها قالت ما ذكر قولاً نفسياً ثم أخبرت عنه والله أعلم (فقال لها رسول الله: أين فلان؟) قال المصنف في «التهذيب» : قال ابن السراج: كناية عن اسم يسمى به المحدث عنه خاص غالب اهـ.
وتقدم هذا المعنى بزيادة في باب الصبر وزاد «تفسيري البيضاوي والكشاف» قولهما كما أن هذا كناية عن الأجناس (قالت: ذهب يستعذب لنا الماء) يؤخذ منه أن استعذاب الماء لا ينافي شأن الصحابة من الإعراض عن زهرات الدنيا ومستلذاتها (إذ جاء الأنصاري) يحتمل أن تكون للمفاجأة بناء على مجيئها لذلك كما قال به جمع وإن نوزعوا فيه بما بينته أول رسالتي «إنباه النائم من سنة نومه» ببعض فوائد قوله تعالى: { وإذ استسقى موسى لقومه} (البقرة: 6) (فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه...... وسلم وصاحبيه) أي وقع النظر إليهم عقب مجيئه وهذا يحتمل أن يكون اتفاقاً، ويحتمل أن يكون لما حل عليه من الإشراق والتجلي الرباني ولم يدر سببه من نفسه، فنظر ليرى سببه من الخارج فرأى مشكاة أنوار المصطفى المختار ومعه صاحباه رضوان الله عليهما (ثم قال) أي بعد أن رحب وأظهر كمال الفرح الكامن فيه الكائن عنده بحلول المصطفى في منزله وأتى بما يدل على ذلك (الحمد) أي هذه نعمة يجب شكر المنعم بها شرعاً ليدوم نفعها، وقوله (ما أحد اليومأكرم أضيافاً مني) جملة مستأنفة ليبين الحامل له على الحمد والداعي إليه، وفيه دليل كمال فضيلته وبلاغته وعظم معرفته لأنه أتى بكلام بديع مختصر في هذا الموطن، وما حجازية وأكرم خبره واليوم ظرف للنفي المدلول عليه بما: أي انتفى وجدان أحد اليوم أكرم، من الكرم وهو الجود والخيار ومنه حديث «إياك وكرائم أموالهم» وأضيافاً منصوب على التمييز ومني متعلق بأكرم (فانطلق) أي من محل رؤيته من حائطه عقب قول ما ذكر (فجاءهم بعذف) وجاء عند الترمذي بدله «بفنو» وهو بكسر القاف وسكون النون: العذق الغصن من النخل (فيه بسر) هو المتلون من ثمر النخل.......
قال المصنف في «التهذيب» : قال الجوهري: البسر أوله طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر، الواحدة بسرة والجمع بسرات وبسر وأبسر النخل صار ما عليه بسراً اهـ (وتمر) بفتح الفوقية وسكون الميم.
قال في «المصباح» هو تمر النخل كالزبيب من العنب، وهو اليابس بإجماع أهل اللغة لأنه يترك على النخل بعد إرطابه حتى يجف أو يقارب ثم يقطع ويترك في الشمس حتى ييبس، الواحدة تمرة والجمع تمور وتمران بالضم والتمر يذكر ويؤنث في لغة فيقال: هو التمر وهي التمر اهـ (ورطب) بضم ففتح قال في «المصباح» : الرطب تمر النخل إذا أدرج ونضج قبل أن يجف والجمع رطاب مثل كلبة وكلاب (فقال: كلوا) زاد الترمذي في «الشمائل» : فقال النبيّ: «أفلا تنقيت» ؟ فقال: يا رسول الله: إني أردت أن تختاروا من رطبه وبسره فأكلوا وشربوا، (وأخذ المدية) بسكون الدال المهملة (فقال له رسول الله: «إياك والحلوب» أصله احذر تلاقي نفسك والحلوب العامل وجوباً وفاعله، ثم المضاف الأول وأنيب عنه الثاني فانتصب، ثم الثاني وأنيب عنه الثالث، فانتصب وانفصل لتعذر اتصاله، قاله ابن هشام في «التوضيح» في نحوه وإنما نهى عن ذبحها شفقة على أهله بانتفاعهم بلبنها مع حصول المقصود بغيرها فهو نهي إرشاد لا كراهة في مخالفته لزيادة أكرام الضيف وإن أسقط حقه (فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق) أتى بمن التعيضية إشعاراً بالإعراض عن الدنيا مع تمام الداعية ومزيد الحاجة (وشربوا) أي من الماء العذب (فلما أن شبعوا ورووا) بضم الواو التي هي عين الفعل والأصل رويوا بوزن علموا (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكروعمر رضي الله عنهما: «والذي نفسي بيده» ) أي قبض روحي بقدرته (لتسألن) بضم اللام والفعل مبني للمجهول ونائب الفاعل واو الجماعة فحذف لالتقاء الساكنين (عن هذا النعيم يوم القيامة) ثم قال مبيناً وجه السؤال المذكور على وجه الاستئناف البياني (أخرجكم من بيوتكم) بضم الموحدة وتكسر...... اتباعاً لحركة الياء (الجوع) ونسبة الإخراج إليه مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب، وإلا فالمخرج لهم من منازلهم هو الله تعالى (ثم لم ترجعوا) بالبناء للفاعل ويجوز بناؤه للمجهول إن لم تصد عنه رواية (حتى أصابكم هذا النعيم) وهو الطعام والشراب (رواه مسلم) في أواخر «صحيحه» ، ورواه الترمذي في «جامعه» و «شمائله» ، وقال في «جامعه» في باب الاستئذان: رواه غير واحد عن شيبان، وشيبان صاحب كتاب وهو صحيح الحديث، وقال في الزهد منه وقد رواه من طريق شيبان أيضاً: حسن غريب، ورواه فيه من طريق أخرى ثم، وشيبان ثقة عندهم صاحب كتاب وهو صحيح الحديث، ورواه النسائي في الوليمة وابن ماجه في الأدب.......
(وقولها: يستعذب) ، أي يطلب الماء العذب فالسين فيه للطلب، وهو أحد معاني استفعل كما ذكرته في رسالتي «إنباه النائم في سنة نومه» وفي «الصحاح» استعذب لنا الماء استقى لنا ماء عذباً واستعذب الماء سقاه عذباً اهـ.
وبه يعلم أن الفرق بينه مع لنا ودونها، وإنما ذهب لطلب الماء العذب لأن أكثر مياه المدينة حينئذ كانت مالحة (وهو) أي الماء العذب (الطيب) أي ما يستطاب من الماء وليس المراد منه معنى العذب لغة، وهو ما يسوغ شربه ولو مع بعض الكزازة لأن ذلك ثابت لجميع مياه المدينة (والعذق بكسر العين) المهملة (وإسكان الذال المعجمة وهو الكباسة) قال في «المصباح» : هي بالكسر عنقود النخل والجمع كبائس وهو معنى قوله: (وهي) أي الكباسة (الغصن) أي من أغصان النخل لا مطلقاً كما هو ظاهر واكتفى عن تقييد ذلك بدلالة السياق (والمدية بضم الميم) بوزن غرفة وجمعها غرف، ومقتضى كلام «المصباح» وبنو قشير تقول مدية بكسر الميم والجمع مدى كسدرة وسدر (هي السكين) بكسر المهملة وتشديد الكاف ونون أصلية قيل: بوزن فعيل، وقيل: زائدة فيكون وزنه فعلين مثل غسلين: الشفرة سمي بذلك لأنه يسكن حركة المذبوح، وحكى ابن الأنباري فيه التذكير والتأنيث.
قال السجستاني: إن أبا زيد الأنصاري والأصمعي وغيرهما ممن أدركه أنكرواالتأنيث وقالوا: هو مذكر، وربما أنث في الشعر على معنى الشفرة وأنشد الفراء: بِسِكِّين مُوَثَّقَةِ النِّصابِ...... ولذا قال الزجاج: السكين مذكر وربما أنث بالهاء لكنه شاذ غير مختار (والحلوب) بفتح الحاء المهملة وضم اللام (ذات اللبن) قال في «المصباح» : فإن جعلتها اسماً أتيت بالهاء فقلت: هذه حلوبة فلان مثل الركوب (والسؤال عن هذا النعيم) المؤكد بالقسم واللام، وذلك لاستبعادهم له فإنه من حاجة جافة، لا من شهوة وحظ نفس (سؤال تعداد النعم) والامتنان بها وإظهار الكرامة بإساغتها، زاد في «الشمائل» : ظل بارد ورطب وماء بارد (لا سؤال توبيخ) وفي «المصباح» وبخته توبيخاً: لمته على سواء فعله وعنفته وعتبت عليه، كلها بمعنى.
وقال الفارابي: عيرته.
وقال الجوهري: التوبيخ التهديد: أي لعدم القيام بشكرها (وتعذيب) أي يتسبب عن كفرانها وعدم شكرها لأن ذلك غير كائن للصاحبين فيما تتناولاه حينئذ.
قال ابن القيم: كل أحد يسأل عن تنعمه الذي كان فيه هل ناله من حل أو لا؟ وإذا خلص من ذلك يسأل هل قال بواجب الشكر فاستعان به على الطاعة أو لا والأول سؤال عن سبب استخراجه، والثاني عن محل صرفه اهـ.
وإنما ذكر المصطفى ذلك إرشاداً للآكلين والشاربين في حفظ أنفسهم في الشبع عن الغفلة باشتغال أحدهم بحظ نفسه ونعمتها عن تذكر الآخرة (وهذا الأنصاري الذي أتوه هو أبو الهيثم) بهاء مفتوحة وسكون التحتية وفتح المثلثة: كنية مالك (ابن التيهان) بفتح الفوقية وتشديد التحتية الأنصاري الأوسي أحد النقباء (كذا جاء مبيناً في رواية الترمذي) من حديث أبي هريرة نفسه، رواه كذلك في «جامعه» وفي «الشمائل» ، وورد في رواية أخرجها الحافظ ابن حجر العسقلاني في «تخريج أحاديث الأذكار» من حديث ابن عباس أنهم انطلقوا إلى دار أبي أيوب الأنصاري وساق القصة بنحوه وفي آخره: «إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا: بسم الله وببركةالله، وإذا شبعتم فقولوا: الحمد الذي أشبعنا وأروانا وأنعم علينا وأفضل فإن هذا كفاف هذا» وذكر بقية الحديث، وحسن الحافظ الحديث وقال: وفيه غرابة من وجهين: ذكر أبي...... أيوب والمشهور في هذا قصة أبي الهيثم، والثاني ما في آخره من التسمية والحمد اهـ.
وفي «أشرف الوسائل» في رواية عند الطبراني وابن حبان أنهم جاءوا إلى أبي أيوب، ولا مانع في أنهما قصتان اتفقتا لهم مع كلواحد منهما، ورواية مسلم رجلاً من الأنصار محتملة لهما اهـ.
وكأن المصنف جزم بكونه أبا الهيثم لكون رواية الترمذي عن الصحابي الذي رواه عنه مسلم والله أعلم (وغيره) كابن ماجه فعنده أيضاً اذهبوا إلى بيت أبي الهيثم بن التيهان وكابن أبي عاصم في كتاب الأطعمة والحاكم كما أشار إليه الحافظ في تخريجه لأحاديث الأذكار في «أماليه» عليها.......


رقم الحديث 498 ( وعن خالد بن عمر) بضم العين وفتح الميم والراء كذا وقفت عليه في نسخ متعددة من الرياض وهو من تحريف الكتاب إنما هو «عمير» بالتصغير ( العدوي) بفتح المهملتين وهي نسبة إلى عدي بفتح فكسر، والمنسوب إليه كذلك متعدد في المهاجرين وفي الأنصار وفي غيرهم كما في «لب اللباب» للأصفهاني، وخالد هذا بصري.
قال الحافظ العسقلاني في «التقريب» : مقبول من كبار التابعين، يقال: إنه مخضرم، وهم من ذكره في الصحابة، روى عنه مسلم والترمذي في «الشمائل» وابن ماجه اهـ.
قلت: قضيته أن الترمذي لم يرو عنه في «الجامع» لكن في «الأطراف» للحافظ المزي أن حديث الباب رواه الترمذي في صفة جهنم من «جامعه» وفي «شمائله» وأشار بقولهم «وهم الخ» إلى الحافظ ابن عبد البر فإنه ذكره في «الاستيعاب» ( قال خطبنا عتبة) بضم المهملة وسكون الفوقية بعدها موحدة فهاء تأنيث ( ابن غزوان) بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي ابن وهب بن نسيب بن زيد بن مالك بن الحارث بن عوف بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان أبو عبد الله.
ويقال أبو غزوان، قال الحاكم قال الواقدي: كان عتبة طوالاً جميلاً قديم الإسلام هاجر إلى الحبشة وكان من الرماة المذكورين، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة أحاديث هذا أشهرها، وليس له في الكتب الستة سواه.
وروى له الحاكم أن النبي قال يوماً لقريش: «هل فيكم أحد غيركم؟» قالوا: ابن أختنا عتبة بن غزوان قال النبي: «ابن أخت القوم منهم» ثم قال: غريب جداً.
قال في «تلخيص المستدرك» : إسناده مظلم.
قال الشيخ أبو العباس القرطبي: عتبة مازني حليف لبني توفل قديم الإسلام، هاجر وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدراً والمشاهد كلها.
أمّره عمر على جيش فتوجه إلى العراق وفتح الأبلة والبصرة بموضع يقال له: معدن بني سليم، قاله ابن سعد.
ويقال: إنه مات بالربذة، قاله ابن المدائني كذا في «الديباجة» للدميري ( وكانأميراً على البصرة) بتثليث الموحدة كما حكاه الأزهري وأفصحهن الفتح وهو المشهور، ويقال له: البصيرة بالتصغير، والمؤتفكة لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر: أي انقلبت.
قال صاحب «المطالع» : قال أبو سعيد السمعاني: يقال للبصرة قبة الإسلام وخزانة العرب، بناها عتبة بن غزوان في خلافة عمر سنة سبع عشرة وسكنها الناس سنة ثماني عشرة، ولم يعبد الصنم قط على أرضها اهـ.
وهذا يصح كونها من جملة مثول القول والمحكي بالقول مجموع الجمل، ويحتمل كونها في محل الحال من فاعل خطب بإضمار قد ( فحمد الله) أي أثنى عليه بالأوصاف الأزلية الثبوتية ( وأثنى عليه) بسلب ما لا يليق به سبحانه في الثناء ويصح كونهما بمعنى وعطفهما مع كونهما كذلك لاختلافهما لفظاً إيماء إلى أنه أطنب في الثناء على مولاه سبحانه كما يدل عليه قوله ( ثم قال) والأول أولى لأن التأسيس خير من التأكيد، والفاء في قوله فخطب كالفاء في نحو توضأ زيد فغسل وجهه الخ للترتيب الذكري لا للترتيب في الزماني بأن يراد أراد الخطبة وأراد الوضوء والإرادة سابقة على فعله والله أعلم.
( أما بعد) أتى بها اقتداء به فقد كان يأتي بها في خطبة، وذكر الحافظ في «الفتح» أن الرهاوي أخرجها من أربعين طريقاً عنه ( فإن الدنيا قد آذنت بصرم) لتحول أحوالها الدال على حدوثها، وكل ما ثبت حدوثه وجب قبوله للعدم قال الشاعر: وإن افتقادي واحداً بعد واحد دليل على ألا يدوم خليل ( وولت حذاء) أي منقطعة، ومنه قال للقطة حذاء: أي منقطعة الذنب قصيرته، ويقال: حمار أحذّ: إذا كان قصير الذنب، حكاه أبو عبيدة، وهذا مثل فكأنه قال: إن الدنيا قد انقطعت مسرعة ( ولم يبق منها إلا صبابة) لأنه قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بإصبعيه الوسطى والمسبحة ( كصبابة الإناء يتصابها بها صاحبها وإنكم منتقلون عنها) إذ هي دار ارتحال وانتقال ( إلى دار لا زوال لها) ولا ارتحال عنها ( فانتقلوا) أي من الدنيا ( بخير ما بحضرتكم) أي بكسب صالح الأعمال وادخار الحسنات عند المولى سبحانه، جعل الخير المتمكن منه في الحياة كالحاضر المحتاج إليه في المآل، فصاحب الحزم يدخر منه حاجته لينتفع به عنداحتياجه إليه، وهذا كما قال ابن عمر رضي الله عنهما: وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك، وبين الداعي لاستعداد الزاد وادخاره ليوم المعاد بما ورد من الترهيب والترغيب فقال على سبيل الاستئناف البياني ( فإنه قد ذكر لنا) ببناء ذكر للمجهول، وحذف الفاعل للعلم به أنه المصطفى لأن الصحابي الذي لم يخالط كتب أهل الكتاب لا سبيل له إلى معرفة ذلك إلا من قبله، وقد ذكر علماء الأثر أن من الموقوف لفظاً المرفوع حكماً قول الصحابي: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا بالبناء للمجهول فيهما، وجوز في «الديباجة» أن ذلك ذكر له عن النبي ولم يسمعه هو منه وسكت عن رفعه إما نسياناً أو لأمر اقتضاه ومراده الرفع لفظاً لما ذكرناه، قال: ويحتمل أن يكون سمعه منه وسكت عن رفعه للعلم به اهـ ( أن الحجر) أل فيه للجنس، والحجر معروف.
قال ابن النحوي في لغات «المنهاج» : جمعه في أدنى العدد أحجار، وفي الكثرة حجار، والحجارة نادر وهو كقولنا حمل وحمالة وذكر وذكارة، كذا قال ابن فارس والجوهري ورد عليهما القرطبي بأن في القرآن «فهي كالحجارة، وإن من الحجارة، كونوا حجارة، ترميهم بحجارة، وأمطرنا عليهم حجارة» فكيف يكون نادراً إلا أن يريد أنه نادر في القياس كثير في الاستعمال فيصح ا هـ.
وذلك لأن ما كان كذلك وعكسه يقع في الفصيح بخلاف ما خالفهما معاً فمردود ( يلقى من) ابتدائية ( شفير جهنم) أي حرفها.
وشفير كل شيء حرفه أيضاً كالبئر والنهر كذا في «المصباح» وفي «الديباجة» حرفها الأعلى كل شيء أعلاه وشفيره، ومنه شفير العين، وجهنم قيل: اسم أعجمي، وقيل: عربي مأخوذ من قولهم: بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر، وعلى كل فهي ممنوعة الصرف للعجمة أو التأنيث المعنوي مع العلمية، وهو اسم لنار الآخرة: نسأل الله العافية منها ومن كلا بلاء ( فيهوي) بكسر الواو، أي ينزل ( فيها سبعين) منصوب على الظرفية الزمانية: أي في قدر سبعين ( عاماً لا يدرك) بالبناء للفاعل: أي لا يصل والإسناد فيه مجازي والحقيقي لا يوصله الله ( لها قعراً) بفتح القاف وسكون العين وهو كما في «المصباح» أسفل الشيء وجمعه قعوراً اهـ ( وا لتملأن) بالبناء للمجهول للعلم بالفاعل سبحانه أكد بالقسم وباللام دفعاً لما قد يقصر العقل عن إدراكه من ملء ما لا يقطع مدى الوصول إلى قعره سبعين عاماً فما بالك بعرضه وكمال سعته: أي وإذا كان كذلك وتمتلىء عن آخرها فاحذروا من مخالفته سبحانه لئلا توبقكم المخالفة وتوقعكم فيها المعصية، غفر الله لنا ذنوبنا وستر عيوبنا بمنه وكرمه وبما كان ما ذكره أمراً عظيماً جداً قال على وجه التقرير ( أفعجبتم) أي من هذا الأمر الدال على عظم قدرة الله سبحانه وكمال جلاله وقوة انتقامه وتقدم أن فيذلك قولين أحدهما: أن التقدير أسمعتم فعجبتم فالفاء عاطفة على مقدر بعد الألف، والثاني: أن ألف الاستفهام من جملة المعطوف وقدمت لصدارتها لتضمنها الاستفهام، ولما حصل عند الحاضرين من مزيد الرهبة وعظيم الخوف مما سمعوه حتى كادوا أن يظنوا عموم العذاب لجميعهم، أراد رفع ذلك عنهم وإدخالهم في ميدان الرجاء إعلاماً بسعة رحمة الله تعالى وكمال فضلة، فأكد ذلك بالقسم المقدر الدال عليه اللام في قوله: ( ولقد ذكر لنا أن ما بين المصراعين) بكسر الميم تثنية مصراع، ومصراع الباب ما بين عضادتيه وهو ما يسده الغلق كذا في «المفهم» للقرطبي، وفي «المصباح» : المصراع من الباب الشطر وهما مصراعان ( من مصاربع الجنة مسيرة أربعين عاما) برفع مسيرة خبر أن، وإذا كان هذا سعة الباب وأبوابها ثمانية وبين كل بابين خمسمائة عام كما تقدم في حديث: «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام» فما بالك بسعة باطنها ويكفيك في ذلك قوله تعالى: { وجنة عرضها السموات والأرض} ( آل عمان: 133) والعادة جارية أن الطول أزيد من العرض، فسبحان المنعم المتفضل ( وليأتين عليها) أي الجنة ( يوم) هو وقت دخولها ( وهو) أي المصراع أن محله من الباب ( كظيظ من الزحام) وذلك ما يدل على كثرة الداخلين بعموم الرحمة ومزيد الفضل ففي الحديث إيماء إلى أن المكلف ينبغي له أن يكون عنده حال الصحة خوف من مولاه سبحانه ورجاء لفضله إحسانه بقبول ما يعمله من صالح العمل.
والزحام بكسر الزاي مصدر زاحمه: أي دافعه ( ولقد رأيتني) قال في «أشرف الوسائل» هي بصرية وقوله: ( سابع سبعة) حال: أي واحداً من سبعة، قال: لكن قضية قوله: يعني في رواية الترمذي فقسمتها بيني وبين سبعة» أنه ثامن، لكن قوله: أولئك السبعة يدل للأول وأن المراد بقوله سبعة: أي بقية سبعة اهـ.
ولا يشكل على كونها بصرية اتحاد ضمير فاعلها ومفعولها وذلك من خصائص أفعال القلوب، وعبارة «الكافية» لابن الحاجب، ومنها: أي خصائص أفعال القلوب أنه يجوز أن يكون فاعلها ضميرين لشيء واحد مثل علمتني منطلقاً، قال شراحها: والعبارة للمحقق الجامي، ولا يجوز ذلك في سائر الأفعال فلا يقال: ضربتني ولا شتمتني بل يقال: ضربت نفسي، وذلك لأن أصل الفاعل أن يكون مؤثراً والمفعول به متأثراً، وأصل المتأثر أن يغاير المؤثر، فإن اتحدا معنى كره اتحادهما لفظاً فقصد مع اتحادهما معنى تغايرهما لفظاً بقدر الإمكان، فمن ثم قالوا: ضربت نفسي ولم يقولوا: ضربتني، فإن الفاعل والمفعول فيه ليسا بمتغايرينبقدر الإمكان لاتفاقهما من حيث إن كل واحد منهما ضميراً متصلاً، بخلاف ضربت نفسي فإن النفس بإضافتها إلى ضمير المتكلم صارت كأنها غيره لغلبة مغايرة المضاف إليه فصار الفاعل والمفعول فيه متغايرين بقدر الإمكان، وأما أفعال القلوب فإن المفعول به ليس المفعول الأول في الحقيقة بل مضمون الجملة، فجاز اتفاقهما لفظاً لأنهما ليسا في الحقيقة فاعلاً ومفعولاً به اهـ.
لكن ألحق بأفعال القلوب في ذلك رأي البصرية، قال الشاعر: ولقد أراني للرماح دريئة والحلمية كقوله تعالى: { إني أراني أعصر خمراً} ( يوسف: 36) وقوله: ( مع رسول الله) حال من فاعل رأى، ويصح كونها لغواً متعلقاً برأي، وقوله: ( ما لنا طعام إلا ورق الشجر) يحتمل أن تكون في محل الحال من فاعل رأى، وأن تكون مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لكيف كنتم معه، وقوله: ( حتى قرحت أشداقنا) غاية لمقدر: أي فأكلناه إلى أن قرحت جوانب أشداقنا جمع شدق بكسر الشين المعجمة كحمل وأحمال، ويقال: شدق بفتح المعجمة وجمعه شدوق كفلس وفلوس ( فالتقطت بردة) أي عثرت عليها من غير قصد وطلب، وهي شملة مخططة وقيل: كساء أسود مربع، وقال القرطبي: البردة الشملة، والعرب تسمي الكساء الذي يلتحف به بردة، والبرد بغير تاء نوع من ثياب اليمن ( فشققتها بيني وبين سعد بن مالك) هو ابن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة ( فاتزرت) بتشديد الفوقية ( بنصفها واتزر سعد بنصفها) وفي الترمذي فشققتها بيني وبين سعد كما تقدم، ثم مبادرته بشقها عقب التقاطها كما تؤذن به الفاء، إما لعلمه برضا صاحبها وإما بإعراضه عنها لسقوطها وتمزقها، أو لمعرفته بمالكها فإنه يرضى بذلك، أو كان قبل وجوب تعريف اللقطة ( فما أصبح) أي صار ( اليوم منا أحد) اسم أصبح والظرف قبله حال منه وكان صفة له فقدم عليه فصار حالاً ( إلا أصبح أميراً على مصر من الأمصار) أشار به إلى اتساع الحال عليهم بعد ضيقه أولاً، زاد في آخر الحديث: وسيخربون الأمراء بعدنا: أي ليسوا مثلنا من جهة العدالة والديانة والإعراض عن الدنيا وكان الأمر على ذلك، وأشاروا إلى الفرق بأنهم رأوا معه ما كان سبباً لرياضتهم وتقللهم من الدنيا فمضوا على ذلك وغيرهم ممن بعدهم ليس كذلك، فلا يكون إلا على قضية طبعه المجبول على الخلق القبيح ( وإنيأعوذ) أي اعتصم ( با) من ( أن أكون في نفسي عظيماً) بأن يوهمني ذلك الشيطان والنفس ( وعند الله صغيراً) لا يقبل علي بالفضل والإحسان، ولا ينصب لعملي وزن إذا نصب الميزان، قال: «يجاء يوم القيامة بالرجل العظيم لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} أو كما قال: ( رواه مسلم) أواخر «صحيحه» ورواه الترمذي في «جامعه» وفي «شمائله» إلا أنه لم يسق منه فيها إلا من قوله: «لقد رأيتني سابع سبعة» الخ، وأشار إلى باقي الحديث، ورواه النسائي في «الرقاق المفتوحة» ورواه ابن ماجه في الزهد مختصراً.
( قوله: آذنت هو بمد الهمزة) أي وبالذال المعجمة المفتوحة ( أي أعلمت) عبارة القرطبي: أي أشعرت وأعلمت وحذف المصنف الأول لإغناء الثاني عنه.
( وقوله: بصرم بضم الصاد) أي المهملة وسكون الراء ( أي بانقطاعها وفنائها) الأولى بانقطاع وفناء كما عبر به القرطبي وتبعه في «الديباجة» لأن المفسر غير مضاف إليها وإن كان الكلام فيها.
( وقوله: وولت حذاء) و ( هو بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة ثم ألف ممدودة: أي سريعة) هذا تفسير للحذاء لا لمجموع المحكي كما قد توهمه عبارته، ولو قال: أي أدبرت سريعة أو قال حذاء: أي سريعة لسلم من ذلك الإيهام إلى أن يسامح زيادة في الإيضاح كما هي عادته من بذل النصيحة جزاه الله خيراً، وفي «المصباح» : الأحذّ المقطوع الذنب.
وقال الخليل: الأحذّ الأملس الذي ليس مستمسكاً لشيء يتعلق به والأنثى حذاء ( والصبابة بضم الصاد المهملة) وهو بموحدتين خفيفتين بينهما ألف ( وهي البقية اليسيرة) كذا في الأصول بإثبات الواو على أن الخبر الظرف السابق على الجملة وهي معطوفة عليه، ثم قوله: البقية غير مقيدة بشيء هو ما قاله غيره ومنهم القرطبي والدميري، وبه يعلم أن قول «المصباح» الصبابة بالضم بقية الماء مراده به التمثيل لا التقييد.
قال القرطبي: والصبابة بالفتح: رقة الشوق ولطيف المحبة اهـ.
( وقوله يتصابها) بفتح التحتية والفوقية ( وهو يتشديد الموحدة) من باب التفاعل فأدغمت الموحدة في مثلها ( قبل الهاء أي يجمعها) قال القرطبي: أي يروم صبها على قلة الماء: أي مثلاً وضعفه ( والكظيظ) بفتح الكاف وكسر الظاء المعجمة الأولى وسكون التحتية بينهما ( الكثير) بالمثلثة ( الممتلىء) يقال: كظة الشر فهو كظيظ، وفي «النهاية»حديث عتبة في باب الجنة «وليأتين عليه يوم وهو كظيظ» أي ممتلىء، والكظيظ الزحام اهـ.
ومثله في «مجمع البحار» نقلاً عنها، وكأنه أشار بذلك إلى أنه مشترط بين الممتلىء والزحام: أي ذي الزحام لأنه تفسير الوصف، والله أعلم.
( وقوله: قرحت هو بفتح القاف وكسر الراء) وبالحاء المهملة ( أي صار فيها قروح) بضمتين جمع قرح بفتح القاف وضمها، وفي «النهاية» قيل: بالفتح المصدر وبالضم اسم مصدر وبضم أوليه أيضاً، ولم يذكر المصنف في «تحريره» سوى فتح القاف وضمها وقال: إنه الجرح، وقال غيره: إنه كالجدري، وفي «مفردات الراغب» : القرح الأثر من الجراحة من شيء يصيبه من خارج، والقرح أثرها من داخل كالبثرة ونحوها، ونقل ابن عطية في «تفسيره» قرح بفتح القاف وضمها، وإسكان الراء، ثم قال: قال أبو علي: هما لغتان كالضعف والضعف، والفتح أولى لأنه لغة أهل الحجاز، وقال الأخفش: هما مصدران بمعنى واحد، ومن قال القرح بالفتح الجراحة بعينها وبالضم ألمها قبل منه إذا أتي برواية، لأن هذا مما يعلم بقياس، وقرأ ابن السميقع بفتح القاف والراء، قال الزمخشري: كالطرد والطرد، قال أبو البقاء: وبضمها على الاتباع كاليسر واليسر اهـ من لغات «المنهاج» لابن النحوي.


رقم الحديث 499 ( وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أخرجت لنا عائشة كساء) بكسر الكاف وبالسين المهملة والألف الممدودة، زاد البخاري ملبداً وعندهما بلفظ كساء من التي يسمونها الملبدة ( وإزاراً) بكسر الهمزة وبالزاي ثم الراء بينهما ألف اسم لما يستر أسافل البدن ( غليظاً) أي ثخيناً، وفي رواية لمسلم: «أخرجت إلينا عائشة كساء وإزاراً ملبداً» وإخراجها ذلك لتبيين إعراضه عن الدنيا إلى مفارقته لها ونقلته لحضرة مولانا سبحانه وتهييجاً للمقتدين به المتبعين سبيله على ذلك، ولذا ( قالت: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين) زاد مسلم في رواية له: «الثوبين» ( متفق عليه) رواه البخاري في الخمس وفي اللباس، ومسلم فياللباس، ورواه أبو دواد والترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي كلهم في اللباس من «سننهم» ، ثم الذي في الكتب المذكورة أن الحديث عن أبي بردة بن أبي موسى قال: أخرجت إلينا عائشة، ولا ذكر فيها لأبي موسى والذي وقفت عليه من نسخ الرياض عن أبي موسى كما شرحته، وهو إن لم يكن من تحريف الكتاب سبق قلم من الشيخ بلا ارتياب.


رقم الحديث 500 ( وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: إني لأول العرب ممن رمى بسهم في سبيل ا) وذلك في بعث حمزة وعبيدة بن الحارث وهي ثاني سرية في الإسلام.
وقيل: بل هي أول سرية فيه، وجرى عليه السيوطي في «أوائله» ، وقد جزم به الحافظ في «الفتح» ، وفيها كما روى ابن إسحاق وغيره، ما لفظه: «ولم يكن بينهم: يعني المسلمين والكفار قتال، إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمى به في الإسلام» وفي «أوائل» السيوطي: «أول من أراق دماً في سبيل الله سعد بن أبي وقاص» أسنده العسكري وهو أول من رمى بسهم في سبيلالله، أخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة عنه، وأنه قال في ذلك: ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبل أذود بها عدوهم ذياداً بكل حزونه وبكل سهل فما يعتمد رام من معدّ بسهم قبل رسول الله قبلي ( ولقد كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لنا طعام إلا ورق الحبلة) جملة النفي في محل الحال من فاعل نغزو ( وهذا السمر) قال القرطبي: عند عامة الرواة بحذف الواو: أي على أنه بيان ورق الحبلة، وعند الطبراني والتميمي: وهذا السمر بواو، ووقع عند البخاري إلا الحبلة وورق السمر، وكذا ذكره أبو عبيد، ورواية البخاري أحسنها لأنه بين فيها أنهم كانوا يأكلون ثمر العضاة وورق الشجر السمر ( حتى) غاية لكون طعامهم ذلك ( إن) مخففة من الثقيلة ( كان أحدنا ليضع) كناية عن الغائط، وفي بعض طرقه «يبعر» ( كما تضع الشاة) أي من البعر ليبسه وعدم ألفة المعدة له، وهذا كان سنة ثمان في غزوة الخبط وأميرهم أبو عبيدة، وسيأتي في الأصل إن شاء الله تعالى، وعليه، فالمراد بالمعية التبعية حكماً، ويحتمل أن تكون المعية على ظاهرها، وأن ذلك في غزوة أخرى غزاها سعد مع النبي لما في «الصحيحين» «بينا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لنا طعام إلا الحبلة» ذكره في«أشرف الوسائل» ( ما له خلط) بكسر الخاء المعجمة: أي لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه ويبسه، وهذا باعتبار ما كانوا عليه من الضيق أول الإسلام وامتحاناً ليظهر صدق ثباتهم.
لولا اشتعال النار في جزل الغضا ما كان يعرف طيب نشر العود ( متفق عليه) رواه البخاري في فضل سعد في الأطعمة، وفي «الرقائق» ومسلم في أواخر كتابه، ورواه الترمذي في الزهد وقال: حسن غريب، والنسائي في المناقب وابن ماجه في السنة، كذا في «الأطرف» للمزي ( الحبلة بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة، وهي والسمر) بفتح فضم، قال في «المصباح» : شجر الطلح بضم الحاء وهو نوع من العضاة الواحد سمرة اهـ ( نوعان معروفان من شجر البادية) قال القرطبي: الحبلة شجر العضاة، وقال ابن الأعرابي: ثمرة السمر شبه اللوبيا، وذكرهما في «النهاية» مقدماً الثاني فيهما من غير عزو لابن الأعرابي حاكياً للأول بقيل.