فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب صفة طول القميص والكُم والإِزار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء من ذلك على سبيل الخيلاء وكراهته من غير خيلاء

رقم الحديث 790 ( عن أسماء) بالمد ( بنت يزيد) بفتح التحتية الأولى وكسر الزاي وسكون التحتية بعدها دال مهملة ابن السكن بفتح المهملة والكاف وبالنون ( الأنصارية) قال في «التقريب» : تكنى أم سلمة ويقال أم عامر صحابية لها أحاديث تقدمت ترجمتها ( رضي الله عنها) في باب فضل الجوع ( قالت: كان كم) بضم الكاف وتشديد الميم ( قميص رسول الله إلى الرسغ) كذا في نسخ الرياض بالسين، قال ابن حجر الهيثمي في «شرح الشمائل» : هو بالصاد عند أبي داود والمصنف وبالسين عند غيرهما، قيل ولعله أراد عند الترمذي في «جامعه» وإلا فنسخ «الشمائل» بالسين بلا خلاف اهـ.
ومنه يعلم أن كتابته بالسين هنا من الكتاب، وقال التوربستى: هو بالسين المهملة وبالصاد لغة فيه، وفي «القاموس» : الرسع بضم وضمتين ثم قال:والرصغ اهـ.
والرسغ: مفصل الساعد والكف.
قال ابن الجزري: فيه دليل أن لا يجاوز بكم القميص الرسغ، وأما غير القميص فالسنة ألا يجاوز رؤوس الأصابع، ولا يخالف هذا الحديث ما أورده ابن الجوزي في الوفاء من حديث ابن عباس «كان رسول الله يلبس قميصاً فوق الكعبين مستوى الكمين بأطراف أصابعه» بحمل ذلك على تعدد القميص أو أن حديث الباب على التقريب والتخمين وذاك على التعيين ( رواه أبو داود والترمذي) في «جامعه» وشمائله ( وقال: حديث حسن) .


رقم الحديث 791 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: من جر) أي سحب على وجه الأرض لطوله حتى مسها ( ثوبه) وهو شامل لجميع أنواعه وذكر الإزار في رواية «من جرّ إزاره» لا يخصه لأن ذكر بعض أفراد العام لا يخصص على أنه إنما ذكر كما قال الطبري، لأنهم كانوا إذ ذاك يلبسون الأزر والأردية، فلما اعتيد لبس القميص تركا فكان حكمهما في ذلك حكمهما ( خيلاء) منصوب على أنه مفعول له ( ويجوز) نصبه على أنه مفعول مطلق: أي جرّ خيلاء فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو على الحال: أي ذا خيلاء ( لم ينظر الله إليه) أي نظر رضا ورحمة ( يوم القيامة) الذي هو يوم الدين ( فقال أبو بكر) أي الصديق ( رضي الله عنه يا رسول الله إن إزاري يسترخي) أي لنحافة بدنه ( إلا أن أتعاهد ذلك منه) أي بالشد والرفع أفأدخل في الوعيد المقتضي لكون فعل ذلك كبيرة ( فقال رسول الله: إنك لست ممن يفعله) إفرد الضمير نظراً للفظ من ( خيلاء) ففيه بيان أن قوام الأعمال بالنيات وأنها تختلف أحكامها بحسب اختلافها، وفيه أن الوعيد لمن فعل ذلك عجباً أو كبراً، لا لمن وقع له ذلك لا يقصد ذلك ولو لقصد آخر لا محظور فيه ( رواه البخاري) في اللباس وأبو داودوالنسائي في «سننهما» ( وروى مسلم) في اللباس ( بعضه) وهو قوله «لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء» وأورده من طرق بألفاظ متقاربة.


رقم الحديث 792 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: لا ينظر الله) أي نظر رضا ( يوم القيامة) خص بالذكر لأنه محل الرحمة المستمرة بخلاف رحمة الدنيا فإنها قد تنقطع بما يتجدد من الحوادث، قاله في «الفتح» ، أو لأنه يوم الجزاء وإلا ففاعل ذلك لا يرضى الله بفعله دنيا وأخرى ولا ينظر الله إليه لذلك أصلاً ( إلى من جر إزاره بطراً) بفتح الموحدة والمهملة هو بوزن الأشر ومعناه: وهو كفر النعمة وعدم شكرها والمراد لازم ذلك: أي عجباً وخيلاء فيكون ما قبله كالمفسر له ( متفق عليه) رواه البخاري بهذا اللفظ في اللباس ولفظ مسلم عن أبي هريرة عن النبي «إن الله لا ينظر إلى من يجرّ إزاره بطراً» .


رقم الحديث 793 ( وعنه عن النبيّ قال: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) قال الحافظ في «الفتح» : ما موصولة وبعض صلته محذوف وهو كان وأسفل خبره وهو منصوب قلت: لا يتعين على النصب تقدير كان، بل يجوز أن يكون أسفل ظرفاً وقع صلة والله أعلم.
ويجوز الرفع على ما هو أسفل وهو أفعل تفضيل، ويحتمل أن يكون فعلاً ماضياً ويجوز أن تكون ما نكرة موصوفة بأسفل.
قال الخطابي: يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار فكنى بالثوب عن لابسه، ومعناه: أن ما دون الكعب من القدم يعذب عقوبة، وحاصله أنه من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه، ويحتمل أن يكون تبيينه المراد الشخص نفسه،والمعنى: ماأسفل من الكعبين الذي يسامت الإزار في النار، أو التقدير: لابس أسفل ما سفل من الكعبين، أو التقدير: أن فعل ذلك محسوب في أفعال أهل النار، أو فيه تقديم وتأخير: أي ما سفل من الإزار من الكعبين في النار، وكل ذلك مستفاد من استحالة الإزار في النار حقيقة.
وأخرج عبد الرزاق أن نافعاً سئل عن ذلك فقال: وما ذنب الثياب، بل هو من القدمين جاء، لكن يقتضي إدخال نفس الثوب في النار.
فعليه لا مانع من حمل الحديث على ظاهره ويكون من باب قوله تعالى: { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} ( الأنبياء: 98) ويكون في الوعيد لما وقعت به المعصية إشارة إلى أن من يتعاطاها أحق بذلك، والفاء في قوله ففي النار مزيدة: لتضمن «ما» معنى الشرط، ثم هذا محمول على من فعل ذلك خيلاء وبطراً كما تقدم ما يدل له، ومحل الكراهة لمن أرخى إزاره عن كعبه إذا لم يكن عذر، وإلا فمن برجله جراح يؤذيه الذباب وأسبل إزاره ليسلم من أذاها فلا كراهة، نبه عليه الحافظ زين الدين العراقي في «شرح الترمذي» ، واستدل له بإذن النبي لابن عوف في لبس الحرير لحكة والجامع تعاطي ما حرم في كل للضرورة، والحديث في الرجال لما سيأتي في حديث ابن عمر عن أم سلمة ( رواه البخاري) في اللباس.


رقم الحديث 794 ( وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي قال: ثلاثة لا يكلمهم الله) قيل المراد الإعراض عنهم وقيل لا يكلمهم كلام رضا يسرهم بل كلام غضب وسخط ( يوم القيامة ولا ينظر إليهم) أي يعرض عنهم، ونظره تعالى إلى عبده رحمته ولطفه به ( ولا يزكيهم) أي لا يطهرهم من دنس ذنوبهم وقيل لا يثني عليهم ( ولهم عذاب أليم) أي مؤلم، قال الواحدي: هو العذاب الذي يخلص إلى قلوبهم وجعه، والعذاب كل ما يعني الإنسان ويشق عليه ( قال فقرأها) أي فتلا هذه الجملة ( رسول الله ثلاث مرار) ليثبت عند السامعين فيكون أبلغ في النفع «ومرار» بكسر الميم وتخفيف الراءين بينهما ألف جمع تكسيرلمرة ( قال أبو ذرّ خابوا وخسروا) أي المحدث عنهم بالوعيد المذكور ( من هم) ليعرفوا بأعيانهم أو بأوصافهم ( يا رسول الله» قال: المسبل) بصيغة الفاعل من الإسبال المرخي لثوبه الجار له خيلاء فهو مخصوص بذلك ( والمنان) أي الذي يذكر إحسانه ممتناً به على المحسن إليه، والمبالغة قيد في الوعيد المذكور لما فيه من المبالدة المقتضى لكونه من الكبائر وإلا فالمن حرام وإن لم يتكرر، قال تعالى: { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} ( البقرة: 264) ( والمنفق) بصيغة الفاعل من الإنفاق ( سلعته) بكسر المهملة الأولى وسكون اللام أي المكثر طلاب بضاعته ( بالحلف) بفتح فكسر: أي القسم ( الكاذب) كقوله والله إنها حسنة والله إنها فريدة ( رواه مسلم) في كتاب الأيمان ورواه أبو داود في اللباس من «سننه» ( وفي رواية له) فيه ( المسبل إزاره) وتقدم عن ابن جرير حكمة تخصيصه بالذكر وإلا فالحكم شامل لسائر الملبوس، وتقدم أن ذكره في هذه الرواية لا يخصص عموم الأحاديث المطلقة.


رقم الحديث 795 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ قال الإسبال) أي الإرخاء ( في الإزار) وهو ما يستر به أسافل البدن ( والقميص) أي إرخاء كل منهم عن الكعب ( والعمامة) أي بإطالة عذبتها ( من جر شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) أي إذا لم يتب من ذلك أما جرّ ما ذكر بغير الخيلاء فمكروه إلا لعذر كالصديق أو لضرورة كذي الجراحة القاصد بإطالة ثوبه سترها من الذباب ليسلم من أذاها ( رواه أبو داود) في اللباس من «سننه» ( والنسائي بإسناد صحيح) أي باعتبار منتهى الإسناد وهو حسين الجعفي عن سالم عن ابن عمر وإلا ففيما قبل ذلك الإسناد متعدد، ورواه ابن ماجه في «سننه» أيضاً.


رقم الحديث 796 ( وعن أبي جرى) بضم الجيم وفتح الراء وتشديد التحتية مصغر كما نص عليه الحافظ في «تبصير المنتبه» وما وقع في «المفاتيح شرح المصابيح» أنه بفتح الجيم خطأ ( جابر بن سليم) مصغر قال المزي في «الأطراف» : ويقال سليم بن جابر، قال ابن الأثير: والأول أصح ( الهجمي) بضم الهاء وفتح الجيم نسبة إلى الهجيم بن عمرو بن تميم، عداده في أهل البصرة ( رضي الله عنه) روي له عن رسول الله أحاديث وليس عنه في الصحيحين شيء ( قال: رأيت) أي أبصرت ( رجلاً) التنوين فيه للتعظيم بدليل وصفه بقوله ( يصدر) بضم الدال ( الناس عن رأيه) أي يرجعون عن رأيه: أي يرجعون إلى ما يظهر من صدره من الرأي الذي يرشدهم إليه ( لا يقول لهم شيئاً إلا صدروا) بفتح الدال ( عنه) بعد سماعه كما يصدر الوارد عن الورد بعد الذي يشرب من مائه، قال ابن رمد ملاك: وكان للنبيّ بئر يسمى الصادر وإنه يصدر عنها بالري ( فقلت) لهم ( من هذا؟ فقالوا رسول الله) بحذف المبتدأ المدلول عليه بوجوده في جملة السؤال ( قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين) عند الترمذي أنه قال «عليك السلام يا رسول الله ثلاثاً» ( قال: لا تقل عليك السلام) وعلل ذلك بقوله على طريق الاستئناف البياني ( عليك السلام تحية الموتى) يعني باعتبار عادة شعر الجاهلية لا أن ذلك المشروع في السلام عليهم لأنه سلم عليهم كالأحياء فقال «السلام عليكم دار قوم مؤمنين» وقيل أراد بالموتى كفار الجاهلية، قال ابن رسلان: ثم تقدم الدعاء على الضمير في الدعاء بالخير، أما في الشرّ فيقدم الضمير نحو وإن عليكم لعنتي عليهم دائرة السوء اهـ، وفيه تعقب بحديث «ألعنك بلعنة الله» إذ قدم الدعاء على ضمير المخاطب ( قل السلام عليك) فيه إفراد الضمير وجمعه إذا كان المخاطب به مفرداً.
فالجمع باعتبار من معه من الملكين ( قال: قلت أنت) بتقدير همزة الاستفهام قبله: أي أأنت ( رسول الله) ( قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضرّ) بضم الضاد المعجمة هو الفقر والفاقة وبفتحها مصدر ضره يضره من باب قتل إذا فعل به مكروهاً كذا في «المصباح» وبه يعلم أنه بالضم ( فدعوته) يتضرع وافتقار ( كشفه) أي رفع ذلك عنك ( وإن أصابك عام سنة) بالإضافة، وفي بعض نسخ أبي داود بالتنوين ورفع عام صفة لهاوالأول أصوب: أي عام شدة ومجاعة.
قال المنذري: السنة هي العام الفحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً سواء نزل عليها غيث أم لا ( فدعوته أنبتها لك) أي أوجد لك فيها النبات ونماه بفضله ( وإذا كنت بأرض) بالتنوين ( قفر) وهي الأرض الخالية من الأنيس التي لا ماء بها ولا ناس، وفي «المصباح» هي: المفازة التي لا ماء بها ولا نبات وجمع القفر أقفار ( أو) أرض ( فلاة) أي لا ماء فيها وجمعها فلا كحصاة وحصى ( فضلت راحلتك) في تلك الأرض ( فدعوته) أي بدعاء مستجمع لشرائط الإجابة، ومنها كون الداعي عالماً بأن لا قادر على حاجته إلا الله تعالى، وأن الوسائط في قبضته وتسخيره وكون الدعاء باضطرار وافتقار، فإن الله تعالى لا يقبل دعاء من قلب غافل ( ردها عليك، قال) أي جابر ( قلت له) أي النبي أي بعد الإسلام بالله تعالى وبه ( اعهد إلى) بفتح الهاء من العهد بمعنى الوصية ومنه حديث على «عهد إلى النبيّ» أي أوصى إلى ( قال: لا تسبن أحداً) السبّ الشتم وهو حرام، ولا يجوز للمسبوب الانتصار ممن سابه إلا بمثل ما سبه به ما لم يكن كذباً أو قذفاً، وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته وبرىء من حقه وبقي عليه حق الابتداء ( قال) جابر ( فما سببت بعده حرّاً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة) وأشار به إلى كمال الامتثال وعدم المشاحنة في شيء من ذلك، وجملة قال ومقوله معترضة بين جملة لا تسبن أحداً وجملة ( ولا تحقرن) بكسر القاف يعني لا تترك ( من المعروف شيئاً) احتقاراً له واستهانة لقدره فكل معروف وإن قلّ نفعه فهو صدقه ينمو أجره إلى يوم القيامة، والتنوين في شيء للتحقير والتقليل كما يدل عليه المقدم ( و) لا تحقر ( أن) بفتح الهمزة ( تكلم) بضم الفوقية ( أخاك) المؤمن ( وأنت منبسط إليه وجهك) بالرفع فاعل ما قبله، والمعنى: لا تحقر خطابك لأخيك وفي وجهك البشر له كأنك مستبشر بحديثه لما في ذلك من إدخال السرور عليه وجلب وداده المأمور به بقوله «وكونوا عباد الله إخواناً» ثم علل النهي عن احتقارك ذلك بقوله ( إن ذلك) أي المتكلم أو المذكور ( من المعروف) وإن قل، والخطاب مع البشر ( من المعروف) أي الذي يطلبه الشرع، ومثل ذلك لا ينبغي احتقار شيء منه ( وأرفعإزارك) ومثله باقي الثياب كما تقدم ( إلى نصف الساق) وفي الحديث «أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه وذلك لحصول الغرض به من لبس الثوب وهو ستر العورة، وفيه مع ذلك تواضع وإعراض عن رعونة النفس ( فإن أبيت) عبر عن عدم فعل ذلك بالإباء إيماء إلى شرف مكانه، قال: إن تركت فعل ذلك المرقى لك الدرجات في الجنة ( فإلى الكعبين) أي فأرفعه عن جانب الأرض إليهما فلا جناح فيما بين الكعبين إلى نصف الساقين ( وإياك) منصوب على التحذير بعامل محذوف وجوباً ( وإسبال الإزار) أي احذر تلاقي نفسك وإسبال الإزار فحذف الفعل وفاعله ثم المضاف الأول وأنيب عنه الثاني فانتصب، ثم الثاني وأنيب عنه الثالث فانتصب وانفصل لتعذر اتصال الضمير، قاله ابن هشام في «التوضيح» / وفي مثله لابن الحاجب طريق آخر في مثل ذلك ( فإنها) تلك الهيئة المدلول عليها بالسياق، والسياق ( من المخيلة) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من الاختيال والكبر واحتقار الناس والعجب عليهم، وظاهر أن ذلك محمول على من قصد ذلك أو أن من شأنها ذلك فذلك نهى عنها تحريماً بقصد ذلك وتنزيهاً عند عدم قصده ( وإن الله لا يحبّ) أي لا يوافق أو لا يرضى ( المخيلة) أي النفوس ذوات الخيلاء فلا يظهر عليهم أثر النعمة في الآخرة وفيه وعيد للمتكبر والمختال ( إن امرؤ شتمك) مبين لفعل الشرط المحذوف العامل في امرىء: أي إن شتمك امرؤ وحذف جوابه وهو فلا تشتمه اكتفاء بدلالة المذكور بعده عليه، والنهي للتنزيه وإلا فيجوز الاستيفاء بالشرط المذكور قريباً ( أو عيرك بما يعلم فيك) من الذنب والأفعال القبيحة ( فلا تعيره بما تعلم فيه) فقد روى أحمد عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله: «من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله» يقال عيرته بفعل كذا: إذا قبحته عليه ونسبته إليه ( فإنما وبال) بفتح الواو وتخفيف الموحدة: أي ثقل ( ذلك) ووخامته ( عليه) مأخوذ من وبل المرتع بضم الموحدة وبالاً إذا وخم، ولما كان عاقبة المرعى الوخيم إلى سوء قبل في سوء العاقبة وبال، والمراد به في الحديث العذاب في الآخرة، وقد يعجل بعضه في الدنيا ( رواه أبو داود والترمذي) في اللباس ( بالإسناد الصحيح.
قال الترمذي: حديث صحيح)
.


رقم الحديث 797 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما رجل) بالرفع مبتدأ وجملة ( يصلي) خبره والجملة الإسمية مستأنفة ولم أر من عيَّن الرجل ( مسبلاً إزاره) بصيغة الفاعل ونصب الإزار مفعولاً به، ويجوز قراءته بصيغة المفعول ورفع إزاره نائب فاعله والأول أنسب بقوله آخر الحديث «إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل» ( قال له رسول الله: اذهب فتوضأ) فذهب عقب الأمر من غير توان كما تومىء إليه الفاء ( فتوضأ) الوضوء الشرعي لأن الأصل فيما جاء في الشرعيات من الألفاظ حمل المعنى الشرعي حتى يجىء ما يصرفه عنه ( ثم جاء) أي إلى النبي، لعل الإتيان بثم لتراخي مجيئه عن الوضوء لاشتغاله بأمر كسنة الوضوء ( فقال: اذهب فتوضأ) أي ثانياً ( فقال له رجل) ويحتمل أن تكون بمعنى عن: أي فقال عن المأمور: أي سائلاً عن سبب أمره بما أمر به أولاً الضمير فيه للنبي: أي فقال رجل للنبي واللام للتبليغ، وثانياً وسكوته عنه آخراً ( يا رسول الله مالك) مبتدأ وخبر وجملة ( أمرته أن يتوضأ) في محل نصب على الحال ( ثم سكتّ عنه) بترك الأمر بذلك ( قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره) أي بطول ثوبه وإرساله إذا مشى حتى يصل إلى الأرض وفعله ذلك كان تكبرا واختيالاً، فيحتمل والله أعلم أن يكون أمره بإعادة الوضوء ليكون مكفراً لذنبه، فقد جاء أن الطهور مكفر للذنوب، فمن ذلك حديث البراء بإسناد حسن عن عثمان مرفوعاً «لا يسبغ عبد الوضوء إلا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» فلما كان في إسبال الإزار من الإثم ما فيه أمره بالوضوء ثانياً ليكون تكفيراً لذنب الإسبال ولم يأمره بإعادة الصلاة لأنها «صحيحه» وإن لم تقبل كما قال ( إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل) ويحتمل أن يكون الأمر بإعادة الوضوء للإخلال بلمعة من أعضائه وبإخلال طهارته لا يصح الوضوء ولم يؤمر بإعادة الصلاة لأنها نفل، والله أعلم.
والمراد من قوله لا يقبل: لا يكفر ذنوبه ولا يطهر قلبه من الآثام وإن أسقطت عنه الطلب ( رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرطمسلم) في الصلاة وفي اللباس من «سننه» .


رقم الحديث 798 ( وعن قيس بن بشر التغلبي) بالفوقية المعجمة وكسر اللام الشامي.
قال الحافظ في «التقريب» : مقبول ممن عاصر صغار التابعين روى عنه أبو داود.
قال تلميذه ابن رسلان في «شرح سنن أبي داود» : قال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأساً ( قال: أخبرني أبي) بشر بن قيس التغلبي، قال في «التقريب» : من أهل قنَّسرين بكسر القاف وتشديد النون وسكون المهملة الأولى، صدوق من كبار التابعين خرّج له أبو داود ( وكان جليساً لأبي الدرداء) يحتمل أن تكون حالية بإضمار قد، وأن تكون معطوفة على جملة أخبرني أبي ( قال: كان بدمشق) بكسرا لدال وفتح الميم مدينة بالشام ( رجل من أصحاب النبي) جمع صاحب بمعنى صحابي أي من صحابته ( يقال له سهل) ابن الربيع بن عمرو بن عديّ ( ابن الحنظلية) هي أمة، وقيل أم جده، وهي من بني حنظلة ابن تميم وسهل أوسيّ بايع تحت الشجرة، وكان زاهداً معتزلاً عابداً نزل دمشق.
قال ابن الأثير: ومات بها أول خلافة معاوية ولا عقب له، وكان يقول: لأن يكون لي عقب أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس.
قال الحافظ في «التقريب» : الحنظلية أمة أو من أمهاته، واختلف في اسم أبيه اهـ.
ولم يحك كل من ابن الأثير وابن رسلان خلافاً في اسم أبيه ( وكان رجلاً متوحداً) بالحاء المهملة: أي بحب التوحد وهو الانفراد عن الناس ( قل ما يجالس الناس) أي قلت مجالسته الناس، في «ما» فيه مصدرية فلذا كانت في الأصول مفصولة عن الفعل والكافة توصل به ( إنما هو) أي سهل ( صلاة) أي ذو صلاة أو إنما شغله صلاة فحذف المبتدأ المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانفصل مرفوعاً ( فإذا فرغ) منها ( فإنما هو تسبيح) لله عزّ وجل: أي تنزيه له عما لا يليق به ( وتكبير) أي ثناء عليه بإثبات الكبرياء والعظمة، ويحتمل أن المراد الكناية عن كونه في غيرالصلاة ملازم ذكر الله تعالى بأيّ نوع منه لا بخصوص هين وها أقرب ( حتى يأتي أهله) غاية لمقدر: أي يستمر على ذلك إلى أن يأتيهم فيشغله ما يحتاج إليه من أمرهم عن ذلك فيشغل به ( فمر بنا ونحن) جلوس ( عند أبي الدرداء) الصحابي الجليل المشهور واسمه عويمر، وقيل عامر، وعويمر لقب له، ابن زيد ابن قيس الأنصاري وقد تقدمت ترجمته ( فقال له أبو الدرداء: كلمة) بالنصب بفعل محذوف: أي قل لنا كلمة أو تكلم كلمة فهي مفعول به أو مفعول مطلق تنفعنا ( أي بثوابها إذا عملنا بها) ولا تضرّك ( أي لا يعود عليك من الإتيان بها ضرر قال: بعث رسول الله سرية) بفتح فكسر فتشديد التحتية: هي قطعة من الجيش يبعثها الإمام إلى العدو، وسميت به لأنها تكون سراة العسكر أي خلاصته الذي هو النفيس منه وقيل لسيرهم ليلاً ( فقدمت) بكسر الدال: أي وصلت من البعث ( فجاء رجل منهم) لم يسمه ابن رسلان في شرحه ولا السيوطي في «حواشيه» ( فجلس في المجلس الذي يجلس فيه رسول الله) فيه أن من ألف مجلسه لإقراء أو إفتاء ثم قام منه جاز لغيره الجلوس فيه زمن غيبته، ثم إن كانت المفارقة له بغير عذر سقط حقه منه بعد العودة إليه وإلا فلا ( فقال لرجل إلى جنبه) أي من الصحابة الذين يحضرون مجلس النبي ( لو رأيتنا) بفتح الفوقية أي أبصرتنا ( حين التقينا نحن والعدوّ) بالرفع عطف على الضمير المتصل لتأكيده بالمنفصل ( فحمل فلان) أي على شخص من العدو ( فطعن) أي برمحه العدو ( فقال) عند طعنته إياه ( خذها مني وأنا الغلام الغفاري) بكسر الغين المعجمة نسبة العدوّ ( فقال) عند طعنته إياه ( خذها مني وأنا الغلام الغفاري) بكسر الغين المعجمة نسبة لبني غفار قبيلة أبي ذرّ.
وفيه جواز قول الإنسان ذلك حال الحرب والتعريف بنفسه بذكر اسمه أو نسبه أو شهرته إذا كان بطلاً شجاعاً ليرهب عدوّه ( كيف ترى في قوله هذا) أي ما رأيك في قوله المذكور مفتخراً به ( قال) أي الرجل المحدث بذلك ( ما أراه) بضم الهمزة: أي أظنه ( إلا قد بطل أجره) لأنه أظهر عمله وافتخر على القوم ( فسمع بذلك) المذكور منهما ( آخر فقال: ما أرى) بفتح الهمزة بذلك القول ( بأساً) لأن فيه إرهاباً للكفرة ( فتنازعا) في ذلك( حتى سمع رسول الله) حذف المفعول: أي سمع تنازعهما فيه، وحتى غاية لمقدر، أي وانتشر تنازعهما إلى أن وصل رسول الله ( فقال: سبحان الله) فيه استعمال التسبيح عند التعجب من الشيء، وقد عقد له المصنف باباً في كتاب «الأذكار» ، وكذا يقال في ذلك لا إله إلا الله ونحوها ( لا بأس أن يؤجر) بالبناء للمفعول: أي بالثواب في الدار الآخرة ( ويحمد) بالبناء للمفعول أيضاً: أي يثنى عليه بالثناء الحسن في الدار الدنيا: أي لا منع من حصولهما معاً، ففيه حثّ على قول أنا فلان في الحرب إذا كان مشهوراً بالشجاعة قاصداً بذلك إرهاب الكفرة وإخافتهم لا الفخر والخيلاء ( فرأيت أبا الدرداء سرّ بذلك) لما فيه من أن النفع الدنيوي لا ينافي الثواب الأخروي وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً - قال تعالى: { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} ( النحل: 97) .
وقال تعالى: { ولمن خاف مقام ربه جنتان} ( الرحمن: 46) ( وجعل يرفع رأسه إليه) أي بعد أن كان خافضه ( ويقول أنت سمعت ذلك من رسول الله؟) بتقدير همزة الاستفهام قبل الضمير: أي أأنت سمعته ( فيقول نعم، فما زال أبو الدرداء يعيد عليه) القول ( حتى إني لأقول) اللام معينة لكسر همزة «إن» لا لأنها تكون في خبر المفتوحة ( يبركن على ركبيته) مبالغة في التواضع كما هو شأن المتعلم بين يدي المعلم ( قال) أي بشر ( فمرّ بنا يوماً آخر فقال له أبو الدرداء كلمة) أي اذكر لنا أو قل لنا كلمة ( تنفعنا) وإسناد النفع إليها مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب كما علم مما تقدم ( ولا تضرّك قال: قال لنا رسول الله: المنفق على الخيل) في رعيها وسقيها وعلفها ونحو ذلك، والمراد الخيل المعدة لسبيل الله تعالى من الجهاد وإعانة منقطع بإركابه عليها ( كالباسط يده بالصدقة) أي الذي يفتح يده باصدقة أبداً ( لا يقبضها) بكسر الموحدة بإمساك ما فيها، ورواه ابن حبان في «صحيحه» «مثل المنفق على الخيل كالمتكفف بالصدقة، فقلت لعمر: ما المتكفف بالصدقة؟ قال: «الذي يعطي بكفه» وزاد الطبراني في «الأوسط» «وأهلها معانون عليها، والمنفقعليها كالباسط يده في الصدقة وأرواثها لأهلها عند الله يوم القيامة من مسك الجنة» ( ثم مرّ بنا يوماً آخر فقال أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرّك) فيه طلب العلم والاستزادة منه وأن المرء في مقام التعلم إلى اللحد، وإنما وصف أبو الدرداء الكلمة بما وصفها به لما مرّ من أن المخاطب كان قليل الكلام مع الناس خوفاً من أن يقع منه ما يضرّ به في دينه، فوصف مطلوبه بقوله ولا تضرّك ليسعفه به ( قال: قال رسول الله: نعم الرجل خريم) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية.
وهو ابن فاتك بفاء وبعد الألف فوقية مكسورة كما ضبطه المنذري/ قال: وكنيته أبو يحيى، وقيل أبو أيمن، وقال غيره: هو خريم ابن أخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك ( الأسيدي) وقيل فاتك لقب أبيه أخرم، شهد بدراً مع أخيه سبرة، وقيل إن خريماً وابنه أيمن أسلما يوم الفتح، وقد صحح البخاري وغيره أن خريماً وأخاه شهد بدراً ونزل خريم بالرقة ( لولا طول جمته) بضم الجيم وتشديد الميم: ويه الشعر إذا طال حتى بلغ المنكبين وسقط عليهما.
والوفرة: الشعر إلى شحمة الأذن ثم الجمة ثم اللمة التي ألمت بالمنكب ( وإسبال) أي إرخاء ( إزاره) حذف جواب لولا لدلالة ما قبله عليه وفيه أن إطالة الجمة وإسبال الإزار تدافع المدح وتمانع الرفعة الدينية لأن ذلك منهي عنه على سبيل الحرمة تارة والكراهة أخرى ( فبلغ ذلك) أي الحديث ( خريما فعجل) بكسر الجيم: أي سبق وبادر وهو من باب المسابقة إلى فعل البرّ خوفاً من عائق ( فأخذ شفرة) بفتح الشين المعجمة: هي السكين العريضة ( فقطع بهاجمته) حتى بلغت ( إلى أذنيه ورفع إزاره) حتى بلغ ( إلى أنصاف ساقيه) وقد قيل في قوله تعالى: { وثيابك فطهر} ( المدثر: 4) أي قصر وشمر لأن تقصير الثياب إلى أنصاف الساقين طهرة لها من الأنجاس والأوساخ ( ثم مرّ بنا) أي رابعاً ( يوماً آخر، فقال أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرّك) .
فيه الاستكثار من العلم والاستفادة من العالم كما مرّ ( قال: سمعت رسول الله يقول) لما قفل من غزو ( إنكم) أي في غد ( قادمون على إخوانكم) من المؤمنين ( فأصلحوا رحالكم) جمعرحل أي ما أنتم راكبون عليه ( وأصلحوا لباسكم) من رداء أو إزار أو عمامة ونحو ذلك.
ففيه تحسين المرء ثوبه وكذا بدنه لملاقاة إخوانه ورؤية أعينهم، فإن رؤيتهم تمتد إلى الظواهر دون البواطن حذراً من ذمهم ولومهم واسترواحاً إلى توقيرهم واحترامهم فإن ذلك مطلوب في الشريعة، وفي الحديث دليل أن على الإنسان أن يحترز من ألم المذمة ويطلب راحة الإخوان واستجلاب قلوبهم ليأنس بهم فلا يستقذروه ولا يستثقلوه، وهذه مرايأة في المباحاة وليس من باب الكبر، بل من باب إظهار نعمة الله سبحانه والتحدث بها ( حتى) غائية ويصح كونها تعليلية للأمر قبلها ( تكونوا كأنكم شامة) بسكون الهمزة وتخفيف الميم قال ابن الأثير: الشامة هي الحال في الجسد معروفة ( في الناس) المراد منه كونوا في أحسن هيئة وزيّ حتى تظهروا للناس ظهور الشامة في البدن ( فإن الله لا يحبّ الفحش) أي لا يرضى ذا الفحش وهو من تكون هيئته ولباسه وقوله فاحشاً ( ولا التفحش) ولا يرضى الرجل ذا الفحش: أي المتكلف الفحش والفاعل له قصداً.
( رواه أبو داود بإسناد حسن إلا قيس بن بشر فاختلفوا) أي المحدثون ( في توثيقه وتضعيفه وقد روى له مسلم) لم يرمز الحافظ في «التقريب» لرواية قيس عن مسلم بل اقتصر على رمز روايته عن أبي داود، ومثله في «الكاشف» للحافظ الذهبي وظاهر كلام المصنف أنه روى له الصحيح وهو المتبادر من عبارته.


رقم الحديث -119 هو ما يستر أسافل البدن ويقابله الرداء ( وطرف العمامة) أي بيان قدر الطول المشروع فيما ذكر ( وتحريم إسبال) أي إرخاء ( شيء من ذلك) أي المذكور من القميص وما بعده ( على سبيل الخيلاء) بضم المعجمة وفتح التحتية: أي الكبر أو الإعجاب ( وكراهته) تنزيهاً ( من غير خيلاء) والمراد أن الإرخاء زيادة على المشروع في الطول: إما مكروه وإما حرام.