فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب عيادة المريض

رقم الحديث -144 أي زيارته وهو واوي يقال عدت المريض: أي زرته فأنا عائد وجمعه عواد، وقلبت الواو ياء في المصدر لانكسار ما قبلها فهو كصيام وقيام مصدر صام وقام.
وفي «الدر المنثور» للسيوطي: العيادة الزيارة واشتهر في عيادة المريض حتى صار كأنه مختص به ( وتشييع) بالمعجمة الساكنة وتحتيتين الأولى مكسورة: أي اتباع ( الميت) بالسير مع جنازته إكراماً له وتوديعاً كتشييع الضيف.
وفي «القاموس» : مات يموت ويمات ويميت فهو ميت وميت ضد حيّ أو الميت مخففة الذي مات، والميت والمائت الذي لم يمت بعد، جمعه أموات وموتى وميتون وميتون اهـ.
وقد جرى على الثاني بعض الفضلاء حيث قال: تسائلني تفسير ميت وميت فهاك صحيح القول إن كنت تعقل فمن كان ذا روح ذلك ميت وما الميت إلا من إلى القبر ينقل ( والصلاة عليه) وإطلاق الصلاة عليها استعارة مصرحة، أو من إطلاق المشترك وإلا فالصلاة بالمعنى الشرعي المعروف وهو أقوال وأفعال مبدوءة بالتكبير مختتمة بالتسليم غير منطبق عليها لفقد الأفعال فيها ( وحضور دفنه والمكث) بتثليث ميمه ذكره الفيروز أبادي في مثلته: أي اللبث ( عند قبره) قال في «القاموس» : القبر المدفن وجمعه قبور والمقبرة مثلثة الباء وكمكنسة موضعها يقال قبره ويقبره ويقبره دفنه وأقبره: جعل له قبراً ( بعد دفنه) أي ليسألوا له التثبيت في إجابة السؤال.


رقم الحديث 894 ( وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله) المراد من الأمر فيهطلب حصول المأمور به الشامل لما كان واجباً ولما كان مندوباً ( بعيادة المريض) وهي سنة كفاية، وقيل فرض كفاية فتسن لأيّ مرض كان وفي كل زمان كان، وكراهة العوام لها في بعض الأيام لا أصل لها، وعقب العلم بالمرض وإن لم تطل مدة الإنقطاع ولا فرق في المذكورات بين المعروف له وغيره، وحديث «لا تزر من لا يزورك» إن صح فهو محمول على زيارة الأصحاء فإنها تستعمل فيهم والعيادة في المرضى: أي فمن رأيت منه الإعراض فأعرض عنه جزاء له، ومنه قول إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه: زن من وزنك بما وزنـ ك وما وزنك به فزنه من جا إليك فرح إليـ ـه أو جفاك فصد عنه ثم للعيادة آداب أفردت بالتأليف، وممن أفردها ابن حجر الهيثمي.
فمن آدابها أنه لا يطيل الجلوس إلا إذا علم أنه لا يشق عليه ويأنس به.
وأن يدنو منه ويضع يده على جسده ويسأله عن حاله، وينفس له في الأجل بأن يقول ما يسر به، ويوصيه بالصبر على مرضه ويذكر له فضله إن صبر عليه، ويسأل منه الدعاء فدعاؤه مجاب كما ورد، ومن أراد البسط في هذا المقام فعليه بالإفادة لابن حجر المذكور ( واتباع) بتشديد الفوقية ( الجنائز) جمع جنازة بفتح الجيم وتكسر، الميت على النعش، وقيل بالفتح اسم لذلك وبالكسر النعش وعليه الميت، وقيل عكسه، وقيل غير ذلك من جنسه: إذا ستره ( وتشميت) بالمعجمة والمهملة كما تقدم ( العاطس وإبرار المقسم) بصيغة اسم الفاعل: أي الحالف على حصول أمر لا يقدر على تحصيله منك لتبر قسمه، قال التوربشتى: نرويه عن صحيح البخاري إبرار المقسم، وقد روي إبرار القسم: أي بفتحتين وكلاهما صحيح اهـ.
وفي قوله روى بصيغة التمريض مع أنه في الصحيح مالا يخفي ( ونصر المظلوم) بكفّ الظالم عنه ( وإجابة الداعي) إلى وليمة النكاح في اليوم الأول وجوباً بشرطه وإلى غيرها سنة، ومنه الوليمة الثانية في النكاح، أما الوليمةالثالثة فيكره حضورها ( وإفشاء السلام) أي إظهاره ونشره والحديث تقدم مراراً أقربها في كتاب السلام ( متفق عليه) .


رقم الحديث 895 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال «حق المسلم على المسلم خمس) أي الأمر المتأكد للمسلم على مثله خمسة أشياء وحذف التاء لحذف المعدود أو خمس خصال، وجاء في رواية لأحمد ومسلم من حديث أبي هريرة ستّ، وزاده» وإذا استنصحك فانصح له» ولا منافاة لأن مفهوم العدد غير حجة ( رد السلام) وهو فرض عين إن كان المسلم عليه واحداً بأن يقول عليك السلام ويرفع صوته بقدر ما يسمع البادىء به، وفرض كفاية إن كان جمعاً ( وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة) بفتح الدال في الطعام هو اسم من دعوت الناس إذا طلبتهم ليأكلوا عندك فقال نحن في دعوة فلان ومدعاته بمعنى قال أبو عبيد: وهذا كلام أكثر العرب كذا في «المصباح» ( وتشميت العاطس) أي إذا حمد الله لما تقدم في بابه وقد جاء في حديث أحمد ومسلم وإذا عطس فحمد الله فشمته، كلها واجبة عند الإمام مالك والأمر فيها عنده على أصل موضوعه من الدلالة على الوجوب وعند الشافعي كل من العيادة والتشميت سنة واتباع الجنائز المتوقف عليه الدفن فرض كفاية والدعوة تقدم تفصيلها في الحديث قبله ( متفق عليه) والحديث قد سبق في باب تعظيم حرمات المسلمين.


رقم الحديث 896 (وعنه قال: قال رسول الله: إن الله عزّ وجل يقول) هذا أحد الكيفيات في روايةالحديث القدسي، والكيفية الأخرى أن يقال عن النبي فيما يرويه عن ربه كما تقدم عن المصنف حيث قال في باب المجاهدة: عن أبي ذرّ عن النبي فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى، وتقدم ثمة بعض ما افترق فيه القرآن والحديث القدسي من الأحكام (يوم القيامة ابن آدم) قيل إنه اسم عربي بوزن أفعل وألفه منقلبة عن همزة، وقيل أعجمي وزنه فاعل كخاتم وألفه أصيلة (مرضت) أسند ما قام بالعبد إليه تعالى تشريفاً له كقوله تعالى: { يخادعون الله} (البقرة: 9) جعل مخادعتهم للمؤمنين مخادعة لربّ العالمين تشريفاً لهم (فلم تعدني) بضم العين من العبادة (قال) أي ابن آدم المخاطب بهذا الحديث (يا رب كيف أعودك استبعاد لإمكان لحوق المريض له تعالى المرتب عليه العيادة أخذاً بظاهر الخطاب وبين وجه الاستبعاد بقوله (وأنت ربّ) أي ملك (العالمين) ومن كان كذلك لا يطرقه شيء من الأعراض فكيف يعاد (فقال) أي الله تعالى يقال مبيناً أن إسناد المرض إليه تعالى مجاز عقلي لكونه عن إرادته وفيه تشريف ذلك الإنسان (أما) بتخفيف الميم أداة استفتاح لتنبيه المخاطب على ما بعده (علمت أن عبدي فلاناً) يحتمل أن يراد منه العبد الكامل كما تومىء إليه الاضافة إلى الذات العلى، ويحتمل أن يراد منه مطلق العبد فالإضافة فيه للعهد بدليل قوله فلاناً (مرض فلم تعده أما علمت) فصل عما قبله إيماء إلى أنه المقصود بالتنبيه عليه وما قبله كالوسيلة إليه (أنك لو عدته لوجدتني) أي وجوداً معنوياً (عنده) .
قال تعالى: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلى هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم} (المجادلة: 7) أي بالعلم فعلمه شامل لجميع المكونات والله تعالى مقدس عن المكان والحلول في شيء أو الاتحاد معه، وفيه إيماء إلى أن المحسن ينبغي له التيقظ لهذا النور الأسنى ليفوز بوافر السناء وحسن الثناء والله الموفق (يا ابن آدم) فصله عما قبله إيماء إلى أن كلا مأمور به على حدته موبخ تاركه على تركه (استطعمتك فلم تطعمني) حاله كما تقدم فيما قبله من الإسناد المجازي العقلي والنكتة فيه (قال) أي العبد المخاطب، وعبر عنه بالماضي إما لأنه إخبار عما صدر منه عز وجل مع بعض من تقدمعلى الإخبار عنه أو أنه لما كان محقق الحصول عبر به بما يعبر عن ذلك كقوله تعالى: { ونفخ في الصور} (الكهف: 99) (يا ربّ وكيف أطعمك وأنت ربّ العالمين) الواو عاطفة لهذا الاستبعاد على الاستبعاد قبله، وكأن شدة دهش أحوال الموقف أذهله عن جريان ما ذكره الحق فيما قبله فيه وفيما بعده فاستغرب ذلك وقال ما قال (فقال: أما علمت أنه) أي الشأن (استطعمك) طلب منك الطعام (عبدي فلان فلم تطعمه) أي ومنعك له من ذلك الطالب ظاهراً كأنه منع منك للطالب حقيقة كما أشار إليه تعالى تلويحاً وتعريضاً في غير ما آية كقوله: { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله} (الإنسان: 8، 9) الآية (إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي) أي باعتبار ثوابه المضاعف.
قال تعالى: { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله} (البقرة: 11) أي تجدوا ثوابه عنده فلا يضيع عمل عامل قال تعالى: { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً} (النساء: 4) (يا ابن آدم استسقيتك) أي طلبت منك السقيا بلسان عبدي (فلم تسقني) أي تسق عبدي السائل منك ذلك (قال: يا ربّ كيف أسقيك) لعل الفصل مع وصل ما قبله إن لم يكن لشدة الذهول من عظيم ما يلقاه من التوبيخ للتفنن في التعبير (وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لو جدت ذلك) أي ثوابه (عندي) ففيه دليل على أن الحسنات لا تضيع وأنها عند الله بمكان (رواه مسلم) أواخر «صحيحه» .


رقم الحديث 897 ( وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله.
عودوا المريض)
أي بأي مرض كان كما يؤذن به تعريفه بأل الاستغراقية، وفي كل زمان كما يؤذن به إطلاق الأمر عن التقييد بزمان ( وأطعموا الجائع) وهو كغيره من القيام بسد خلات المحتاج فرض كفاية على مياسير المسلمين فإن لم يكن ثمة إلا واحد تعين عليه ( وفكوا العاني) أي المأسور لكفار أو لدين عليه أداؤه ( رواه البخاري) في كتاب المرضى، ورواه أحمد وابن حبان والبيهقي من حديث أبي سعيد بلفظ «عودوا المريض واتبعوا الجنازة تذكركم الآخرة» ورواه البغوي في مسند عثمان من حديثه بلفظ «عودوا المريض واتبعوا الجنائز والعيادة غبا أو ريعاً إلا أن يكون مغلوباً فلا يعاد والتعزي مرة» كذا في «الجامع الصغير» ( العاني) بالمهملة وبعد الألف نون ( الأسير) في «المصباح» عنا يعنو عنواً من باب قعد خضع وذل، وعنا عنواً أيضاً إذا نشِب في الإِسار فهو عان والجمع عناة، وعنى الأسير من باب تعب لغة فيه، ومنه قيل للمرأة عانية لأنها محبوسة كالأسير عند الزوج والجمع عوان.
قلت: وقد تقدم في باب الوصية بالنساء خيراً «استوصوا بالنساء فإنهن عوان عندكم» .


رقم الحديث 898 ( وعن ثوبان) بفتح المثلثة وبعد الواو موحدة وبعد الألف نون ابن بجدد بموحدة فجيم فمهملتين، قال في «القاموس» : كقعدد مولى رسول الله تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب المجاهدة ( عن النبي قال: إن المسلم إذا عاد أخاه) أي في الاسلام وإن لم تكن أخوة نسب كما يومىء إليه وصفه بقوله ( المسلم لم يزل في خرفة الجنة) قال في «النهاية» : الخرفة بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وبالفاء اسم ما يخترف من النخل حين يدرك ( قيل) لم أر من سمى السائل ( يا رسول الله وما خرفة الجنة) قال القاضي البيضاوي في «التفسير» «ما» يسأل به عن كل شيء ما لم يعرف، فإذا عرف خص العاقل بمنإذا سئل عن تعيينه وإن سئل عن وصفه قيل ما زيد أفقيه أم طبيب وقال في قوله تعالى: { ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} ( البقرة: 68) أي ما حالها وما صفتها وكان حقهم أن يقولوا أي بقرة هي أو كيف هي لأن «ما» يسأل بها عن الجنس غالباً، لكنهم لما رأوا ما أمروا به على حال لم يوجد بها شيء من جنسه أجروه مجرى ما لم يعرفوا حقيقته ولم يروا مثله اهـ.
والخرفة وإن كانت معلومة عندهم إلا أنها لما أضيفت في الحديث إلى الجنة جهلوا المراد منها فسألوا بما ذكر ( قال جناها) بفتح الجيم وبالنون مقصور، قال في «النهاية» : هو ما يجني من الثمر وجمعه أجن كعضا وأعص قال التوربشتى: المعنى إنه بسعيه إلى عيادة المريض يستوجب الجنة ومخارفها والعيادة لما كانت مفضية إلى مخارف الجنة سميت بها، وروي «كان له خريف في الجنة» وروي في خرافة وخروف ومخروف ومخارف الجنة، وروى كان له خريف أي مخروف ( رواه مسلم) في الأدب من «صحيحه» ورواه الترمذي في الجنائز من «جامعه» وقال.
حسن، ثم أشار فيه إلى الاختلاف في رواته.


رقم الحديث 899 ( وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ما من) صلة لتأكيد عموم الاستغراق ( مسلم يعود مسلماً غدوة) بضم المعجمة وبالواو وسكون المهملة بينهما قال في «المصباح» : هي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس وجمعها غدا كمدية ومدى ( إلاّ صلى عليه سبعون ألف ملك) أي استغفروا له ودعوا له بأنواع الرحمة مستمرين كذلك ( حتى) أي إلى أن ( يمسي) أي يدخل في المساء وهو من زوال الشمس إلى نصف الليل ( وإن عادة عشبة) هو وقرينه منصوبان على الظرفية وهي آخر النهار، وقيل ما بين الزوال إلى الغروب، قال ابن الأنباري: العشية مؤنثة: أي تأنيث العشي، قال: وربما ذكرتها العربعلى معنى العشي، وقال بعضهم: العشية واحدة وجمعها عشي كذا في «المصباح» ( صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح) أي يدخل في الصباح وحتى فيه وفيما قبله غاية لمقدر دل عليه السياق كما أشرت إليه ثم إن كانت إن بمعنى ما لمقابلتها بها فتقدر إلا وحذفت لدلالة مقابلها عليها والواو حينئذ عاطفة أو مستأنفة، وإن كانت شرطية فلا تقدير لها، والجملة جواب الشرط ( وكان له خريف في الجنة) كان يحتمل كونها تامة وخريف فاعلها والظرف المتقدم حال منه والمتأخر صفته، يحتمل كونها ناقصة والمرفوع اسمها وأحد الظرفين خبرها والثاني حال أو صفة، والرابط محذوف: أي بسببه والخريف بوزن الربيع ( رواه الترمذي وقال حديث حسن) .
( الخريف التمر المخروف أي المجتنى) قال في «النهاية» فعيل بمعنى مفعول.


رقم الحديث 900 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي) اسمه عبد القدوس كما قال الجلال البلقيني في مهمات البخاري ( يخدم النبي فمرض، فأتاه النبي وسلم يعوده) فيه جواز عيادة الكافر ( فقعد عند رأسه فقال له) أي عقب قعوده وقدمه على السؤال عن حاله لأنه الأهم المقدم وخشية أن يبغته الموت قبل الإسلام فيموت كذلك، ويحتمل أنه بعد السؤال عن ذلك وكان يسيراً جداً وتعقيب كل شيء بحسب حاله ( أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده) جملة حالية من المجرور بإلى والرابط كل من الضمير والواو: أي كالمستشير له في طاعة ما أمر به ( فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم) ففيه حلول الأنوار النبوية على نجاسه فانقلب إبريزاً ( فخرج النبي وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار) ففيه بركة صحبة الصالحين ظهور ثمرتها دنيا وأخرى ( رواه البخاري في الجنائز من صحيحه) .
4