فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب المنثورات والملح

رقم الحديث 1812 ( وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يتبع) بسكون الفوقية ( الدجال من يهود أصبهان) بكسر الهمزة والموحدة وفتحها وتبدل فاء ( سبعون ألفاً عليهم الطيالسة) جملة في محل الحال المقدرة ( رواه مسلم) ورواه أحمد وأبو عوانة وابن حبان قال الحافظ في الفتح: ولا يلزم من هذا كراهة لبس الطيلسان.
قال الحافظ السيوطي في كتاب "الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان": وهو واضح لأن الكراهة تحتاج إلى نهي خاص به، ولا وجود له، وإذا لبس الكفار ملبوس المسلمين: لا يكره للمسلمين لبسه.
قال الحافظ ابن حجر: وقيل المراد بالطيالس الأكسية اهـ.
وزاد غيره أن المراد الطيلسان المقور.
قال السيوطي: وهذا أصح الأقوال فيه، ويؤيده ما أخرجه أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال فقال: "يكون معه سبعون ألفاً من اليهود على رجل منهم ساج وسيف".
قال ابن الأثير في النهاية: الساج: الطيلسان الأخضر، وقيل: هو الطيلسان المقور، ينسج كذلك.
قال الزركشي في الخادم: والمراد بالمقور المدور كما قاله الأزهري أنه ينسج مدوراً يعني كهيأة السفرة ولهذا شبه بتقوير البطيح والجيب اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى بن الفراء من الحنابلة: لا يمنع أهل الذمة من الطيلسان المقور الطرفين المكفوف الجانبين الملفف بعضها إلى بعض ما كانت العرب تعرفه وهو لباس اليهود قديماً والعجم أيضاً والعرب تسميه ساجاً، ويقال: إن أول من لبسه من العرب جبير بن مطعم.
وكان ابن سيرين يكرهه اهـ.
وفي الأوائل للعسكري: أول من لبسه من العرب في الإِسلام عبد الله بن عامر بن كريز.
وقيل جبير بن مطعم.
وكذا قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: إن الطيلسان المقور لا أصل له في السنة، ولم يكن من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، بل هو من شعار اليهود.
وفي الصحيح "أن الدجال يخرج معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم الطيالسة" وقال بعد كلام طويل ما لفظه: فتبين بهذه النقول أن كل من وقع في كلامه من العلماء: كراهة الطيلسان وكونه شعار اليهود، إنما أراد المنور، والذي على شكل الطرحة، يرسل من وراء الظهر والجانبين، من غير إدارة تحت الحنك، ولا إلقاء لطرفيه تحت الكتفين، وأما المربع الذي يدار من تحت الحنك ويغطى الرأس وأكثر الوجه ويجعل طرفاه على الكتفين، فلا خلاف في أنه سنة اهـ.
كلام السيوطي ملخصاً.


رقم الحديث 1817 (وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من نبي إلا وقد أنذر قومه) وفي نسخة أمته (الأعور الكذاب) وذلك لأنهم علموا بخروجه وشدة فتنته، وتوهم كل نبي إدراك أمته فأنذرهم منه (إلا) بتخفيف اللام: أداة استفتاح وحرف تنبيه (أنه أعور وإن ربكم عز وجل ليس بأعور) جملة معطوفة على مدخول أن قبلها، وإنما اقتصر على ذلك مع أن أدلة الدجال) أي: عن آيات كذبه (ما حدث به نبي قومه) أي: إن إنذاره لقومه كان بغيره (أنه أعور وأنه يجيء معه بمثال) بكسر الميم وتخفيف المثلثة (الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار) أي: وبالعكس واكتفي بما ذكره لدلالته عليه (متفق عليه) واللفظ لمسلم.
وأشار إليه البخاري بقوله في آخر باب ذكر الدجال فيه أبو هريرة وابن عباس، وذكر الحافظ في الفتح: يحتمل أنه أشار لهذا الحديث وهو أقرب اهـ.
ملخصاً.


رقم الحديث 1829 ( وعن رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء وبالعين المهملة ( بن رافع) بالحروف المذكورة ابن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بتقديم الزاي ( الزرقي) بضم فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم".


رقم الحديث 1841 ( وعنه) رضي الله عنه ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أحب البلاد) أل فيه للجنس ( إلى الله مساجدها) لأنها البيوت التي أذن الله فيها أن ترفع ويذكر فيها اسمه بالتسبيح والتقديس والثناء عليه جل وعلا، ويقام فيها الصلاة، ويقرأ فيها القرآن، وينشر فيها العلوم، ويعرض فيها لنفحات الحي القيوم.
والبلاد جمع بلد في القاموس البلد والبلدة كل قطعة من الأرض.
مستحيزة عامرة أو غامرة.
وفي الصحاح البلد الأرض.
وفي النهاية البلد من الأرض ما كان مأوى للحيوان وإن لم يكن فيه بناء، وفي المصباح يطلق البلد والبلدة على كل موضع من الأرض عامراً كان أو خلاء.
وفي التنزيل إلى بلد ميت أي: إلى أرض ليس بها نبات ولا مرعى، فيخرج ذلك بالمطر فترعاه أنعامهم فأطلق الموت، على عدم النبات والمرعى، وأطلق الحياة على وجودهما اهـ .
( وأبغض البلاد إلى الله) تعالى ( أسواقها) جمع سوق وهو اسم لكل مكان وقع فيه التبايع ممن يتعاطى البيع.
وفي المصباح: السوق يذكر ويؤنث.
وقال أبو إسحاق التأنيث أفصح وأصح والتذكير خطأ، لأنه يقال سوق نافقة ولم يسمع نافق.
والنسبة إليها سوقي وسبب البغض أنها محل للفحش والخداع والربا والأيمان الكاذبة واختلاف الوعد والإِعراض عن ذكر الله تعالى، وغير ذلك مما في معناه، والحب والبغض من الله تعالى إرادته الخير والشر، وفعل ذلك لمن أسعده وأشقاه والمساجد محل نزول الرحمة والأسواق ضدها.
وقال السيوطي: هذا مجاز وصف المكان بصفة ما يقع فيه ولا يقوم به قيام العرض بالجوهر أراد بمحبة المساجد حب ما يقع فيها من ذكر، وتلاوة كتابه، والاعتكاف، ونشر العلم والصلوات.
ويبغض الأسواق بغض ما فيها من غش وخديعة وخيانة وسوء معاملة مع كون أهلها لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، ولا يغضون أبصارهم عن المحارم ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1842 ( وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه) تقدمت ترجمته في باب أدب المجلس والجليس ( من قوله) أي: موقوفاً عليه وهو في محل الحال ( قال: لا تكونن إن استطعت) جملة شرطية محذوفة الجواب، لدلالة المقام عليه أي: فلا تكونن من أول داخل فيها ولا خارع منها وهي معترضة بين اسم يكون وهو المستكن في الفعل وخبرها وقوله ( أول من يدخل السوق ولا آخر) معطوف عليه ( من يخرج منها) وأتى بالجملة تنبيهاً على أن التكاليف على هذه الأمة، حسب طاقتها وقدر استطاعتها.
وعلل ما ينهى عنه بقبوله ( فإنها) أي: السوق ( معركة الشيطان) أي: يريد فيها القبائح من الغش والخداع والأيمان الكاذبة، والأفعال المنكرة، ويريد ذلك لأوليائه من الإِنس ( وبها ينصب رايته) والمبادرة إليها دخولاً، والناس مفعوله لكن الرواية على الأول ( من كلام النبوة الأولى) أي: ذوي النبوة المتقدمة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت) أي: إذا أردت فعل شيء فإن كان مما لا يستحى فيه من الله ولا من الناس لإِباحته فافعل وإلا فلا، وعليه فالأمر للإِباحة.
ويجوز أن يكون الأمر للتهديد أي: إذا نزع منك الحياء فافعل ما شئت فإنك مجازى عليه، أو أن الأمر بمعنى الخبر أي: إذا نزع منك الحياء فعلت ما شئت من حرام وحلال، إذ لا رادع يردعك، وتقدم في بيان كثرة طرق الخير تعريف الحياء ( رواه البخاري) وقال السخاوي في تخريج الأربعين حديثاً التي جمعها المصنف: هذا حديث صحيح كوفي المخرج رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والطبراني والقطيعي.
في زوائد المسند وجمع آخرون يطول الكلام بذكرهم.


رقم الحديث 1847 ( وعنها قالت كان خلق) بضم المعجمة واللام أي: سجية ( نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن) قال العارف بالله تعالى السهروردي صاحب عوارف المعارف: لا يبعد أن قول عائشة: فيه رمز غامض وإيماء خفي إلى الأخلاق الربانية، فاحتشمت الحضرة الالهية أن تقول كان متخلقاً بإخلاق الله تعالى، فعبرت عن ذلك المعنى بقولها.
كان خلقه القرآن استحياء من سبحات الجلال وستر الحال بلطف المقال، وهذا من وفور عقلها وكمال أدبها فكما أن معاني القرآن لا تتناهى، فكذلك أوصافه الجميلة الدالة على عظم أخلاقه لا تتناهى، وفي كل حالة من أحواله يتجدد له من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وما يفيضه الله عليه من معارفه وعلومه ما لا يعلمه إلا الله، فإذاً التعرض لحضرة جزئيات أخلاقه الحميدة تعرض لما ليس من مقدور الإِنسان ولا من ممكنات عاداته.
قال الحراني: بفتح المهملة وتشديد الراء: ولما كان عرفان قلبه - صلى الله عليه وسلم - بربه عز وجل كما قال عليه الصلاة والسلام: "بربي عرفت كل شيء" كانت أخلاقه أعظم خلق، فلذا بعثه إلى الناس كلهم ولم يقصر رسالته على الإِنس حتى عمت الجن ولم يقصرها على الثقلين حتى عمت جميع العالمين ( رواه مسلم في جملة حديث طويل) .


رقم الحديث 1850 (وعن أبي الفضل) كنية (العباس بن عبد المطلب) بن هاشم عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها إلى قتالهم) متعلق بنظر (فقال هذا حين حمى الوطيس) حين خبر المبتدأ وبنى لإِضافته للجملة التي صدرها مبني والبناء فيه هو الراجح ويجوز إعرابه فيكون مرفوعاً وقد روي بالإِعراب.
والبناء قول الشاعر.
على حين عاتبت المشيب على الصبا.
(ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات) أي: صغاراً وهي التي يقال لها الحصباء (فرمى بهن) ويحتمل أن يكون أخذ قبضة من تراب أيضاً فرمى بها لما جاء من قوله "فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينه تراباً من تلك القبضة".
ويحتمل أن يكون اشتملت القبضة على الحصى والتراب فرمى بهن (وجوه الكفار) فوصل التراب كل كافر وفي ذلك معجزة له إذ ليس في القوة البشرية إيصال ذلك إلى أعينهم، ولا يسع كفه ما يعمهم وإنما كان من صنع الله تعالى لنبيه ولذا قال (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) وكذا قوله (ثم قال) أي: وقت التهاب الحرب وشدته (انهزموا ورب الكعبة) فهذه معجزة فعلية (فذهبت أنظر) أي: قبل الرمي والقول المذكور، والفاء للترتيب الذكرى (فإذا القتال على هيئته) أي: في الالتهاب والتكافؤ من الجانبين (فيما أرى فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته) أي: وأخبرهم بانهزامهم (فما زلت أرى حدهم) قوتهم (كليلاً) أي: ضعيفة (وأمرهم مدبراً) فغلبوا وانقلبوا صاغرين (رواه مسلم) في المغازي من صحيحه (الوطيس) بفتح الواو وكسر الطاء وبالسين المهملتين هو (التنور) تقدم أنه بالفوقية المفتوحة وتشديد النون وبالراء، وهذا قول مقابل قول الجمهور ونقله القرطبي عن المطرز.
وفال المنصف في شرح مسلم قال الأكثر هو شبه التنور يخبز فيه ويضرب مثلاً لشدة الحر التي يشبه حرها حره.
وقال الأصمعي: هو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمي الوطيس.
وقيل بل هو الضراب في الحرب.
وقيل الوطيس الذي يطيس الناس أي: يدفعهم قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه، الذي لم يسمح من واحد قبله - صلى الله عليه وسلم - (ومعناه اشتدت الحرب) هو على الأقوال الأربعة يقبل دعاء آكل الحرام فقال (ثم ذكر الرجل) ولفظ ثم للترتيب في الوجود لا في الرتبة (يطيل السفر) في العبارة من نحو حج أو جهاد، والجملة صفة أو حال من رجل لأن أل فيه جنسية (أشعث) أي: متفرق شعر الرأس (أغبر) مغبر الوجه هما حالان مترادفان من فاعل بطيل أو متداخلان (يمد يديه إلى السماء) حال من ضمير أشعث أو مما قبله قائلاً (يا رب يا رب) أي: أن هذه الحالات دالة على أن الداعي حقيق بالإِجابة ومع ذلك فلا يستجاب دعاؤه للحرام فما بال من لم يكن كذلك وتلبس بالحرام (ومطعمه حرام) حال من فاعل قائلاً وهو مصدر بمعنى المطعوم (ومشربه حرام وغذي بالحرام) بضم الغين المعجمة وكسر الذال أيضاً أي: عني به، ففيه الإِشارة إلى مأكله حال صغره.
وفي قوله ومطعمه: الإشارة إلى مآكله حال كبره أي: أنه استوى حالتاه في أكل الحرام (فأنى) أي: كيف أو من أين والاستفهام للاستعباد (يستجاب) أي: الدعاء (لذلك) الرجل أو اللام للتعليل أي: لكون ما ذكر حراماً.
ففيه إيماء إلى أن حل المطعم والمشرب مما يتوقف عليه إجابة الدعاء، ولذا قيل إن للدعاء جناحين أكل الحلال وصدق المقال (رواه مسلم) والترمذي وقال: حسن غريب.
ورواه ابن المبارك في الزهد.
قال السخاوي: وأخرجه الإِمام أحمد في المسند والدارمي في مسنده وأبو عوانة في صحيحه.


رقم الحديث 1852 ( وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة) أي: ثلاثة من الأصناف ( لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم) وذلك لسوء عملهم من غير ضرورة بهم إليه ( شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر) قال الواحدي: هو العذاب الذي يخلص وصفه إلى القلب.
والعذاب كل ما يعي الإِنسان ويشق عليه.
قال: وأصل العذاب في كلام العرب المنع، يقال عذبته عذاباً إذا منعته وعذب عذوباً، أي: امتنع وسمي الماء عذباً لأنه يمنع خلق الله التربة) بضم الفوقية من أسماء التراب ( يوم السب وخلق فيها) أي: التربة مادة الأرض ( الجبال يوم الأحد) أوتاداً لها ورواسي ( وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء) قال المصنف: كذا في مسلم وروي في غيره "وخلق الفتن يوم الثلاثاء" كذا رواه ثابت بن واسم قال: وهو ما يقوم المعاش ويصح به التدبير كالحديد وغيره من جواهر الأرض، وكل شيء يقوم به صلاح كل شيء فهو نفسه، ومنه إتقان الشيء ( وخلق النور) كذا في مسلم بالراء ورواه غيره بنون في آخره قال القاضي: وكذا رواه بعض رواة مسلم وهو الحوت ولا منافاة ( يوم الأربعاء) بفتح الهمزة وكسر الباء وفتحها وضمها ثلاث لغات حكاهن صاحب المحكم، وجمعها أربعاوات وحكي أيضاً أرابيع ( وبث فيها) أي: الأرض ( الدواب) المراد المعنى العام أي: كل ما دب عليها ( يوم الخميس وخلق آدم - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر من يوم الجمعة) من للتبعيض، أو للابتداء.
وقوله ( في آخر الخلق) متعلق بخلق وقوله ( في آخر ساعة من النهار) يدل على ما قبلها بإعادة العامل ثم أبدل منه أيضاً قوله ( فيما بين العصر إلى الليل رواه مسلماً ورواه أحمد في مسنده.


رقم الحديث 1858 ( وعنها رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من مات وعليه صوم) أي: وتمكن من قضائه أو كان أفطر عدواناً ( صام عنه وليه) أي: إن أراد ذلك، وإن شاء أخرج من تركته عن كل يوم مداً من طعام ( متفق عليه) وبه أخذ الشافعي في القديم، وهو المعتمد فجوز للولي الصوم عن الميت الذي عليه الصوم كما ذكر أن يصوم أو يطعم ( والمختار) تبعاً للقول القديم المذكور من هجرها والشفع وعدم القبول ( على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة) بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أبو عبد الرحمن صحابي ابن صحابي ( وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بفتح التحتية وضم المعجمة وبالمثلثة ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري ( وقال لهما أنشدكما الله) أي: أسألكما مقسماً عليكما به ( لما) بفتح اللام وتشديد الميم أي: إلا ( أدخلتماني على عائشة فإنها) أَي: عائشة أو الضمير للقصة ( لا يحل) أي: يجوز ( لها أن تنذر قطيعتي) وهي أداها اجتهادها إلى جوازه لأنه طاعة فالتزمته بصفة النذر وإلا فلو رأته محرماً، فالظن لها أن لا تفعله فضلاً عن كونها تلتزمه فضلاً عن كونها تنذره ( فأقبل به المسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو وبالراء ( وعبد الرحمن) وسارا ( حتى) وصلا الدار ( استأذنا على عائشة فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل) هذه صيغة الاستئذان المحبوب كما تقدم في بابه ( قالت عائشة أدخلوا قال: كلنا؟ قالت نعم أدخلوا كلكم) بالرفع تأكيد لضمير الجماعة المرفوع وقوله ( ولا تعلم أن معهما ابن الزبير) جملة حالية من فاعل قالت ( فلما دخلوا) المنزل ( دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة رضي الله عنه وطفق يناشدها) أي: يسألها الرضا عنه وأن تكلمه ( ويبكي) لما أصابه من ذلك ( وطفق) أخذ ( المسور وعبد الرحمن يناشدانها) يسألانها ( إلا كلمته وقبلت منه) بتشديد اللام أي: لا يسألانها إلا تكليمه وقبولها منه عذره ورضاها عنه ( ويقولان إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عما قد علمت من الهجرة) أي: الهجر للأخ المسلم فوق ثلاث، فكيف بالرحم المحرم ( ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) أي: المسلم لغرض نفسه ( فوق ثلاث ليال) أما الهجر لله فيجوز ما دام باقياً على تلك المعصية التي هجر لأجلها كما تقدم من هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة كعب وصاحبيه، لما تخلفوا عن غزوة تبوك حتى تاب الله ثلاث وتسعين سنة وما في رأسه ولحيته شعرة بيضاء.
ويقال إنه بلغ مائة ونيفاً وما في رأسه ولحيته إلا نبذ من شعر أبيض، وعدة ما روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة أحاديث وسكت من ترجمه عن بيان محل وفاته ( قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر وصعد) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية ( المنبر فخطبنا) واستمر يخطب ( حتى حضرت الظهر) بزوال الشمس ( فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطب حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس فأخبرنا ما كان وما هو كائن) إن كان المراد جميع ذلك كما يومىء إليه لفظ الموصول، فيكون فيه معجزة بخرق الأوقات والمباركة فيها، حتى اتسعت لنشر ذلك كله وذكره، وإن كان المراد بعضاً منهم فيحتمل ذلك ويحتمل أن لا ( فأعلمنا) أي: بالآيات ( أحفظنا) أي: أكثرنا حفظاً لها ( رواه مسلم) في الفتن من صحيحه.


رقم الحديث 1863 (وعن أم شريك) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وسكون التحتية: هي العامرية.
ويقال: الغامدية، تقدمت ترجمتها (رضي الله عنها) قريباً (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها بقتل ابن جعفر المذكور عقبه صريح في أن أطيب اللحم لحم الظهر اهـ.
(فنهس منها نهسة) هو بالسين المهملة كما قال المصنف.
قال القاضي عياض: رواه أكثر الرواة بالسين المهملة.
ووقع لابن ماهان بالمعجمة وكلاهما صحيح بمعنى أخذ بأطراف أسنانه.
قال الهروي قال أبو العباس: النهس بالمهملة بأطراف الأسنان وبالمعجمة بالأضراس.
وقال القاضي مجد الدين الفيروزأبادي في كتابه تخيير الموشين في التعبير بالسين والشين: النهس والنهش قصم الشيء بمقدم الأسنان، والفعل منه على مثال منع يمنع (وقال: أنا سيد الناس) شمل آدم وغيره من بنيه فلو أعم منطوقاً من قوله أنا سيد ولد آدم، ونهيه عن تفضيله عن الأنبياء محمول على تفضيل يؤدي إلى تنقيص المفضل عليه فهو كفر.
وقوله لمن قال له يا سيد البرية: ذاك إبراهيم محمول على أنه قال: قبل أن يعلم فضله عليه (يوم القيامة) التقييد للإطباق عليه حينئذ والظهور لكل كما بينه ما بعده بخلاف الدنيا إذ ينكر ذلك الكافريه الجاحد فضله وإلا فهو سيد الناس حقيقة في الدارين ومثله قوله تعالى: (مالك يوم الدين) وهو مالك لما فيه وفي غيره من أيام الدنيا (هل تدرون مم) أي: لأي سبب (ذاك) أشير إليه مع قربه بما يشار به للبعيد تفخيماً نحو قوله تعالى: (ذلك الكتاب) .
وسكت عن جوابهم من نحو الله أعلم ورسوله إما لظهوره أو أنه بادرهم بالبيان قبل الإِتيان به (فقال يجمع الله الأولين والآخرين) أي: من سائر المكلفين ولا ينافيه قوله فيما يأتي أبوكم آدم لإِمكان كون الساعي من ذلك النوع الإِنساني لشرفه أو من الإِنس وسكت عن الجن والسكوت عن الشيء لا ينفيه (في صعيد واحد) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية أي: أرض وذكر باعتبار لفظ الصعيد (فينظرهم الناظر ويسمعهم الداعي) بضم التحتية في الفعلين (وتدنو) أي: تقرب (منهم الشمس) قدر ميل وهل المراد به ما يكتحل به أو المسافة المعلومة؛ قولان تقدما في باب الخوف (فيبلغ الناس) مفعول مقدم (من الغم) بالمعجمة في المصباح قيل للحزن غم لأنه يغطي السرور والحلم اهـ.
(والكرب) بفتح فسكون مصدر كربه الأمر إذا همه ومن بيان لما في قوله (ما لا يطيقون ولا يحتملون) وهي فاعل مبلغ (فيقول الناس ألا) بتخفيف اللام (ترون) تنظرون (إلى ما أنتم فيه) أتى بـ "ما" تفخيماً للأمر نحو قوله تعالى: (فغشيهم من اليم ما غشيهم) .
وأبدل منه بإعادة الجار (إلى ما بلغكم) وعطف على ترون قوله (وتنظرون) وفي نسخة ألا تنظرون من نظر الأمر تفكر فيه أي: تفكرون (من يشفع لكم إلى ربكم) أي: في الخلاص مما أنتم فيه (فيقول بعض الناس) أتى ببعض هنا وحذفه فيما قبل تفنناً في التعبير (لبعض) اللام للتبليغ (أبوكم آدم) أي: سلوه ذلك أو المنظور إليه لذلك أبوكم تعبيرهم بدعاء كل رسول باسمه حتى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن حرمة ندائه - صلى الله عليه وسلم - باسمه مقيدة بهذه الدار، ومثله كل نبي (فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر) أتوا بذلك تهييجاً له على المطلوب منه لأن الطبع يدعو الأصل لفعل ما ينفع الفرع.
والبشر بفتحتين الإِنسان يطلق على المفرد الجمع قال في المصباح: العرب ثنوه ولم يجمعوه.
قال البيضاوي في قوله تعالى عن قوم فرعون: (أنؤمن لبشرين مثلنا) ثنى البشر لأنه يطلق للواحد كقوله تعالى: (بشراً سوياً) وللجمع كقوله (فأما ترين من البشر أحداً) أي: وليس المراد أحدهما فلو لم يثن لربما توهم إرادة غير المراد (خلقك الله بيده) أي: بقدرته (ونفخ فيك من روحه) أي: من روح مشرف بإضافته إليه تعالى (وأمر الملائكة) أي: أن يسجدوا حذف اكتفاء بدلالة (فسجدوا لك) أي: إليك وإلا فالسجود لله تعالى، وهو لهم حينئذ قبلة بمنزلة الكعبة لنا (وأسكنك الجنة) أي: التي يدخلها المؤمنون في الدار الآخرة على الصحيح.
وفيه دليل أهل الحق على وجودها الآن (ألا تشفع لنا إلى ربك) عرض وطلب برفق وذكروا ما يهيجه عليه بقولهم (ألا ترى ما نجن فيه وما بلغنا) بفتح المعجمة على أن الفاعل مضمر يعود لما دل عليه ما نحن فيه، أو بالسكون على أن الضمير فاعل، وحذف ما بلغوه من الأتعاب، إيماء إلى شدته وأنه تقصر العبارة عن بيانه (فقال: إن ربي غضب اليوم غضباً) المراد به لاستحالة قيام حقيقته بالله سبحانه وتعالى، غايته مجازاً مرسلاً: إما إرادة الانتقام أو نفسه (لم) وفي نسخة لن (يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه) بخليله (اشفع لنا إلى ربك) لعل سر الإِضافة لضمير المخاطب فيه وفي قرائنه أن تربيته لهم أكمل منها لغيرهم من الخلق إذ أوصلهم غاية الشرف ولم يصل إلى أدنى مراتبهم أحد من البشر، وفيه إيماء إلى التوسل بهم لأن للمضاف كمال الانتساب للمضاف إليه، وذلك يقتضي الإِدلال والسؤال (أما) وفي نسخة ألا (ترى إلى ما نحن فيه) يحتمل أنهم قالوا وما بلغنا، كما فيما قبله فيهما وتركه الراوي اكتفاء بدلالة ما قبله وإنهم تركوا ذلك لكونه من باب الإِطناب واشتد بهم الكرب آخراً فامتنعوا منه (فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني كنت كذبت ثلاث كذبات) قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله في سارة أختي.
والحق أنها ليست معاصي أي: سأسقم وفعله كبيرهم إن كانت الأصنام تنطق وأختي أي: في الإِسلام لكنها لما كانت بصورة الكذب، سماها كذباً وعدها ذنباً اشفق منه على نفسه، وذلك لأن من كان أعرف بالله تعالى وأقرب منه منزلة كان أعظم خطراً وأشد خشية، وعلى هذا سائر ما أضيف إلى الأنبياء من الخطأ (نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس) أي: من عدا نبينا - صلى الله عليه وسلم - حتى إبراهيم بسماعه كلامه القديم النفسي بغير واسطة.
ومثل موسى في ذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - فكلمه الله تعالى ليلة المعراج.
ولا يلزم من اختصاص موسى عن إبراهيم بما ذكر فضله عليه لأنه قد يكون للمفضول خصيصية بل خصائص لا تكون لأفضل منه.
وقد ثبت النص بالحديث المرفوع في إبراهيم أنه سيد البرية، خرج من عمومه نبينا - صلى الله عليه وسلم - وبقي عليه فيما عداه فتناول موسى وغيره، والناس عام مخصوص (اشفع لنا إلى ربك) يحتمل أن إلى فيه وفي قرائنه: بمعنى عند.
كقول أبي كثير الهذلي: أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ... أشهى إلي من الرحيق السلسل وعلى قول البصريين الذين لا يثبتون لها معنى سوى انتهاء الغاية مطلقاً، فيكون في الحديث تضمين أي: اشفع لنا متوسلاً إلى ربك (ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها) هو القبطي خباز فرعون قال بعض المفسرين في قوله تعالى: (أُذن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلموا) الآية فيه إشارة لمنع قتال الكافرين بغير إذن الله.
ولهذا لما قتل موسى ذلك القبطي الكافر قال: هذا من عمل الشيطان الآية اهـ.
ثم إن هذا من موسى من كمال معرفته بعظمة ربه عز جلاله، فإنه أشفق من قتله ذلك مع أن الله أخبر بنص القرآن أنه غفر له (نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته) أطلقت عليه مجازاً مرسلاً لكونه صدر عن كلمة كن من غير أب (ألقاها إلى مريم وروح منه) أي: من أمره (وكلمت الناس في المهد) حال من فاعل كلم (اشفع لنا إلى ربك) قال الأبي: لم يأت أن الخلق تلجأ إلى غير هذه الأربع وخص الأربع.
لأنهم أفضل الرسل بعده - صلى الله عليه وسلم -، وأولوا العزم من الرسل الذين أمر أن يصبر كما صبروا.
قال المصنف: الحكمة في أن الله تعالى ألهمهم سؤال آدم ومن بعده في الابتداء ولم يلهموا سؤال نبينا - صلى الله عليه وسلم - إظهار فضيلته فإنهم لو سألوه ابتداء لكان يحتمل أن غيره يقدر على ذلك ويحصله، وأما إذا سألوا غيره من رسل الله تعالى وأصفيائه فامتنعوا ثم سألوه فأجاب وحصل غرضهم فهو النهاية في ارتفاع المنزلة وكمال القرب وعظيم الإِدلال والأنس.
وفيه تفضيله - صلى الله عليه وسلم - على جميع المخلوقين من الرسل الآدميين والملائكة، فإن هذا الأمر العظيم، وهو الشفاعة لا يقدر على الإِقدام عليه غيره - صلى الله عليه وسلم - (ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) علل امتناعه عن الشفاعة بظهور الجلال، فخاف منه (ولم يذكر ذنباً) كذا في هذه الرواية قال السيوطي في قبله - صلى الله عليه وسلم - وبعده (ثم يقال) أي: على لسان جبريل كما في حديث أحمد (يا محمد ارفع رأسك) أي: من السجود (سل تعطه) كذا بحذف الواو عند مسلم وهي ثابتة عند البخاري نبه عليه في الفتح، وزاد البخاري "وقل تسمع واشفع تشفع" وزاد في رواية "وادع تجب".
ثم الهاء في لفظه بالسكت.
فهي ساكنة ينطق بها وقفاً لا وصلاً، ويجوز أنها ضمير المفعول الثاني عائد على المسؤول المدلول عليه بقوله (فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب أمتي يا رب) أي: سؤالي خلاص أمتي أي: خلص أمتي من موبقات القيامة فهو مرفوع أو منصوب (فيقال يا محمد أدخل (الجنة) من أمتك) بيان لمن في قوله: (من لا حساب عليهم) وذلك كل السبعين ألفاً الذين سأل عكاشة أن يكون منهم وقد سبق ذلك في حديث طويل لابن عباس في باب التوكل (من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم) أي: باقي أمتك (شركاء الناس فيما سوى ذلك) الباب الأيمن (من) بقية (الأبواب) الثمانية (ثم قال) - صلى الله عليه وسلم - (والذي نفسي بيده) عند مسلم والذي نفس محمد بيده (إن ما بين المصراعين) بكسر الميم وبالمهملتين جانبا الباب (من مصاريع الجنة) جمع المصراع باعتبار تعدد الأبواب (كما) وعند مسلم لكما بزيادة لام (بين مكة وهجر) بفتح الهاء والجيم مدينة عظيمة قال المصنف: هي قاعدة البحرين.
قال: الجوهري في صحاحه هجر اسم بلد مذكر مصروف قال: والنسبة إليه هاجري.
وقال: أبو القاسم الزجاج في الجمل هجر يذكر ويؤنث قال المصنف: وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث القلتين تلك قرية من قرى المدينة كان يصنع بها القلال (أو) للشك من الراوي في أنه قال: بين مكة وهجر أو قال: (كما بين مكة وبصرى) بضم الموحدة وسكون المهملة مدينة معروفة، بينها وبين دمشق ثلاث مراحل وهي مدينة حوران وبينها وبين مكة شهر (متفق عليه) رواه البخاري في التفسير وفي أحاديث الأنبياء.
ورواه مسلم في الأنبياء، وكذا أخرجه الترمذي في الأيمان وقال: حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في الوليمة، وأخرجه ابن ماجه في الأطعمة كما قاله المزي في الأطراف.