فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الحثِّ عَلَى سور وآيات مخصوصة

رقم الحديث 1009 ( عن أبي سعيد رافع بن المعلى) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللامالمفتوحة، وقيل اسمه الحارث، وقال ابن عبد البر: إنه أصح ما قيل في اسمه، قال: ومن قال اسمه رافع فقد أخطأ لأن رافع بن المعلى قتل ببدر، قال: وأصح ما قيل فيه إنه الحارث بن نفيع بن المعلى بن لوان بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عدي بن مالك بن زيد بن مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن عضب الأنصاري الزرقي ( رضي الله عنه) وأمه آمنة بنت قرط بن خنساء عن بني سلمة نسبه كما ذكرنا جماعة وحبيب بن عبد حارثة هو أخو زمرمق، وقيل لأبي سعيد الزرقي لأن العرب كثيراً ما تنسب ولد الأخ إلى أخيه المشهور وهو معدود في أهل الحجاز روي له عن رسول الله حديثان، روى عنه البخاري هذا الحديث انفرد به عن مسلم.
( قال: قال لي رسول الله: ألا) بتخفيف اللام أتى بها لتنبيه المخاطب لما يلقي إليه بعدها ( أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد) وإنما قال له ذلك ولم يعلمه بها ابتداء ليكون أدعى إلى تفريغ ذهنه لتلقيها وإقباله عليها بكليته ( فأخذ بيدي) أي بعد أن قال ذلك ومشينا ( فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمتك) هو رواية بالمعنى إن كان الصادر من النبي ما حكاه عنه أولاً وإن كان قاله له مع ذلك لأعلمنك فيكون رواية باللفظ ( أعظم سورة في القرآن، قال: الحمد لله ربّ العالمين) أي سورة الفاتحة، وإنما كانت أعظم سورة لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن، ولذا سميت بأم القرآن.
ولا ينافيه حديث البقرة أعظم السورلأن المراد به ما عدا الفاتحة من السور التي فصلت فيها الأحكام وضربت فيها الأمثال وأقيمت فيها الحجج إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه سورة البقرة ولذا سميت فسطاط القرآن، ولعظيم فقهها أقام عمر كما في الموطأ ثمان سنين على تعلمها، وحكي ذلك عن ابنه أيضاً، ثم أشار إلى ما تميزت به الفاتحة عن غيرها من بقية السور حتى صارت أعظم منها بقوله ( هي السبع المثاني) أي المسماة به جمع مثناة من التثنية لأنها تثنى في الصلاة في كل ركعة كما جاء عن ابن عمر بسند حسن قال «السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة» أو لأنها تثنى بسورة أخرى أو لأنهانزلت بمكة ونزلت بالمدينة وذلك للجمع بين ما جاء من كونها مكية وكونها مدنية ومثلها في ذلك خواتيم سورة النحل وأول سورة الروم وآية الروح «وأقم الصلاة طرفى النهار» أو سميت بذلك لاشتمالها على قسمين: ثناء ودعاء، أو لما اجتمع فيها منفصاحة المباني وبلاغة المعاني، أو لأنها تثنى على مرور الزمان وتتكرر فلا تنقطع وتدرس فلا تندرس، أو لأن فوائدها تتجدد حالاً فحالاً إذ لا منتهى لها أو جمع مثناه من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله تعالى فكأنها تثنى عليه بأسمائه الحسنى وصفاته أو لأنها تدعو أبداً بواسطة وصفها المعجز ببراعة النظم وغزارة المعنى إلى الثناء عليها ثم قال من يتعلمها أو من الثنايا لأن الله استناها لهذه الأمة ولا تنافي بين ما هنا وبين قوله تعالى «سبعاً من المثاني» لأن «من» فيه للبيان أو للتبعيض ولا مانع من أن القرآن كله يسمى مثاني أيضاً ( والقرآن العظيم) أي وهي المسماة بذلك أيضاً ( الذي أوتيته) بالبناء للمجهول: أي أعطيته وتسميتها بالقرآن العظيم وجهه الأئمة بما حاصله كما أخرجه الحسن البصري «إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن ثم أودع علومه في الفاتحة، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسيره» وقد ورد عن عليّ رضي الله عنه.
لو شئت أن أوقر على الفاتحة سبعين وقراً لأمكنني ذلك، وهو صحيح لجمعها سائر ما يتعلق بالموجودات دنيا وأخرى وأحكاماً وعقائد، وتفصيل كل ذلك وتوابعه على وجهها يستغرق العمر وزيادة ( رواه البخاري) في أول كتاب تفسير القرآن وفي باب فاتحة الكتاب من كتاب فضائل القرآن.


رقم الحديث 1010 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال في قل هو الله أحد) أي السورة المسماة بذلك وبسورة الإخلاص ( والذي نفسي بيده) فيه استحباب القسم لتأكيد الأمر والحث على الخير والحض عليه، وقوله بيده: أي بقدرته ( إنها) أي سورة الإخلاص المتقدم ذكرها في الحديث الذي حكى المصنف منه هذا المقدار وسيأتي بجملته بأثره ( لتعدل) أي باعتبار ثواب قراءتها ( ثلث القرآن.
وفي رواية)
أي عن أبي سعيد أيضاً ( أن رسول الله قال لأصحابه: أيعجز) بكسر الجيم على الأفصح ( أحدكم) أي الواحد منكم ( أن يقرأ بثلث القرآن) الباء فيه مزيدة في المفعول به ( في ليلة) ظرف ليقرأ( فشق ذلك) أي ما ذكر من قراءتهم الثلث في الليلة ( عليهم) أي رأوه شاقاً عليهم ( وقالوا: أينا يطيق ذلك) لكثرته مع الأمر بتدبر القراءة وإعطاء كل حرف حقه من وجوه الأداء فهو ذلك مشقّ جداً، وقولهم ( يا رسول الله) أتوا به إيماء إلى أن المراد سؤالهم منه سؤال الله تعالى التخفيف والرفق بهم لما يعلمون له من علوّ المكانة عند الله سبحانه ( فقال) أي مبيناً للمراد وأنه لا مشقة فيه ( قل هو الله أحد الله الصمد) الذي في البخاري في باب فضل { قل هو الله أحد} من كتاب «فضل القرآن» فقال { الله أحد الله الصمد} ( ثلث القرآن.
رواه البخاري)
باللفظ المذكور في الباب المذكور، وروى مسلم من حديث أبي الدرداء مرفوعاً «أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: وكيف نقرأ ثلث القرآن؟ قال: { قل هو الله} أحد تعدل ثلث القرآن»

رقم الحديث 1011 ( وعنه) أي عن أبي سعيد ( أن رجلاً) قال الشيخ زكريا في «تحفة القاري» : هو أبو سعيد ( سمع رجلاً) قال في «التحفة» : قيل هو قتادة بن النعمان ( يقرأ قل هو الله أحد يرددها) جملة حالية من فاعل يقرأ أو مستأنفة لبيان كيفية قراءته إياها ( فلما أصبح) أي دخل في الصباح ( جاء إلى رسول الله فذكر ذلك) أي ما ذكر من قراءة الرجل وترديده السورة ( له) أي لرسول الله ( وكأن) بتشديد النون ( الرجل يتقالها) بفتح التحتية والفوقية والقاف وتشديد اللام: أي يعدّها قليلة في العمل والجملة كلها حالية، وجملة يتقالها خبر كأن ( فقال رسول الله: والذي نفسي بيده) أي بتصاريف قدرته ( إنها لتعدل ثلث القرآن) هذا هو الحديث الذي ذكر أوّلا طرقه، وعجيب ما فعله المصنف هنا من كونه ذكر بعضه أولاً ثم ذكره، كله، وكان ذكر جملته مغنياً عن ذكر بعضه، والله أعلم ( رواه البخاري) في الباب المذكور.


رقم الحديث 1012 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله، قال في: قل هو الله أحد، إنها) بالكسر لكونها في ابتداء الكلام.
ويحتمل كونها جواب قسم مقدر يدل عليه تصريحه به في الرواية قبله ( لتعدل ثلث القرآن، رواه مسلم) واختلف في معنى كونها تعدل ثلث القرآن.
فقيل إن ثواب قراءتها يعدل ثواب قراءة ثلثه بلا تضعيف، وقيل معناه أن القرآن على ثلاثة أقسام: قسم يتعلق بالقصص، وقسم يتعلق بالأحكام، وقسم يتعلق بصفات الله، وهي متمحضة لها فكانت بمنزلة الثلث.
نقلهما المصنف عن المازري، فعلى الأول يلزم من تكريرها ثلاثين مرة استيعاب القرآن وختمه لا على الثاني، وبيان الملازمة أن من قرأها ثلاثين مرة يكون كمن قرأ القرآن مع المضاعفة، لأن كل ثلاث مرات تعدل القرآن كله، فمن قرأ الثلاثين كأنه قرأ القرآن عشر مرات بلا مضاعفة، وهي يمنزلة قراءته مرة مع المضاعفة.
وقيل لأن معارف القرآن المهمات ثلاث: معرفة التوحيد، والصراط المستقيم، والآخرة، وهي مشتملة على الأول فكانت ثلثاً.
وقيل لأن البراهين القاطعة دلت على وجود الله ووحدانيته وصفاته، وهي: إما صفات الحقيقة، وإما صفات الفعل، وإما صفات الحكم، ويه تشتمل على صفات الحقيقة فهي ثلث.
وقيل معظم مطالب القرآن معرفة الله ورسوله ولقائه وهي تفيد الأول، وقيل غير ذلك.
ورجح أن المراد ثلثه من حيث الأجر، ولا يرد عليه حديث «من قرأ القرآن أعطي بكل حرف عشر حسنات» إما لأن المراد ثواب الثلث من غير مضاعفة أو معها، ولا بدع أن يجعل الله في الأحرف القليلة من الثواب ما لم يجعله في الكثيرة ألا ترى أن الصلاة بمكة بمائة ألف ألف ألف صلاة فيما عدا مسجد المدينة والقدس وفي مسجد المدينة بمائة ألف ألف، وفي الأقصى بمائة ألف.
واختار ابن عبد البر أن السكوت عن ذلك كله أفضل وأسلم كما فعل أحمد وكذا ابن راهويه، فإنه حمل الحديث على أن معناه أن لها فضلاً وثواباً تحريضاً على تعلمها، لا أن قراءتها ثلاث مرات كقراءة القرآن، قال: هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة.


رقم الحديث 1013 ( وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحبّ هذه السورة) وعطف عليها عطف بيان قوله ( قل هو الله أحد) أيقانه لاشتمالها على توحيد الله وتعظيمه وتقديسه وذلك يحمل كل ذي إيمان كامل على أن يستمد بقراءتها ما يكمل به إيمانه ويزيد ءيقانه ( قال: إن حبها) مصدر مضاف لمفعوله: أي حبك إياها كما جاء هكذا عند الترمذي ( أدخلك الجنة) أي أنا لك أفاضل درجاتها، والداعي لتأويله بما ذكر الجمع بينه وبين حديث «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله» الحديث ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن، ورواه البخاري في «صحيحه» تعليقاً) أي حذف أول إسناده.


رقم الحديث 1014 ( وعن عقبة بن عامر) بن عبس بفتح المهملة وسكون الموحدة آخره سين مهملة الجهني القضاعي ( رضي الله عنه) قال الحافظ الذهبي: فيه صحابي كبير أمير شريف فصيح مقرىء فرضى شاعر، ولي غزو البحر.
وقال الحافظ ابن حجر: اختلف في كنيته على سبعة أقوال أشهرها أبو حماد، وكان عقبة من فضلاء الصحابة ونبلائهم، وباشر فتوح الشام فإذا حزم عزم.
وكان البشير إلى عمر بفتح دمشق، ووصل إلى المدينة في سبعة أيام ورجع منها إلى دمشق في يومين ونصف ببركة دعائه عند قبر النبي أن يقرب الله عليه المسافة وكان سكن دمشق ثم انتقل لمصر والياً لمعاوية سنة أربع وخمسين ومات بها سنة ثمان وخمسين، روي له عن رسول الله خمسة وحمسون حديثاً اتفقا على سبعة منها، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بتسعة ( أن رسول الله قال: ألم تر) أي ألم تبصر والخطاب لعقبة ( آيات أنزلت) بالبناء للمفعول: أي لم يبصر ( مثلهن) أي فيما جاء في التعويذ ( قط) بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان ( قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) وقد استعاذ بهما لما سحره لبيد بن الأعصم فذهب عنه ذلك بالكلية، وحديثه في الصحيح ( رواه مسلم) وما أفاده الحديث من كونهما منالقرآن هو ما أجمع عليه الأمة.
وما جاء عن ابن مسعود مما يخالف ذلك محمول على أنه باعتبار ما عنده ثم أجمعوا على خلافه، وفيه أجوبة أخرى ذكرتها أول تفسير سورة المعوذتين.


رقم الحديث 1015 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله يتعوذ من الجان وعين الإنسان) لعظم ضررهما: أي كان يقول «اللهم إني أعوذ بك من الجان وعين الإنسان» ( حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا) أي المعوذتان ( أخذ بهما) في التعوذ لعمومهما لذلك وغيره ( وترك ما سواهما) من التعاويذ ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن) وإنما اختصا بذلك لاشتمالهما على الجوامع في المستعاذ به والمستعاذ منه، أما الأول فلأن الافتتاح برب الفلق مؤذن بطلب فيض رباني يزيل كل ظلمة في الاعتقاد أو العمل أو الحال، لأن الفلق الصبح وهو وقت فيضان الأنوار ونزول البركات وقسم الأرزاق وذلك مناسب للمستعاذ منه.
وأما الثاني لأنه في الأولى ابتدأ في ذكر المستعاذ منه باعلام وهو شرّ كل مخلوق حيّ أو جماد فيه شر في البدن أو المال أو الدنيا أو الدين كإحراق النار وقتل السمّ، ثم بالخاص اعتناء به لخلفاء أمره، إذ يلحق الإنسان من حيث لا يعلم كأنه يغتال به، وهو القمر إذا غاب لأن الظلمة التي تعقب ذلك تكون سبباً لصعوبة التحرز من الشرّ المسبب عنها، ثم نفث الساحرات في عقدهن الموجب لسريان شرهن في الروح على أبلغ وجه وأخفاه فهو أدق من الأول، ثم بشرّ الحاسد في وقت التهاب نار حسده فيه لأنه حينئذ يسعى في إيصال أدق المكائد المذهبة للنفس والدين فهو أدق وأعظم من الثاني، وفي الثانية خص شرّ الموسوس في الصدور من الجنة والناس لأن شرّه حينئذ يعادل تلك الشرور بأسرها، لأنها إذا كانت في صدر المستعيذ ينشأ عنهما كل كفر وبدعة، وضلالة، ومن ثم زاد التأكيد والمبالغة في جانب المستعاذ به إيذاناً بعظمة المستعاذ منه، وكأنه قيل أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بمن رباهم بنعمه وملكهم بقهره وقوته، وهو إلههم ومعبودهم الذي يستعيذون به ممن سواهويعتقدون أن لا ملجأ لهم إلا إياه، وختم به لأنه مختص به تعالى، بخلاف الأولين فإنهما قد يطلقان على غيره.


رقم الحديث 1016 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: من القرآن سورة ثلاثون آية) صفة سورة أو خبر مبتدأ محذوف: أي هي ثلاثون أية ( شفعت) صفة أيضاً أو حال أو خبر بعد خبر أو استئناف ( لرجل حتى غفر) بالبناء للمفعول ونائب فاعله قوله ( له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك) طوّل ما قبله وأبهمه ثم بينه وحصره بقوله وهي الخ ليكون أوقع في شرفها وفخامتها وأبلغ في المواظبة على قراءتها، وقوله شفعت إما على ظاهره إخبار عما وقع بعد نزولها أن رجلاً قرأها فشفعت حتى غفر له، أو اطلع على ذلك فأخبر به ترغيباً فيها، فرجل حينئذ إما باق على تنكيره بالنسبة لعلمه والأمة بأن أخبر به على إبهامه أو للأمة فقط؟ بأن أعلم به وكتمه للأمر له به أو لمصلحة رآها، أو بمعنى تشفع في القيامة على حد { ونادى أصحاب الجنة} ( الأعراف: 44) فرجل المراد به جنس القارىء وإثبات الشفاعة للقرآن صحيح باعتبار أنه يجسد فلا معدل عنه ( رواه أبو داود والترمذي) زاد في «المشكاة» وأحمد والنسائي وزاد في «فتح الإله» وابن حبان والحاكم ( وقال) أي الترمذي ( حديث حسن) .
( وفي رواية أبي داود تشفع) أي بدل قوله شفعت وخصت بذلك لافتتاحهما بخلق الحياة وختمها بالماء الذي هو سبب الحياة فأنتجت الشفاعة التي هي سبب الحياة الكاملة للمشفوع له، وأيضاً افتتاحها بعظائم عظمته ثم بباهر قدرته وإتقان صنعته، ثم بذم من نازع في ذلك أو أعرض عنه، ثم بذكر عقابهم وماله عليهم من النعيم، ثم ختمها بما اختصها به من بين سائر السور وهو الإنعام بالماء المعين الذي هو سبب الحياة المناسب لذلك لكه أثمر المعافاة عن سوء القطيعة بتشفيع هذه السورة في قارئها وجعلها مانعة عنه منجية له.


رقم الحديث 1017 ( وعن أبي مسعود) عقبة بن عمرو ( البدري) نسبة لبدر لكونه سكنها، وقيل شهد وقعتها ( رضي الله عنه عن النبي قال: من قرأ بالآيتين) الباء مزيدة للتأكيد أو الاستعانة وتجويز كونها لإلصاق القراءة به بعيد إذ قراءة الحرف التلفظ به ( من آخر سورة البقرة) من { آمن الرسول} إلى آخر السورة ( في ليلة كفتاه متفق عليه) ورواه أبو داود والترمذي كما في «الجامع الكبير» ، ورواه الديلمي بلفظ «من قرأ خاتمة سورة البقرة حتى يختمها في ليلة أجزأت عنه قيام تلك الليلة» ( قيل كفتاه المكروه تلك الليلة) أي ودفعتا عنه شرّ الإنس والجنّ ويشهد له حديث الحاكم «إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا تقرآن في دار فيقربها شيطان ثلاث ليال» ( وقيل كفتاه عن قيام الليل) حتى لا يبول الشيطان في أذنيه ولا يقعد على ناصيته: أي فقراءتها تتكفل بمنع ذلك لكن على وجه الاحتمال، لكن تعقب بأن مثل هذا لا يكتفي فيه بالاحتمال.
وقيل من الكفاية بمعنى الإجزاء: أي أجزأتاه عن فوائد قراءة سورة الكهف المشتملة على الآيات العشر آخرها التي من قرأها أمن من الدجال، وعن قراءة آية الكرسي المتضمنة لقارئها عند النوم الأمن على داره الحديث الآتي، ويحتمل وهو الظاهر المناسب لنظمها أنهما كفتاه عن تجديد الإيمان لأن من تأمل أولاهما أدنى تأمل حصل له من الرسوخ في الإيمان والإيقان مقام خطير وحظ كبير، لاشتمالها على غاية التفويض والتسليم لأقضية الله وأوامره ونواهيه لأن من تأمل قول أولئك الكمل «سمعنا وأطعنا» حمله ذلك على التأسي بهم في هذا المقام العلي وغاية التواضع للَّه وهضم النفس باعتقاد أنها ليست على شيء، لأن من تأمل قول أولئك الكمل ربما حمله على التأسي بهم فيه أيضاً، وغاية ذكر الموت واستحضار البعث الحامل أو لهما على تكثير العمل وتقليل الأمل، وثانيهما على التبري من حقوق الخلق، لأن من تأمل رجوعه إلى الله تعالى للحساب سارع فيما يبرئه ويخلصه من ورطة المناقشة في الحساب، أو كفتاه عما ورد من الأدعية الكثيرة لأن الدعاء بما فيهما متكفل لخير الدنيا والآخرة.


رقم الحديث 1018 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله: قال لا تجعلوا بيوتكم مقابر) جمع مقبرة: أي لا تكن بيوتكم مثلها في عدم اشتغال من فيها من الموتى بنحو الصلاة والقراءة، ولا تكونوا كالموتى في ترك ذلك ( إن الشيطان ينفر) بكسر الفاء على الأفصح وضمها لغة: أي يصدّ ويعرض إعراضاً بالغاً، فلا يقال إنه ينفر من كل ما يقرأ فيه غير البقرة أيضاً ( من البيت الذي تقرأ فيه) بالفوقية في الأصول المصححة مبنياً للمجهول ونائب فاعله ( سورة البقرة) ليأسه من إغوائهم وإضلالهم ببركة قراءتها وامتثالها لما فيها، لأنه ليس في سورة من القرآن ما في سورة البقرة من تفصيل الأحكام والحكم وضرب الأمثال وإقامة الحجج والبراهين وبيان الشرائع أو القصص والمواعظ والوقائع الغريبة والمعجزات العجيبة وذكر خاصة أوليائه والمصطفين من عباده، وتفضيح الشيطان ولعنه وكشف ما توسل به إلى التسويل لآدم وذريته، ومن ثم قيل فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر ( رواه مسلم) ورواه أحمد والترمذي كما في «الجامع الكبير» .
l