فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الاستِخارة والمشاورة

رقم الحديث -97 أي سؤال خير الأمرين والتوفيق له ( والمشاورة) أي للغير عند إرادة شيء ما.
وذكر دليل الثاني في الترجمة قبل الأول منها لكونه من الكتاب.
واختصر فقال ( قال الله تعالى: { وشاورهم في الأمر} ) أي الذي تصح فيه المشاورة وذلك لتطبيب قلوبهم.
( وقال الله تعالى) : ( { وأمرهم شورى بينهم} ) شورى اسم مصدر اشتور: أي ذو اشتوار كما قال المصنف مبيناً لحاصل المعنى ( أي يتشاورون فيه) فدل الثناء بذلك في معرض المدحة أنه ممدوح محبوب.


رقم الحديث 718 ( وعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة) أي طلب الخيرة: أي يعلمهم كيفيته من صلاة ودعاء ( في الأمور) التي يريد الإقدام عليها مباحة كانت أو عبادة، لكن بالنسبة لإيقاع العبادة في ذلك الزمان الذي عزم عليه فيه لا لأصلهافإنه خير لا استخارة فيه ( كلها) في محل الحال أو الصفة من مفعول يعلمنا ( كالسورة من القرآن) أي تعليمها كتعليم السورة وهذا فيه بيان إتقانه للذكر وعدم اشتباهه.
عليه كالمشبه به ( يقول: إذا همّ أحدكم بالأمر) الجائز فعلاً أو تركاً ( فليركع) ندباً ( ركعتين) بيان لأقل ما تحصل به ( من غير الفريضة) بيان للأكمل وإلا فيحصل فضلها بما إذا صلى فريضة أو راتبة ونوى بها الاستخارة، فإن لم ينوها سقط عنه الطلب وهل يحصل ثواب أولاً؟ فيه الخلاف في ذلك في «التحفة» ( ثم ليقل) أي عقب فراغه من الصلاة مستقبل القبلة رافعاً يديه بعد الحمد والصلاة على النبي إذ هما سنتان في كل دعاء.
( اللهم إني أستخيرك بعلمك) أي أسألك أن تشرح صدري لخير الأمرين بسبب علمك بكيفيات الأمور وجزئياتها، إذ لا يحيط بخير الأمرين إلا العالم بذلك وليس كذلك إلا أنت.
فالباء سببية، ويحتمل أن تكون للقسم الاستعطافي وهما في الباء في قوله ( وأستقدرك بقدرتك) .
أي أسأل منك أن تقدرني على خير الأمرين، قال في فتح الإله: وجعل الشارح الباء فيهما للاستعانة كهي في بسم الله مجراها فيه تكلف، والفرق بين ما هنا وما في الآية واضح للمتأمل ( وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر) على كل ممكن تعلقت به إرادتك، والجملة تعليل لما قبله ( ولا أقدر وتعلم) كل شيء كل وجزئي وممكن وغيره ( ولا أعلم) أي شيئاً من ذلك إلا ما علمَّتني ( وأنت علام الغيوب) لا يشذّ عن علمك منها شيء ولا يحيط أحد من خلقك منها بشيء إلا ما علمته باطلاع على جزئياتها، وكأن حكمة تشويش النشر الإشارة بتقديم العلم أولاً إلى عمومه، وبتقديم القدرة ثانياً إلى أنها الأليق والأنسب بالمطلوب الذي هو الإقدار على فعل خير الأمرين على حد تأخيره ولجملة وأنت علام الغيوب، وترك وأنت القادر على كل شيء، ومن ثم جعل سؤال الإقدار مرتباً عليه في قوله ( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر) أي الذي عزمت عليه ( خير لي في ديني ومعاشي) بأن لا يترتب عليه نقص ديني ولا دنيوي ( وعاقبة أمري، أو) شك من الراوي ( قال: عاجل أمري وآجله) هذا إطنابلشمول ديني ومعاشي لذلك، ومقتضى قول المصنف يندب الجمع في الدعاء بين كثيراً بالمثلثة وكبيراً لشك الراوي في الذكر الوارد في ذلك يوم عرفة وعقب الصلاة استحباب جميع المشكوك في أحدهما حتى يتحقق إتيانه بالوارد والزيادة عليه لأجل تحقق الإتيان به فغير منافية للاتباع والأمر بتكريره مرتين لذلك لا حاجة إليه ( فاقدره) قال القاضي عياض بالكسر والضم في الدال، واقتصر الأصيلي على الكسر: أي أفض به وهيئه ( لي ويسره لي) عطف تفسير أو أخص، إذ الإقدار قد يكون نوع مشقة ( ثم) إذا حصل لي وحكمة ثم هنا أن في حصول المسؤول نوع تراخ غالباً ( بارك لي فيه) بنموه ونمو آثاره وسلامتها من جميع القواطع ( وإن) أتى بها هنا وفي عديله السابق مع أن المقام لإ إذا تحقق إحاطة علمه تعالى بذلك نظراً إلى حال المتكلم وشكه في الخير منهما ( كنت تعلم أن هذا امر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه) صرح به للمبالغة والتأكيد لأنه يلزم من صرفه عنك صرفك عنه وعكسه، ويصح كونه تأسيساً بأن يراد باصرفه عني: لا تقدرني عليه، وباصرفني عنه: لا تبق في باطني اشتغالاً به.
قال ابن حجر الهيثمي في «حاشية الإيضاح» : وينبغي التفطن لدقيقة قد يغفل عنها ولم أر من نبه عليها، وهي أن الواو في المتعاطفات التي بعد خير على بابها وفي التي بعد شرّ بمعنى أو، لأن المطلوب تيسيره لا بد وأن يكون كل أحواله المذكورة ديناً ودنيا خبراً، والمطلوب صرفه يكفي كون بعض أحواله شرّاً، وفي إبقاء الواو على حالها إبهام لأنه لا يطلب صرفه إلا إن كانت جميع أحواله لا بعضها شرّاً وليس مراداً كما هو ظاهر اهـ.
وفيه نظر ذكرته في شرح الأذكار ( واقدر لي الخير) أي ما فيه ثواب ورضا منك على فاعله ( حيث كان) أي أقدرني على فعله في أيّ مكان وأي زمان حصل، وكأن حكمه تركه هنا «ويسره لي» أن الخير العام لا بد في حصوله من مشقة وتعب غالباً أو دائماً، بخلاف ما سبق فإنه خاص وانتفاء المشقة عليه كثير ( ثم رضني به) حتى لا أزدري شيئاً من نعمك ولا أحسد أحداً من خلقك، وحتى أندرج في سلك الراضين الممدوحين بقولك { رضي الله عنهم ورضوا عنه} وجاء في رواية النسائي ( ثم أرضني بقضائك) ( ويسمى) عطف على فليقل لأنه في معنى الأمر حال من فاعله: أي فليقل ذلك مسمياً ( حاجته) فيقول: اللهم إن كنت تعلم أن حجي فيهذا العام مثلاً ( رواه البخاري) في أبواب صلاة الليل وفي الدعوات من «صحيحه» ، ورواه أبو داود في الصلاة، وكذا الترمذي وقال: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي الموالي وهو مدني ثقة، وأخرجه النسائي في النكاح وفي النقوء وفي اليوم والليلة، وكذا لخص من «الأطراف» .
98