فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب بيان جماعة منَ الشهداء في ثواب الآخرة ويغسلون ويُصَلَّى عليهم بخلاف القتيل في حرب الكفار

رقم الحديث 1354 ( وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما تعدون الشهداء فيكم؟ قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله) أي: في معركة الكفار إيماناً واحتساباً ( فهو شهيد.
قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل)
قال البدر الزركشي الشافعي في كتاب البرهان في علوم القرآن: إذن نوعان: الأول: أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم، أو منبهة على مسبب على سبب حصل في الحال وهي في الحال غير عاملة؛ لأن المؤكدات لا يعتمد عليها، والعامل يعتمد عليه، وتدخل هذه الاسمية.
ويجوز توِسيطها وتأخيرها ومنه قوله تعالى: ( ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين) فهي مؤكدة للجواب مرتبطة بما تقدم.
وذكر بعض المتأخرين لها معنى ثالثاً هو أن يكون من إذ التي ظرف زمان ماض، ومن جملة بعدها تحقيقاً أو تقديراً، لكن حذفت الجملة تخفيفاً، وأبدل التنوين منها كما في قولهم حينئذ، وليست هذه الناصبة لاختصاص الناصبة بالمضارع، وهذه تدخل على الماضي نحو ( إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ) وعلى الاسم نحو إن كنت ظالماً إذا حكمك فيّ تافه.
وقوله تعالى: ( وإنكم إذاً لمن المقربين) وأعلم أن هذا المعنى لم يذكره النحاة، لكن قياس قولهم: إنه يحذف المضاف إليها، إذ ويعوض عنها التنوين كيومئذ، وإن لم يذكروا حذف الجملة من إذا وتعويض التنوين عنها.
قال أبو حبان: وليس هذا بقول نحوي، ثم نقل الزركشي عن القاضي ابن الجويني نحو ما قاله ذلك البعض، وأنه لا ينافي جعل إذا من نواصب المضارع، لأنه محمول على إذن الأصلية لا على ما كانت إذن وأضيفت لجملة حذفت عوض عنها التنوين، فيرفع المضارع بعد تلك اهـ ملخصاً، وحاصله أنها فيما ذكر، إما للتنبيه على قلة الشهيد الحاصل من قصر الشهادة على ما ذكروه، أو أنها من تنوين إذ المضافة للجملة عوضاً عنها، والأصل إذا كان شهداء أمتي من ذكرتم فقط ( قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله) أي: بسبب غير القتال كأن سقط عن فرسه أو مات حتف أنفه ( فهو شهيد، ومن مات في الطاعون) أي: بسببه كما تقدم في الحديث قبله ففي سببية كهي في حديث "دخلت النار امرأة في هرة حبستها" الحديث ( فهو شهيد، ومن مات من) وفي نسخة: في، وكلاهما للتعليل ( البطن) شامل لسائر أدوائه ( فهو شهيد، والغريق شهيد رواه مسلم) .


رقم الحديث 1355 (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قتل دون ماله) قال القرطبي: دون في أصلها ظرف مكان بمعنى تحت، وتستعمل للتنبيه مجازاً، ووجهه أن الذي يقاتل عن ماله غالباً إنما يجعله خلفه، أو تحته ثم يقاتل عليه (فهو شهيد) قال ابن المنذر: الذي عليه أهلم العلم أن للرجل أن يدفع عن من أراد أن يأخذ ماله رسول الله أرأيت) بفتح التاء، أي: أخبرني (إن جاء رجل يريد أخذ مالي) أي: بغير حق حذف جوابه لدلالة المقام عليه، أي: فما أفعل (قال: فلا تعطه مالك) جواب لشرط دل عليه وجوده في السؤال (قال: أرأيت إن قاتلني) أي: لأخذ مالي (قال: قاتله) الأمر للإِباحة (قال: أرأيت إن قتلني) أي: وقد قاتلته لذلك (قال: فأنت شهيد) أي: من شهداء الآخرة، فيغسل ويصلى عليه (قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: فهو في النار) أي: مخلد إن استحل ذلك، أو يدخلها إن أريد تعذيبه، ثم يخرج منها إن كان غير مستحل (رواه مسلم) وقد جمع بعض الأفاضل شهداء الآخرة ونظمهم في أبيات فقال: من بعد حمد الله والصلاة ... على النبي وآله الهداة خذ عدة الشهداء سرداً نظماً ... وأحفظ هديت للعلوم فهما محب آل المصطفى ومن نطق ... عند إمام جائر بعين حق وذوا اشتغال بالعلوم ثم من ... على وضوء نومه نال المنن ومن يمت فجأة حريق ... ومائت بفتنة غريق لديغ أو مسحور أو مسموم ... ذو عطش مجوعة مولوم أكيل سبع عاشق مجنون ... والنفساء ذو الهرم والمبطون ومن بذات الجنب أو ظلماً قتل ... أو دون مال أو دم أهل نقل أو دين أو في الحرب أو مات به ... مؤذن محتسب لربه وجالب مبيع سعر يومه ... أو مات في الطاعون بين قومه كذا الغريب وبعين قد قرا ... أواخر الحشر بها نال الذرا ومن يلازم وتره.
وورده ... عند الضحا وصوم حتم سعده ومن يصل ثالث الأسبوع ... عند الزوال عاشر الركوع ويقرأ الكرسي بعد الفاتحة ... وسورة الإِخلاص حتماً صالحة ومن يقل في الموت بارك ثم في ... ما بعده خمساً وعشرين اصطفى ومن بصدق يسأل الشهادة ... نال بذاك غاية السعادة وهو إزالة الرق عن الآدمي من عتق سبق أو استقل تقرباً إلى الله تعالى.
فخرج بالآدمي الطير والبهائم، فلا يصح عتقها على الأصح قال ابن الصلاح: الخلاف فيما يملك بالاصطياد.
أما البهائم، فإعتاقها من قبيل سوائب الجاهلية، وهو باطل قطعاً.
اهـ.
ورواية أبي نعيم أن أبا الدرداء رضي الله عنه "كان يشتري العصافير من الصبيان ويرسلها".
يحمل إن صحت على أن ذلك رأي له (قال الله تعالى: فلا اقتحم العقبة) اقتحم: دخل وتجاوز بشدة، جعل الأعمال الصالحة عقبة وعملها اقتحاماً لها، فيه من مجاهدة النفس، أي: فلم يشكر ما أنعم الله به عليه من أعمال الحسنات (وما أدراك ما العقبة) أي: لم تدرك صعوبتها وثوابها (فك رقبة) تفسير للعقبة أي: تخليصها من الرق (الآية) بالنصب وبالرفع، كما تقدم توجيهها ومراده (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) ، فالعقبة عتق الرقبة، وإطعام من ذكر، والتواصي بالصبر والمرحمة، وقجل: إن المعطوف بثم عليه قوله: (فلا اقتحم العقبة) فالمعنى: لا اقتحم ولا كان من المؤمنين، وثم لتباعد رتبة الإِيمان عن العتق والإِطعام، فالعقبة مفسرة بالعتق والإِطعام، وخصا، لما فيه من النفع المتعدي.