فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - بابُ الوَعظ والاقتصاد فِيهِ

رقم الحديث -91 قال في «المصباح» : هو الأمر بالطاعة والوصية بها ( والاقتصاد) أي التوسط ( فيه) بين البسط المؤدي إلى الإملال والإيجاز المؤدي إلى عسر الفهم للمقال.
( قال الله تعالى) : ( { ادع إلى سبيل ربك} ) أي دينه وهو التوحيد وأعماله ( بالحكمة) القرآن ( والموعظة الحسنة) مواعظ القرآن، وقيل المراد القول اللين بلا تغليظ وتعنيف.


رقم الحديث 699 ( وعن أبي وائل) بالهمزة بعد الألف كنية ( شقيق) بفتح المعجمة بعدها قافان بينهما تحتية بوزن شريف ( بن سلمة) الأسدي الكوفي يعد مخضرماً.
قال الحافظ في «التقريب» : مات سنة أربع وستين ( قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكرنا) أي بالتكاليف الشرعية بذكر ثواب ما طلب منها فعلاً وعقاب فعل ما طلب منها تركاً ( في كل خميس، فقال له رجل) لم أر من سماه ( يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن مسعود ( لوددت) جواب قسم مقدّر: أي وللهلأحببت ( أنك تذكرنا كل يوم) وذلك لعظم ثمرة التذكير بحلاوة نتائجه ( فقال: أما) بتخفيف الميم أداة استفتاح ( إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم) أن ومعمولاها مؤولة بمصدر فاعل يمنع: أي يمنعني كراهة إملالكم، فإن النفوس من طبعها الملل مما يداوم عليه وإن كان محبوباً لها ( وإني أتخوّلكم) أي أتعهدكم ( بالموعظة) مصدر ميمي بمعنى الوعظ ( كما كان رسول الله يتخولنا) سيأتي الخلاف في ضبطه أهو بالخاء المعجمة أو بالمهملة وباللام أو بالنون عند بيان المصنف لمعناه ( بها مخافة) مفعول له: أي خوف ( السآمة) كالملالة وزناً ومعنى، والمراد سآمتهم لا سآمته يدل عليه السياق ( علينا) متعلق بالسآمة على تضمينه معنى المشقة أو بوصف أو حال محذوفة: أي الطارئة أو طارئة أو شفقة محذوفاً ( متفق عليه) وقع عند البخاري في باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة والعلم بلفظ كراهة السآمة.
قال السيوطي في «التوشيح» : وقد روى مخافة في الباب الآتي فالتعبير بكراهة من تصرف الراوي ( يتخوّلنا: يتعهدنا) أي يراعي الأوقات في وعظنا ولا يفعله كل يوم.
وقال ابن السكيت: معناه يصلحنا ويقوم علينا، وهذا على أنه بالخاء المعجمة وتشديد الواو وباللام.
قال الحافظ ابن حجر: وهو الصواب من حيث الرواية وصح بها المعنى.
وقال البرماوي بعد ذكر الأقوال المذكورة في ضبطه: إنه بالمهملة رواية لكن الرواية الصحيحة بالإعجام.
وقال أبو عمرو بن العلاء: وقد أطلقه البرماوي ولم ينسبه ونسبه كما قلنا السيوطي «يتخوّننا» بالنون، والتخوّن: التعهد، ويرد على الأعمش روايته باللام، وكان الأصمعي يقول ظلمه فإنه يروي باللام والنون، وقال التيمي: تخون فلاناً بعهده وحفظه كأنه اجتنب منه الخيانة المخلة بالحفظ، وقال أبو عمر الشيباني: الصواب بالحاء المهملة: أي يطلب أحوالنا التي ننشط فيها للموعظة والإتيان بالفعل مضارعاً بعد كان الماضي لقصد الاستمرار نحو كان حاتم يقرى الضيف.


رقم الحديث 700 ( وعن عمار) بفتح المهملة وتشديد الميم ( بن ياسر) بالتحتية وبعد الألف سين مهملة بن عامر بن مالك العنسى بنون ساكنة بين مهملتين مفتوحة فمكسورة، أبو اليقظان مولى بني مخزوم صحابي جليل مشهور من السابقين الأولين بدري، وقتل مع عليّ بصفين سنة سبع وثلاثين كذا في التقريب، روى له عن رسول الله اثنان وستون حديثاً، اتفقا على حديثين منها، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بحديثين.
وقد ترجمه المصنف في «التهذيب» ، وفيه مسند الإمام أحمد وكتاب الترمذي وغيرهما عن عليّ بن أبي طالب قال «جاء عمار ليستأذن على النبي فقال: ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب» وقال الترمذي: حسن صحيح.
وفي طريق عند الترمذي ويقال: حديث حسن عن حذيفة مرفوعاً ( واهتدوا بهدى عمار) وفي «المسند» من حديث خالد بن الوليد مرفوعاً «من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله» وفي سنده انقطاع، وهو والده صحابيان تقدمت ترجمته ( رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: إن طول صلاة الرجل) أي بالنسبة للخطبة فلا يشكل بحديث «إذ صلى أحدكم بالناس فليخفف» الحديث ( وقصر خطبته مئنة من فقهه) وإنما كان كذلك لأن الفقيه يعلم أن الصلاة مقصودة بالذات والخطبة توطئة لها، فيصرف العناية إلى ما هو الأهم، وأيضاً فإن الصلاة عبودية العبد والإطالة فيها مبالغة في العبودية، والخطبة المراد منها التذكير، وما قلّ وقرّ خير مما كثر وفرّ ( فأطيلوا الصلاة) أي بالنسبة للخطبة، لا بحيث أنه يشق حتى يوقع في النهي ( وأقصروا الخطبة رواه مسلم) وقال السيوطي في الجامع الصغير بعد أن ذكره كذلك وزاد في آخره «وإن من البيان لسحراً» رواه أحمد ومسلم عن عمار ( مئنة بميم مفتوحة ثم همزة) الأولى فهمزة ( مكسورة ثم نون مشددة: أي علامة دالة على فقهه) وتقدم وجهه.


رقم الحديث 701 ( وعن معاوية بن الحكم) بفتح المهملة والكاف ( السلمي) بضم المهملة وفتحاللام نسبة إلى بني سليم قبيلة من العرب.
قال الحافظ في «التقريب» : صحابي نزل المدينة، وكذا قال المصنف في التهذيب وزاد فيه: وقد روى عن رسول الله ثلاثة عشر حديثاً انفرد به مسلم عن البخاري.
وروى له حديث الباب قال المصنف في «التهذيب» : وخرج عنه أبو داود والنسائي ( رضي الله عنه قال: بيننا) الألف لكفه عن الإضافة لما بعده فهو جملة مستأنفة ( أنا أصلي مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم) أي المصلين ( فقلت) مشمتاً له أي بعد حمده إذ التشميت إنما يسن حينئذ، ويحتمل أنه بادره عند عطاسه لجهله بتوقف ذلك على الحمد، وهو المتبادر من سياق عبارته ( يرحمك الله) خبر لفظاً إنشاء معنى ( فرماني القوم بأبصارهم) شزراً إنكاراً لما فعلت لاشتماله على الخطاب لآدمي، وهو مبطل للصلاة وإن كان في ذكل وليس رميهم له بأبصارهم من الالتفات المنهي عنه لأنه يحتمل أن يكون بمجرد لمح أعينهم وبفرض كونه التفاتاً حقيقة فهو لحاجة لا يكره ( فقلت واثكل) بضم المثلثة وسكون الكاف كما سيأتي وبفتْحِهما وهما لغتان حكاهما الجوهري كالبخل والبخل ( أميَّاه) بكسر الميم، قال القرطبي: أمي مضاف إليه ثكل وكلاهما مندوب، كما قال: واأمير المؤمنيناه، وأصله أمي زيدت عليه الألف لنداء الصوت وأردفت بهاء السكت الثابتة في الوقف المحذوفة في الوصل نقله عنه السيوطي في زهر الربا: أي وافقدها لي فإني هلكت ( ما شأنكم تنظرون إلى) جملة حالية من الضمير ( فجعلوا يضربون بأيديهم) الباء زائدة ( على أفخاذهم) زيادة في الإنكار على.
والظاهر أنه لم يتكرر منهم ثلاثاً، فإن المتيقن منه واحدة، والزائد مشكوك فيه فلا تبطل الصلاة بقليل الفعل، وهو ما دون الثلاث من ذلك.
أما الثلاث المتوالية عرفاً فتبطل ( فلما رأيتهم يصمتونني) أي بالأمر بذلك بالإشارة، غضبت، لجهلي بقبح ما فعلت ومبالغتهم في التنكير على ( لكني سكت) امتثالاً لأنهم أعلم مني ولم أعلم بمقتضى ذلك ( فلما صلى رسول الله) جوابه قال الآتي وما بينهما اعتراض لما فيه من المناسبة والالتئام ( فبأبي هو) أي فرسول الله مفدى أو أفديه بأبي ( وأمي) وقرنه بالفاء تزييناً أو تفريعاً على أحسنية تعليمه ( ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه) فيهتعريض أنهم ألغوا في الإنكار عليه في الكلام مع عذره بجهله بتحريم ذلك بقرب إسلامه، ثم بين الأحسنية بقوله ( فوالله ما كهرني) قال المصنف: كما يأتي: أي نهرني هذا قول أبي عبيدة كما في زهر الربا.
وقيل الكهر: العبوس في وجه من يلقاه ( ولا ضربني ولا شتمني) صرح بهما مع العلم بانتفائهما من انتفاء الأول لأن مقام المدح مقام خطابة وإطناب ( قال: إن هذه الصلاة) أي جنسها الشامل لفرضها ونفلها، بل ولما ألحق بها من سجدة تلاوة وشكر والمشار إليه ما في الذهن لا ما في الخارج، لإبهام اختصاص النهي به ( لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) المراد بالكلام المعني اللغوي وهو: كل لفظ سواء كان مهملاً أو مستعملاً، فتبطل بالنطق بشرط أن يسمع نفسه إن اعتدل سمعه ولا عارض من لغط أو نحوه بالحرف المفهم كق أمر من الوقاية أو بالحرفين وإن لم يفهما من كلام الآدميين وإن لم يقصد خطابهم ولو بالعجمية وإن لم يفهما كأن مد فتولدت ألف أو واو أو ياء وإن تعلق ذلك بمصلحة الصلاة، والكلام لغة: يقع على المفهم وغيره مما هو حرفان فأكثر، وتخصيصه بالمفهم اصطلاح طارىء للنحاة، والحرف المفهم متضمن لمقصود الكلام وإن أخطأ بحذف هاء السكت بخلاف غير المفهم، فاعتبر فيه أقل ما يبني عليه الكلام وهو حرفان، ويستثنى من كلام الناس إجابة المصلي للنبي بقول أو فعل وإن كثر فإنها واجبة لا تبطل بها الصلاة لشرفه ولذا أمر المصلي أن يقول: السلام عليك أيها النبي، وزعم أن هذا الخطاب لغائب يرده أن الخطاب مبطل للصلاة ولو لغائب بأن خطر إنسان في باله فقال مخاطباً له فيها يرحمك الله، بخلاف إجابة الأبوين فإنها تبطل وإن أوجبناها بأن تأذياً بعدمها تأذياً ليس بالهين سواء الفرض والنفل، ويستثنى أمور أخرى مذكورة في كتب الفقه.
قال السيوطي: وحرمة الكلام في الصلاة من خصائص هذه الأمة، قال ابن العربي: كان شريعة بني إسرائيل يباح فيها الكلام في الصلاة دون الصوم فجاءت شريعتنا بعكس ذلك.
وقال ابن بطال: إنما عيب على جريح عدم إجابته لوالدته في الصلاة لأن الكلام في الصلاة كان مباحاً في شرعهم ( إنما هي) كذا فيما وقفت عليه من نسخ «الرياض» بضمير الواحدة المؤنثة والمرجع مدلول عليه بالسياق: أي إنما الكلمات الصالحة فيها، وروايته في المشكاة «هو» بضمير المذكر قال في «فتح الإله» : أي الذي يصلح فيها ( التسبيح) أي التقديس لله وتنبيهه عما لا يليق به ( والتكبير وقراءة القرآن) ومثلهما سائر الثناء عليه تعالى مما يدل على كماله.
ويؤخذ من عدم أمره لمعاوية بإعادة الصلاة وإلا لنقل أن من تكلم فيها جاهلاً بتحريمه عذر بجهله لقربعهده بالإسلام وإن خالط المسلمين أو لبعده عن العلماء لا تبطل صلاته لعذره، ومحل عدم البطلان في ذلك حيث قلّ الكلام، فإن الواقع من معاوية نحو خمس كلمات.
أما ما كثر عرفاً فيبطل ولو معذوراً بذلك ( أوشك كما قال رسول الله) أي مثل ما قال من التسبيح والتهليل والدعاء ( قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية) هي ما قبل ورود الشرع.
سميت به لكثرة جهالاتهم، وهذا عذر له في كلامه في الصلاة وعدم علمه بحرمته فيها ( وقد جاء الله) في المشكاة جاءنا بزيادة ضمير المفعول للمتكلم ومعه غيره أي جاءنا معشر الأمة ( بالإسلام) أي بدينه على يديك فلا تجد على في أسئلة أخرى يحتاج إلى معرفة حكم الله فيها ( وإن منا رجالاً يأتون الكهان) جمع كاهن وهو من يدعي معرفة الضمائر ويخبر عن المستقبل، إما لجنى يخبره أو لزعمه أنه يدرك الغيب بفهم وأمارات، بخلاف العراف فإن نظره قاصر على معرفة الضالّ ومكان المسروق ونحوهما ( قال فلا تأتهم) قال المصنف: قال العلماء: إنما نهى عن إتيانهم لأنهم قد يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك ولأنهم يلبسون على الناس كثيراً من الشرائع.
قال الخطابي: والحديث يشمل النهي عن إتيان كل من الكهان والعراف ( قلت: ومنا رجال يتطيرون) من الطيرة بكسر ففتح أو سكون وهو التشاؤم بالشيء، ولم يأت مصدر على فعلة غير هذا والخيرة، وذلك أنهم كانوا يتعرفون نحو الطير، فإن ذهب ذات اليمين مضوا وإلا رجعوا فنهوا عن ذلك بقوله ( قال ذلك) أي التطير ( شيء يجدونه في صدورهم) وفي المشكاة بلفظ في نفوسهم أي من التوهم والتشاؤم المقتضي بحسب توهمهم الفاسد رجوعهم عما يريدون فعله ( فلا يصدهم) كذا في أصول «الرياض» بحذف نون التوكيد وهي ثابتة في «المشكاة» : فلا يمنعهم ذلك عن وجهتهم لأنه لا يؤثر نفعاً ولا ضرا، وإنما هو شيء يسوّله الشيطان في النفس ويزينه لها حتى تعمل بقضيته ليجرها بذلك إلى اعتقاد مؤثر غير الله تعالى، وهو كفر صراح بإجماع العلماء.
قال المصنف: قال العلماء: نهاهم عن العمل بالطيرة كأن يمتنعوا من مرادهم بسببها لأن ذلك في قدرتهم وكسبهم دون التطير، لأن ذلك يجدونه في النفس ضرورة فلا عتب عليهم فيه.
قال: وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن التطير والطيرة، وهو محمول على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غيرعمل على مقتضاه، ونفى في الحديث السؤال عن الخط وسكت عليه المصنف ولفظه «قلت: ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك» ( رواه مسلم) قال في «المشكاة» : قوله لكني سكت، هكذا وجدت في صحيح مسلم وكتاب الحميدي، وصحح في «جامع الأصول» بلفظة «كذا» فوق «لكني» قال شارحه: ومرّ شرحها كما ذكرناه وأنه لا إشكال فيه، والحديث رواه أبو داود والنسائي وله طرق بينها المزي في «أطرافه» .
( الثكل بضم الثاء المثلثة) أي وسكون الكاف، وتقدم أن هذا إحدى لغتين ثانيتهما فتحهما معاً وقد حكاهما الجوهري وغيره كالبخل والبخل ( المصيبة والفجيعة) أي بالولد بفقده ( ماكهرنى) بفتح أولية ( أي ما نهرني) .


رقم الحديث 702 ( وعن العرباض بن سارية) تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) مع شرح الحديث في الباب الذي ذكره المصنف ( قال: وعظنا رسول الله موعظة) أي عظيمة كما قال ( وجلت) أي خافت ( منها القلوب) لأنها محل الدراية من الإنسان ( وذرفت) أي سالت ( منها العيون) أي دموعها ( وذكر الحديث) والقصد أن أحسن المواعظ ما كان جزلاً جامعاً بليغاً نافعاً، فخير الكلام ما دل ( وقد سبق بكماله) الباء بمعنى مع ( في باب الأمر المحافظة على السنة، و) قد ( ذكرنا أن الترمذي قال: إنه حديث حسن صحيح) أتى بذلك لينبه على أن المطلوب من جملة الأحكام التي لا تثبت إلا بالمقبول من الخبر فينبه بذلك على أنه منه.
والله أعلم.
2