فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم النياحة على الميت، ولطم الخدِّ وشقِّ الجيب ونتف الشعر وحلقه، والدعاء بالويل والثبور

رقم الحديث 1657 ( عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - الميت) أل فيه للجنس ( يعذب) بالبناء للمجهول وصلته قوله ( في قبره بما نيح عليه) أي: بسبب النوح ( وفي رواية ما نيح عليه) أي مدة النوح ( متفق عليه) قال المصنف: رحمه الله تعالى: اختلف العلماء في هذه الأحاديث، فتأولها الجمهور على من أوصى بأن يبكي عليه ويناح بعد موته، فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه؛ ومنسوب إليه أما من بكى عليه أهله أو ناحوا بغير وصية منه، فلا يعذب.
لقوله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقال طائفة: محمول على من أوصي بالبكاء والنوح، أو لم يعرض بتركهما أو أهمل الوصية بتركهما، فيعذب لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما، فأما من أوصى بتركهما فلا يعذب بهما، إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه.
وحاصل هذا القول: إيجاب الوصية بتركهما، ومن ْأهملها عذب بهما.
وقيل إنهم كانوا ينوحون عليه بما هو محرم شرعاً، نحو يا ميتم الولدان، ومرمل النسوان، مما يرونه شجاعة وفخراً، وهو محرم شرعاً.
وقيل: معناه إن الميت يعذب أو بسماعه بكاء أهله رقة عليهم وشفقة لهم، وإليه ذهب ابن جرير وغيره.
وقال القاضي عياض: هو أولى الأقوال.
واحتج له بحديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر امرأة عن البكاء، وقال: إن أحدكم إذا بكى، استعبر له صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم".
وقالت عائشة معناه: أن الكافر وغيره من أصحاب الذنوب، يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه، لا ببكائهم.
والصحيح من هذه الأقوال ما قدمناه عن الجمهور.
وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم: أن المراد من البكاء فيه، البكاء بصوت ونياحة، لا مجرد دمع العين اهـ.
ملخصاً.


رقم الحديث 1658 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا") أي: من أهل هدينا وطريقنا ( من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) نحو واجملاه واكفهاه ( متفق عليه) والحديث فيمن جمع الأمور الثلاثة، واجتماعها غير شرط فيما ذكر، بل أحدها مقتض للخروج عن الهدى والطريق، ويمكن جعل الواو فيه بمعنى أو.


رقم الحديث 1660 ( وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من نيح) بكسر النون مبني للمجهول، نائب فاعله ( عليه) ويجوز في مثله ضم النون، فتبقى الواو كما تبقى مع الاشمام أيضاً ( فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة) لا يخالف الرواية السابقة فإنه يعذب بما نيح عليه، لأن السكوت عن الشيء لا ينفيه، فذكر في كل من الحديثين، عذاب أحد المنزلين.
وتقدم المراد من الوعيد فيه ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1659 ( وعن أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري، قيل: اسمه عامر، وقيل: الحارث.
قال الحافظ في التقريب: ثقة من أوساط التابعين.
مات سنة أربع ومائة، وقيل غير ذلك، جاوز الثمانين، خرّج عنه الجميع ( قال وجع أبو موسى الأشعري) عبر به دون أبي لأنه أشهر ( رضي الله عنه فغشي) بالبناء للمجهول نائب فاعله ( عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله) جملة حالية من الضمير المجرور، والمرأة هي زوجته أم عبد الله صفية بنت أبي دوم، ذكره السيوطي في التوشيح ( فأقبلت تصيح برنة) بفتح الراء وتشديد النون، أي: صيحة ( فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً) لغلبة الإِغماء عليه ( فلما أفاق) من إغمائه ( قال أنا بريء) بالمد فعيل بمعنى فاعل أي: ( ممن برىء) بصيغة الماضي المعلوم ( منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ثم استأنف بيان من برىء منهم، استئنافاً بيانياً فقال ( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريء من الصالقة) بالصاد ويقال بالسين المهملتين ( والحالقة والشاقة، متفق عليه، الصالقة) بالصاد المهملة وبالقاف ( التي ترفع صوتها بالنياحة والندب) أي: تعداد أوصاف الميت، من الصلق وهو الصوت الشديد.
كما في المصباح ( والحالقة التي تحلق رأسها) والمراد بالحلق الإِزالة بأي وجه كان ( عند المصيبة والشاقة) بالمعجمة والقاف ( التي تشق ثوبها) أي: عند المصيبة، وذلك لما في فعل هذه الأمور من التبرم من القضاء الإِلهي، والتضجر منه، وذلك سبب لاحباط الثواب وحلول العقاب.


رقم الحديث 1661 (وعن أم عطية) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية (نسيبة بضم النون) وفتح المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة فهاء (وفتحها) أي: النون أي: إنها تقال بالتصغير والتكبير (رضي الله عنها قالت: أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند البيعة) منه للنساء المؤمنات (أن والعين المهملة جعله القاضي عياض نوعاً من التنجيم، فإنه قال بعدما تقدم عنه في المنجم، ومنه العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدّعي معرفتها بها، وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك بالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة، وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة اهـ.
(وأصحاب الرمل) بفتح الراء وسكون الميم، وهي من طرق استكشاف المغيبات، وهو حرام كما في الروضة وغيرها (والطرق) بفتح الطاء المهملة وسكون الراء وبالقاف (بالحصى) بالمهملتين، وفي نسخة والطوارق بالحصى (وبالشعير ونحو ذلك) قال عياض: وقد كذبهم كلهم الشرع، ونهى عن تصديقهم وإتيانهم.