فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تكبير المسافر إِذَا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأودية

رقم الحديث -169 جمع ثنية والمراد منها العقبات ( وشبهها) من الربوات والفدافد وذلك للتذكر بالعلوّ الحسي عظمة الله تارك وتعالى، وعلوّه المعنوي وتنزيهه عما لا يليق به ( وتسبيحه) أي قول سبحان الله ( إذا هبط) بفتح أوليه أي نزل ( الأودية) تنزيهاً لله عما لا يليق به ( ونحوها) من الأغوار والمنازل النازلة ( والنهي عن المبالغة برفع صوت) الباء للتعدية أو ظرفية: أي فيه ( بالتكبير ونحوه) من سائر الأذكار المأتي بها، أما أصل الجهر بالذكر فمطلوب إن أمن الرياء وإيذاء نحو نائم أو مصل.


رقم الحديث 975 ( عن جابر رضي الله عنه قال: كنا إذا صعدنا) بكسر المهملة الثانية ( الثنايا) جمع ثنية ( كبرنا) أي قلنا الله أكبر، أو شهدنا كبرياء الله وعظمته انتقالاً من العلوّ الحسي إلى شهود العلوّ المعنوي ( وإذا نزلنا سبحنا) أي قلنا سبحان الله، أو شهدنا تقديسه عما لا يليق به وتقدم حكم مروي هذه الصيغة من الرفع حكماً في حديث أنس في الباب قبله ( رواه البخاري) في الجهاد ورواه النسائي في السير وفي اليوم والليلة وليس عنده ذكر الثنايا.


رقم الحديث 976 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي وجيوشه) بضم الجيم وكسرها جمع جيش ( إذا علوا) بفتح اللام التي هي عين الكلمة ولامها واو محذوفة بعد انقلابها ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم ملاقاتها للساكن بعدها وهو الواو، وضمها هنا عارض لالتقائها ساكنة مع الساكن في أول ( الثنايا) وليس من محل جواز التقاء الساكنين، وحذفها غير ممكن لأنها فاعل ولا دليل عليها فحركت بحركة تجانسها ( كبروا وإذا هبطوا) أي منها أو مطلقاً( سبحوا.
رواه أبو داود بإسناد صحيح)
أي فالحديث صحيح لما تقرر في محله من علم الحديث أن الحافظ الضابط إذا أطلق الحكم بالصحة أو الحسن للإسناد ولم يعقبه في الحكم على المتن بما ينافيه حكم بحكم الإسناد للمتن.


رقم الحديث 977 ( وعنه قال: كان النبي إذا قفل) بالقاف كرجع وزناً ومعنى ( من الحج أو) يحتمل أنها للشك في أن الرجوع المقول ما يأتي فيه أهو الرجوع من الحج ( أو العمرة) ويحتمل أنها للتنويع: أي فيقوله في رجوعه من كل منها، ويؤيد الأول قول البخاري عن الراوي ولا أعلمه إلا قال الغزو، وكذا كان يقوله في سائر رجوعاته كما يدل عليه حديث مسلم ( كلما) بالنصب على الظرف لقوله كبر وما عطف عليه ( أوفى) أي أشرف فارتقى ( على ثنية) قال في «المغرب» : الثنية العقبة لأنها تقدم الطريق وتعرض، أو لأنها تثني سالكها وتصرفه ( أو فدفد كبر) أي قال الله أكبر ( ثلاثاً ثم قال: لا إله إلا الله وحده) لا إله إلا الله توحيد الذات، وقوله وحده توحيد الصفات، وقوله ( لا شريك له) جملة حالية توحيد الأفعال: أي ليس له مشارك في إيجاد شيء من مصنوعاته ( له الملك وله الحمد) أي هو المنفرد بهما كما يؤذن به تقديم ما حقه التأخير ( وهو على كل شيء) من الممكنات ( قدير) إذ القدرة لا تتعلق بواجب ولا مستحيل ( آئبون تائبون عابدون ساجدون لربنا) تنازعه العوامل الأربعة قبله، والتنازع يكون بين عاملين أو أكثر، ومنه حديث «تسبحون وتحمدون وتكبرون الله ثلاثاً وثلاثين» الحديث ويجوز أن يكون للظرف متعلقاً بقوله ( حامدون) وحذف متعلق تلك الصفات لدلالته عليه، ويجوز تعلق الظرف بما قبله وهو ساجدون، فحذف متعلق حامدون كما عدا المتعلق به قبله لدلالة ذلك عليه ( صدق الله وعده) حذف المفعول الأول لتعلقالغرض بالمفعول الثاني: أي صدق الله من وعده من نبيه والمؤمنين به.
وعده: أي ما وعدهم به فهو مصدر مضاف لفاعله ( ونصر عبده) الإضافة فيه تنصرف للفرد الكامل وهو النبي: أي نصره من غير وجود ما يرتبط به النصر عادة من كثرة العدد والعدد كما في غزوة بدر وغزوة الخندق ( وهزم الأحزاب وحده) أي الذين تحزّبوا عليه من كفار قريش وأحابيشها فرد كيدهم في نحرهم بألطف الأشياء وهي ريح الصبا، ولم يكن لأحد من الخلق دخل في ذلك ( متفق عليه) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد بهذا اللفظ، وقد غفل المزي في كتاب «الأطراف» عن ذكره في ترجمته الإسناد الذي رواه به البخاري وهو صالح بن كيسان عن سالم عن ابن عمر.
( وفي رواية لمسلم: إذا قفل من الجيوش والسرايا) أي من الغزوات ذوات الجيش أو ذوات العدد اليسير منه ففي الحديث مضاف ( أو الحج والعمرة) وتقدم أنه يستحب هذا الذكر لكل قادم من سفر: أيّ سفر كان ( قوله أو في: أي ارتفع) هو بمعنى قول «القاموس» أو في عليه أشرف ( وقوله فدفد) بالجر على الحكاية ( هو بفتح الفاءين بينهما دال مهملة ساكنة وآخرة دال أخرى) وهو وزان جعفر ( وهو الغليظ المرتفع من الأرض) هو تفسير للمراد في الحديث، وإلا ففي «القاموس» : الفدفد الفلاة والمكان الصلب الغليظ والمرتفع والأرض المستوية اهـ.
ومنه يعلم أن اعتبار الغلظ في تفسير الفدفد المذكور في الحديث غير لازم، بل المراد أنه كلما ارتفع على نشز وربوة من الأرض رملاً كانت أو غليظة.


رقم الحديث 978 (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني) فيه استحباب مجيء المسافر عند إرادة السفر لمن يتبرك به وعرض ذلك عليه ليشير بما رآه لائقاً بالوقت وطلب الوصية منه (قال: عليك بتقوى الله) أي الزمها والباء زائدة في المفعول، وفيه تنبيه على أن تقوى الله الحصن النافع حصراً وسفراً (والتكبير على كل شرف)بفتح المعجمة والراء وبالفاء: أي كل علوّ ومرتفع، وسكوته في الخبر عن التسبيح عند كل انهباط إما لكونه كان أعلم بذلك قبل، أو لعله أراد ذكره له فعرض ما اشتغل به عن ذلك، أو ذكره وتركه الراوي نسياناً (فلما ولى) بتشديد اللام أي قفل (الرجل قال: اللهم أي يا الله (طوِ له البعيد) إماطياحسيا بانزواء مسافة الأرض بانضمام بعضها إلى بعض، ومنه ما تقدم في حديث «إن الأرض تطوى بالليل» أو معنوياً بأن يتيسر له من النشاط وحسن الدواب ما يصل به مستريحاً سالماً من وعثاء السفر، ويناسبه قوله (وهوّن عليه السفر) أي سهل عليه بدفع مؤذيات السفر وحزونه عنه (رواه الترمذي وقال: حديث حسن) ورواه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة.


رقم الحديث 979 ( وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا نسير مع رسول الله فكنا إذا أشرفنا) أي ارتفعنا ( على واد هللنا وكبرنا) أي أتينا بالذكر منهما لتشهد لنا البقاع والجملة الشرطية وجوابها خبر كان وقوله ( ارتفعت أصواتنا) جملة حالية من فاعل.
هللنا أو استئنافية أو جواب إذا وهللنا بدل من جملة الشرط أو حال ( فقال النبي: يأيها الناس اربعوا على أنفسكم) أي في المبالغة برفع الصوت وعلل ذلك بقوله ( فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً) المحوج نداء كل منهما إلى المبالغة في رفع الصوت، بل المذكور سبحانه أقرب إلى أحدكم من حبل الوريد وهو السميع البصير، كما قال معللاً لذلك بالجملة المستأنفة ( إنه) بكسر الهمزة، ويجوز فتحها بتقدير لام العلة قبلها فتخرج عن كونها مع مدخولها جملة ( معكم سميع قريب) قرباً معنوياً ( متفق عليه.
اربعوا)
بوصل الهمزة و ( فتح الباء الموحدة) وبالعين المهملة ( أي ارفقوا بأنفسكم) فلا تبالغوا في رفع الصوت لأنه مع إضراره بكملا حاجة بكم إليه.
172