فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب استحباب تحسين الصَّوت بالقرآن وطلب القراءة من حَسَن الصوت والاستماع لها.

رقم الحديث 1007 ( وعن أبي لبابة) بضم اللام وتخفيف الموحدتين ( بشير) بفتح الموحدة وتخفيف الشين المعجمة ( ابن عبد المنذر) الأوسي ثم من بني عمرو بن عوف من بني أمية بن زيد، وقيل اسمه رفاعة وهو بكنيته أشهر، وتوفي ( رضي الله عنه) قبل عثمان بن عفان رضي الله عنه، روي له عن رسول الله خمسة عشر حديثاً ( أن النبي قال: من لم يتغنّ بالقرآن فليس منا) أي من أهل هدينا وطريقنا ( رواه أبو داود بإسناد جيد معنى يتغن: يحسن صوته بالقرآن) وروى الطبراني «حسن الصوت زينته القرآن» وروى الحاكم وغيره «حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً» وروى عبد الرزاق وغيره «لكل شيء حليةوحلية القرآن الصوت الحسن، قالوا فإن لم يكن حسن الصوت؟ قال حسنه ما استطاع» .


رقم الحديث 1008 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال لي رسول الله: اقرأ عليّ القرآن) هو دليل طلب القراءة من حسن الصوت والاستماع لهما المذكورين في الترجمة وفي الحديث «من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً فليقرأ بقراءة ابن أم عبد» ( فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك) بتقدير الهمزة قبل المضارع وحذفها لنقل توالي همزتين ( وعليك أنزل) جملة حالية من الضمير المجرور ( قال: اقرأ فإني أحبّ أن أسمعه) أي سماعه، فهو على تقدير أن المصدرية أو تنزيل الفعل منزلة المصدر ( من غيري) ومنه أخذ العلماء الأخيار والصلحاء الأبرار استحباب طلب التلاوة من حسن الصوت والاستماع لها ( فقرأت عليه سورة النساء) يحتمل أن يكون قراءته لها لكونها حضرته إذ ذاك أو عن تروّ، وذلك لما اشتملت عليه من الأمر بالتقوى وما فيها من الثناء على المصطفى وذكر ما منّ به عليه مولاه من عظيم الخير والاصطفاء مع ما فيها من أنواع الأحكام ( حتى جئت إلى هذه الآية: { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء} ) أي أمتك ( { شهيداً} ) ، ( قال: حسبك) أي كافيك قراءتك ( الآن) أي فإني أخذت من استماعي غرضي ( فالتفتّ فإذا عيناه تذرفان) أي تجري دموعهما رحمة لأمته فإن الشاهد لا يكتم شيئاً، فإذا كلف الشهادة عليهم وهو لا يحبّ لهم إلا الكمال، ومن لازم الشهادة أن يذكر ما فعلوه من النقائص خشي عليهم أن يحلّ بهم العذاب بسبب شهادته، فرق قلبه خوفاً وحزناً عليهم حتى جرت دموعه شفقة عليهم، لعل الله بواسطة ذلك يشفعه فيهم، فكان ذلك البكاء غاية الرقة بهم والرحمة لهم قال تعالى: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} ( التوبة: 128) فعنده من الشفقة عليهم ما ليس عند نبي على أمته، ومن ثم لما أعطي كل نبي دعوة مجابة دعا كل منهم بدعوته لنفسه وخبأ دعوته لأمته ( متفق عليه) وقد تقدم مع الكلام عليه في باب فضل البكاء منخشية الله تعالى قال المؤلف: في الحديث استحباب استماع قراءة القرآن والإصغاء إليها والتدبر فيها واستحباب طلب القرآن من الغير ليستمع له، وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه، وفيه التواضع لأهل العلم والفضل ورفع منزلتهم اهـ.
قال في «فتح الإله» ، وقد يؤخذ من الحديث أن الاستماع أفضل من التلاوة، وينبغي أن محله إذا كان فيه من الخشوع والتدبر ما ليس في القراءة.
3

رقم الحديث -180 أي استعمال السواك ليذهب ما في الحلق مما يخل بحسنه وترقيق الصوت وتحزينه لأن ذلك أوقع في القلوب ( وطلب القراءة من حسن الصوت) ليكون أنفع للسامع وأنجع ( والاستماع) أي إلقاء السمع ( لها) .


رقم الحديث 1004 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ما أذن الله لشيء ما أذن) ما فيه مصدرية: أي أذنه بفتحتين وجاء عند البخاري بلفظ «ما أذن الله لشيء كأذنه» ( لنبي حسن الصوت) والباقي سواء ( يتغنى بالقرآن) مصدر بمعنى القراءة والمقروء، والمراد به الكتب المنزلة، والمراد بتغنيه الإفصاح بألفاظه، وقيل إعلانه، والجملة في محل الصفة لنبي، وقوله ( يجهر به) تفسير له.
وقال الكلاباذي: معنى تغنيه قراءته على خشية من الله تعالى ورقة من فؤاده، وقيل معناه: كشف الغموم، وذلك لأن الإنسان إذا أصابه غم ربما تغنى بالشعر يطلب بذلك فرجة مما هو فيه، والصديقون همومهم همة المعاد وضيق صدورهم عما يشغلهم عن الله، ولا ينفرجون من كربهم إلا بذكر كلام ربهم، وإليه أشار النبي بقوله «من لم يتغنّ بالقرآن فليس منا» أي من لم ينفرج من عمومه بقراءة القرآن والتدبر فيه فليس منا خلقاً وسيرة، وقيل معناه: يستغن بالقرآن عن غيره.
لكن أنكره بعض الشراح بأنالاستغناء به عن الناس وتكليمهم يفضي إلى مفاسد من تصنع القارىء وفوت التبليغ وغيرهما، على أن مجيء تفعل بمعنى استفعل قليل فلا يحمل عليه مع محمل آخر صحيح.
قال ابن مالك: وأقول الظاهر أن الاستغناء يكون وقت قراءته، إذ لا دليل في اللفظ على استغراق استغنائه جميع الأوقات فلا يلزم منه الفساد، وقلة الاستعمال لا يمنع احتمال الإرادة، وقيل يتغنى: أي يتطرب لتحسين صوته لأن الغناء من علامات الطرب، وأباحه الجمهور إن لم يؤدّ إلى تغيير يزيادة حرف أو نقصه وإلا فلا.
وعلى الأول حمل إباحة الشافعي له، وعلى الثاني حمل منعه منه أشار إليه المؤلف في «شرح مسلم» ( متفق عليه) ورواه أحمد وأبو داود والنسائي كما في «الجامع الصغير» ( معنى أذن) بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة ( الله أي استمع) والمراد بالاستماع لكونه محالاً على الله سبحانه لما فيه من الإصغاء المحال عليه تعالى غايته كما أشار إليه المؤلف بقوله ( وهو إشارة إلى الرضا والقبول) وفي «شرح المشارق» : المراد بهذا الاستماع إجزال ثوابه والاعتداد به كما يقال الأمير يسمع كلام فلان، لا الاصغاء إليه لأنه مستحيل على الله تعالى.


رقم الحديث 1005 ( وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله قال له) أي لما سمع قراءته في بهجة ( لقد أوتيت) بالبناء للمفعول: أي أعطيت ( مزماراً من مزامير آل داود) أي داود نفسه، فآل مقحمة لأن أحداً منهم لم يعط من حسن الصوت ما أعطيه داود ( متفق عليه) .
( وفي راية لمسلم أن رسول الله قال له: لو رأيتني) أي أبصرتني ( وأنا أستمع لقراءتك) جملة حالية وجواب «لو» محذوف: أي لسرك ذلك، فقال أبو موسى: يا رسول الله لو أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيراً ( البارحة) قال المصنف في التهذيب: اسم لليلة.
قال ثعلب:لا يقال البارحة إلا بعد الزوال، ويقال فيما قبله الليلة، ثم تعقبه بحديث جابر بن سمرة عند مسلم «وكان إذا صلى الصبح أقبل علينا بوجهه فقال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا» قال المصنف: فيحمل قول ثعلب على أن ذلك حقيقة وهذا مجاز، وإلا فقوله مردود بهذا الحديث.


رقم الحديث 1006 ( وعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي قرأ في العشاء) جاء عن البراء أن النبي كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون، أخرجه البخاري في التفسير، وقوله ( بالتين والزيتون) أي بالسورة المشتملة عليهما ( فما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه) وقد جاء عند الترمذي من حديث أنس «ما بعث الله نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجهاً وأحسنهم صوتاً» ( متفق عليه) .