فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل الوضوء

رقم الحديث 1024 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: إن أمتي) أي أمة الدعوة ( يدعون) بالنباء للمفعول: أي يسمون والواو نائب فاعله ( يوم القيامة) ظرف لما قبله ( غراً) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع أغر كخمر جمع أحمر وليس أغر أفعل تفضيل كما قال ابن فرحون في إعراب «عمدة الأحكام» ، لأنه لو كان كذلك لما جمع لوجوب إفراد وتذكير أفعل التفضيل النكرة، وغراً مفعول ثان ليدعون: أي يسمون بذلك ( ومحجلين) حال من الضمير فيه، ويجوز أن يكونا حالين: أي يدعون يوم القيامة حال كونهم فيها غراً محجلين، أو يدعون بمعنى ينادون وهم بهذه الحالة، وما قيل من أن كلاً من الغرة والتحجيل صفة لازمة لهم في الآخرة غير منتقلة عنهم فكيف يكون حالاً؟ أجيب عنه بأنها هنا في حكم المنتقلة لأن المعلوم من سائر الخلق عدم الغرة والتحجيل، فلما جعل الله ذلك لهذه الأمة دون سائر الأمم صارت في حكم المنتقلة بهذا المعنى، ويحتمل أن تكون هذه علامة لهم في الموقف وعند الحوض ثم تنتقل عنهم عند دخولهم الجنة فتكون منتقلة بهذا المعنى.
والغرة: غسل ما زاد على فرض الوجه من أطراف الناصية والأذن وبعض العنق، والتحجيل: غسل ما فوق الواجب من اليد والرجل وغايته استيعاب العضد والساق ( من) تعليلية ( آثار الوضوء) جمع أثر ويجوز أن تكون من لابتداء الغاية وعليه لا تعارض بينه وبين حديث الترمذي «أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضو» لأن نور الوجه لهسببان: الوضوء والسجود والظرف تنازعه يدعون وغراً ومحجلين.
قال ابن فرحون: قلت قال في «الكشاف» في قوله تعالى: { إذا دعاكم دعوة من الأرض} ( الروم: 25) فإن قلت: بم تعلق من الأرض أبالفعل أم بالمصدر؟ قلت: هيهات إذا جاء نهر الله بطل نهر العقل اهـ.
وظاهره أنه ليس من التنازع بل يتعلق بالفعل على المذهبين والله أعلم ( فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) وفي رواية الغرة، والمراد منه ما يشمل التحجيل أو حذف اكتفاء بدلالة مقابله عليه، ومن اسم شرط مبتدأ والخبر جملة الشرط، وقيل الخبر الجواب لأن به تتم الفائدة، وقيل الخبر مجموع فعل الشرط والجواب، وقيل ما فيه ضمير منهما والظرف متعلق بالفعل ومن فيه محتملة للتبعيض ولبيان الجنس، وأن يطيل مفعول وعدل إليه عن إطالة لأن المطلوب نفس الفعل لا هيئته.
قال السهيلي: إذا قلت كرهت خروجك احتمل أن يكون المكروه نفس الخروج وهيئته، وإذا قلت كرهت أن خرجت كان المكروه نفس الفعل ( متفق عليه) قال القلقشندي في «شرح عمدة الأحكام» : وأخرجه أحمد وابن أبي شيبة والنسائي وأبي ماجة والإسماعيلي وأبو عوانة والترمذي وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم.


رقم الحديث 1025 ( وعنه رضي الله عنه قال: سمعت خليلي) أصل الخليل الصديق فعيل بمعنى مفعول وهو المحبوب الذي تخللت محبته في القلب فصارت في خلاله أي باطنه واختلف في الخليل فقيل الصاحب.
وقيل الخالص في الصحبة وقيل من ليس في صحبته خلل وقيل الذي يوالي فيه ويعادي وقيل غير ذلك، واختلف في اشتقاقه فقيل من الخلة بفتح المعجمة أي الحاجة وقيل بضمها، أي تخلل المودة في القلب، وقيل من الخلة بالضم نبت تستخليه الإبل، وقد تقدم في صدر الكتاب الخلاف في الأرفع من مقامي المحبة والخلة ولا منافاة بين هذا وقوله «لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي» الحديث لأن الممتنع اتخاذ المصطفى لأحد غير مولاه تعالى خليلاً لا اتخاذ غيره له خليلاً ( يقولتبلغ الحلية) بكسر الحاء المهملة وسكون اللام ( حيث يبلغ الوضوء) قيل المراد هنا حلية أهل الجنة لما أخرج ابن حبان في «صحيحه» عن أبي هريرة مرفوعاً «تبلغ حلية أهل الجنة مبلغ الوضوء من المؤمن» وقيل المراد أن حلي المؤمن في الجنة يصل ما يصله ماء الطهارة، وفيه تحريض على الغرة والتحجيل ( رواه مسلم) وذكر البخاري معناه في آخر كتاب اللباس في باب نقص الصور من طريق أبي قال: دخلت مع أبي هريرة داراً بالمدينة فرأى أعلاها مصوراً بصور فقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الحديث.
وفيه «ثم دعا بتور من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطيه فقال: يا أبا هريرة أشيء سمعته من النبي؟ قال منتهى اللحية» .


رقم الحديث 1026 ( وعن عثمان بن عقان رضي الله عنه قال قال رسول الله من توضأ فأحسن الوضوء) أي من توضأ فأحسن الوضوء وهو المشتمل على سننه وآدابه.
قال المصنف ففيه الحث على الاعتناء بتعلم أدب الوضوء وشروطه والعمل بذلك والاحتياط فيه والحرص على وجه يصح عند جميع العلماء ولا يترخص بالاختلاف فينبغي أن يحرص على التسمية والنية والمضمضة والاستنشاق والاستنثار وغير ذلك من المختلف فيه اهـ.
( خرجت خطاياه) المراد بها الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى وخروجها مجاز عن غفرانها لأنها ليست بأجسام ( حتى) غاية لتعميم خروجها من جميع جسده كما صرح به في رواية مسلم كما في «المشارق» : أي خرجت من جميع أجزائه حتى ( تخرج من تحت أظفاره) قال ابن مالك: وهذا تأكيد لدفع ما يتوهم أن المراد ما يصيبه الوضوء، فإن قيل ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة الآتي «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن الخ» يدل على أن المغفور ذنوب أعضاء الوضوء فقط فلم لم يحمل الساكت على الناطق؟ قلنا: لا حاجة لأن كلاهما معمول به، فغفران جميع الجسد يكون عند التوضؤ بالتسمية.
وفي قوله ( فأحسن الوضوء) إشارة لوجودها فيه وغفران أعضاء الوضوء يكون عند عدم التسمية يدل عليه حديث عبد الرزاق عن حسن الكوفي مرسلاً «من ذكر الله أوّل وضوئه طهر به جسده كله وإن لم يذكر الله لم يطهر إلا مواضع الوضوء» ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1027 ( وعنه قال) بعد أن أتى بالوضوء على كمال المشروع ( رأيت رسول الله توضأ مثل) في رواية نحو ( وضوئي هذا) رأى فيه إن كانت علمية فالجملة تأتي مفعولها وإن كانت بصرية فالجملة في محل الحال بإضمار قد ( وقال من توضأ هكذا) أي مثل هذا فالكاف في محل المفعول المطلق صفة لمصدر مقدر، وفي رواية «من توضأ نحو وضوئي هذا» قال المصنف: إنما لم يقل لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره، لكن يشكل عليه أنه وقع في رواية البخاري «من توضأ مثل هذا الوضوء» وفي رواية لمسلم وابن حبان «من توضأ مثل وضوئي هذا» فظهر أن التعبير بنحو من تصرف الرواة لأنها تطلق على المثلية مجازاً ومثل يطلق على الغالب أيضاً وبه تلتئم الروايتان قاله في «فتح الباري» ( غفر له) بالبناء للمفعول نائب فاعله ( ما تقدم من ذنبه) أي الذي تقدم أو المتقدم منها، والمراد كما تقدم صغائرها المتعلقة بحق الله تعالى ( وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) عطف على جملة الجواب ( رواه مسلم) ورواه بدون قوله «وكانت صلاته» الخ وبزيادة قوله «ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه» البخاري وأبو داود والنسائي وابن خزيمة والطبراني والبزار والإسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم ذكره القلقشندي في «شرح عمدة الأحكام» .


رقم الحديث 1028 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: إذا توضأ العبد) أي المكلف حراً أو رقيقاً ذكراً أو أنثى ( المسلم أو) شك من الراوي ( المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة) كناية عن غفرانها كما تقدم ( نظر إليها بعينيه) ذكر تأكيداً للمبالغة وإلا فالنظر لا يكون بغيرها وكذا يقال في يداه ورجلاه الآتيين ثم الكلية فيها مخصوصة بغير الكبائر وحقوق العباد لما ورد مما يشهد بالتخصيص ( مع الماء) فيكون خروج خطيئة كل جزء منهمع جزء الماء الماس له ( أو) شك من الراوي ( مع آخر قطر) بضم ففتح جمع قطرة أي مع آخر قطرات ( الماء) وقيل خصت العين بالذكر مع أن في الوجه الفم والأنف والأذن لأنها طليعة القلب ورائده فأغنت عن غيرها ويؤيده حديث «فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه» اهـ.
وتعقبه في «فتح الإله» في قوله إن الأذن من الوجه وفي أن كون العين طليعة لا ينتج الجواب عن تخصيص خطيئتها بالمغفرة، قال: بل الذي يتجه في الجواب أن سبب التخصيص كون كل من الفم والأنف والأذن له طهارة مخصوصة خارجة عن طهارة الوجه فكانت متكلفة بإخراج خطاياه بخلاف العين ليس لها طهارة إلا في غسل الوجه فحطت خطيئتها عند غسله دون غيرها مما ذكر اهـ ( فإذا غسل يديه خرج) من يديه ( كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً) أي منقى ومطهراً ( من الذنوب) أي الصغائر بحق الله تعالى كما ذكر آنفاً ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1029 ( وعنه أن رسول الله أتى إلى المقبرة) بتثليث الموحدة: قاله المصنف، والمراد بها البقيع ( فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين) هو بنصب دار، قال صاحب «المطالع» : هو منصوب على الاختصاص أو النداء المضاف، والأول أظهر، قال: ويصح الخفض على البدل من الكاف في «عليكم» والمراد بالدار على هذين الوجهين الآخرين الجماعة أو أهل الدار، وعلى الأول مثله أو الثاني ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) قال المصنف أتى بالاستثناء مع أن الموت لاشك فيه.
وللعلماء فيه أقوال: أظهرها ليس للشك ولكنه للتبرك وامتثال أمر الله يفعله في قوله: { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} ( الكهف: 23، 24) والثاني حكاه الخطابي أنه عادة للمتكلم يحسن به الكلام، والثالث أن الاستثناء عائد إلى لحوق في خصوص المكان، وقيل أقوال أخر ضعيفة جداً ( وددت) بكسر المهملة الأولى ( أنا قد رأينا) أي أبصرنا ( إخواننا) أي رأيناهم في الحياة، قال عياض: وقيل المراد تمني لقائهم بعد الموت وفيه جواز التمني لا سيما في الخير ولقاء الفضلاء ( قالوا) أي الصحابة الذين معه حينئذ ( أو لسنا إخوانك) المعطوف عليه مقدر بين همزة الاستفهام والواو: أي أتتمنى لقاء إخوانك أولسنا إخوانك ( قال أنتم أصحابي) وفي نسخة من مسلم بزيادة بل ( وإخواننا الذين لم يأتوا بعد) قال المصنف: قال الإمام الباجي ليس هذا نفياً لأخوتهم ولكن ذكر مزيتهم بالصحبة: أي فأنتم إخوة صحابة، والذين لم يأتوا إخوة ليسوا بصحابة كما قال تعالى: { إنما المؤمنون إخوة} ( الحجرات: 1) قال القاضي عياض: ذهب أبو عمر بن عبد البر في هذا الحديث وغيره من الأحاديث في فضل من يأتي آخر الزمان أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل ممن كان من جملة الصحابة، وأن قوله «خيركم قرني» على الخصوص، معناه خير الناس قرنى: أي السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ومن سلك مسلكهم، فهؤلاء أفضل الأمة وهم المرادون بالحديث، أما من خلط في زمنه وإن رآه وصحبه ولم يكن له سابقة ولا أثر في الدين فقد يكون في القرون التي تأتي بعد القرن الأول من يفضلهم على ما ذلت عليه الآثار.
قال القاضي عياض: وقد ذهب إلى هذا أيضاً غيره من المتكلمين على المعاني.
قال: وذهب معظم العلماء على خلاف هذا، وأن من صحب النبي ورآه مرة من عمره وحصلت له مزية الصحبة أفضل من كل من يأتي بعد، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل، قالوا: { وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} ، واحتجوا بقوله «لو أنفق أحد منكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» اهـ ( قالوا: وكيف تعرف من لم يأت بعد) بالبناء على الضم ( من أمتك) متعلق بيأت ( يا رسول الله) تشرف لهم بالخطاب لسيد الأحباب ( فقال: أرأيت) بفتح الفوقية أي أخبرني ( لو أن رجلاً) أي لو ثبت أن رجلاً ( له خيل غر محجلة) الغرة بياضفي وجه الفرس، والتحجيل بياض قوائمه إذا جاوز البياض الأرساغ إلى نصف الوظيف أو نحو ذلك.
وذلك موضع التحجيل فيه، قاله في «المصباح» ( بين ظهري) بفتح الراء، ويقال ظهراني بزيادة الألف والنون، قيل وهو مفخم للتأكيد ( خيل) أي بينها ( دهم) بضم المهملة وسكون الهاء جمع أدهم وهو الأسود والدهمة السواد ( بهم) بضم الموحدة وسكون الهاء، قيل معناه السود أيضاً، وقيل البهيم الذي لا يخالط لونه لوناً سواه، سواء كان أبيض أم أحمر بل يكون لونه خالصاً، وهذا قول ابن السكيت وأبي حاتم السجستاني ( ألا يعرف) أي الرجل ( خيله) المتميزة من خيل غيره ( قالوا بل، قال: فإنهم يأتون غراً محجلين) منصوبين على الحال، ويحتمل أن يكونا مترادفين من فاعل يأتي، وأن يكونا متداخلين بأن يكون الثاني من ضمير ما قبله ( من الوضوء) من تعليلية: أي لأجل الوضوء ( وأنا فرطهم) بفتح الواو والراء وبالطاء المهملة، قال الهروي وغيره: أي أتقدمهم ( إلى الحوض) يقال: فرطت القوم إذا تقدمتهم لترد لهم الماء وتهيى لهم الدلاء.
والحوض هو الكوثر الذي أعطيه ، وهو اثنان: واحد في عرصات الموقف من شرب منه لم يظمأ أبداً، والثاني داخل الجنة، قاله القرطبي وغيره.
وفي الحديث بشارة لهذه الأمة زاد الله شرفها، فهنيئاً لمن كان رسول الله فرطه ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1030 ( وعنه أن رسول الله قال: ألا) بتخفيف اللام حرف أتى به لتنبيه السامع لما بعده ( أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا) بالعفو عنها بالغفران أو يمحوها من ديوان الكتبة فيكون دليل غفرها، جعل العفو مسبباً عن مدخول الباء، يومىء إليه أن الممحو الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى لأنها المكفرة بالطاعات، ولما كان تكفير الخطايا تخلية بالمعجمة قدمه على قوله ( ويرفع به الدرجات) أي في الجنة لكونه تحلية بالمهملة وهي متأخرة عن تلك.
وفيه شرف ما يذكر فيه وإن لم يقتصر على تكفير المأثم بل ضم لذلك إعلاء الدرجات وذكر ذلك قبل ذكر المحدث عنه به، فيه تشويق أي تشويق فيكون ذلك أقر في ذهن السامعين لشدة طلبهم له فلذا قال ( قالوا بلى) أي دلنا عليه ( يا رسول الله) أي وشأنالرسول الحرص على ما ينفع أمته، ولا نفع كالمذكور في الحديث ( قال إسباغ الوضوء) بالرفع: أي هو إسباغ الوضوء مع ما يعده مما تقدم فيه العطف للربط، وإسباغه إتمامه ( على المكاره) أي من نحو شدة البرد ( وكثرة الخطا) بضم المعجمة ( إلى المساجد) وتلك تكون من بعد الدار وكثرة التكرار.
وفي الصحيح أن بنى سلمة أرادوا أن ينتقلوا من محلتهم لمحل بقرب المسجد فقال «دياركم تكتب آثاركم» ( وانتظار الصلاة بعد الصلاة) قال الباجي: هذا في المشتركتين من الصلوات في الوقت، وأما غيرهما فلم يكن من علم الناس، قال المصنف: وفي التخصيص نظر ( فذلكم الرباط) أي المرغب فيه، وأصل الرباط الحبس على الشيء كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة.
قيل ويحتمل أنه أفضلها، وجاء في رواية لمسلم تكرار هذه الجملة مرتين، وفي الموطأ تكرارها ثلاثاً، فقيل التكرار للاهتمام به وتعظيم شأنه، وقيل تكراره جرى على عادته من تكراره الكلام ليفهم عنه ( رواه مسلم) وقد تقدم الحديث مشروحاً في باب بيان طرق الخير.


رقم الحديث 1031 ( وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: الطهور) بضم الطاء المهملة التطهير ويصح فتحها ويكون على تقدير مضاف: أي استعمال الطهور حالة الطهارة ( شطر الإيمان) أي شطر الصلاة أو جزء من الإيمان، وعبر عنه بالشطر إيماء إلى تشريفه ( رواه مسلم) وغيره ( وقد سبق بطوله في باب الصبر) أوائل الكتاب ( وفي الباب حديث عمرو بن عبسة) بفتحات ( رضي الله عنه السابق) بالرفع ( في آخر باب الرجاء، وهو حديث عظيم مشتمل على جمل) بضم ففتح جمع جملة: أي مطالب ( من الخيرات) هذا، وكان على المصنف أن يقول: وهما حديثان عظيمان الخ لأن حديث أبي مالك مشتملعلى جملة من الخيرات أيضاً، وقد أفرد شرحه بالتأليف الحافظ العلائي، والمراد منهما ثواب أعمال من الطاعات.


رقم الحديث 1032 ( وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي قال: ما منكم) الظرف خبر مقدم ( من أحد) مزيدة في المبتدأ للتنصيص على العموم ( يتوضأ) صفة المبتدأ أو حال منه خبر، والظرف قبله حال من المبتدأ أو من ضميره في الجملة ( فيبلغ) بضم أوله وكسر ثالثه مرفوع من الإبلاغ: أي يكمل الوضوء بالإتيان بواجباته، ويحتمل ومندوباته ( أو) شك من الراوي ( فيسبغ الوضوء) قال المصنف: هو بمعنى يبلغ، قلت: فيؤيد إرادة مندوباته ( ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) مدلول لا إله إلا الله توحيد الذات، والمراد من «وحده» توحيد الصفات، ومن «لا شريك له» توحيد الأفعال ( وأشهد أن محمداً عبده) بدأ به لأن عبوديته أشرف من رسالته كما يدل عليه وصفه تعالى له بها على أشرف المواطن ( ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية) بضم الفاء فكسر الفوقية المخففة، ويحتمل التشديد للتكثير لتكرر الفعل لتعدد الأبواب والظرف للربط تقول حفظت لزيد ماله ( يدخل من أيها شاء) جملة مستأنفة لبيان حال المتطهر أو حال مقدرة، ولا مخالفة بين هذا الحديث وحديث «الريان يدخل منه الصائمون دون غيرهم» لأن ما في حديث الباب أنه ينادي منها كلها لكونه عمل بعمل أهل كل باب شريفاً له في ذلك الموقف، ثم يلهم الدخول من الباب الغالب عليه عمله ( رواه مسلم) قال الحافظ العسقلاني في «أمالي الأذكار» بعد إخراج الحديث: هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ( وزاد الترمذي: اللهم اجعلني من التوابين) صيغة المبالغة إما لتكرارها وإما للمبالغة في إتقانها وضبطمكملاتها ( واجعلني من المتطهرين) أي من الذنوب والمآثم كما يومىء إليه حذف المعمول، ثم ما عبر به المصنف عبر بمثله في «الأذكار» ، وقد تعقبه فيه الحافظ ابن حجر بأن هذه الزيادة لم تثبت في هذا الحديث، فإن جعفر بن محمد شيخ الترمذي تفرد بها ولم يضبط الإسناد ثم بين وجه عدم ضبطه بمخالفته للثقات، قال ووجدت لهذه الزيادة شاهداً من حديث ثوبان مولى رسول الله قال: قال رسول الله «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال عند فراغه، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء» .
6

رقم الحديث -183 بضم الواو من الوضاءة: وهي الحسن والنظافة.
وشرعاً: استعمال الماء في أعضاء مخصوصة فمتتحاً بنية، وفرض مع فرضية الصلاة ليلة الإسراء.
( قال الله تعالى) : ( { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم} ) أي أردتم القيام ( { إلى الصلاة} ) ثم قيل في الآية حذف، والتقدير: وأنتم محدثون.
وقال القاضي أبو الطيب: في الآية حذف وتقديم وتأخير ذكره الشافعي عن زيد بن أسلم، تقديرها: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فاغسلوا وجوهكم إلى وأرجلكم، وإن كنتم جنباً فاطهروا، وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا.
قال: وزيد من العالمين بالقرآن.
والظاهر أنه إنما قدرها توفيقاً مع أن التقدير لا بد منه، فإن نظمها يقتضي أن المرض والسفر حدثان ولا قائل به.
قال الشيخ زكريا: ويغني عن تكلف التقديم والتأخير أن يقدر جنباً في قوله: { وإن كنتم مرضى أو على سفر} ( المائدة: 6) وقال آخرون: لا تقدير في الآية ولا تقديم ولا تأخير، فقيل بل الآية على عمومها والأمر شامل للمحدث على سبيل الإيجاب وللمتطهر على سبيل الندب.
وقيل إن الآية نزلت للإعلام بأن الوضوء لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة دون غيرها من الأعمال، إذ كان لا يمنع من غيرها من الأعمال عند الحدث.
قال العز بن عبد السلام في كتاب «أحكام القرآن» : ظاهر الآية الكريمة إيجاب الوضوء لكل صلاة سواء أحدث أم لا، لكن ورد في «صحيح مسلم» «أن النبي كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال عمر: فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: عمداً فعلته يا عمر» قال الحازمي: قال الخطابي: ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يجب الوضوء إلا من حدث، وما روي عن النبيّ أنه كان يتوضأ: أي لكل فرض محمول على التماس الفضل وبين النبي للناس الجواز بالحديث المتقدم.
وفيه أيضاً دليل على أنه لا يشترط فعل الوضوء عند القيام إلى الصلاة، بل لو قدمه أو أخره عن الوقت أجزأه وإن كان ظاهر الآية الكريمة لا يشعر بذلك ( { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} ) أي معها لأن الجمهور على دخول المرفقين في الغسل ( { وامسحوا برؤوسكم} ) الباء فيه للإلصاق أو للتبعيض ( { وأرجلكم إلى الكعبين} ) قرىء بالنصب عطفاً على الوجوه أو الأيدي لفظاً، وبالجر لفظاً للجواز، وهي منصوبة محلاً عطفا على أحدهما، أو بالجر لفظاً ومحلاً عطفاً على رؤوس، وتحمل على لابس الخف أو الغسل الخفيف.
وهذه الآية الكريمة ذكر فيها أربعة من أركان الوضوء، فمن قال لا ركن إلا تلك الأربعة فأمره واضح، ومن قال بوجوب غيرها كالنية والترتيب عند إمامنا الشافعي أخذ ذلك من أدلة تقتضيه، أما النية فمن نحو قوله «إنما الأعمال بالنيات» ، وأما الترتيب فمن الآية لأنه فصل فيها بالرأس الممسوح بين اليد والرجل المغسولين، والعرب لا تفصل بين المتجانسين إلا لنكتة وهي هنا وجوب الترتيب لا ندبه لأن الآية مسوقة لبيان مفروضاته، وكالتسمية عند جمع، وكغسل الكفين عند القيام من النوم، وكالمضمضة والاستنشاق في أشياء قيل بوجوبها لأدلة أخرى تشهد لها من كتاب أو سنة ( { وإن كنتم جنباً فاطهروا} ) أي فاغتسلوا ( { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم} ) أي لمستم ( { النساء} ) أي الأجنبيات لا من وراء حائل، وقيد بذلك أخذا من قاعدة يستنبط من النص معنى يعود عليه بالتخصيص ( { فلم تجدوا ماء فتيمموا} ) فاقصدوا ( { صعيداً} ) تراباً ذا غبار يتصاعد ( طيباً) طهوراً ( { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} ) مع المرافق ( { منه} ) عوضاً عن استعمال الماء للعجز عنه ( { ما يريد الله ليجعل عليكم} ) بما فرض من الغسل والوضوء والتيمم ( { من حرج} ) ضيق ( { ولكن يريد ليطهركم} ) من الأحداث والذنوب ( { وليتم نعمته عليكم} ) ببيان ما هو مطهرة للقلوب والأبدان من الآثم والأحداث ( { لعلكم تشكرون} ) أي نعمتي فأزيدها عليكم.