فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الذكر عِنْدَ الصباح والمساء

رقم الحديث -246 هو لغة: كما قال ابن دريد في الجمهرة: من نصف الليل إلى الزوال ( والمساء) بالمد، وهو: منه إلى نصف الليل، قال السيوطي: إنه لم يظفر بما ذكر فيهما إلا فيها، وأما الصباح شرعاً فمن طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ثم الضحا، فالاستواء فالزوال ومنه المساء ( قال الله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعاً) تذللاً وخضوعاً ( وخيفة) أصلها خوفة فأبدلت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها ( ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) قال ابن عطية: معناه دأباً في كل وقت وفي أطراف النهار ( ولا تكن من الغافلين) عن ذكر الله، وتقدم بعض فوائد الآية أول كتاب الأذكار ( قال أهل اللغة) أي: علماء متن اللغة وحدها: أصوات وأعراض يعبّر بها كل قوم عن مرادهم ( الآصال) بالمد ( جمع أصيل) على وزن فعيل كأيمان جمع يمين، ويجمع على أصل بضمتين وأصلان، أي: بضم فسكون وأصائل كما في القاموس ( وهو ما بين العصر والمغرب) ثم ما ذكره من كونه جمع أصيل بلا واسطة هو قول الجمهور، وحكى ابن عطية في التفسير قولاً: أنه جمع لأصل بضمتين وهو وقت إشراق الشمس، وهو وقت الضحا.
وحكمة تخصيص أول النهار وآخره بما ذكر؛ ليكون البدء والختم بعمل ديني وطاعة.
فيكون كفارة لما يكون في باقي النهار.


رقم الحديث 1453 ( وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بدل اشتمال ( أنه كان يقول: إذا أصبح اللهم بك) أي: بقدرتك الباهرة ( أصبحنا) أي: دخلنا في الصباح ( وبك أمسينا) ذكر لحضوره في الذهن عند ذكر ضده ( وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور) بضمتين أي: الرجوع ( وإذا أمسى قال) عبر بالماضي تفنناً في التعبير، والمراد منه المستقبل ( اللهم بك أمسينا) أي: دخلنا في المساء، وجعلهما الطيبي ناقصين فقال: الباء متعلقة بمحذوف هو الخبر ولا بد من تقدير مضاف، أي: أصبحنا أو أمسينا متلبسين بنعمتك أي: بحياطتك وكلاءتك أو بذكر اسمك ( وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير) قال في النهاية: أي إليك المرجع، يقال: صرت إلى فلان أصير مصيراً، وهو شاذ والقياس مصار مثل معاش اهـ.
وتقدم الكلام على هذا الذكر في آداب النوم، لكن بلفظ: باسمك أموت وأحيا، وحينئذ فحديث الباب محتمل، لأن يكون على تقدير المضاف المصرح به في تلك أو على تقدير نحو قدرتك، أو إرادتك وعبّر بالمضارع حكاية عن الحال المستمر أي: مستمر حالنا على ذلك وعبر بالنون هنا، الذي يلي الجسد.
قال البيضاوي: إنما أمر بالنفض بالداخلة؛ لأن الذي يريد النوم يحل بيمينه خارج الإِزار وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها، وقال في التوشيح: قيل: حكمته أنه يستر بالثياب فيتوارى ما يناله من الوسخ ( فإنه لا يدري ما خلفه) بفتح الخاء المعجمة، واللام بصيغة الماضي ( عليه) أي: أنه يستحب نفض الفراش قبل الدخول فيه، لئلا يكون قد دخل فيه حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات وهو لا يشعر، ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل في يده مكروه إن كان شيء هناك، وقال الطيبي: معنى لا يدري ما خلفه لا يدري ما وقع في فراشه بعدما خرج منه من تراب، أو قذاره أو هوام ( ثم يقول: باسمك ربي) الظرف متعلق بقوله وضعت، وفي نسخة من البخاري رب بحذف الياء اجتزاء، بدلالة الكثرة عليها، وفي رواية القطان: اللهم باسمك، وفي رواية أبي حمزة: ثم يقول: سبحانك ربي بك ( وضعت جنبي وبك أرفعه) حكمة ترك الإِتيان بالمشيئة في مثله مما قدم فيه الظرف على متعلقه، أن مقصود الكلام إنما هو الظرف لا متعلقه فعمدة الكلام هو الظرف، والمعنى أن الرفع كائن باسمك.
قال الشيخ تقي الدين السبكي: فافهم هذا السر اللطيف ولا تنظر إلى قولهم الجار والمجرور فضلة في الكلام لا عمدة وتأخذه على إطلاقه بلا تأمل موارد تقدمه، وتأخره في الكتاب والسنة، وكلام الفصحاء، يتبين لك أنه إذا قدم المتعلق كان الظرف فضلة، وإذا قدم الظرف كان عمدة الكلام.
قال: وقواعد العربية تقتضي أن الظرف فضلة في الكلام لا عمدة، وإن الفعل هو المخبر به والاسم هو المخبر عنه، هذا هو الأصل والوضع ثم قد يكون ذلك مقصود المتكلم، وقد لا يكون فإنه قد يكون جزءا الإِسناد معلومين، أو كالمعلومين، ويكون محط الفائدة في كونه على الصفة المستفادة من الظرف، كما فيما نحن فيه، فإن وضع المضطجع جنبه معلوم ورفعه كالمعلوم، ولم نقل معلوم لأنه قد يموت وإنما المراد الإِخبار بكونه باسم الله.
اهـ ملخصاً، وقد سقته بلفظه في شرح الأذكار ( إن أمسكت نفسي) إمساكها كناية عن الموت بدليل ( فارحمها) لأن الرحمة تناسبه وفي رواية الترمذي فاغفر لها ( وإن أرسلتها) من الإِرسال كناية عن الإِبقاء في الدنيا ( فاحفظها) أي من سائر المكاره ديناً ودنيا ( بما تحفظ به عبادك الصالحين) قال الطيبي: الباء فيه مثل الباء في قولك كتبت بالقلم، وكلمة ما مبهمة وبيانها ما دلت عليه صلتها ( متفق عليه) ورواه أحمد وأصحاب السنن الأربع.


رقم الحديث 1451 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عنه من قال حين يصبح) أي: يدخل في الصباح الشرعي؛ لأن الألفاظ الشرعية إنما تحمل على عرف الشرع ما لم يصرف عنه صارف ( وحين يمسي) أي: يدخل في المساء فالفعلان تامان كما في قوله: ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) ( سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت) أي: لم يجىء ( أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به) أي: من ألفاظ الأذكار المأثورة ( إلا واحد) بالرفع بدل من أحد على لغة تميم المجوزين الإِبدال في الاستثناء المنقطع ( قال مثل ما قال) مثل قوله أو مثل ما قاله ( أو زاد) أي: فالأول: جاء بمثل ما جاء به.
والثاني: زاد عليه، هذا إن جعلنا أو ليست للشك من الراوي، بل للتنويع وإن جعلناها للشك فالاستثناء متصل على الوجه الثاني: منقطع على الأول: وعلى كل ففيه إيماء إلى أن الاستكثار من هذا محبوب إلى الله تعالى، وأنه ليس له حد لا يتجاوز عنه، كعدد المعقبات عقب المكتوبات ( رواه مسلم) قال في السلاح: ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وعند أبي داود: سبحان الله العظيم وبحمده، ورواه الحاكم وابن حبان بنحوه وروي في الجامع الكبير من حديث ابن عمر مرفوعاً "من قال: سبحان الله وبحمده كتب له عشر حسنات، ومن قالها: عشراً كتب الله له مائة حسنة، ومن قالها: مائة مرة كتب الله له ألف حسنة، ومن زاد زاده الله" الحديث رواه ابن ماجه.


رقم الحديث 1452 ( وعنه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما لقيت) أي: شيء عظيم لقيته ( من عقرب) ظرف لغو ( لدغتني) بالمهملة فالمعجمة، قال في المصباح من باب نفع ( البارحة) الليلة الماضية وفي كلامه الإِيماء إلى عظيم ما أصابه من الألم والوصب من ذلك ( قال: أما) أداة إستقباح أنك ( لو قلت حين أمسيت) أي: دخلت في المساء ( أعوذ) أي: أعتصم وألتجىء ( بكلمات الله) أي: بأقضيته وشؤونه ( التامات) لتنزهها عن كل نقص ( من شر ما خلق) متعلق بأعوذ وما عام يدخل فيه سائر المؤذيات من الخلق، ومنه الهوى والشهوات ( لم يضرك) يجوز في مثله من المضاعف المضموم العين المجزوم أربع لغات: الإِدغام مع الحركات الثلاث، والضم اتباعاً، والفتح، لأنه أخف الحركات، والكسر تخلصاً من التقاء الساكنين، والرابعة فك الإِدغام والجزم بالسكون ( رواه مسلم) قال في السلاح: ورواه ما عدا البخاري من أصحاب الكتب الستة.