فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء فراراً منه وكراهة القدوم عليه

رقم الحديث 1791 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ) بفتح المهملة وسكون الراء، ووهم من فتحها، بعدها معجمة: منزل من منازل حاج الشام على ثلاث عشرة مرحلة من المدينة.
قال السيوطي في التوشيح: والذي حكى الفتح: القاضي عياض، وجعله المصنف في شرح مسلم: خلاف المشهور لا وهماً، ويجوز صرف سرغ ومنعه قال الدماميني في المصابيح: وسرغ قرية بتبوك قريب من الشام ( لقيه أمراء الأجناد) قال المصنف: المراد بالأجناد مدن أهل الشام الخمس، وهي فلسطين والأردن ودمشق وحمص ونسرين.
هكذا فسروه واتفقوا عليه ( أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء) يعني الطاعون ( قد وقع بالشام قال ابن عباس فقال لي عمر ادع لي المهاجرين الأولين) قال القاضي عياض: المراد بهم: من صلى إلى القبلتين، فأما من أسلم بعد تحويل القبلة فلا يعد فيهم ( فدعوتهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا فقال بعضهم خرجت لأمر) هو قتال العدو ( ولا نرى أن نرجع عنه) معطوف على الجملة الأولى.
قال المصنف: وهؤلاء بنوا كلامهم على أصل من أصول الشرع، هو التوكل والتسليم للقضاء ( وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بالجر عطفاً على الناس، وبالرفع عطفاً على بقية عطف خاص على عام ( ولا نرى أن تقدمهم) بضم الفوقية وكسر الدال المهملة وبفتحها: على تقدير الجار أي: تقدم بهم ( على هذا الوباء) قال المصنف وهذا مبني على أصل آخر من أصول الشريعة، هو الاحتياط والحذر، ومجانبة أسباب الإِلقاء باليد إلى التهلكة ( فقال) لهم ( ارتفعوا عني ثم قال) أي: لابن عباس ( ادع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين) أي: طريقهم في اختلاف الرأي في ذلك ( واختلفوا) كاختلافهم ( فمن قائل بالتقدم ومن قائل بالرجوع، فقال ارتفعوا عني ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش) بفتح الميم وكسر المعجمة الأولى وسكون التحتية أو بفتح الميم والتحتية وسكون المعجمة الأولى بينهما وكلاهما جمع شيخ.
كما تقدم أول الكتاب ( من مهاجرة الفتح) قيل: هم الذين أسلموا قبل الفتح فحصل لهم فضل بالهجرة قبله، إذ لا هجرة بعد الفتح.
وقيل: هم مسلمة الفتح الذين هاجروا بعده، فحصل لهم اسم الهجرة دون الفضيلة.
قال القاضي عياض: وهذا أظهر لأنهم الذين ينطلق عليهم اسم مشيخة قريش، ولذا اقتصر عليه الشيخ زكريا في تحفة القاري ( فدعوتهم فلم يختلف عليه منهم رجلان) معطوف على مقدر دل عليه ما قبله، أي: فاستشارهم فلم يختلفوا في أمر بالعود، فلذلك قال: ( فقالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء) فاجتهد عمر فرأى الرجوع، لكثرة القائلين به، ولأنه أحوط ولم يفعله تقليداً.
وقيل إشارة لحديث عبد الرحمن، كما في رواية لمسلم.
قال ابن عمر: إنما انصرف بالناس عن حديث عبد الرحمن بن عوف قال: هولاً، ولم يكن ليرجع لرأي دون آخر حتى يجد علماً.
ويوافق الأول قوله ( فنادى عمر في الناس فقال إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه) وتأوله الآخرون بأن المراد أنه مسافر للجهة التي خرج إليها لا للرجوع إلى المدينة، قال المصنف: وهو تأويل فاسد، والصحيح الذي دل عليه الحديث، أنه إنما قصد الرجوع للمدينة بالاجتهاد حين رأى رأي الأكثرين عليه مع فضيلة المشيرين به، وما فيه من الاحتياط.
ثم بلغه الحديث فحمد الله وشكره على موافقة رأيه واجتهاده واجتهاد معظم الصحابة نص النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومصبح بصيغة الفاعل من الاصباح ( فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه أفراراً من قدر الله) ؟ أي: أنفر فراراً أو ترجع فراراً ( فقال عمر رضي الله الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) إشارة إلى ما كتبوه من السحر ودفنوه تحت كرسي سليمان، فلما مات انتزعوه وقالوا لأوليائهم من الإنس: إن كان تسلط سليمان بهذا فتعلموه، فأبطله الله بذلك ( وما أنزل على الملكين) عطف على السحر ما يتلى.
أي: ويعلمونهم كما أنهما ( ببابل) ظرف أو حال اسم موضع من الكوفة.
وعطف على الملكين عطف بيان قوله ْ ( هاروت وماروت) وعند بعض السلف أن ما نافية، فيكون عطفاً على "ما كفر سليمان" أي: ولا أنزل على ملكين أي: جبريل وميكائيل فإن سحرة اليهود زعموا أن السحر أنزل على لسانهما إلى داود، فردهم الله.
ويسأل: متعلق بيعلمون.
وهاروت وماروت اسمان لرجلين صالحين ابتلاهما الله بالسحر وقعا بدلا من الشياطين ( وما يعلمان) أي: الملكان أو الرجلان ( من أحد) أي أحداً ( حتى يقولا إنما نحن فتنة) ابتلاء واختبار ( فلا تكفر) بتعلمه وذلك لأن تعلمه للعمل كفر، وتعلم هذا النوع كفر لما فيه من الكفر فهذه نصيحة منهما.