فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل السلام والأمر بإفشائه

رقم الحديث -131 أي إظهاره وإشاعته ونشره.
( قال الله تعالى) : ( { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلو بيوتاً غير بيوتكم} ) التي تسكنوها ( { حتى تستأنسوا} ) أي تستأذنوا ( { وتسلموا على أهلها} ) بأن تقولوا السلام عليكم أأدخل؟ ويقول ذلك ثلاثاً فإن أذن له وإلا انصرف وإن كان بيت أمه وبنيه.
( وقال تعالى) : ( { فإذا دخلتم بيوتاً} ) قيل المراد بيوت أنفسكم ( { فسلموا على أنفسكم} ) أي على أهل بيتكم إن كان بها له أهل وإلا سلم على نفسه، وقيل المراد بيوت من أذن لكم في الأكل من بيوتهم من الأقرباء والأصدقاء والمعنى: فإذا دخلتم تلك البيوت المذكور أهلها في الآية فسلموا على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة، وقيل المعنى: إذا دخلتم بيوتاً خالية فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وعلى الأول جرى المصنف في «أذكاره» فقال: يستحب لداخل منزل أن يسلم سواء كان في البيت آدمي أم لا لقوله تعالى، فذكره، وقال: وفي الترمذي عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً «يا بنيّ إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك» وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقيل غير ذلك مما بيناه فيما كتبناه على الأذكار المذكورة محبين بذلك فيكون حالاً ( تحية) نصب على المصدر لأنها بمعنى التسليم، ويجوز أن يكون معناه: قولوا سلام الله عليكم ورحمته وبركاته فتكون حالاً ( من عند الله) أي ثابتة بأمره من عنده ( مباركة) يرجى بها زيادة الخبر ( طيبة) تطيب بها نفس المستمع.
( وقال تعالى) : ( { وإذا حييتم بتحية} ) أي وإذا سلم عليكم ( { فحيوا بأحسن منها} ) أي بزيادة عليها، فإذا قال لكم أحد: السلام عليكم ورحمة الله، فقولوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ( { أو ردوها} ) كما سلم عليكم من غير زيادة، والزيادة سنة، والرد واجب في أصل السلام.
وقال قتادة: الزيادة للمسلمين، والرد لأهل السنة.
( وقال تعالى) : ( { وهل أتاك حديث ضيف إبراهيم} ) فيه تعظيم لشأن الحديث وتنبيه على أنه إنما عرفه بالوحي، والضيف كما تقدم في الأصل مصدر ولذا أطلق على الواحد والمتعدد، قيل كانوا اثني عشر ملكاً، وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل وسماهم ضيفاً لأنهم في صورة الإنسان ( { المكرمين} ) أي عند الله تعالى أو عند إبراهيم عليه السلام إذ خدمهم بنفسه وزوجته ( { إذ دخلوا عليه} ) ظرف للحديث أو الضيف أو المكرمين ( { فقالوا سلاماً قال سلام} ) أي عليكم عدل به إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى تكون تحيته أحسن من تحيتهم كما أوضحته في «شرح الأذكار» مرفوعين أو منصوبين والمآل إلى واحد.


رقم الحديث 845 (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً) قال السيوطي: قيل هوأبو ذرّ (قال: أيّ الإسلام) أي خصاً له (خير) أي أكثر ثواباً عند الله تعالى (قال: تطعم) على حلف أن: أي أن تطعم (الطعام) وذلك لما فيه من تحمل كلفة الفقر ودفع الحاجة عنه ودخل فيه جليل الطعام وحقيره وقليله وكثيره (وتقرأ السلام بفتح التاء والراء قال أبو حاتم تقول اقرأ عليه السلام ولا تقول اقرأه السلام، فإذا كان مكتوباً قلت أقرئه السلام: أي اجعله يقرأه (على من) أي الذين (عرفت ومن لم تعرف) والعائد فيهما محذوف (متفق عليه) .


رقم الحديث 846 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: لما خلق الله تعالى آدم) أي أخرجه من كتم العدم إلى الوجود ( قال: اذهب فسلم على أولئك) فيه إشعار بأنهم كانوا على بعد ( نفر) بالخفض في الرواية، ويجوز الرفع والنصب ووصف النفر يقوله ( من الملائكة) قال في فتح «الباري» : ولم أقف على تعيينهم ( فاستمع) في رواية الكشميهني «فاسمع» ( ما يحيونك) كذا لللأكثر من التحية، وعند أبي ذرّ من رواية البخاري بالجيم والموحدة من الإجابة وكذا رواه البخاري في «الأدب المفرد» ( فإنها) أي كلماتهم التي يحيونك أو يجيبونك بها ( تحيتك وتحية ذريتك من بعدك) أي فهذه تحيتكم من الشرع أو المراد بالذرية بعضهم وهم المسلمون ( فقال: السلام عليكم) يحتمل أنه علم ذلك تنصيصاً ويحتمل أن آدم فهم ذلك من قوله تعالى «فسلم» ويحتمل أنه تعالى ألهمه أن يقول ذلك كما ألهمه الحمد عند العطاس ( فقالو السلام عليك ورحمة الله) كذا للأكثر رواه البخاري في الاستئذان وبدء الخلق، ووقع للكشميهني فقالوا: وعليك السلام ورحمة اللهوعليها شرح الخطابي، وأفادت رواية الأكثر إجزاء رد السلام فيه باللفظ المبتدأ به ( فزادوه ورحمة الله) ففيه مشروعية الزيادة في الرد على الابتداء وتقدم قوله تعالى: { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها} وهل يزاد من قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في الجواب على ما قال أولاً؟ الجمهور على الثاني، أخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس «انتهاء السلام إلى البركة» والبيهقي في الشعب قال «جاء رجل إلى ابن عمر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: حسبك إلى وبركاته انتهت» وعن عمر قال اشهر السلام إلى بركاته، وقال آخرون يجوز الزيادة على ذلك، قال أبو الوليد ابن رشد: يؤخذ من قوله تعالى: { فحيوا بأحسن منها} ( النساء: 86) جواز الزيادة على وبركاته إذا انتهى إليها المبتدي ( متفق عليه) رواه البخاري في مواضع من «صحيحه» منها كتاب الأنبياء ومنها في الاستئذان ومسلم في صفة الجنة.


رقم الحديث 847 ( وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما) والحديث تقدم بطوله وفيه ذكر السبع المنهي عنها في باب تعظيم حرمات المسلمين وسبق شرحه ثمة ( قال: أمرنا رسول الله) المراد منه هنا ما يشمل أمر الوجوب والاستحباب، إما من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه كما هو مذهب جمع من الائمة منهم إمامنا الشافعي أو من عموم المجاز الجائز عند الجميع ( بسبع) بتقديم المهملة على الموحدة أو إعادة الجار في البدل فقال ( بعيادة المريض) أي زيارته فيسن زيارة كل مريض من المسلمين بأيّ مرض كان وهي سنة وقيل فرض كفاية ( واتباع) بتشديد الفوقية ( الجنائز) أي تشييعها ( وتشميت) بالشين المعجمة وبالمهملة كما سيأتي بسط معناهما ( العاطس) أي إذا حمد الله تعالى ( ونصرالضعيف) أي إعانته على من ظلمه بالحيلولة بينهما وإعلاء حجته ( وعون المظلوم) بالقول والفعل حتى يندفع عنه أذى الظالم ( وإفشاء) أي إشاعة ( السلام وإبرار المقسم) أي الحالف على عمل شيء كان يقول إنسان والله ليصلين مثلاً فيطلب منك إعانته على إبرار قسمه بفعلك الصلاة لينجو من الحنث، وفي نسخة القسم بحذف الميم: أي وإمرار الحلف ( متفق عليه) وهذا لفظ البخاري في الاستئذان لكن عنده المقسم وفيه ذكر المنهيات السبع.


رقم الحديث 848 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) فالجنة محرمة على الكافر قال تعالى: { إن الله حرمهما على الكافرين} ( ) ( ولا تؤمنوا) أي إيماناً كاملاً وحذفت النون من الفعل المرفوع ليشاكل ما قبله ويناسبه ( حتى تحابوا) أي تتحابوا فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً: أي يحبّ بعضكم بعضاً، ولما كانت المحبة أمراً قهرياً لا اختيار فيه على الأصح في ذلك لكن الأسباب المؤدية إليها في الاختيار أرشد إليها بقوله ( أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟) الواو عاطفة دخلت أداة الاستفهام عليها مع معطوفها والمعطوف عليه متصيد من مفهوم الكلام أي أتسألون سبب التحابب أولا أدلكم الخ والتنوين في شيء يحتمل كونه للتعظيم باعتبار ثمرته وللتعليل باعتبار لفظه ( أفشوا) بقطع الهمزة: أي أظهروا ( السلام بينكم) وذلك أن الله تعالى جعل إشاعة السلام وإذاعته سبباً للتوادد، وقوله أفشوا جواب لمقدر كأنهم قالوا دلنا على ذلك ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 849 ( وعن أبي يوسف) فيه ستّ لغات بتثليث السين مع الهمزة، وإبدالها واواً وأفصحها ضماً، وهذه كنية ( عبد الله بن سلام) بفتح المهملة وتخفيف اللام ابن الحارث الإسرائيلي الصحابي ( رضي الله عنه) كان اسمه الحصين فسماه النبي عبد الله مشهور له أحاديث، مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين، خرّج عنه الجميع كذا في «تقريب الحافظ» وفي «تهذيب» المصنف، كان حليفاً لبني الخزرج، وهو من بني نسقاع بتثليث النون، وهو من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام: كني بولده يوسف، أسلم حين قدوم رسول الله المدينة ونزل في فضله قوله تعالى: { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبر تم} ( الأحقاف: 1) وقوله تعالى: { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} ( الرعد: 34) روي له عن رسول الله خمسة وعشرون حديثاً، اتفقا على حديث، وانفرد البخاري بآخر اهـ ( قال: سمعت رسول الله يقول) وذلك أول اجتماعه عليه ( يا أيها الناس أفشوا) يقطع الهمزة: أي أشيعوا وانشروا ( السلام) بينكم، والابتداء به سنة والرد واجب كفاية على الأصح ( وأطمعوا الطعام) ندباً في نحو الضيافة، وفرض كفاية لسد حاجة المحتاج ( وصلوا الأرحام) وتقدم وجوبها وتفاوت مراتبها في باب مستقل بها ( وصلوا) من الصلاة ولا يخفى ما بينه وبين ما قبله من الجناس الخطي ( بالليل) أي تهجدوا ( والناس نيام) جملة حالية من فاعل صلوا، وقوله ( تدخلوا الجنة بسلام) جواب لمقدر: أي إن فعلتم ما ذكر تدخلوها متلبسين بالسلام من الآفات التي تكون في غيرها وبه سميت دار السلام على أحد الأقوال، والمراد دخولها مع الناجين، وإلا فدخولها لأهل الإيمان واجب بالوعد الذي لا يخلف.
ويحتمل أن المراد مطلق دخولها مع الناجين فيكون فيه تبشير فاعل هذه الأمور بالموت على الإسلام ليكون من أهلها ( رواه الترمذي وقال حديث صحيح) .


رقم الحديث 850 ( وعن الطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية ( بن أبي) بضم ففتحفتشديد التحتية ( بن كعب الأنصاري) المقرىء والده، وهو تابعي وليس صحابياً إنما الصحابي والده، فما في بعض النسخ من وقوله رضي الله عنه الموهم كونه صحابياً من تحريف الكتاب بلا ارتياب.
( يقول) أي قال ( إنه كان يأتي ابن عمر) لغرض من الأغراض ( فيغدو) من الغدوّ وهو الذهاب، وهو ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس.
قال في «المصباح» : هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الذهاب الانطلاق، أي وقت كان، ومنه قوله ( واغد يا أنيس) أي انطلق.
قلت: وما نحن فيه الظاهر أنه من هذا الأخير ( إلى السوق) مؤنثة معنوية، سميت بذلك لسوق البضائع إليها أو للوقوف فيها على الساق أو لتزاحم السوق.
وأكد قال المقدر قبل بقوله ( قال: فإذا عمدنا إلى السوق لم يمر عبد الله على سقاط) بفتح المهملة الأولى وتشديد القاف: وهو بياع السقط بفتحتين أي ردىء المتاع ( ولا صاحب بيعة) بفتح الموحدة الواحدة من البيع والمراد بقرينة مقابله صاحب بيعة نفيسة ( ولا مسكين) أي ذي حاجة ( ولا أحد) من عطف العام على الخاص ( إلا سلم عليه، قال الطفيل: فجئت عبد الله ابن عمر يوماً) أي لغرض ( فاستتبعني) أي طلب مني أن أتبعه ( إلى السوق فقلت له: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع) بكسر ففتح: أي البضائع جمع سلعة كقربة وقرب ( ولا تسوم بها) أي بالسوق ( ولا تجلس في مجالس السوق) أي إنك لا تصنع شيئاً من الأغراض التي تصنع في الأسواق من شراء المتاع، وعبر عنه بقوله: لا تقف على البيع أو معرفة السلعة، وعبر عنها بقوله: ولا تسأل عن السلع أو مما كسبه الباعة، وعبر عنها بقوله ولا تسوم بها أو الجلوس لرؤية ما فيها، وإذا لم يكن واحد من أسباب الوصول إليها حاصلاً فما فائدة الذهاب؟ وعطف على قوله فقلت له الخ قوله ( وأقول) وهو هنا كحكاية الحال الماضية: أي وقلت له ( اجلس بنا ها هنا) أي في هذا المكان الذي نحن به، وقوله ( نتحدث) يجوز جزمه جواباً للشرط المقدر لكونه جواب الأمر ورفعه استئنافاً ( فقال: يا أبا بطن) فيه جواز ذكر بعض خلق الإنسان على وجه الملاطفة، وبين الراوي تكنية الطفيل بها بقوله ( وكان الطفيل ذا بطن) أي ناتىء ولميكن بطنه مساوياً لصدره، والجملة معترضة بين القول والمقول الذي أتى به لبيان أن يكون ما ذكرت المطلوب من السوق مطلوب عرضي، فإن المطلوب الأعلى لقاصد المقام الأعلى ذكر الله تعالى فيها، لكونها محل الغفلة والالتهاء بأمور الدنيا عنه.
وقد جاء في الحديث «ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين» رواه الطبراني من حديث ابن مسعود، ومنه السلام لأنه من أسماء الله تعالى كما بيناه في «شرح الأذكار» ، فلما كان كذلك وهو المطلوب الأسمى ( قال: إنما لغدو من أجل السلام) أي إفشائه ونشره ( نسلم على من لقيناه) أي من عرفناه وغيره.
( رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح) فهو موقوف، وفعل هذا الصحابي الجليل المعتدّ بالاتباع لذلك كأنه نقل ذلك عن المصطفى، بل قد جاء في وصفه في حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما «وكان يبدر من لقيه بالسلام» .
132