فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم انتساب الإِنسان إِلَى غير أَبيه وَتَولِّيه إِلَى غير مَواليه

رقم الحديث 1802 (عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من ادعى) بتشديد الدال الإِبل وأشياء من) مسائل (الجراحات) وأحكامها (وفيها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة حرام) كمكة لكن لا ضمان في المتلف من صيدها، بخلاف صيد الحرم المكي (ما بين عير) بفتح المهملة وسكون التحتية (إلى ثور) بفتح المثلثة وسكون الواو وآخره راء.
قال المصنف جبل صغير وراء جبل أحد، يعرفه أهل المدينة (فمن أحدث فيها حدثاً) كائن ابتدع فيها بدعة في الدين أو تسبب لإِحداث أذى المسلمين من مكس أو ظلامة (أو آوى) بالمد (محدثاً) بصيغة الفاعل أي: فاعل الحدث المذكور وبفتح الدال مصدر ميمي فيكون في الحديث مضاف مقدر أي: إذا أحدث (فعليه لعنة الله) بمنعه له من الرحمة (والملائكة والناس أجمعين) سؤالهم ذلك من الله تعالى، وفيه عظم المعصية بالمدينة.
قال السيد السمهودي: الصغيرة من الذنب إذا فعلت بالمدينة صارت كبيرة للوعيد المذكور (لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) قيل الصرف الفريضة، والعدل النافلة قاله الجمهور، وعكسه الحسن.
وقال الأصمعي: الصرف التوبة والعدل الفدية.
وقال يونس: الصرف الاكتساب، والعدل الفدية.
وقال أبو عبيد: العدل الحيلة وقيل العدل المثل.
وقيل: الصرف الدية والعدل الزيادة.
قال القاضي وقيل: معناه لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضاً، وإن قبلت قبولاً آخر.
وقيل: يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب منهما، قال: وقد يكون معنى الفدية هنا أنه لا يجد في يوم القيامة فداء يفتدي به، بخلاف غيره من المذنبين الذين يتفضل الله عز وجل على من يشاء منهم، بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني، كما ثبت في الصحيح اهـ.
ملخصاً من شرح المصنف على مسلم (وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم) ولو عبداً أو امرأة فإيمانهما صحيح قاله إمامنا الشافعي، والحديث شاهد له (فمن أخفر) بالخاء المعجمة والفاء (مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) قال المصنف: معناه من نقض أمان مسلم، فتعرض لكافر أمنه مسلم، فعليه ذلك (ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) قال المصنف: هذا تصريح في تغليظ تحريم الانتساب إلى غير أبيه، وانتماء المعتق إلى غير مواليه، لما فيه من كفر النعمة، وتضييع حقوق الإِرث والولاء والعقل وغير ذلك، مع ما فيه من القطيعة والعقوق (لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) زيادة في إذلاله وإبعاده عن الرحمة (متفق عليه ذمة) بكسر المعجمة وتشديد الميم (المسلمين أي: عهدهم وأمانتهم) بيان لها بالمراد بها في الحديث أي: أن أمان المسلمين للكافر صحيح بشروطه المعروفة، فإذا وجدت حرم التعرض له كما قاله فمن أخفره إلخ.
(وأخفره) بالضبط السابق (نقض عهده) أي: نقض أمانه وتعرض للكافر الذي أمنه.
قال أهل اللغة: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده، وخفرته إذا أمنته (والصرف التوبة) تقدم أنه قول الأصمعي وأنه جاء مرفوعاً (وقيل: الحيلة) هو قول أبي عبيد (والعدل الفدية) هو قول يونس.


رقم الحديث 1805 ( وعن أبي ذر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ليس من) زائدة للتأكيد ( رجل ادعى) بتشديد الدال أي انتسب ( لغير أبيه وهو يعلمه) أي: وقصده نفي نسب أبيه عنه، وإلا فلو اشتهر بالنسب إلى جده أو من تبناه مثلاً، فانتسب لذلك لشهرته غير قاصد انتفاءه من نسبه، فلا يشمله الوعيد الآتي ( إلا كفر) أي: إن استحله، وقد علم بالتحريم المعلوم من الدين بالضرورة والإِجماع.
هذا إن حمل على الكفر المضاد للإِيمان، وإن أريد منه الكفران المقابل للشكر، فالأمر ظاهر ( ومن ادعى ما ليس له) عامداً عالماً ( فليس منا) أي: على هدينا وطريقنا ( وليتبوأ مقعده من النار) أي: فلينزل أو فليتخذ منزله منها.
قال الخطابي: وأصله من تباة الإِبل.
وهي أعطانها.
ثم إنه دعي بلفظ الأمر أي بوأه الله ذلك، وقيل: خبر بلفظ الأمر أي: فقد استوجبها.
ثم معناه هذا جزاؤه وقد يجازى به وقد يعفو الله الكريم عنه، ولا يقطع عليه بدخول النار، قال المصنف ( ومن دعا رجلاً بالكفر) كائن قال له يا كافر ( أو قال عدو الله) بالنصب على تقدير حرف النداء وبالرفع: خبر مبتدأ، أي: هو عدو الله، وليس المدعو أي: المقول له ( كذلك) أي: متلبساً بما رماه به القائل ( إلا حار) المهملة والراء أي: رجع ( عليه) قوله وصار القائل كما قال في أخيه أي: إن اعتقد أن الإِيمان القائم بذلك المقول له كفر، وأن المؤمن القائم به ذلك كافر، وإلا فهو محمول على الزجر والتنفير ( متفق عليه وهذا لفظ رواية مسلم) .
باب التحذير من ارتكاب ما نهى الله عز وجل أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - عنه سواء كان النهي على وجه الجزم والاقتضاء، فيكون للتحريم.
أولاً، وسواء كان الثاني بنهي مقصود، وهو المكروه أو غير مقصود.
وهو خلاف الأولى، وذلك لشمول النيه لكلٍ وإن كان الأول أغلظ لحصول الإِثم بفعل المنهى عنه فيه لا في الثاني ( قال الله تعالى: فليحذر الذين يخالفون) معرضين ( عن أمره أن تصيبهم فتنة) في الدنيا ( أو يصيبهم عذاب أليم) في الآخرة وإذا ورد هذا الوعيد في مخالفة أمر الرسول والإعراض عنه، فعن أمر الحق أحق ( وقال تعالى: ويحذركم الله نفسه) أي: عن عقاب يصدر عن نفسه، وهذا غاية التحذير.
كما يقال: احذر غضب السلطان نفسه ( وقال تعالى: إن بطش ربك) أي: أخذه بالعنف لأعدائه ( لشديد) مضاعف ( وقال تعالى: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى) أي: أهلها ( وهي ظالمة) أسند إليها ما هو لأهلها مجازاً عقلياً من الإِسناد للمكان نحو نهر جار ( إن أخذه أليم شديد) وجيع صعب.