فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب مَا يقوله بعد تغميض الميت

رقم الحديث 919 ( وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله أبي سلمة) هو عبد الله بن عبد الأسد المخزومي الصحابي الجليل ( وقد شقّ بصره) قال التوربشتي: بفتح الشين وضم الراء إذا نظر إلى شيء لا يرتد إليه طرفه، وضم الشين منه غير مختار.
قال ابن السكيت: ولا يقال شق الميت بصره، وقد اختصر في هذا المقام لكنه بسطه المؤلف فقال في «شرح مسلم» هو بفتح الشين، ورفع بصره فاعل على شق، كذا ضبطناه وهو المشهور وضبطه بعضهم بضره بالنصب وهوصحيح أيضاً والشين مفتوحة بلا خلاف.
قال القاضي: قال صاحب الأفعال: يقال شق بصر الميت وشق الميت بصره ومعناه شخص كما في الرواية الأخرى.
وقال ابن السكيت في الاصطلاح والجوهري حكاية عن ابن السكيت: يقال شق بصر الميت ولا يقال شق الميت بصره وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه ( فأغمضه) لئلا يتشوه منظره ( ثم قال: إن الروح إذا قبض) بالبناءللمفعول ( تبعه البصر) أي إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر ناظراً أين نذهب.
قال الحافظ: وفي فهم هذا المقام دقة لأن البصر إنما يبصر ما دام الروح في الجسد، فإذا فارقه تعطل كغيره من الإحساس، والذي ظهر لي فيه بعد النظر ثلاثين عاماً أنه محمول على أن المراد خروج الروح من أكثر الجسد مع بقائه في الرأس والعين، فإذا خرج الأكثر من الفم ولم يخرج الباقي نظر البصر إلى القدر الخارجي فيكون معنى قوله إذا قبض أخذ في القبض ولم ينته، أو على ما ذكر كثير من العلماء من أن للروح اتصالاً بالبدن وإن خرجت فترى وتسمع وترد السلام، فيكون هذا الحديث من أقوى الأدلة لذلك اهـ ملخصاً.
وفيهما نظر إذا الأول مجاز والثاني إنما فيه بقاء إدراك حاسة البصر الذي الكلام فيه وفي شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي يحتمل أن المراد من قوله تبعه البصر أن القوة الباصرة تذهب عقب خروج الروح فحينئذ تجمد العين ويقبح منظرها، ويحتمل أنه يبقى فيه عقب خروج الروح شيء من البخار الغريزي فيشخص بذلك ناظراً إلى أين تذهب.
ولا بعد في هذا لأن حركته حينئذ قريبة من حركة المذبوح، ويحكم على الإنسان مع وجودها بسائر أحكام الموتى اهـ.
والأول من وجهية أقرب، وقد سبقه إليه التوربشتي في «شرح المصابيح» ، وعلل الإغماض بوجه آخر فقال: ولذا أغمض لذهاب فائدة الانفتاح بذهاب البصر عند ذهاب الروح، وذكر احتمالاً ثانياً هو أن من حضره الموت ينظر إلى روحه نظر شزر لا يرتد إليه طرفه حتى تضمحل بقية القوة الباقية بعد مفارقة الروح الإنساني الذي يقع به الإدراك والتمييز دون الحيواني الذي به الحس والحركة وغير مستنكر من قدرة الله تعالى أن ينكشف عنه الغطاء ساعتئذ حتى يبصر ما لم يكن يبصر، وهذا الوجه في حديث أبي هريرة أظهر، وهو أيضاً صحيح أخرجه مسلم في «صحيحه» عنه مرفوعاً «ألم تروا أن الإنسان إذا مات شخص بصره، قالوا بلى؟ قال فذلك حين يتبع بصره نفسه» اهـ ( فضج) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الجيم أي رفع الصوت بالبكاء وصاح ( ناس من أهله) من هول ما سمعوا ووقع منهم دعاء على أنفسهم كما أومأ إليه بقوله ( فقال لا تدعو على أنفسكمإلا بخير) أي لا يقل أحدكم ويلي أو الويل أو الشرّ لي أو نحو ذلك، وقيل معناه: لا تدعوا على الميت بما لا يرضاه فترجع تبعته عليكم والأول بدليل قوله ( فإن الملائكة) أي الحاضرين حينئذ ( يؤمنون) بتشديد الميم: أي يقولون آمين: أي استجب ( على ما تقولون) أي من الدعاء ودعاؤهم مجاب لما لهم من علوّ الاقتراب فلا تدعوا: إلا بما تحبون أن تجابوا إليه ( ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة) ذكره بكنيته دون اسمه وهو عبد الله لأنه اشتهر بها ( وارفع درجته) وهذا أحسن ترتيب لأن الأول من باب التخلية بالمعجمة والثاني من باب التحلية بالمهملة، وفيه أن الأوزار تتقاعد بصاحبها عن رفعة المنار والمراد واجعل له درجة علية عندك ( في المهديين) بتشديد الياء الأولى: أي الذين هداهم الله بالإسلام سابقاً والهجرة إلى خير الأنام لاحقاً، والظرف في محل الحال من الضمير المضاف إليه لكون المضاف إليه كجزئه: أي ارفع درجته حال كونه منغمراً في عداد المهديين المشرّفين بالاهتداء ( واخلفه) بوصل الهمزة وضم اللام: أي كن له خلفاً وخليفة ( في عقبه) بفتح فكسر: أي فيمن يعقبه من ولد وغيره ( في الغابرين) بالمعجمة فالموحدة: أي الباقين بدل بإعادة العامل، ويحتمل كونه حالاً مما قبله ( واغفر لنا) هذا من باب الخضوع لمقام الربوبية كما تقدم أو هو مجاز عن إعلاء الرتبة من ذكر اللازم وإرادة الملزوم ( وله) وقوله ( يا ربّ العالمين) مناسبة ختم الدعاء به واضحة إذ من كان موجداً للعالم ماكلاً أمورهم مصلحاً شؤونهم هو الذي يطلب منه ذلك، والعالمين بفتح اللام اسم جميع عالم لاجمعه لاختصاص عالمين بأولى العقول من إنس وجن وملك وشمول عالم لما سوى الله تعالى من سائر الأجناس، والجمع لا يكون أخص من مفرده، وقيل جمعه مراداً به العموم للعقلاء وغيرهم وغلب العقلاء لشرفهم، وعلى الأول ابن مالك في آخرين ( وافسح) بهمزة وصل وفتح المهملة الأولى: أي أوسع ( له في قبره) يقال فسحت له فسحاً من باب نفع فرجت له عن مكان يسعه كذا في «المصباح» ( ونور) أي أوجد النور العظيم المتكاثف ( له فيه، رواه مسلم) .
2