فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الصلاة عَلَى الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز

رقم الحديث 929 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من شهد الجنازة حتى يصلى) بالبناء للمفعول ونائب فاعله قوله ( عليها فله قيراط) قال في «المصباح» : يقال أصله قرط بتشديد الراء لكن أبدل من أحد المضعفين ياء للتخفيف كما في دينار ونحوه، ولذا يرد في الجمع والتصغير إلى أصله فيقال قراريط وقريريط اهـ.
قال ابن حجر الهيتمي: حصول هذا القيراط مرتب على الحضور معها من المنزل.
وخالف الحافظ في «فتح الباري» فقال بعد أنذكر ما تقدم وأنه صرح به المحب الطبري: والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضاً لمن صلى فقط، لأن ما قيل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلاً وصلى اهـ.
قال: وتتعدد قراريط الصلاة بتعدد الجنائز وإن صلى عليهم معاً ( ومن شهدها حتى تدفن) أي ويكمل دفنها هذا أصح الأوجه عند إمامنا الشافعي، وقيل غير ذلك، ويترجح ما قلنا أولاً بما جاء عند مسلم «حتى يتفرغ منها» وللرواية الآتية «ويفرغ من دفنها» ( فله قيراطان) أي أحدهما قيراط الصلاة، في حديث للطبراني «من تبع جنازة حتى يقضي دفنها كتب له ثلاث قراريط» فعليه.
الأول للحضور معها من المنزل قبل الصلاة.
والثاني للصلاة، والثالث للتشييع.
قال في «فتح الباري» : الإشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه وغسله وجميع ما يتعلق به، فللمصلي عليه قيراط من ذلك، ولمن شهد الدفن قيراط، وذكر القيراط تقريباً للفهم لما كان الإنسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته وعد من جنس ما يعرف وضرب له المثل بما يعلم، نقله عن ابن الجوزي عن ابن عقيل قال: وليس ما قاله ببيعد.
وقد روى الطبراني من طريق عجلان عن أبي هريرة مرفوعاً «من أتى جنازة من أهلها فله قيراط، فإن اتبعها فله قيراط، فإن اتبعها فله قيراط، فإن صلى عليها فله قيراط» وإن اختلف مقادير القراريط ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته، وعليه فيقال إنما خص قيراطي الصلاة والدفن بالذكر لكونهما المقصودين بخلاف باقي أحوال الميت فإنها وسائل، ولكن هذا يخالف ظاهر الحديث الذي في كتاب الإيمان من «صحيح البخاري» ، فإن فيه أن لمن كان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها قيراطين فقط.
ويجاب عنه بأن القيراطين المذكورين لمن شهد.
والذي ذكره ابن عقيل لمن باشر الأعمال التي يحتاج إليها الميت فافترقا وقال المصنف وغيره: لا يلزم من ذكر القيراط في العملين تساويهما لأن عادة الشرع تعظيم الحسنة بحسب مقابلها ( قيل: وما القيراطان) سأل عن تعيينهما لذكرهما مبهمين ولم يعين في هذه الرواية القائل ولا المقول له.
وقد جاء عند مسلم «فقيل: وما القيراطان يا رسول الله» وعنده في حديث ثوبان «سئل رسول الله عن القيراط» وبين أبو عوانة في رواية أن السائل هو أبو هريرة ( قال: فمثل الجبلين العظيمين) جاء في رواية للبخاري «مثل أحد» وعند النسائي من طريق الشعبي، وله قيراطان من الأجر كل واحد منهماأعظم من أحد وفي رواية لمسلم «أصغرها مثل أحد» وفي حديث وائلة عن ابن عدي «كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد» قال ابن المنير: أراد بهذا تعظيم الثواب فمثله بالجبلين العظيمين ( متفق عليه) .


رقم الحديث 930 ( وعنه أن رسول الله قال: من اتبع جنازة مسلم إيماناً) مفعول له أي تصديقاً بالوعد الوارد فيه ( واحتساباً) وقوله ( وكان معه) كذا في الأصل والظاهر معها.
وإن صحت به الرواية فالتذكير لعود الضمير إلى المضاف إليه ( حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها) أي بتمام تسوية التراب على القبر ( فإنه يرجع من الأجر بقيراطين) أجر للاتباع وأجر للصلاة عليها مع السير والصبر لتمام الدفن ( كل قيراط مثل أحد) قال الطيبي قوله مثل أحد تفسير للمقصود من الكلام، لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين، فبين الموزون بقوله من الأجر وبين المقدار منه بقوله مثل أحد.. قال الزين بن المنير: أراد تعظيم الثواب فمثله للعباد بأعظم الجبال خلقاً وأكثرها إلى النفوس المؤمنة حباً لأنه الذي قال في حقه «أحد جبل يحبنا ونحبه» اهـ، ولأنه أيضاً قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته، وخص القيراط بالذكر لأنه كان أقل ما تقع به الإجارة في ذلك الوقت، أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل ( ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن) بالفوقية أي الجنازة باعتبار من عليها إن كانت اسم النعش وإن كانت اسم الميت فالتأنيث باعتبار أنها نفس أو باعتبار لفظ الجنازة ( فإنه يرجع بقيراط، رواه البخاري) .


رقم الحديث 931 ( وعن أم عطية) نسيبة بضم النون وفتح المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة( رضي الله عنه قالت: نهينا) بالبناء للمفعول، والمروي بهذه الصيغة موقوف لفظاً مرفوع حكماً: أي نهانا رسول الله، وقد رواه الإسماعيلي بهذا اللفظ والمراد جماعة النساء ( عن اتباع الجنائز) وذلك أنهن يؤمرن بالستر واتباع الجنائز مقتض لكشفهن ( ولم يعزم) بالبناء للمفعول: أي لم يؤكد ( علينا) في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم.
قال القرطبي: ظاهر سياق حديث أم عطية أن النهي نهى تنزيه وبه قال جمهور أهل العلم.
وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون المراد بقولها ولم يعزم علينا: أي كما عزم على الرجال بترغيبهم بحصول القيراط ونحو ذلك والله أعلم ( متفق عليه) أخرجاه في الجنائز ( ومعناه) أي معنى مجموع الحديث باعتبار قوله «لم يعزم علينا» ( ولم يشدد في النهي كما يشدد في المحرمات) أي فيكره اتباعهن لها ولا يحرم.
156