فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

رقم الحديث 1514 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إن العبد) أي: الإِنسان المكلف حراً كان أو غيره ( ليتكلم بالكلمة) ينبغي أن يراد بها كل من معنييها اللغويين أي: القول المفرد والجملة المفيدة، من استعمال المشترك في معنييه جملة، وهو جائز عند إمامنا الشافعي في آخرين، ثم رأيت العلقمي، أشار لذلك، بقوله أي: الكلام المشتمل على ما يفهم الخير والشر، سواء طال أو قصر، كما يقال كلمة الشهادة، ويقال للقصيدة كلمة ( ما يتبين فيها) جملة مستأنفة أو حالية من ضمير يتكلم، وفي محل الصفة فالكلمة: لكون أل فيها جنسية ( يزل) بكسر الزاي وتشديد اللام ( بها) أي: بسببها ( إلى النار) أي: إلى جهتها ويقرب منها ( أبعد مما بين المشرق والمغرب) والجملة مضارعية مستأنفة، بيان لموجب تلك الكلمة، ومقتضاها كان قائلاً، قال ماذا يناله بها، فقيل يزل بها وأبعد، صفة مصدر محذوف أي: زللاً بعيد المبدأ أو المنتهى جزاء ( متفق عليه) ورواه أحمد ( ومعنى يتبين) مضارع من التبين ( يفكر أنها) أي: الكلمة ( خير أم لا) .


رقم الحديث 1515 ( وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى) بكسر الراء وضمها، ومن فيه: بيانية حال من الكلمة، وكذا قوله ( ما يلقي لها بالاً) بالموحدة أي: لا يسمع إليها ولا يجعل قلبه نحوها ( يرفعه الله بها درجات) جملة مستأنفة، بيان للموجب، كما تقدم نظيره، وفي نصبه أوجه أحدها أنه منصوب على الظرف، ومفعول الفعل محذوف، أي: يرفعه الله فيها، والثاني أنها تمييز محول عن المفعول المحذوف، والأصل يرفع الله درجاته، فحذف المضاف، ووقع الفعل على المضاف إليه المدلول عليه بالسياق، فحصل إجمال في النسبة فرفع بالإتيان به تمييزاً.
والثالث أنها على نزع الخافض، أي: إلى درجات.
كذا لخص من شرح الشاطبية، للشهاب الحلبي المعروف الشهير، ومن خطه نقلت، وهو ذكر ذلك في قوله تعالى: ( نرفع درجات من نشاء) ( وإن العبد لا يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بألا يهوي) بكسر الواو أي: ينزل ( بها في) دركات ( جهنم) وفي الجملة الأولى الوعد على التكلم بالخير، من أمر بمعروف أو نهي عن منكر وفي الثانية الوعيد على ضده ( رواه البخاري) ورواه أحمد.


رقم الحديث 1519 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من وقاه الله شر ما بين لحييه) أي: لسانه بأن حبسه عن الشر وأجراه في الخير ( وشر ما بين رجليه) أي: فرجه حفظه عن الحرام ( دخل الجنة) أي: مع الفائزين أي: إن لم يأت بكبائر ولم يتب عنها، وإلا فأمره إلى الله.
وظاهر أن الكلام في المؤمنين، فالعام مراد به خاص، أو يقال هو على عمومه، ولا وقاية من شرهما لغيره ( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح) قال في الجامع الصغير ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه.


رقم الحديث 1520 ( وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما النجاة) أي: ما سببها المحصل لها ( قال أمسك عليك لسانك) أي: لا تجره إلا بما يكون لك لا عليك، وكان الظاهر أن يقال حفظ اللسان، فأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للتحقيق مزيداً للتقرير.
وقيل الحديث من أسلوب الحكيم، فإن السؤال عن حقيقة النجاة، والجواب بسببها: لأنه أهم ( وليسعك بيتك) الأمر للبيت، وفي الحقيقة لصاحبه: أي اشتغل بما هو سبب لزومه، وهو طاعة الله تعالى والاعتزال عن الأغيار ( وابك على خطيئتك) ضمن إبك معنى الندامة، فعداه بعلى أي: اندم على خطيئتك باكياً ( رواه الترمذي وقال حديث حسن) .


رقم الحديث 1523 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أتدرون ما الغيبة) أي: ما حقيقتها الشرعية ( قالوا الله ورسوله أعلم) ردوا العلم إليهما، عملاً بالأدب، ووقوفاً عند حد العلم ( قال ذكرك) خبر محذوف دل عليه ذكره في السؤال أي: هي ذكرك ( أخاك بما يكره) أي: بمكروه، أو بالذي يكرهه، وبين المعنيين تفاوت لا يخفى ( قيل أفرأيت) أي: أخبرني ( إن كان في أخي ما أقول) حذف الجواب أي: فهو غيبة، كما يومىء إليه تعريفها السابق، فإنه يشمل ما كان فيه وما لا ( قال إن كان فيه ما تقول) الظرف خبر مقدم لكان، وما اسمها، وعائدها محذوف إن قدرت موصولاً أو موصوفاً، فإن قدرت مصدرية فالاسم، المصدر المنسبك منها مع صلتها ( فقد اغتبته) لصدق الحد السابق لها على ذلك ( وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) بفتح أوليه أي: افتريت عليه الكذب.
وأفادت هذه الجملة، اعتبار قيد، كون المكروه الذي ذكرته قائماً به ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1526 ( وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لما عرج) بالبناء للمفعول، نائب فاعله قوله ( بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس) بضم النون ( يخمشون) بسكون المعجمة وكسر الميم ( بها وجوههم وصدورهم) أي: يجرحونها، والجملة الفعلية محتملة للحالية، والوصفية، والاستناف.
( فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس) باغتيابهم فيه استعارة تصريحية تبعية، شبهت الغيبة بأكل اللحم بجامع التلذذ بكل، فاستعير أكل اللحم للغيبة، ثم سرت منه للفعل، وعطف عليه على وجه التفسير قوله: ( ويقعون في أعراضهم) وفي هذه استعارة مكنية، شبهت أعراض الناس المعبر عنها، على وجه الاستعارة باللحوم بشفا جرف هار.
فالتشبيه المضمر في النفس، استعارة مكنية، وإثبات الوقوع استعارة تحييلية "فائدة" روى الإمام أحمد أنه قيل يا رسول الله إن فلانة وفلانة صائمتان وقد بلغتا الجهد، فقال أدعهما فقال لإِحداهما قيئي، فقاءت لحماً ودماً غبيطاً وقيحاً، والأخرى مثل ذلك، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - صامتاً عما أحل الله، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، أتت إحداهما الأخرى، فلم يزالا يأكلان لحوم الناس، حتى امتلأت أجوافهما قيحاً.
وهذا الحديث شاهد لإجراء صدر الحديث على ظاهره وحقيقته ( رواه أبو داود) .


رقم الحديث 1527 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كل المسلم على المسلم حرام) أي: محرم ( دمه وعرضه وماله) بالجر بدل من المسلم المضاف، بدل اشتمال.
والعرض بالكسر قال في المصباح: النفس والحسب اهـ وظاهر، أن المراد هنا الثاني، فتقدم الأول في قوله دمه.
( رواه مسلم) .
باب تحريم سماع الغيبة ومثلها سائر المحرمات القولية، من نميمة وقذف وكلام كذب ( وأمر من سمع غيبة محرمة بردها) أي: بالإِبطال ( والإِنكار على قائلها) ليرتدع عنه، وهذا لمن قدر عليه ( فإن عجز عنه) لضعف مثلاً ( أو) أنكر ولكن ( لم يقبل منه) لقوة العناد وداعية الفساد ( فارق ذلك المجلس) أي: المشتمل على ما ذكر ( إن أمكنه) بأن أمن نفساً ومالاً محترمين، وسائر ما يعتبر الخوف عليه شرعاً.
( قال الله تعالى: وإذا سمعوا اللغو) أي: القبيح من القول ( أعرضوا عنه) تكرماً وتنزهاً.
( وقال تعالى: والذين هم عن اللغو) أي: كل ما لا يعنيهم من قول وفعل ( معرضون) .
( وقال تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) تقدم ما يتعلق بها في الباب قبله ( وقال تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) أي: بالطعن والاستهزاء ( فأعرض عنهم) بترك مجالستهم ( حتى يخوضوا في حديث غيره) الضمير للآيات باعتبار القرآن ( وإما ينسينك الشيطان) النهي عن مجالستهم لوسواسه ( فلا تقعد بعد الذكرى) أي: بعد أن تذكر ( مع القوم الظالمين) أي: منهم فإنهم ظلمة، بوضع التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والتعظيم.


رقم الحديث -252 بضم أوليه جمع أمر بمعنى الحال أما الأمر بمعنى الطلب فجمعه أوامر ( المنهي عنها) تحريماً أو تنزيهاً بالمعنى الشامل لخلاف الأولى.
( باب تحريم الغيبة) بكسر المعجمة وسكون التحتية ( والأمر بحفظ اللسان) أي: عن كل منهي عنه من الكلام ومنه المباح الذي لا يعني.
( قال الله تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضاً) والغيبة ذكرك أخاك بما يكره، مع أنه فيه فإن لم يكن فيه فبهتان ( أيحب أحدكم أن جمل لحم أخيه) تمثيل لما ينال من عرض أخيه على أفحش وجه ( ميتاً) حال من اللحم والأخ ( فكرهتموه) الفاء فصيحة أي إن عرض عليكم هذا فقد كرهتموه، فهو تقرير وتحقيق للأول ( واتقوا الله إن الله تواب) بليغ في قبول التوبة ( رحيم) بالغ الرحمة.
وقال تعالى: ( ولا تقف) أي: تتبع ( ما ليس لك به علم) ما لم يتعلق به علمك من قول وفعل، فيدخل فيه شهادة الزور والكذب والبهتان ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك) أي: السمع والبصر والفؤاد، وأولئك تجيء لغير العقلاء ( كان عنه مسؤولاً) من جوز تقديم مفعول ما لم يسم فاعله .


رقم الحديث 1513 وما بين لحييه هو اللسان فلا يتكلم إلا فيما أمر به، ويسكت في غيره ( وما بين رجليه) أي: فرجه فلا يأتي به حراماً ( أضمن) بالرفع على الاستئناف، وبالجزم جواب الشرط المقدر: لكونه في جواب الطلب، وقصد به الجزاء ( له الجنة متفق عليه) في الجامع الصغير رمز البخاري فقط، وكذا صنع في الجامع الكبير وزاد فيه رمزاً للبيهقي في الشعب، فلعل الحديث عند مسلم كما قاله المصنف لا من حديث سهل أو لا بخصوص هذا اللفظ.


رقم الحديث 1521 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أصبح ابن آدم) أي: دخل في الصباح ( فإن الأعضاء كلها) جمع عضو بضم أوله وكسره، كل لحم وافر بعظمه، قاله في القاموس.
ويطلق على القطعة من الشيء والجزء منه أي: كما في المصباح، والظاهر أن هذا مراد هنا ( تكفر اللسان) بينه بمَوله ( تقول اتق الله فينا) فالجملة بدل مما قبلها أو بيان له ( فإنما نحن بك) أي: مجازون بما يصدر عنك، والحصر إضافي.
( فإن استقمت استقمنا) القوام بالفتح العدل والاعتدال، أي: إن اعتدلت اعتدلنا ( وإن اعوججت اعوججنا) العوج بفتحتين، في الأجساد، خلاف الاعتدال وهو مصدر من باب تعب يقال عوج العود فهو أعوج والعوج بكسر ففتح في المعاني، يقال في الدين عوج وفي الأمر عوج.
قال أبو زيد في الفرق وكل ما رأيته بعينك فهو مفتوح، وما لم تره بعينك فمكسور اهـ.
من المصباح واستشكل الطيبي الجمع بين هذا الحديث، وحديث: "إن في الجسد مضغة" ثم أجاب بما حاصله أن اللسان خليفة القلب وترجمانه، وأن الإِنسان عبارة عن القلب واللسان، والمرء بأصغريه.
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده.
( رواه الترمذي) وابن خزيمة والبيهقي في الشعب ( معنى تكفر) بضم الفوقية وتشديد الفاء ( أي تذل وتخشع) والتكفير هو انحناء قريب من الركوع، كذا في النهاية، ونقله الطيبي وسكت عليه.
قال بعض، شراح الجامع الصغير: ولا مانع أن يكون التكفير هنا، كناية عن تنزيل الأعضاء اللسان، إذا أخطأ منزلة الكافر النعم، أو الخارج من الإِسلام إلى الكفر مبالغة، فهي تكفره بهذا الاعتبار وبلسان الحال، ولا ينافي هذا قوله تقول الخ وكأنه الحامل لصاحب النهاية لما جنح له، فإنه لولا توهمه المنافاة، ما اقتصر على ما ذكره.
وقد علم مما قررته بل هو أبعد عن التأويل، كذا في نسخة، وفي أخرى بزيادة ( قبل هذا) وهو باب .