فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من قطن وكتان وشعر وصوف وغيرها إِلاَّ الحرير

رقم الحديث 779 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: البسوا من ثيابكم البياض) أي الثياب البيض، وفيه مبالغة تامة كأن جعل البياض عينها فحمله عليها ( فإنها من خير ثيابكم) لعل الإتيان بمن، دفعاً لكلفة التعب عمن لا يجد الثوب الأبيض، فأومأ إليّ أن ذلك خير أيضاً لما فيه من ستر العورة وسد الحاجة، وجاء تعليل الأخيرية في الحديث عقبه بقوله «فإنها أطيب وأطهر» والجملة استئناف بيان تعليل للأمر قبلها ( وكفنوا فيها موتاكم رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح) .


رقم الحديث 780 (وعن سمرة بفتح المهملة وضم الميم وهو ابن جندب تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب توقير العلماء (قال: قال رسول الله: البسوا البياض) أي ذا البياض وفيه ما تقدم في الحديث قبله، وأعاد الضمير على الثياب الموصوفة بالبياض المحذوفة وإن لم تختص الصفة بها اكتفاء بدلالة البسوا عليها بقوله (فإنها أطهر) لأنها لنقائها يطهر ما يخالطها من الدنس وإن قل قال الشاعر: إن البياض قليل الحمل للدنس (وأطيب) أي لسلامتها غالباً عن الخيلاء الذي يكون في لبس الملونات (وكفنوا فيها موتاكم.
رواه النسائي والحاكم وقال: حديث صحيح) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه كلهم عن سمرة أيضاً كما في «الجامع الصغير» .


رقم الحديث 781 ( وعن البراء) بفتح الموحدة والراء الخفيفة وبعدها ألف ممدودة ( ابن عازب) بمهملة وبعد الألف زاي مكسورة فموحدة، وتقدم هذا في ترجمته ( رضي الله عنه قال: كان رسول الله مربوعاً) أي لم يكن طويلاً بائناً ولا قصيراً بل كان بينهما وإلى الطول أقرب ( وقد رأيته) معطوف على كان ومدخولها ويحتمل أن تكون حالية ( في حلة) بضم المهملة وتشديد اللام: ثوب له ظهارة وبطانة من جنس واحد، وقال المصنف: قال أهل اللغة: الحلة لا تكون إلا ثوبين وتكون غالباً إزاراً ورداءءً قال أبو عبيدة: ولا تسمى حلة حتى تكون ثوبين من جنس واحد، فإفراد قوله ( حمراء) إما نظراً للفظ حلة أو إلى أنها كثوب واحد للاحتياج إليهما معاً في ستر البدن أو لأنهما من جنس واحد، قال الحافظ ابن حجر: هي ثياب ذات خطوط اهـ.
وقال ابن حجر الهيثمي: بل هي على ظاهرها.
ففي الحديث حجة لإمامنا الشافعي حيث أجاز لبس الأحمر الفاني، ومنعه الحنفية فأولوا ما في الحديث بأن المراد ذات خطوط حمر، أو أن ذلك من الخصائص ( ما رأيت) أي علمت ( شيئاً قط أحسن منه) وليس مراده قصر ذلك على علمه وإن كان ذلك منطوق عبارته، بل ما أومأ إليه ذلك من انفراده بالمحاسن عن جميع الخليقة بطريق التجوّز في التعبير ومراده ما علمت ولا غيري ( متفق عليه) رواه البخاري مختصراً هكذا في باب اللباس وبأطول منه في باب صفة النبي، ورواه مسلم في فضائل النبيّ، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي.


رقم الحديث 782 ( وعن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها فاء فهاء ( وهب بن عبد الله) السوائي ( رضي الله عنه قال: رأيت) أي أبصرت ( النبي بمكة وهو بالأبطح) هو المحصب ويقال له البطحاء ( في قبة) بضم القاف وتشديد الموحدة هي كما يعبر عنها الآن بالخيمة ( له حمراء من أدم) بفتح الهمزة والمهملة لجمع أديم: وهو الجلد المدبوغ ( فخرج بلال بوضوئه) بفتح الواو أي بالماء المعد لوضوئه ( فمن ناضح) أيفمن رجل مبتل أصاب بعض البلل من ذلك ( ومن نائل) من النيل: أي أصاب منه ماله وقع وطلبهم ذلك بعد وصول الماء إلى أعضائه الشريفة، فيكون في العبارة شبه استخدام أريد من الوضوء المعدّ للوضوء، وعند عود الضمير إليه أريد منه ما استعمل فيه ( فخرج النبيّ حلة حمراء كأني) حال التكلم ( انظر إلى بياض ساقيه) فالمشبه والمشبه به متحدان في الحقيقة مختلفان بالاعتبار، فهو باعتبار حال المتكلم مشبه وباعتبار النظر لذلك مشبه به، وأتى بهذه الجملة لتنبيه المخاطب على تمام استحضاره فيتلقى عنه أحسن تلق لإيقانه له ( فتوضأ) والفاء فيه لترتيب الأخبار لا لترتيب المخبر وأخذهم له وافتراقهم في ذلك بعد الوضوء وهو متقدم إخباراً ( وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا) أي يميناً وشمالاً ( يقول) جملة حالية من المضاف إليه لأن المضاف بعضه ( يميناً وشمالاً) نصبهما على الظرف ( حيّ) أي أقبلوا ( على الصلاة حي على الفلاح) وذكره في هذا المقام إيماء إلى أن الصلاة ذروة سنامه، فمن أحسنها فقد حلّ منه الذروة العليا وظفر منه بالدرجة القصوى، وفيه لف ونشر مرتب، فحيّ على الصلاة يدير فاه بها يميناً، وحيّ على الفلاح يديره بها شمالاً وصدره مستقبل القبلة، وإنما التفت فيهما بوجهه لما فيهما من الخطاب بخلاف باقي كلمات الأذان والإقامة ( ثم ركزت) بضم الراء وكسر الكاف بعدها زاي: أي غرزت ( له عنزة فتقدم فصلى) إليها جعلها بين يديه ومن ثم استحب للمصلي أن يجعل بين يديه شاخصاً ويكون بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل، ولا يصمد إلى الشاخص بل يجعله عن يمينه أو عن شماله ( يمرّ بين يديه الكلب والحمار) أي من وراء السترة ( لا يمنع) بالبناء للمفعول: أي لا يمنع عن المرور لأن المصلي إنما يمنع المرور بينه وبين سترته ( متفق عليه) أخرجاه في الصلاة، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي ( العنزة بفتح) المهملة و ( النون) وبالزاي ( نحو العكازة) قال في «المصباح» : العنزة عصا أقصر من الرمح ولها زجّ من أسفلها وجمعها عنز وعنزات كقصبة وقصب وقصبات اهـ.


رقم الحديث 783 ( وعن أبي رمثة) بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة ( رفاعة) بكسر الراء وبالفاء والعين المهملة ابن يثربي بفتح الموحدة وسكون المثلثة وكسر الراء نسبة إلى ما كانت تسمى به طيبة في الجاهلية ( التيمي) بفتح الفوقية وسكون التحتية.
قال الترمذي: في «الشمائل» تيم الرباب، واحترز به عن تيم قريش ولد الرباب بكسر الراء، قال ميرك: كذا سماعنا وكذا ذكره الجوهري في «صحاحه» والفيروزأبادى في «القاموس» ، قيل فقول الحافظ ابن حجر: إنه بفتح الراء لعله سبق قلم منه أو من غيره.
وتيم الرباب خمس قبائل: ضبة وثور وعكل وتيم وعدى غمسوا أيديهم في ربّ وتحالفوا عليه فصاروا يداً واحداً، وأبو رمثة ذكره الحافظ في «تقريبه» ولم يزد على ذكر اسمه واسم أبيه، وفي السكنى من «التقريب» أبو رمثة البلوي ويقال التيمي ويقال التميمي، وقيل هما اثنان، قيل اسمه رفاعة بن يثربي، وقيل عكسه، ويقال عمارة بن يثربي، ويقال حبان بن وهيب، وقيل جندب، وقيل خشخاش صحابي.
قال ابن سعد: مات بأفريقية، خرج له أبو داود والترمذي والنسائي ( رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله ثوبان أخضران، رواه أبو داود) في اللباس من «سننه» ( والترمذي) في «جامعه» ، وفي «الشمائل» «لكن قال: وعليه بردان أخضران» بالموحدة والراء والدال بدل ثوبان أخضران، قال ابن بطال: الثياب الخضر من لباس أهل الجنة وكفى بذلك شرفاً، قال القاري: ولذا صارت لباس الشرفاء، ووصف المصنف الإسناد بقوله ( بإسناد صحيح) وتصحيح الإسناد إذا كان من نحو المصنف من كل ضابط متقن ولم يعقب المتن بقادح في صحته حكم بصحة المتن أيضاً.


رقم الحديث 784 ( وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله دخل يوم فتح مكة) حذف المفعول به وهو مكة اكتفاء بدلالة ظرف الزمان عليه، وقد صرح به الترمذي في رواية «الشمائل» ( وعليه عمامة سوداء) لا يخالف ما جاء من أنه دخل يومئذ وعليه مغفر لإمكان الجمع بدخولهبهما معاً وهي فوقه، أو كان واحداً بعد آخر صدرا منه حال الدخول، ولبسه العمامة السوداء يومئذ إشارة إلى أن هذا الدين لا يتغير كالسواد بخلاف سائر الألوان ( رواه مسلم) ورواه أصحاب السنن الأربعة.


رقم الحديث 785 ( وعن أبي سعيد عمرو بن حريث) بضم المهملة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها مثلثة بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن مخزوم القرشي المخزومي ( رضي الله عنه) قال الحافظ في «التقريب» : صحابي صغير مات سنة خمس وثمانين خرج له الستة.
روي له عن النبيّ ثمانية عشر حديثاً، ذكره ابن الجوزي في «مختصر التلقيح» ، وانفرد بالروايات عنه مسلم عن البخاري، فروى له حديثين وقد بسطت ترجمة كل منه ومن أبي رمثة في كتاب رجال «الشمائل» ( قال: كأني أنظر إلى رسول الله عمامة سوداء قد أرخى طرفيها) بالتثنية، وجاء في رواية «الشمائل» بالإفراد: قال القاضي عياض: وهو الصواب اهـ ( بين كتفيه) ولبسه السواد حينئذ تنبيهاً على عدم المنع منه.
وفيه استحباب إرخاء طرفى العذبة بين الكتفين ( رواه مسلم) في الحج ( وفي رواية له) من حديث جابر ورواه أبو داود والترمذي في «الشمائل» والنسائي وابن ماجه ( أن رسول الله خطب الناس) أي في يوم جمعة وعلى المنبر كما في رواية أخرى لمسلم، وبه يندفع قول بعضهم لم يلبس النبيّ في غير فتح مكة، وذلك لأن خطبته بمكة لم تكن على منبر بل على باب الكعبة، ولذا ذكر صاحب «المصابيح» هذا الحديث في خطبة الجمعة ( وعليه عمامة سوداء) في رواية «وعمامة حرقانية» .


رقم الحديث 786 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض) كما أمر بالتكفين بها كما تقدم من قوله «وكفنوا فيها موتاكم» ( سحولية من كرسف ليس فيهاقميص ولا عمامة) وهذا أفضل الكفن للرجل، ويجوز زيادة قميص وعمامة، وسياقه له باب المعقود لما يطلب للحي لبسه من الألوان ليبين أن لبس الأبيض مأمور به بالنص من قوله وبالقياس على تكفينه به ويكفن الميت بما يلبسه حياً ( متفق عليه) أخرجاه في الجنائز ( السحولية بفتح السين) المهملة ( وضمها وضم الخاء المهملتين) أي مع فتح السين وضمها ( ثياب تنسب إلى سحول) بورن رسول ( قرية باليمن) فالفتح في المنسوب على لفظ المنسوب إليه والضم على النسبة إلى جمع سحل: وهو الثوب الأبيض فإنه يجمع على سحول كفلس وفلوس، وهو غلط لأن النسبة إلى الجمع إذا لم يكن علماً وكان له واحد من لفظه يرد إلى الواحد، قاله في «المصباح» ، فالضم حينئذ من تغييرات انلسب كنسبة نمرى بفتح أوليه إلى نمر بكسر فسكون ( والكرسف) بضم أوله وثالثه المهمل ( القطن) قال في المصباح: والكرسف أخص منه.
j

رقم الحديث 787 ( وعنها قالت: خرج رسول الله ذات غداة) أي في أيّ ساعة من البكرة ( وعليه مرط مرحل من شعر أسود) أي منسوج من الشعر، ففيه حلّ لبس الصوف ولبس الأسود ( رواه مسلم) في اللباس من «صحيحه» ( المرط) بكسر الميم وسكون الراء وبالطاء المهملة ( وهو كساء) فيه إطلاق وشمول لما يؤتزر به منه وغيره.
والذي في «المصباح» : المرط كساء من صوف أو خزّ يؤتزر به وتتلفع به المرأة والجمع مروط كحمل وحمول ( والمرحل بالحاء المهملة) بصيغة المفعول من مضعف رحل ( هو الذي فيه صورة رحال الإبل وهي الأكوار) فأشار به إلى حلّ تصوير ما لا روح فيه.
والوارد فيه التغليظ من التصوير تصوير ذي روح والأكوار جمع كور، قال في «المصباح» : هو الرحل بأداته ويجمع على أكور وكيران.


رقم الحديث 788 ( وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبيّ ذات ليلة) أي في ليلة وأتى بذات، لبيان أن المراد حقيقة الليلة لا أنها أريد منها مطلق الزمان مجازاً ( في مسير) بفتح المهملة وكسر المهملة وسكون التحتية وذلك في غزوة تبوك ( فقال لي أمعك ماء) يحتمل أن يكون مبتدأ مؤخراً ويحتمل كونه فاعلاً للظرف لاعتماده على الاستفهام ( فقلت: نعم، فنزل عن راحلته) ، أي مركبه الذي كان راكباً عليه من الإبل وهي ناقته المعروفة بالقصوى وبالعضباء كما قدمت ذلك ( فمشى حتى توارى) أي غاب سواده عن رؤية البصر ( في سواد الليل) لزيادة الدخول في البعد، فيستحب لمن خرج لقضاء الحاجة في الصحراء الإبعاد عن الحاضرين، وهو إلى أن يغيب سواده عنهم أو إلى أن يأمن على نفسه ( ثم جاء فأفرغت عليه) فيه الاستعانة بالصبّ على المتطهر وفعلها لبيان الجواز وإلا فالأفضل تركها ( من الإداوة) بكسر الهمزة وبالدال المهملة المطهرة وجمعها أداوى ( فغسل وجهه وعليه) أي النبي ( جبة) بضم الجيم وتشديد الموحدة جمعها جبب: صنف معروف من اللباس ( من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها) لضيق كمها ( حتى أخرجهما) أي الذراعين ( من أسفل الجبة فغسل ذراعيه) إلى المرفقين ( ومسح برأسه) الباء فيه للتبعيض ( ثم أهويت) أي مددت يدي إلى خفيه ( لأنزع خفيه فقال: دعهما) أي اتركهما في ملبوسهما وهما القدمان ( فإني أدخلتهما) أي القدمين المدلول عليهما بالخفين ( طاهرتين) وما كان كذلك يجوز مسح خفيه عوضاً عن غسله، ويجوز عوض ضمير المثنى إلى الخفين فيكون فيه قلب كقول العرب: أدخلت القلنسوة رأسي، ويقرب هذا قوله ( ومسح عليهما) فإن المسح على الخفين ( متفق عليه) أخرجاه في الطهارة، وفيه قصة صلاة النبي وراء عبد الرحمن بن عوف وقد تقدم ذلك، وروى الحديث أبو داود ولم يذكر قصة ابن عوف والنسائي وابن ماجه.
( وفي رواية: وعليه جبة شامية) لا تخالف ما جاء في أخرى أنهاجبة رومية، لأن الشام حينئذ كانت مقر الروم فصح كلا الأمرين ( ضيقة الكمين) فلذا لم يتمكن من إخراج يديه منهما.
( وفي رواية) لهما ( أن هذهالقضية) بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة ( كانت في غزوة تبوك) بالصرف وعدمه كما تقدم: محل معروف بالقرب من الشام، وكانت آخر مغازيه التي خرج بنفسه فيها وكانت سنة تسع من الهجرة.
8