فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب إكرام الضيف

رقم الحديث -94 قال في المصباح: الضيف معروف، ويطلق بلفظ واحد على الواحد وعلى غيره لأنه مصدر في الأصل من ضافه ضيفاً من باب باع إذا نزل عنده، وتجوز المطابقة فيقال ضيف وضيفة وأضياف وضيفان، وأضفته: وضيفته إذا أنزلته وقريته، والاسم الضيافة.
قال ثعلب: ضفته إذا نزلت به، وأنت ضيف عنده وأضفته إذا أنزلته عندك ضيفاً، تضيفني فضيفته: أي طلب مني القرى فقريته اهـ ملخصاً ( قال الله تعالى) : ( { هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} ) كذا هو بالواو في بعض النسخ وبحذفها من أخرى والتلاوة كذلك، وهذه الجملة لتعظيم شأن الحديث وتنبيه على أن المصطفى إنما عرف ذلك بالوحي له، وإفراد الضيف جاء في اللغة الأولى بدليل وصفه بالمكرمين عند الله أو عند إبراهيم ( { إذ دخلوا عليه} ) ظرف للحديث أو بتقدير اذكر لا للفعل الماضي لاختلاف زمني إتيان الخبر ودخولهم ( { فقالوا سلاماً} ) أي نسلم عليك سلاماً ( { قال سلام} ) أي عليكم سلام وعدل إلى الرفع ليدل على الثبات فعمل بقوله تعالى: { فحيوا بأحسن منها} ( النساء: 86) وقد بسطت هذا المعنى في كتاب أحكام السلام من «شرح الأذكار» ( { قوم منكرون} ) أي أنتم قوم لا نعرفكم ( { فراغ} ) ذهب ( { إلى أهله} ) بخفية، فمن آداب المضيف أن يخفي إتيانه بالضيافة عن الضيف ( { فجاء بعجل} ) مشوي كما في الآية الأخرى { فجاء بعجل حنيذ} ( هود: 69) ( سمين { فقرّبه إليهم قال ألا تأكلون} ) ذكره بصيغة العرض تلطفاً في العبارة ( وقال تعالى) : ( { وجاءه} ) أي لوطا ( { قومه يهرعون} ) يسرعون ( { إليه} ) عجلة لنيل مطلوبهم من أضيافه ( { ومن قبل} ) أي من قبل ذلك الوقت ( { كانوا يعملون السيئات} ) أي يأتون الرجال يعني هذه عادتهم من قديم الأيام ( { قال يا قوم هؤلاء بناتي} ) أي فتزوجوهن واتركوا أضيافي، كانوا يطلبونهن من قبل ذلك ولا يجيبهم وكان تزويج المسلمة من الكافر جائزاً، أو المراد من البنات نساؤهم وأضافهن إلى نفسه لأن كل نبيّ أبو أمته ( { هن أطهر لكم} ) من نكاح الرجال ( { فاتقوا الله ولا تخزون} ) تفضحوني ( { في} ) شأن ( { ضيفي} ) فإخزاء ضيف الشخص إخزاؤه فدل على الاهتمام بالضيف ودفع المؤذيات عنه ولو بما يتأذى به من المضيف فذلك من الإكرام المأمور به له ( { أليس منكم رجل رشيد} ) يعرف حقيقة ما أقول.


رقم الحديث 706 ( وعن أبي هريرة) تقدم حديثه ( رضي الله عنه) هذا وشرحه في باب صلة الأرحام، وبنحوه من حديث أبي شريح الخزاعي في حديث الباب الذي قبل ذلك ( عن النبي قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي إيماناً كاملاً ( فليكرم ضيفه) قيل إكرامه تلقيه بطلاقة الوجه وتعجيل قراه والقيام بخدمته بنفسه، وقد جاء في الرواية «إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم أكرم أضيافك فأعد لكل شاة مشوية، فأوحى إليه أكرم فجعله ثوراً، فأوحى إليه أكرم فجعله جملاً، فأوحى إليه أكرم فتحير وعلم أن إكرامهم ليس في كثرة الطعام فخدمهم بنفسه،فأوحى إليه الآن أكرمتهم» كذا في شرح ابن مالك على المشارق ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أعدّ ذلك إيذاناً باستقلال جوابه في ترتبه على الشرط ترتب المسبب على السبب ولو لم يعدل احتمل ذلك واحتمل أن المرتب عليه مجموع الأمور الثلاثة فدفع ذلك كذلك ( فليصل رحمه) وتقدم في باب صلة الأرحام أن صلة الرحم مطلوبة وبعض خصالها واجب وبعضها مندوب، فالأمر في ذلك كله إما من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يرى جوازه أو من باب عموم المجاز بأن يراد به مطلق الطلب الشامل للنوعين ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) كذلك اليوم الآخر هو يوم القيامة، وقيل له ذلك لأنه لا يوم بعده، وذكر في الجمل الثلاث لأنه حين المجازاة فذكره باعث على الإكثار من عمل البر زاجر عن الكف عن ذلك وكأن التارك لشيء من هذه الخصال غير مؤمن بما ذكر فيه ( فليقل خيراً) من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو كلمة طيبة ( أو ليصمت متفق عليه) .


رقم الحديث 707 ( وعن أبي شريح) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها مهملة ( خويلد) بضم المعجمة وسكون التحتية مصغر خالد ( ابن عمرو رضي الله عنه) الخزاعي الكعبي العدوى حلفاً، وقيل اسمه عبد الرحمن بن عمرو، وقيل هانىء، وقيل كعب.
شهد رضي الله عنه فتح مكة مسلماً وكان يومئذ حاملاً أحد ألوية بني كعب، خرّج له الجماعة، روى له عن رسول الله عشرون حديثاً، أخرج منها الشيخان ثلاثة، اتَّفقا على حديثين وانفرد البخاري بالثالث.
روى عنه نافع بن جبير والمقبري مات بالمدينة سنة ثمان وستين ( قال: سمعت رسول الله يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته) بالنصب بدل اشتمال: أي فليكرم جائزة ضيفه ( قالوا: يا رسول الله وما جائزته؟ قال: يومه وليلته:) لفظ رواية البخاري في «الأدب» من «صحيحه» «فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة» وقد روى ذلك فيه مرفوعاً ومنصوباً.
وعنده في الرقاق «قيل وما جائزته» الحديث لكن ليس فيه ذكر الجار، أما هنا فمرفوع خبر لمحذوف دل عليه ذكره في السؤال: أي جائزته إكرام يومهوليلته ( والضيافة ثلاثة أيام) واختلف هل الجائزة منها أو زائدة عليها، فإن كان منها قدر كما ذكر وإلا قدر جائزته زيادة يومه وليلته على أيام الضيافة الثلاثة أشار إليها البدر الدماميني في مصابيحه، لكن قوله ( وما كان وراء ذلك) أي زيادة عليه ( فهو صدقة) يؤيد أنها منها، وقد قال العلماء: المطلوب من المضيف أن يبالغ في إكرام الضيف اليوم الأول وليلته، وفي باقي اليومين يأتي له بما يتيسر من الإكرام غير مبالغ فيهما كاليوم الأول، والله أعلم ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الأدب من «صحيحه» ، وأخرجه مسلم في الأحكام، ورواه أبو داود في الأطعمة والترمذي في البرّ وقال: حسن صحيح، والنسائي فيه وفي الرقاق وابن ماجه في الأدب اهـ ملخصاً من «الأطراف» للمزي ( وفي رواية لمسلم: ولا يحل) أي يجوز ( لمسلم) التنكير فيه للتعميم ( أن يقيم عند أخيه) لا يخفي ما في التعبير بأخيه من الحث على النظر إلى حاله والتخفيف عنه فإن ذلك شأن الأخوّة ( حتى يؤثمه) أي إلى أن يوقعه في الإثم ( قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمه؟) أي يوقعه فيه ( قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به) فيؤدي ذلك إلى الوقيعة فيه واغتيابه وإلى الاستدانة المفضية إلى الكذب وخلف الوعد كما في حديث «يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ به من المغرم، فقال: إن الرجل إذا غرم وعد فأخلف وحدث فكذب» .
95