فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السُّرَى والرفق بالدواب

رقم الحديث -166 باب آداب السير والنزول في منازل السفر والمبيت مصدر ميمي أي البيات ( والنوم في السفر) الظرف حال من الجمع بأن يقدر متعلقه عاماً مجموعاً: أي كاثنات فيه ( واستحباب السري) بضم فكسر فتشديد ياء: أي السير ليلاً ( والرفق بالدواب) بأن لا تحمل فوق الطاقة ولا تجدّ في الإسراع فوق القدرة ( ومراعاة مصلحتها) أي ما يصلحها ( وأمر من قصر في حقها بالقيام بحقها) وجوباً إن قصر في واجب منه وندباً إن قصر في مندوب ( وجواز الإرداف) بل طلبه عند الحاجة إليه لوجه الله تعالى ( على الدارة إذا كانت تطيق ذلك) عبَّر فيه بإذا إيماء إلى أن شرط جوازه تحقق ذلك، فإن تردد في إطاقتها حرم إردافها.


رقم الحديث 962 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إذا سفرتم في الخصب) بكسر الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة هو خلاف الجدب وهو اسم مصدر من أخصب المكان بالألف، وفي لغة خصب المكان من باب تعب إذا نبت فيه العشب والكلأ ( فأعطوا الإبل) بكسر أوليه ويسكن الثاني تخفيفاً اسم جنس ( حظها) وعند أبي داود حقها بالقاف بدل الظاء، قال ابن رسلان: ومعناهما متقارب ( من الأرض) قال البيضاوي: يعني دعوها ساعة فساعة ترعى ( وإذا سافرتم في الجدب) قال في «المصباح» : هو المحل وزناً ومعنى: وهو انقطاع المطر ويبس الأرض، يقال جدب البلد بضم الدار جدوبة ( فأسرعوا عليها السير) وعطف على ذلك الباعث على الإسراع بقوله ( وبادروا بها) بالموحدة ( نقيها، وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق) أي النزول بها بل اعدلوا وأعرضوا عنها، وعلل ذلك بقوله ( فإنها طرق) بضمتين ويسكن الثاني تخفيفاً جمع طريق أي محل ممر ( الدواب) لسهولتها فربما تضرّ بالنازل بها ( ومأوى الهوامّ بالليل) أي محل إيوائها وذلك أنها تقصد ذلك بالإلهام لكونه ممراً فيسقط به شيء من المأكول ونحوه وعادي إليه بالتماس ذلك ( رواه مسلم) ورواه أبو داود أيضاً والترمذي: ( معنى أعطوا الإبل حظها) بفتح المهملة وإعجام الظاء المشددة وهو النصيب ( من الأرض) متعلق بأعطوا.
ويجوز تعلقه بحظ وإعرابه حالاً من المفعول ( أي ارفقوا بما في السير) بترك الإسراع لئلا يكون مانعاً لها من الرعى بل ارفقوا ( لترعى) في حالسيرها فتجمع بين استيفاء ما عليها منا لسير وما لها من تناول ذلك ( وقوله نقيها هو بكسر النون وإسكان القاف وبالياء المثناة من تحت وهو المخ) هو بيان للمراد من الحديث: أي أريد بالنقي المخ مجازاً مرسلاً من إطلاق اسم المحل على الحال كإطلاق الغائط على الخارج، ففي «القاموس» و «المصباح» النقو والنقي كل عظم ذي مخ، لكن متقضى قول «النهاية» : النقي المخ، يقال نقيت العظم ونقوته ونقيته اهـ أنه لذلك المعنى، وأنه من المعاني التي ذكرها أصحاب كتب الغرائب دون مدوني كتب اللغة ( معناه) أي معنى قوله «وإذا سافرتم» في الجدب إلى قوله «نقيها» ( أسرعوا بها حتى تصلوا المقصد قبل أن يذهب مخها من ضنك) أي جهد ( السير والتعريس) قال الخليل ابن أحمد: والأكثرون هو ( النزول في الليل) للنوم أو الاستراحة، وقال أبو زيد: هو النزول أيّ وقت كان من ليل أو نهار.


رقم الحديث 963 ( وعن أبي قتادة) تقدم الخلاف في اسمه والراجح أن اسمه الحارث بن النعمان ( رضي الله عنه قال: كان رسول الله إذا كان في سفر فعرس بليل) ذكره مع أن التعريس لا يكون إلا ليلاً ليفيد بقاء جانب من الليل له وقع ( اضطجع على يمينه) لأن النفس تستوفي حقها من النوم لبقاء ما بقي من الليل، والنوم على اليمين أشرف جهة ولئلا يستغرق في النوم لكون القلب يكون حينئذ معلقاً فلا ينغمر في النوم ( وإذا عرس قبيل الصبح) أي في أواخر الليل والباقي منه لا يقوم حظ البدن من المنام ( نصب ذراعه) أي اليمين لأنها الأشرف ( ووضع رأسه على كفه) المنصوب ذراعها ( رواه مسلم) في الصلاة، ورواه الترمذي في «شمائله» ( قال العلماء: إنما نصب ذراعه لئلا يستغرق في النوم) لو نام مضطجعاً ( فتفوت صلاة الصبح) بأن يستمر نائماً إلى طلوع الشمس كما في قصة نومه بالوادي ( عنوقتها أو عن أول وقتها) بأن يستيقظ قبل طلوعها بعد الإسفار مثلاً، والنوم قبل دول وقت الصلاة جائز وإن علم تفويتها به، وبعد دخوله لا يجوز إلا إن غلبه بحيث أذهب إحساسه، أو كان يعلم قيامه قبل خروج الوقت بوجود من يوقظه أو يعلم ذلك من عادته.


رقم الحديث 964 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: عليكم بالدلجة) بضم فسكون وبفتحتين وهو سير الليل سحراً كان أو غيره بدليل قوله ( فإن الأرض تطوى) بضم الفوقية مبني للمفعول ( بالليل) أي فيه أو بسببه والطيّ قيل على حقيقته وأنها ينزوي فيه بعضها إلى بعض ويدخل فيه، وقد ورد «عليكم الدلجة فإن لله ملائكة يطوون الأرض للمسافر كما تطوى القراطيس» رواه الطبراني وغيره، وقيل إنه مجاز عن قطع الدوابّ فيه من المسافة مالا تقطعه منها في النهار لنشاطها ببرد الليل، خصوصاً آخره الذي ما فعل فيه شيء من العبادات والمباحات إلا كان فيه البركة الكثيرة لأنه وقت التجلي، وقال تعالى: { فأسر بأهلك بقطع من الليل} ( هود: 81) أي سر في سواد الليل: أي إذا بقي منه قطعة، وقال ابن رواحة.
عند الصباح يحمد القوم السري وتنجلي عنهم غيابات الكرى ثم قد ورد النهي عن السير أول الليل، قال «لا ترسلوا مواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء» وهو في الصحيح، وقد كره البيهقي السير أول الليل لذلك، وتعقبه المصنف في المجموع بأنه لا يقتضي إطلاق الكراهة قال: والمختار أنه لا يكره، قال الشيخ عبد الرءوف المكي الواعظ: كراهة إرسال المواشي حينئذ محمولة على إرسالها من غير حافظ لها ( رواه أبو داود بإسناد حسن) ورواه الحاكم في «المستدرك» والبيهقي ( الدلجة) بالوجهين السابقين في ضبطه ( السير في الليل) أي جزء منه أولاً كان أو آخراً.
وقال ابن رسلان الدلجة: بالضم فالسكون سير آخر الليل فيه البركة.


رقم الحديث 965 ( وعن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة وسكون المهملة بينهما ( الخشنى) بضم المعجمة الأولى وفتح الثانية بعدها نون، قال في التقريب: مشهور بكنيته، قيل اسمه جرثوم أو جرثومة أو جرثم أو جرهم أو لا شر بمعجمة مكسورة بعدها راء أو لاش بغير راء أو لا سومة أو ناسب أو ياسر أو عروق أو سواء أو زيد أو الأسود.
واختلف في اسم أبيه أيضاً، مات ( رضي الله عنه) سنة خمس وسبعين، وقيل بل قبل ذلك بكثير في أول خلافة معاوية بعد الأربعين، خرّج له الستة اهـ.
وروي له عن النبي أربعون حديثاً.
أخرج له في الصحيحين أربعة، اتفقا على ثلاثة منها، وانفرد مسلم بواحد ( قال: كان الناس إذا نزلوا) بالبناء للفاعل ( منزلاً) أي في مكان من منازل سفرهم ( تفرقوا في الشعاب) بكسر الشين المعجمة جمع شعب بالكسر وهو الطريق في الجبل كذا في «المصباح» ( والأودية) جمع واد، وتقدم أنه كل منفرج بين جبال أو آكام يكون منفذاً لليل ( فقال رسول الله: أي تفرقكم في هذه الشعاب) ظرف لغو متعلق بالمصدر قبله أو مستقر في محل الحال أو الصفة: أي تفرقكم حال كونه كائناً أو الكائن لأن الإضافة فيه للتعريف الجنسي ( والأودية، إنما ذلكم) توكيد لما قبله لطول الفصل بالظرف بعد اسمها فهو نظير قوله تعالى: { أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} ( المؤمنون: 35) والمشار إليه التفرق وجمع كاف الخطاب لجمع المخاطبين وهي في اللغة الفصيحة تختلف باختلاف إفراداً وتذكير وضديهما والخبر قوله ( من الشيطان) أي ناشىء من وسواسه وإغوائه وذلك أن المراد من الرفقة دفع ما يعرض في السفر من عدم ركوبه والإعانة على نوائب السفر والتفرق مانع منه ( فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً) أي من منزل ( إلا انضم بعضهم إلى بعض) امتثالاً لإشارة المصطفى، وتحرجاً من العمل الداعي إلى الشيطان كما نطق به الخبر، وتلبساً بالأمر الداعي إليه الرحمن كما دل عليه مفهوم الخبر ( رواه أبو داود بإسناد حسن) .


رقم الحديث 966 ( وعن سهل) بفتح فسكون ( ابن عمرو، وقيل سهيل بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة ( ابن عمرو) بن عدي بن زيد ( الأنصاري) الأوسي من بني حارثة ( المعروف بابن الحنظلية) بفتح المهملة والظاء المشالة وسكون النون بينهما: اسم أمه أو من أمهاته.
وعلى وصفه بهذا اللفظ اقتصر في «أسد الغابة» في باب ما يعرف بابن فلانة فقال ابن الحنظلية، ولم يسق الخلاف المذكور في اسم أبيه ( وهو من أهل بيعة الرضوان) التي كانت بالحديبية تحت الشجرة قال في «أسد الغابة» في الأسماء: وكان معتزلاً عن الناس كثير الصلاة والذكر، كان لا يزال يصلي مهما هو بالمسجد،.
فإذا انصرف لا يزال ذاكراً من تسبيح وتهليل حتى يأتي أهله وسكن دمشق ومات بها أول خلافة معاوية ولا عقب له ( رضي الله عنه) وفي «الإصابة» للحافظ بن حجر: اسم أبيه الربيع، وقيل عبيد، وقيل عقب بن عمرو وقيل عمرو بن عدي وهو الأشهر وعدي هو ابن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي.
قال ابن أبي خيثمة: والحنظلية أمه وقبل جدته وقيل أم جده.
قال ابن سعد: الحنظلية أم عمرو بن عدي واسمها أم إياس بن دارم التميمية، فمن كان من ولد عمرو قيل له ابن الحنظلية.
قال البخاري: له صحبة، وكان عقماً.
وقال غيره: شهد المشاهد كلها إلا بدراً اهـ.
وقال المزي في «الأطراف» : قيل له ابن الحنظلية لأن أم أبيه من بنى حنظلة من تميم، وذكر له في «الأطراف» خمسة أحاديث، ولا شيء له في الصحيحين، وذكره ابن الجوزي في «مختصر التلقيح» فيمن روي له في مسند تقي بن مخلد تسعة أحاديث بتقديم الفوقية والله أعلم ( قال: مرّ رسول الله ببعير) قال في «المصباح» : هو مثل الإنسان يقع على الذكر والأنثى، والجمل بمنزلة الرجل يختص بالذكر والناقة بمنزلة المرأة تختص بالأنثى ( قد لحق) وفي لفظ السنن بالصاد بدل الحاء ( ظهره ببطنه) أي من الجوع والجهد ( فقال اتقوا الله) وتقواه واجبة مطلقاً، ويتأكد الوجوب بأسباب بالنسبة لحال المخاطبين ووقائع الأحوال: منها قوله هنا ( في هذه البهائم) الممتن عليكم شرعاً بركوبها ونحوه ( المعجمة) صفة نص عليها للاستعطاف عليها ومزيد الشفقة بها والمعجمة بصيغة المفعول والعجماء بمعنى، وسميت به البهيمة لأنها لا تتكلم، ومن لا يفصح بكلامه يقال فيه أعجم ومعجم ومستعجم.
قال الدميري: وسميت البهيمة بهيمة لأنها لا تتكلم ( فاركبوها) أمر إباحي ( صالحة) أي للركوب أي حيث كانت تطيقهوهو حال من المفعول ( وكلوها) أمر كالذي قبله ( صالحة) للأكل بأن ذكيت ذكاة شرعية، وقد يقال في وصفها بالصلاح إيماء إلى الأمر بأسباب صلاحيتها، وخرج بصالحة ما لا تصلح للأكل كالهدي الواجب بنذر أو غيره، فلا يصلح للمهدي الأكل منها، والاقتصار على الركوب والأكل لأنهما أظهر منافعها أو للتنصيص على أن الوصف بالصلاحية فيهما أهم منه في غيرهما ( رواه أبو داود بإسناد صحيح) ورواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» .


رقم الحديث 967 ( وعن أبي جعفر عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب القرشي الهاشمي ( رضي الله عنهما) أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، وقدم مع أبيه المدينة من الحديبية، وهو أخو محمد ابن أبي بكر الصديق ويحيى بن علي بن أبي طالب لأمهما، وروي له عن رسول الله خمسة وعشرون حديثاً اتفقا على حديثين منها، توفي رسول الله وله عشر سنين.
قال الحافظ في «التقريب» : مات سنة ثمانين وهو ابن ثمانين سنة ( قال: أردفني رسول الله) أي حملني خلفه على ظهر الدابة ( ذات يوم) قال الحافظ في مقدمة «فتح الباري» : تكرر قوله ذات يوم وذات ليلة وذات بينكم، وكله كناية عن نفس الشيء وحقيقته، وتطلق على الخلق والصفة، وأصلها اسم إشارة للمؤنث، وقد تجعل ذات اسماً مستقلاً فيقال ذات الشيء، وقوله ( خلفه) تأكيد لمفهوم قوله أردفني، أو جرد الإرداف عن كونه خلف الراكب وأريد به مطلق الحمل معه على الدابة وهو بالنصب ظرف مكان ( وأسر) أي أخفى ( إليّ حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس) جملة النفي محتملة لكونها صفة حديث: أي حديثاً شأنه ألا أبديه لأحد، ولكونها مستأنفة وأتى بها لئلا يطلب منه بيانه ( وكان أحب) بالنصب خبر كان مقدم، ويجوز الرفع اسمها، والأول أولى لكونه وصفاً وهو بالإخبار أليق، ويؤيده اتفاق الأصول على رفع هدف ( ما استتر به رسول الله) أي من الأعين عند قضاء حاجة الإنسان كما في نسخة لحاجة ( هدف) بفتح أوليه قال في «المصباح» هو كل شيء عظيم مرتفع، قاله ابن فارس مثل الجبل وكثيب الرمل والبناء والجمع أهداف كسبب وأسباب( أو حائش) بالمهملة وبعد الألف همزة فشين معجمة ( نخل) وقال عبد الله بن أسماء الضبعي أحد شيخي مسلم فيه كما صرح به مسلم بقوله قال ابن أسماء ( يعني) أي ابن جعفر بقوله حائش نخل بالشين المعجمة ( حائط نخل) بالطاء المهملة والحائط هو البستان وجمعه حوائط، وسمى حائطاً لأنه يحوط ما فيه من الأشجار وغيرها ( رواه مسلم) في الطهارة ( هكذا مختصراً) ورواه أيضاً في الفضائل وليس فيه قوله وكان أحب الخ» .
( وزاد فيه) الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن أحمد بن غالب ( البرقاني) بفتح الموحدة والقاف وسكون الراء بينهما الخوارزمي نسبة إلى قرية من قرى كانت بنواحي خوارزم خربت.
قاله الأصبهاني في «لبّ اللبابّ» قال: الفقيه المحدث الأديب الصالح ( بإسناد مثل هذا بعد قوله حائش تخل فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا) فجائية ( فيه جمل) أي عند الباب كما في رواية ( فلما رأى) أي أبصر ( الجمل النبي جرجر) أي صوت، والجرجرة بجيمين وراءين: صوت يردده البعير في حلقه، وعند أبي داود حن بالمهملة والنون المشددة ( وذرفت) بالمعجمة وفتح الراء ( عيناه) أي سال منهما الدمع حين رآه، وفي رواية حتى ابتل ما حوله من الدموع وهذا من معجزاته الدالة على صدق نبوته ( فأتاه النبي) تواضعاً منه ( فمسح سراته) بفتح أوليه المهملين وبعد الألف فوقية فسره بقوله ( أي سنامه وذافراه) وفي «النهاية» : سراة: كل شيء ظهره وأعلاه، ومنه الحديث «فمسح سراة البعير وذفراه» ثم هذا التفسير يحتمل أن يكون من بعض الرواة أدرجه، وأن يكون من المصنف رحمه الله تعالى، وعند أبي داود، فمسح ذفريه بالياء بدل الألف، قال ابن رسلان: قلبت الألف فيه ياء وهي ألف التأنيث.
قلت: الظاهر أنها حينئذ ألف المثنى وإلا فألف التأنيث لا تقلب ياء في مثله والله أعلم، ويأتي ضبطه ومعناه، وفعله به ذلك من كمال شفقته ومزيد رحمته ( فسكن) أي ما به من ذلك الصوت ( فقال: من ربّ هذا الجمل) أي صاحبه.
وفيه دليل لإطلاق الربّ مضافاً على غير الله تعالى، أما المعرفباللام فلا يطلق على غير الله تعالى ( لمن هذا الجمل) لعله كرر السؤال عن مالكه لشدة اعتنائه بمعرفته وكثرة شفقته على الجمل ( فجاء فتى من الأنصار) لم أقف على من سماه، وفي رواية لأحمد «فقال النبي: انظر لمن هذا الجمل، قال: فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار، فدعوته له فقال: ما شأن جملك هذا؟ فقال: ما شأنه؟ لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية، فأتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه، قال: فلا تفعل» قال ابن رسلان: في هذه الرواية منع نحر الجمل إذا: أزمن وعجز عن العمل وإن أريد أكل لحمه وقد صرح به أصحابنا اهـ.
ولم أر من نقله عن أصحابنا والله أعلم.
( فقال: وهذا لي يا رسول الله: قال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة) أي أتهمل أمرها فلا تتقي الله في أمرها.
قال الأزهري: البهيمة في اللغة معناها المبهمة عن العقل والتمييز، والمعنى: ألا تتقي الله فيما لا لسان لها فتشكو ما بها من جوع وعطش ومشقة، فهو أبلغ في الأمر بالتقوى فيها من نحو اتق الله ( التي ملكك الله) أظهر في مقام الإضمار لزيادة الحض والحث على التقوى فيها ( إياها) أي أنعم بها عليك فلا تقابل نعمته بمعصيته بل بالشكر والإحسان ليدوم لك الامتنان، ثم ذكر الداعي إلى تحريضه على إصلاح شأنها بقوله ( فإنه) التذكير باعتبار أنه جمل: أي فإن الجمل، وفيه تفنن في التعبير ( يشكو إليّ) لا مانع من إجرائه على حقيقه، وعرف النبي ذلك باطلاع الله تعالى له عليه فهو من جملة معجزاته أو فهم ذلك من أحواله ( أنك تجيعه) بضم أوله ( وتدئبه) بضم التاء الفوقية أيضاً مضارع من الإفعال من الدأب بمهملة ثم همزة ثم موحدة: أي تكده وتتعبه في العمل، وفي رواية لأحمد «شاكياً كثرة العمل وقلة العلف» ( ورواه أبو داود) في الجهاد ( كرواية البرقاني) بتفاوت بسير منه على بعضه ( قوله ذفراه هو بكسر الذال المعجمة وإسكان الفاء وهو لفظ مفرد مؤنث) قال أهل اللغة الذفري الموضع الذي يعرق من الإبل خلف الأذن، وقوله ( تدئبه) بالضبط المذكور فيه ( أي تتعبه) بضم الفوقية إفعال من التعب.


رقم الحديث 968 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: كنا) أي معشر الصحابة ( إذا نزلنا منزلاً) أي في منزل من منازل السفر ( لا نسبح حتى نحل) بضم المهملة ( الرحال) أي نضعها عن ظهور الجمال، والرحال بكسر الراء وبالمهملة جمع رحل بفتح فسكون: هو كل شيء يعدّ للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن، ويجمع في القلة على أرحل كبحر وأبحر كذا في «المصباح» ( رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم) فرواه في الجهاد عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن حمزة الضبي عن أنس ( وقوله لا نسبح: أي لا نصلي النافلة) وأطلق على الصلاة بطريق المجاز المرسل من تسمية الكل باسم الجزء ففيه مجاز مرسل تبعي.
( ومعناه أنا مع حرصنا) بكسر الحاء المهملة وسكون الراء ( على الصلاة) واهتمامنا بها ( لا نقدمها على حط الرحال إراحة للدواب) وإن كان فيه مبادرة للطاعة ومسارعة بالعبادة لكن يقدم عليها إراحتها شفقة ورحمة.
وفي «حواشي سنن أبي داود» للمنذري وقد قال الحافظ: إن لفظ «لا» وإن الصواب «كنا إذا نزلنا منزلاً لا نسبح حتى نحلّ الرحال» رواه غير واحد من الثقات، فرواه ابن السني بلفظ «كنا إذا نزلنا سبحنا حتى نحل الرحال» فقيل معناه نشتغل بالصلاة: تحية المنزل والتنفل ونحوه حتى يطأ أصحاب الرحال رحالهم، ثم نجتمع ونشتغل ببعض ما يشتغل به المسافر إذا حلّ من تهيئة الطعام، لكن الذي رأيناه في النسخ المعتمدة «لا نسبح» بزيادة لا النافية وهو أقرب إلى المعنى.
فإن تأخر سبحة النافلة له فوائد: منها إراحة البهائم التي لم تصل إلى المنزل إلا وقد حصل لها التعب الكثير، فاشتغالهم بالصلاة فيه تأخير بالحط عنها، بخلاف ما إذا اشتغل الجميع بالحط، ولأن حط أصحاب الرحال رحالهم يشغل خاطر المصلي، وفي الخبر استحباب التنفل بالسفر كالحضر.
وقد حكى المصنف اتفاق الفقهاء على استحباب النفل المطلق في السفر والخلاف في الراتبة، ثم استدلال المصنف بهذا مبني على القول بأن قول الصحابي كنا نفعل كذا مرفوع حكماً، سواء أضافه إلى زمن النبي أو لا، وهو ما عليه الإمام والحاكم والإمام فخر الدين الرازي.
وقد قال ابن الصباع في العدة: إنه الظاهر، وقد أطلق الحاكم ما ذكر الإمام والسيفالآمدي ولم يقيداه بالتقييد بالعهد النبوي، قال في «المجموع» : وبه قال كثير من الفقهاء، وهو قوي من حيث المعنى، والذي عليه ابن الصلاح أنه حيث لم يقيد بالعهد النبوي موقوف لفظاً وحكماً.
169