فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الإِسراع بالجنازة

رقم الحديث -158 أي ندب الإسراع بالسير بها، وحكى البيهقي في «المعرفة» عن الشافعي أن الإسراع بها هو فوق سجية المشي، وحكى ابن المنذر وابن بطال أنه سجية المشي.
قال العراقي: والأول أثبت ويوافقه قول أصحابنا وهذه عبارة الرافعي والنووي.
والمراد بالإسراع فوق المشي المعتاد ودون الخبب.
وعبارة صاحب «الهداية» من الحنفية ويمشون بها مسرعين دون الخبث، والمراد بطلب إسراع لا يشق على من تبعها ولا يحرك الميت فذلك مكروه.


رقم الحديث 941 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: أسرعوا) بقطع الهمزة ( بالجنازة) أي بالسير إلى القبر على وجه لا يؤدي إلى سقوطها ولا إلى تفجر الميت ( فإن تك صالحة فخير) أي فهو خير ( تقدمونها إليه) والمبادرة بتقريب الخير مطلوبة ( وإن تك) أي الجنازة ( سوى ذلك) ذكر اسم الإشارة باعتبار الميت ولذا ذكر الضمير في قوله ( فشر تضعونه عن رقابكم، متفق عليه) ورواه أحمد وأصحاب السنن الأربع كما في «الجامع الصغير» ( وفي رواية لمسلم: فخير تقدمونها عليه) فينبغي الاسراع به ليظفر عن قرب بنيل ماأعد له والتأخير يفوِّت عليه بعض ذلك، وروى بنصب خير من باب الاشتغال.


رقم الحديث 942 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان النبي يقول: إذا وضعت) بالبناء لما لم يسم فاعله ونائب فاعله ( الجنازة) بفتح الجيم الميت وتقدم الكلام في ذلك وبكسرها: السرير كذا في «شرح المشارق» لابن ملك، وفي «القاموس» : الجنازة وبفتح الميت أو بالكسر الميت، وبالفتح السرير أو عكسه، أو بالكسر السرير مع الميت، وتقدم الكلام في ذلك في كتاب عيادة المريض، وقوله «إذا وضعت الجنازة» أي إذا وضعها أهلها ( فاحتملها) وفي «المشارق» بالواو بدل الفاء ( الرجال على أعناقهم) أي على أكهالهم المقاربة لأعناقهم، ففيه مجاز مرسل علاقته المجاورة ( فإن كانت صالحة) بامتثال الأوامر واجتناب النواهي في حياتها، أو لم تكن كذلك ولكن منّ عليها بالتوبة عند موتها ( قالت: قدموني) وحذف المقدم إليه إيماء إلى أنه مما تضيق العبارة عن بيانه لكثرته ( وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها) يحتمل أنها تقول يا ويلي، لكن كنى عن ذلك بضمير الغيبة إيماء إلى أن الإنسان إذا حكى ما تستقبح إضافته للنفس ينبغي أن يسنده لضمير الغيبة، كما في حديث وفاة أبي طالب «فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب» مع أنه جاء بضمير المتكلم قال: المصنف في «شرح مسلم» : هذا من حسن الآداب والتصرفات، وهو أن من حكى قول غيرهالقبيح أتى به بضمير الغيبة لقبح صورة اللفظ الواقع اهـ.
وعلى هذا فلا التفات في العبارة.
ويحتمل أنه يقول بهذا اللفظ ففيه التفات على مذهب السكاكي، والويل كلمة تقال عند العذاب أو خوفه.
قال ابن ملك: إن أريد من الجنازة السرير يكون الضمير في يا ويلها في موضعه لكن يكون المراد من صالحة ومن قدموني ما حمل عليه فيلزم التجوز في موضعين فإرادة الميت أولى، وهذا القول بلسان الحال فيكون استعارة.
وقال المكاشفون: إنه حقيقي لأن الجمادات ناطقة ومسبحة بالحقيقة لكن لا يفهم المحجوب قاله ابن ملك.
قلت: ويؤيده أن الأصل حمل ما جاء في الكتاب والسنة على حقيقته حتى يأتي ما يصرفه عنها، ويؤيده قوله في الحديث «يسمع صوتها» الخ ( أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان) دخل في جملة السامع الجن ( ولو سمع الإنسان لصعق) بفتح فكسر: أي لغشي عليه وقيل لمات وهذا أبلغ في حكمة منع إسماع الصوت لإفضائه إلى فساد العالم ( رواه البخاري) في باب الجنائز.
159