فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم سَبّ المسلم بغير حق

رقم الحديث 1559 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سباب) بكسر السين المهملة للمبالغة؛ أي: سب ( المسلم كقتاله) أي: في الإِثم والتحريم.
قال المصنف في شرح مسلم: السب في اللغة: الشتم والتكلم في عرض الإِنسان بما يعيبه، والظاهر أن المراد من قتاله المقاتلة المعروفة.
قال القاضي: ويجوز أن يراد بها المشادة والمدافعة.
قال الداودي يحتمل مساواة ذنب الساب للمقاتل.
قال الطبري: وجه التشبيه بين اللعن والقتل: أن اللعن هو الإِبعاد من رحمة الله، والقتل إبعاد من الحياة ( متفق عليه) ورواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة، كلهم من حديث ابن مسعود.
ورواه ابن ماجة أيضاً من حديث أبي هريرة وسعد.
ورواه الطبراني من حديث عبد الله بن مغفل، ومن حديث عمرو بن النعمان بن مقرن.
ورواه الدارقطني في الإِفراد من حديث جابر.
وفي نسخة بدل هذا الحديث "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وهو للشيخين أيضاً.
والفعال فيهما يحتمل أنه على بابه، ويحتمل أنه للمبالغة أي: سبه وقتله أي: كل منهما كفر، أي: إن استحله أو المراد به كفران النعمة، وعدم أداء حق أخوة الإِيمان.


رقم الحديث 1560 ( وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لا يرمي رجل رجلاً بالفسق) كأن يقول فيه فاسق ( أو الكفر) كأن قال فيه كافر مثلاً وأو للتنويع ( إلا ارتدت) وفي نسخة إلا ردت، أي: رجعت المرمية ( عليه) أي: القائل ( إن لم يكن صاحبه) أي: المقول فيه ( كذلك رواه البخاري) ففيه تفسيق من رمى غير الفاسق بالفسق، أي: خروجه عن الطاعة.
ويحتمل صيرورته فاسقاً بذلك، إن أصر عليه.
وفيه تكفير من رمى المؤمن بالكفر، أي: إن قصد به ظاهره واستحل ذلك.


رقم الحديث 1561 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال المتسابان) أي: اللذان يسبب كل منهما الآخر ( ما قالا) أي: إثم ما قالا من السب، وهو مبتدأ خبره ( فعلى البادي منهما حتى) أي: إلى أن ( يعتدي) أي: يتجاوز ( المظلوم) بأن يتجاوز حد الانتصار.
قال المصنف معناه أن إثم السباب الواقع بينهما يختص بالبادي منهما كله، إلا أن يجاوز الثاني قدر الانتصار فيؤذي الظالم بأكثر مما قاله.
وفيه جواز الانتصار ولا خلاف فيه، وتظاهر عليه الكتاب والسنة.
ومع ذلك فالصبر وللعفو أفضل، كما قال تعالى ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) وكحديث "وما ازداد عبد بعفو إلا عزا" "فإن قلت" إذا لم يكن المسبوب آثماً، وبرىء البارىء عن ظلمه بوقوع القصاص منهما، فكيف صح تقدير إثم ما قالا؟ "قلت": إضافته بمعنى في، يعني إثم كائن فيما قالا، وهو إثم الابتداء، فعلى البادىء ( رواه مسلم) ورواه أحمد وأبو داود والترمذي.
ثم هو في نسخ مسلم "المتسابان" بصيغة الافتعال.
وكذا عزاه إليه صاحب المشارق وغيره.
والذي رأيته في نسخ الرياض، ما ذكرنا من التفاعل.


رقم الحديث 1562 ( وعنه قال أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب) أي: الخمر.
قال الدماميني: يصح تفسير هذا الرجل بالنعيمان وبعبد الله الملقب بحمار ( فقال اضربوه) أي: حدا ( قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله، والضارب بثوبه) فيه جواز إقامة حد الخمر بالضرب بغير السوط، وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال، أصحها الجلد بالسوط، ويجوز الاقتصار على الضرب، بالأيدي والثياب ( فلما انصرف قال بعض القوم) قال الحافظ: وفي الرواية التي بعده في البخاري، فقال رجل، وذلك الرجل هو عمر بن الخطاب، إن كانت القضية متحدة مع حديث عمر في قصة حمار ( أخزاك الله فقال لا تقولوا هكذا) وفي نسخة "هذا" ( لا تعينوا عليه الشيطان) لا الثانية: ناهية أيضاً، والجملة كالتعليل لما قبلها.
ووجه عونهم الشيطان بذلك، أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية حصول الخزي فإذا دعوا عليه به، فكأنهم قد حصلوا، مقصود الشيطان ( رواه البخاري) وأشار في فتح الباري إلى أن أبا داود أيضاً رواه وزاد في آخره: "ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه" فيستفاد منه منع الدعاء، بنحو ذلك على العاصي.


رقم الحديث 1563 ( وعنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من قذف) أي: رمى ( مملوكه) ذكراً كان أو أنثى ( بالزنى يقام عليه الحد يوم القيامة) إظهاراً لكمال العدل؛ ( إلا أن يكون) أي: المملوك ( كما قال) بحذف العائد لما وصرح به في رواية أي: كما قاله السيد فيه من كونه زانياً، فلا حد عليه.
وظاهر عموم الحديث انتفاء الحد، عند كون المملوك كذلك، وإن لم يعلم به السيد ( متفق عليه) ورواه أحمد وأبو داود والترمذي.
واللفظ الذي ساقه المصنف لمسلم، ولفظ الباقين "من قذف مملوكه وهو برىء مما قاله جلد يوم القيامة حداً إلا أن يكون كما قال" أشار إليه السيوطي في الجامع الكبير.
باب تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية ( وهي) أي: المصلحة الشرعية المرادة بالحق أيضاً، فعطفها عليه لتغاير الصفة ( التحذير من الاقتداء به في بدعته وفسقه) متعلق بالاقتداء ( ونحو ذلك) مما كان الميت متلبساً به، مما لا يحسن التلبس به، لإِخلاله بالمروءة؛ وكجرح رواة الحديث لأن أحكام الشرع مبنية عليه؛ ( فيه الآية والأحاديث السابقة في الباب قبله) وكذا السابقة في باب حفظ اللسان.


رقم الحديث -264 باب تحريم سب المؤمن بغير حق أي: من اقتصاص منه بمثلها، قالوا مما لا يؤدي، لكذب أو سب أصلي الساب أو لا أو من تعزيز، أو تأديب.
أما لذلك فلا يحرم، بل يجب تارة ويندب أخرى.
قال الله تعالى: ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) من جناية أو استحقاق لأذى ( فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) فذكر فيها سائر أنواع الأذى، القولية من غيبة ونميمة وسخرية به، والفعلية من ضرب وإهانة له، وغير ذلك.
قيل: ونزلت في الذين يسبون علياً رضي الله عنه.