فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب ما يقال عند الميت وَمَا يقوله من مات له ميت

رقم الحديث 920 ( عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: إذا حضرتم المريض) أي المحتضر كما يومىء إليه السياق، وشك الراوي فيه وفي الميت المشار إليه بقوله ( أو الميت) أي من فارق الروح جسده كما هو الحقيقة، وقال في «فتح الإله» : المراد منه هو الأول نظير ما في حديث «لقنوا موتاكم» فجعله من مجاز المشارفة» ومن مجاز الأول ( فقولوا خيراً) أي لا إله إلا الله مع الإتيان بالدعاء بخير له أولكم كما يدل هل ما جاء في أحاديث طلب الدعاء في العيادة السابق بعضها، وقوله ( فإن الملائكة) أي الموظفين بالاستغفار للمؤمنين وللتأمين على دعائهم ( يؤمنون) من التأمين: أي يقولون آمين ( على ما تقولون) أي من الدعاء ( قالت: فلما مات أبو سلمة) وذلك سنة ثلاث أو أربع، وقول ابن عبد الله: إن النبي تزوّح أم سلمة سنة اثنتين من الهجرة بعد وفاة زوجها، رده في «المفهم» نقلاً عن أبي محمد عبد الله بن على الرشاطى بأنه وهم شنيع، قال: فإن أبا سلمة شهد أحداً وكانت في شوال سنة ثلاث فجرح فيها جرحاً فاندمل ثم انتقض فتوفي منه لثلاث خلون من جمادى سنة أربع، وقد ذكره ابن عبد البرّ في كتابه «الاستيعاب» على الصواب ( أتيت النبي فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال) حذف العاطف لأن مرادها الإخبار بما قال من غير قيد اتصال أو انفصال ( قولي: اللهم اغفر لي وله) فيه البداءة بالنفس في الدعاء ( وأعقبني) بقطع الهمزة: أي أبدلني وعوضني ( منه) أي بدله ( عقبى) بوزن بشرى اسم مصدر أعقب ( حسنة) أي بدلاً صالحاً ( فقلت) أي ما أمرني به ( فأعقبني الله من هو خير لي منه) أبدلت «من» من قولها ( محمداً) ففيه حصول ثمرة الامتثال بسرعة من غير توان ( رواه مسلمهكذا) أي مثل ما ذكر ( إذا حضرتم المريض أو الميت على الشك) وقد تعقب القاري في شرح المشكاة الجزم بالشك، وقال إن أريد بالميت من يؤول إلى الموت فأو للشك وإن أريد به الحقيقة: أي المقابل للحي فأو للتنويع اهـ.
والأوجه كما جزم به المصنف إنها للشك.
وقد يجاب عنه بأنه قام ما يعلم منه أن المراد بالميت المعنى المجازي فيساوي المريض والشك حينئذ في تعيين أي اللفظين منهما قيل ويقوي أنه لفظ الميت قول المصنف ( رواه أبو داود) في الجنائز ( وغيره) من باقي أصحاب السنن الأربعة كما ذكره المزي قال: وقال الترمذي: حسن صحيح، قال الحافظ في تخريج أحاديث «الأذكار» ، وأخرجه كذلك البيهقي في طريقين ( الميت بلا شك) قال الحافظ في تخريج أحاديث «الأذكار» : ورويناه في الغيلانيات مقتصراً على المريض من غير شك.


رقم الحديث 921 ( وعنها قالت سمعت رسول الله يقول: ما من) مزيدة للتأكيد ( عبد) وفي المشكاة بدله مسلم ( تصيبه مصيبة) متناولة لقليل المصيبة وكثيرها وعظيمها وحقيرها لكونها نكرة في عموم النفي ( فيقول) زاد في رواية «ما أمر الله به» أي تلويحاً للثناء على قائله الثناء العظيم المستلزم لطلبه منه ( إنا) أي ذاتنا وجميع ما ينسب إلينا ( لله) ملكاً وخلقاً فيتصرف فينا كيف يشاء فالكل عوار مستردة كما أشار إليه بقوله ( وإنا إليه راجعون) فعلينا الصبر على المصائب وتدير حقائق هذه الآية ليسهل علينا مزاولة كل ما أصابنا، وليس فائدة الأمر للمصاب قول هذا الذكر بمجرد لفظه لأنه لا ينفع وحده، وإنما فائدته مع تدبره حق التدبر فإنه الدواء النافع الحامل على كمال الصبر بل وحقائق الرضا ( اللهم) ظاهره أن هذا من جملة ما رتب على الإتبان به ما وعد به الأجر ( اؤجرني) بسكون الهمزة ووقع لابن مالك في «شرح المشارق» أنه قال بهمزة وصل وهو وهم لأن الهمزة الموجودة فاءالفعل وهمزة الوصل سقطت للدرج من أجره يأجره أو يأجره بضم الجيم وكسرها: أي أثابه وأعطاء الأجر قاله ابن حجر الهيثمي ويأتي ما في الكسر، والمعنى أعطني الأجر ( في مصيبتي) «في» يحتمل كونها بمعنى مع وكونها للسببية والثاني أظهر، والمصيبة كل مكروه ينزل بالإنسان: أي أثبني ثواباً مقارناً لها أو بسببها ( وأخلف) من الإخلاف، إذ ما يخلف يقال فيه أخلف عليك وما لا يخلف كالأب إذا مات يقال خلف عليك ( لي خيراً منها إلا آجره الله) أي أثابه، في «المصباح» يقال أجره الله أجراً من بابي ضرب وقتل وآجره بالمد لغة ثالثة: أي أثابه لكن في المراقة أنه بالكسر مع القصر غير موجود في النسخ ( تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها) وذلك لاستكانته تحت أقضية مولاه وصبره على ما أتاه والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ومن جاء بالحسنة فله خير منها ( قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله) زاد في رواية عناه قالت: أيّ المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله؟ ثم إني قلتها ( فأخلف الله تعالى لي خيراً منه) أي من أبي سلمة ( رسول الله) عطف بيان أو بدل من مفعول أخلف ( رواه مسلم) في الجنائز، قال في سلاح المؤمن: انفرد به مسلم عن أصحاب الستة، وإلا فقد أخرجه أبو عوانة كما قاله الحافظ في تخريج أحاديث «الأذكار» .


رقم الحديث 922 ( وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله قال: إذا مات ولد العبد) هو شرعاً المكلف ولو حرّاً وعمومه متناول للصغير والكبير ( قال الله تعالى لملائكته قبضتم) بفتحالموحدة وهو على تقدير الاستفهام التقريري لبيان عظم خبره لهم: أي أقبضتم ( ولد) بفتح أوليه ويقال بضم فسكون في لغة، قال في «المصباح» : وقيس تجعل المضموم جمعاً للمفتوح كأسد وأسد كما مر ( عبدي) الإضافة فيه للتشريف جبراً لما أصابه من المصيبة وتشريفاً له لصبره على أقضية ربه ( فيقولون نعم، فيقول) تنبيهاً لهم على عظيم صبره ( قبضتم ثمرة فؤاده) أي لبّ لبِّه وخلاصة خلاصته، إذا القلب خلاصة ما في الإنسان وخلاصته اللطيفة الموضوعة فيه من كمال الإدراكات والعلوم التي خلق لها وشرف بشرفها، فلشدة شغف هذه اللطيفة بالولد صار كأنه ثمرتها المقصود منها، وبين بهذه الجملة عظم المصاب وعظم الصبر عليه مع ذلك ( فيقولون نعم، فيقول ماذا قال عبدي؟ فيقولون حمدك) أي قال مترقياً عن مقام الصبر إلى مقام الرضا الحمد لله ( واسترجع) أي قال «إنا لله إليه راجعون» ( فيقول الله ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد) الفاء التفريعية إيماء إلى أن من فقد مثل هذه الثمرة الخطيرة ومع ذلك لم يعدها مصيبة من كل وجه بل من وجه فاسترجع ومنحة من وجه آخر فحمد، حقيق أن يقابل بالحمد حتى في تسمية محله به ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن) .


رقم الحديث 923 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: يقول الله عز وجل ما لعبدي المؤمن عندي) ظرف لقوله ( جزاء) وهو مبتدأ خبره المجرور قبله، والعندية عندية شرف ومكانة لا عندية مكان وبينه وبين عبدي جناس مصحف، وإذا في قوله ( إذا قبضت صفيه) ظرفية ويحتمل كونها متضمنة معنى الشرط، والجواب محذوف لدلالة ما قبله عليه، والصفي بفتح فكسر فتشديد: أي حبيبه لأنه يضافيه وده ويخلصه حبه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ( من أهل الدنيا) حال أتى به لبيان الواقع ( ثم احتسبه) أي بأن يرجو ثوابهويدخره عند الله تعالى، وذلك ينبىء عن مزيد الصبر التسليم ( إلا الجنة) بالرفع بدل من المبتدأ ويجوز نصبه على الاستثناء ( رواه البخاري) في الرقاق، وقد سبق الحديث مشروحاً في باب الصبر أول الكتاب.


رقم الحديث 924 ( وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت إحدى بنات النبي) وهي زينب كما صرح به ابن أبي شيبة وصوبه غيره ( إليه تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً) تقدم أنها أمامة بنت زينب من أبي العاص بن الربيع واستشكل بأن في الحديث لفظ صبيّ أوابن فكيف يطلق ذلك عليها؟ فالراجح أن القضية متعددة كان المريض في إحداهما الابن واسمه عليّ وهو المشار إليه بما في هذا الحديث، وأخرى كان البنت، وحمله على غيرهما يرد بأن الإخباريين صرحوا أنها لم تلد غيرهما، ثم لا ينافي تفسيرها بأمامة كونها عاشت حتى تزوجها عليّ رضي الله عنه، لأن المراد من قبض في رواية لهما قارب القبض كقولها هنا ( في الموت) في مقدماته المعتاد وجوده بعدها ( فقال للرسول: ارجع إليها وقل لها: إن لله ما أخذ) مقتبس من قوله تعالى: { إنا لله} ( البقرة: 156) ( وله ما أعطى) تأكيد مناسب للمقام ( وكل شيء) مما أخذه وأعطاه من الآجال والأرزاق التي أخذها وأبقاها ( عنده) عندية علم أو مكتوب عند ملائكته وجعل ما عندهم عنده تشريفاً لهم كقوله تعالى: { والله يدعو إلى دار السلام} ( يونس: 25) أي وأولياء الله يدعون إليها جعل دعاءهم دعاءه تشريفاً لهم كما أشار إليه البيضاوي ( بأجل مسمى) معلوم معين لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه فلا فائدة في الجزع، ولذا قال ( فمرها فتصبر) بأن تتحمل مرارة فقده من غير أن يظهر عليها شيء من أنواع الجزع ( ولتحتسب) أي تدخر ثواب فقده والصبر عليه عند الله، وكل منهما أمر للغائبة المؤنثةأو الحاضرة نظير فبذلك فلتفرحوا فعلى الأول المبلغ المعنى لا بخصوص اللفظ، وعلى الثاني بخصوصه، وعلى الحضور التذكير باعتبار الشخص وفيه الوصية بالصبر عند البلية قبل وجودها ليستعد لها ( وذكر تمام الحديث) السابق مع شرحه في باب الصبر ( متفق عليه) .
153