فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل الأذان

رقم الحديث 1033 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: لو يعلم الناس) قال الطيبي: أتى بالمضارع محل الماضي إقامة له مقام ما يستدعيه، إذ المراد ثم حاولوا الاستباق عليه لوجب عليهم ذلك، أو ليفيد استمرار العلم فإنه ينبغي أن يكون على بال ( ما في النداء) أي الأذان وحذف «من» البيانية لإبهام «ما» إيماء إلى أن الفعل المبين بها إبهامها مما لا تسعه عبارة ( والصف الأول) هو على الصحيح الصف الذي يلي الإمام، وإن كان أبعد من الكعبة منصف أقرب إليها في غير جهة الإمام بل أقربية المأموم على إمامه للكعبة مكروهة مفوتة لفضل الجماعة كما نبه عليه ابن حجر الهيتمي في «تحفته» .
قال التيمي: وفضل الصف الأول لاستماع القرآن إذا جهر الإمام والتأمين لقراءته، ومن فضله أنه إذا احتاج الإمام للاستخلاف استخلفه ولينقل صفة الصلاة ويعلمها الناس، والصف الثاني أفضل من الثالث وهكذا ( ثم لم يجدوا) أتى به لتراخي رتبة الاتهام عن العلم ( إلا أن يستهموا) أي يقترعوا ( عليه) لأداء تأذين المتنازعين إلى تهويش وضيق المكان عن قيامهم لاستهموا عليه لعظمه وفضله، وإفراد الضمير لعوده على «ما» العائد هو إليها أو تنزيلاً له منزله اسم الإشارة في نحو قوله تعالى: { عوان بين ذلك} ( البقرة: 68) باعتبار لفظه، وقد وقع الأذان على الاستهام: قال البرماوي: حين فتح القادسية صدر النهار فاتبع الناس العدو فرجعوا وقد حانت صلاة الظهر وأصنت المؤذن، فتشاحّ الناس في الأذان حتى كادوا يجتلدون بالسيوف، وأقرع بينهم سعد فأذن من خرج سهمه.
والقرعة أصل في الشريعة في تعيين ذي الحق في مواضع ( ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه) لما فيه من المسارعة إلى الطاعة ولأن منتظر الصلاة في صلاة ولعدم التضايق فيه زماناً ومكاناً لم يحتج إلى المساهمة فيه وللقرعة ( ولو يعلمون ما في العتمة) بفتحتين، قال في «المصباح» : هي من الليل بعد غيبوبة الشفق إلى آخر الثلث الأول، وعتمة الليل ظلام أوله عند سقوط نور الشفق اهـ.
والمراد منها هنا صلاة العشاء، والتعبير بها مع النهي عن تسميتها بذلك، إما قبله أو تنبيهاً على أن النهي للتنزيه لا للتحريم، أو لدفع توهم أن المراد بالعشاء المغرب لأنهم كانوا يسمونها عشاء فتفوّت المطلوب فاستعمل العتمة التي لا شك فيها دفعاً لأعظم المفسدتين بأخفهما ( والصبح لأتوهما) أي لو علموا ما في فضل صلاتهما جماعة لأتوهما بأي وجه أمكن ( ولو حبواً) بفتح المهملة وسكون الموحدة، وهو المشي على اليدين والركبتين، أو على المقعدة ( متفق عليه) ورواه مالك وأحمد والنسائي كما في «الجامع الصغير» ( الاستهام الاقتراع) وذلك لأنهم كانوا يقترعون بسهام لا ريش فيها ( والتهجير: التبكير إلى الصلاة) مطلقاً ولا ينافي تناول عمومه للظهر الأمر بالإبراد بها لأنه لقصر زمنه في الجملة لا يخرج فاعله عن التبكير بها.


رقم الحديث 1034 ( وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: المؤذنون أطول الناس أعناقاً) بفتح الهمزة جمع عنق، واختلف في معناه، فقيل أكثر الناس تشوفاً إلى رحمة الله تعالى لأن المتشوف يطيل عنقه لما يتطلع إليه، فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب.
وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق، وقيل معناه: إنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق: وقيل معناه: أكثر أتباعاً.
وقال ابن الأعرابي: معناه أكثر الناس أعمالاً، وفي سنن البيهقي عن أبي بكر بن أبي داود عن أبيه: ليس معنى الحديث أن أعناقهم تطول ولكن الناس يعطشون يوم القيامة ومن عطش انطوت عنقه والمؤذنون لا يعطشون فأعناقهم قائمة.
قال القاضي عياض وغيره: ورواه بعضهم بكسر الهمزة: أي إسراعاً إلى الجنة وهو من سير العنق ( يوم القيامة) ظرف لما قبله ( رواه مسلم) ورواه ابن ماجه في «سننه» .


رقم الحديث 1035 ( وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) بفتح الصادين المهملتين وإسكان العين المهملة الأولى المازني.
قال في «الكاشف» : يروي عن أبي سعيد وعنه ابناه عبد الرحمن، ومحمد ثقة خرّج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وصفه الحافظ في «التقريب» بقوله الأنصاري المدني، وزاد من كبار التابعين ( أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تحب الغنم) بفتحتين معروف ( والبادية) هي خلاف الحاضرة والنسبة إليها بدوي على خلاف القياس وجمعها بواد ( فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة) أي أردت الأذان لها ( فارفع صوتك) إلى ما لا يعود عليك بالضرر ( بالنداء) بكسر النون وبالمد: أي بالأذان ( فإنه) أي الشأن ( لا يسمع مدى) بفتحتين والدال المهملة مخففة: أي غاية ( صوت المؤذن) قال التوربشتي: وفي زيادة «مدى» مع الغنية عنها تنبيه على أن آخر من ينتهي إليه الصوت يشهد له كما يشهد الأول، ففيه الحث على استفراغ الجهد في رفع الصوتبالأذان، وقال البيضاوي: إذا شهد من يسمع آخر الصوت مع كونه أخفى لا محالة للبعد فلأن يشهد من هو أدنى وسمع مبادئه أولى ( جن ولا إنس) اقتصر عليهما دون غيرهما من أفراد الخاص لكونهما مكلفين بفروع الشريعة ( ولا شيء) قيل المراد شيء يصح منه الشهادة كذلك، وقيل عام في كل ما يسمع ولو غير عاقل من سائر الحيوانات دون الجماد، وقيل عام في الجماد وغيره بأن يخلق الله له إدراكاً وعليهما فهو تعميم بعد تخصيص ( إلا شهد له يوم القيامة) وفائدة هذه الشهادة «وكفى بالله شهيداً» إشهاره بالفضل يومئذ وعلو الدرجة كما يفضح من يفضح بالشهادة عليه.
وفي «فتح الباري» : السر في هذه الشهادة مع أنها تقع عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نسق أحكام الخلق في الدنيا من توجه الدعوى والجواب والشهادة قاله الزين ابن المنير.
( قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله) المسموع الكلام الأخير وهو «إنه لا يسمع مدى صوت المؤذن الخ» وذكر الغنم موقوف وهذا ما عليه المصنف في آخرين، وقيل المسموع جميعه وهو ما فهمه الرافعي تبعاً للغزالي وتعقبهم فيه المصنف واستبعده الحافظ في الفتح ( رواه البخاري) ورواه مالك والنسائي.


رقم الحديث 1036 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إذا نودي بالصلاة) بالموحدة في نسخ «الرياض» وهذا لفظ مسلم وكذلك رواه النسائي، وهو عند البخاري للصلاة باللام، ذكره الحافظ قال: ويمكن حملهما على معنى واحد ( أدبر الشيطان له ضراط) جملة اسمية حالية وإن لم تكن بواو اكتفاء بالضمير كما في قوله تعالى: { اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ} ( ) وفي رواية الأصيلى «وله ضراط» وهي عند البخاري في بدء الخلق قال عياض: يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنه عبارة عن شدة نفاره، ويقرّبه رواية لمسلم «له حصاص» بمهملات مضموم الأول، وفسره الأصمعي بشدة العدوّ، وقال الطيبي: شبه شغل الشيطان وإغفاله نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطاً تقبيحاً له، قال الحافظ: والظاهر أن المرادبالشيطان إبليس ويدل عليه كلام كثير من الشراح، ويحتمل أن المراد به كل متمرد من الجن والإنس لكن المراد هنا شيطان الجن ( حتى لا يسمع التأذين) ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن أو يصنع ذلك استخفافاً كما يصنعه السفهاء، ويحتمل أنه يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها، ويحتمل أنه يتعمد ذلك ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث، وقد وقع بيان غاية الإدبار عند مسلم في حديث جابر فقال «حتى يكون مكان الروحاء» وحكى مسلم من طريق قتيبة عن جابر أن بين المدينة والروحاء ستة وثلاثين ميلاً.
وأدرجها في الخبر قال الحافظ: وهو المعتمد بالنسبة لرواية ابن راهويه في مسنده أن بينهما ثلاثين ميلاً ( فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى) أي فرغ وانتهى ( التثويب أقبل حتى يخطر) بضم الطاء المهملة.
قال الحافظ: كذا سمعناه من أكثر الرواة وضبطناه عن المتقنين بالكسر وهو أوجه، ومعناه يوسوس، وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه، وأما بالضم فمن المرور: أي يدنو من المرء فيمر بينه وبين قلبه فيشغله، وضعف الهجرى في «نوادره» الضم مطلقاً وقال: هو يخطر بالكسر في كل اهـ.
قال البرماوي: وإنما هرب الشيطان عند الأذان لما يرى من الاتفاق على إعلان كلمة التوحيد وغيرها من العقائد وإقامة الشعائر، وإنما جاء عند الصلاة مع أن فيها قراءة القرآن لأن غالبها سر ومناجاة فله تطرّق إلى إفسادها على فاعلها أو إفساد خشوعه، وقيل هربه عند الأذان حتى لا يضطر إلى الشهادة لابن آدم يوم القيامة لما تقدم في حديث أبي سعيد ( بين المرء ونفسه) يقتضي أن المرء غير نفسه فيحمل على أن المراد بينه وبين قلبه كما في { إن الله يحول بين المرء وقلبه} ( ) قال الحافظ: وجاء كذلك عند البخاري في بدء الخلق ( يقول: اذكر كذا واذكر كذا لما) أي لشيء ( لم يكن يذكر من قبل) بالبناء على الضم أي قبل شروعه في الصلاة ( حتى يظل الرجل) بفتح الظاء المشالة بمعنى يصير، أو يكون ليتناول صلاة الليل أيضاً والقصد أنه يسهيه، ولذا حكى فيه الراوي يضل بكسر الضاد المعجمة: أي ينسى ويذهب وهمه ( ما يدري كم صلى) الجملة معلق عنها العامل لوجود ماله صدر الكلام وهو كم الاستفهامية وهي مفعول صلى مقدم عليه لذلك، قال الطيبي: كرر لفظ حتى خمس مرات: الأولى والرابعةوالخامسة بمعنى كي، والثانية والثالثة دخلتا على الجملتين الشرطيتين وليستا للتعليل ( متفق عليه) أخرجاه في الأذان وأخرجه مالك وأبو داود والنسائي.
( التثويب) كما قال الجمهور ( الإقامة) قال الحافظ في «الفتح» : وجزم به أبو عوانة «صحيحه» والخطابي والبيهقي وغيرهم.
وقال القرطبي: ثوَّب بالصلاة: أي أقيمت وأصله من ثاب إذا رجع: أي رجع إلى ما يشبه الأذان وكل مردد صوتاً فهو مثوب يدل عليه رواية مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة «فإذا سمع الإقامة ذهب» وزعم بعض الكوفيين أن المراد بالتثويب قول المؤذن بين الأذان والإقامة حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة.
وحكى ذلك ابن المنذر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وزعم أنه تفرد به، لكن في سنن أبي داود عن ابن عمر أنه كره التثويب بين الأذان والإقامة.
فهذا يدل على أنه له سلفاً في الجملة، ويحتمل أن الذي تفرد به القول الخاص.
وقال الخطابي: لا تعرف العامة التثويب بعد الأذان إلا قول المؤذن في الأذان «الصلاة خير من النوم» لكن المراد في هذا الحديث الإقامة والله أعلم.


رقم الحديث 1037 ( وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول: إذا سمعتم النداء) بكسر النون والمد: أي الأذان ( فقولوا مثل ما يقول) تعليق الإجابة بسماع الأذان يقتضي ظاهره اختصاص الإجابة بالسامع دون غيره ولو لبعد أو صمم، وإن رأى المؤذن في المنارة في الوقت وعلم أنه يؤذن فلا تشرع له المتابعة، قاله المصنف في مجموعه، وبحث فيه القلقشندي باحتمال أن التقييد بالسماع لكونه الغالب.
ويقتضي ندب إجابة كل مؤذن ولو ثانياً، وفيه خلاف حكاه الطحاوي وغيره، وقال المصنف المجموع: لا نص فيه لأصحابنا، والمختار اختصاصه بالأول لأن الأمر لا يقتضي التكرار، وأما أصل الفضيلة والثواب في المتابعة فلا يختص بالأول اهـ.
وقال ابن عبد السلام: يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب، وإجابة الأول أفضل إلا في الصبح والجمعة فهما سواء لأنهما مشروعان قال ابن سيد الناس: ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول المؤذن عقب فراغ المؤذن من الأذان،لكن دلت الأحاديث المتضمنة للإجابة على أن المراد المساوقة.
وقال الكرماني: إنما قال مثل ما يقول ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيب عقب كل كلمة بمثل كلمتها اهـ.
وقال الشافعية: يستحب التتابع عقب كل كلمة لا معها ولا يتأخر عنها عملاً بما تقتضيه فاء التعقيب، ظهر هذا الحديث أن الإجابة تكون بحكاية لفظ المؤذن في جميع ألفاظ وبه قال بعض الأئمة منهم الحنابلة.
وذهب الشافعي والجمهور إلى أن السامع يبدل الحيعلة بالحوقلة لحديث معاوية المخرّج في «صحيح البخاري» وحديث عمر المخرج في «صحيح مسلم» ففيهما ذلك تصريحاً فيخص بهما عموم هذا الحديث ونحوه، ومن جهة المعنى أن ألفاظ الأذان غير الحيعلة ذكر يحصل الثواب بذكرها للمؤذن والمجيب، والحيعلة يقصد بها الدعاء لصلاة وهو خاص بالمؤذن، فعوّض المجيب من الثواب الذي يفوته بترك الحيعلة الثواب الذي يحصل له بالحوقلة، ثم ظاهر قوله «قولوا» وجوب الإجابة، قال ابن قدامة في «المغني» : لا أعلم أحداً قال به.
قلت: حكى الطحاوي والخطابي والقاضي عياض الوجوب عن بعض السلف ( ثم صلوا عليّ) أي عقب الإجابة عرفاً فـ «ثم» في محل الفاء وعلل هذا الأمر بقوله على سبيل الاستئناف البياني ( فإنه) أي الشأن ( من صلى عليّ) أتى بأي صيغة من صيغها ( صلاة) أي واحدة ( صلى الله عليه بها عشراً) أي شرف عبده بذكره له بالرحمة اللائقة به عشر مرّات وهذا فيه تعظيم شرف الصلاة على النبي إذ جعل جزاءها كجزاء ذكره تعالى قال تعالى: { فاذكروني أذكركم} ( البقرة: 152) وقال تعالى: في الحديث في القدسي «أنا عند ظن عبدي بي إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه» وهذا قدر زائد على ما أفاده قوله تعالى: { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} ( الأنعام: 16) الشامل لكل فرد منها ( ثم سلوا الله لي الوسيلة) في الإتيان بـ «ثم» رمز إلى استحباب تصدير الدعاء بالثناء على الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله، وإن كان الدعاء لرسول الله ( فإنها) أي الوسيلة ( منزلة) أي شريفة عالية ( في الجنة لا تنبغي) أي لا تليق ( إلا لعبد) أي كامل في العبودية فالتنوين للتعظيم ( من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا) تأكيد لاسم أكون، وأتى بهفي ضربتك أنت، وكل ما جاء من ألفاظ الرجاء في الكتاب والسنة فإنه واجب الوقوع غير جائز الخلف ( فمن سأل الله) أي طلب ( لي الوسيلة) أي إعطاءها ( حلت) أي وجبت ( له الشفاعة) أي شفاعتي: فأل بدل من الضمير أو الشفاعة الكاملة العظيمة وهي شفاعته، فأل على بابها ( رواه مسلم) وأخرجه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي.


رقم الحديث 1038 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: إذا سمعتم النداء) أي الأذان ومثله الإقامة ( فقولوا كما يقول) أي قولا مثل ما يقوله أو مثل قول ( المؤذن) وادعى ابن وضاح أن لفظ المؤذن مدرج في الحديث، ولذا حذفه منه في «عمدة الأحكام» ، ولا دليل له على دعواه فأشار المصنف إلى رد ذلك بإثباته وتقدم في شرح الحديث السابق ما يبين إجمال قوله فقولوا كما يقول متفق عليه وأخرجه مالك وأصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والإسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم قاله القلقشندي في كتابه «غاية الإحكام شرح عمدة الأحكام» .


رقم الحديث 1039 ( وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله قال: من قال حين) أي وقت ( يسمع النداء) أي سماعه، إما على تقدير أن المصدرية، وإما على تنزيل الفعل منزلة المصدر، الوجهان في قولهم: «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» ، أي سماعك به، والمراد كما دلت عليه الأحاديث بعد إجابته لا قبلها ( اللهم) أي الله فلذا لا يجمع بينهما إلا في الضرورة ( رب) بدل مما قبله لا وصف له، أو منادى وكرر النداء اهتماماً بالمطلوب ( هذه الدعوة) بفتح الدالالمرّة من الدعاء، والمراد بها الأذان أو الإقامة ( التامة) أي السالمة من تطرق النقص إليها لجمعها الفائدة بتمامها أو لأنها المستحقة للوقف بالكمال والتمام وغيرها من الدنيا عرضة للنقص والفساد، أو لأنها محمية عن التغيير والتبديل باقية إلى يوم النشور، ومعنى رب هذه الدعوة المستحق لأن يوصف بها ( والصلاة القائمة) أي التي ستقوم، أو الباقية لا تغير ولا تنسخ ( آت) بمد الهمزة: أي أعط ( محمداً الوسيلة) أصلها ما يتوسل به ويتقرب، والمراد منها مابينه في حديث مسلم قبله، ووقع للبيضاوي في «تفسيره» أنه ذكر في قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} ( المائدة: 35) ما لفظه: أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه فعل الطاعات وترك المعاصي، من توسل إلى كذا إذا تقرب إليه.
وفي الحديث منزلة في الجنة اهـ.
فحذف قوله آخر الحديث لا تنبغي إلا لعبد الخ، فأوهم ندب طلب كل لها مع أنها مخصوصة بمن اتصف بكمال العبودية وهو سيد البرية ( والفضيلة) المرتبة الزائدة على الخلق ( وابعثه مقاماً محموداً) مفعول به على تضمين ابعث معنى أعط، أو مفعوله فيه وإن كان مكاناً غير مبهم لكونه نزل منزلة المبهم، أو هو مشبه رميت مرمي زيد، وفي «الكشاف» أنه نصب مقاماً على الظرف: أي فيقيمك مقاماً أو ضمن يبعثك معنى يقيمك، أو حال: أي ذا مقام محمود، وإنما نكر للتفخيم: أي مقاماً أيّ مقام ( الذي وعدته) بقولك { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} ( الإسراء: 79) وأجمع المفسرون على أن عسى من الله واجب.
والموصول بدل مما قبله ( حلت) أي وجبت ( له شفاعتي) الخاصة به ( يوم القيامة) ظرف للوجوب، وفيه تبشير قائل ذلك بالموت على الإسلام إذ لا تجب الشفاعة لغيره ( رواه البخاري) وأخرجه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي.


رقم الحديث 1040 ( وعن سعد بن أبي وقاص) بفتح الواو وتشديد القاف آخره مهملة كنية مال كما تقدم ( رضي الله عنه عن النبي أنه قال) بفتح الهمزة بدل من النبي بدل اشتمال أو بكسرهاعلى تقدير قال: أي قال سعد بياناً لقوله عن النبيّ أنه قال ( من قال حين يسمع المؤذن) وقوله ( أشهد) وفي رواية «وأنا أشهد» ( أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) محتمل لأن يكون مقولاً للمؤذن فيكون مفعولاً ليقول المقدر بعده، فإن حذف القول وإبقاء المقول كثير جداً حتى قال أبو علي الفارسي: هو من قبيل حديث البحر «حدث ولا حرج» فيكون مقول قال: رضيت بالله رباً الخ، ومحتمل لأن يكون من جملة ما يقوله سامع المؤذن، وكلام المصنف في «شرح مسلم» ظاهر في الثاني، لكنه يقتضي أنه يأتي بذلك إجابة لقول المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فيقول أشهد، أو، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله الخ، ثم يقول ( رضيت بالله رباً) تمييز محول عن المفعول به بواسطة وكذا قرينه وهو قوله ( وبمحمد) ( رسولاً) وفي رواية نبياً فيجمع بينهما احتياطاً لتحقيق الإتيان بالوارد كما قال المصنف بنظيره في قوله في دعاء عرفة «ظلماً كثيراً كبيراً» ( وبالإسلام ديناً غفر له ذنبه) أي صغائره المتعلقة بالله ( رواه مسلم) وأخرجه مالك وأبو داود والترمذي، وهو عند البيهقي بزيادة أوردتها في شرح الأذكار.


رقم الحديث 1041 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: الدعاء لا يرد) بصيغة المجهول للعلم بالفاعل أي لا يرده الله ( بين الأذن والإقامة) ظرف للدعاء في محل الحال قدم عليه الخبر لمزيد الاهتمام لما فيه من مزيد التشويق والحث على فعله لذلك ( رواه أبو داود والترمذي) وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» ( وقال: حديث حسن) وقال الحافظ في«تخريج أحاديث الأذكار» من إملائه بعد تخريجه من طريق الطبراني في كتاب الدعاء.
هذا الحديث حسن غريب، قال: وسكت عليه أبو داود إما لحسن رأيه في زيد العمى وإما لشهرته في الضعف وإما لكونه في فضائل الأعمال، وضعفه النسائي.
وأما الترمذي فقال: هذا حديث حسن، وقد رواه أبو إسحاق: يعني السبيعي عن يزيد بن أبي مريم عن أنس قال أبو الحسن القطان: إنما لم يصححه لضعف زيد العمي، وأما يزيد فهو موثق عنده فينبغي أن يصحح من طريقه.
قال المنذري: طريق يزيد أجود من طريق زيد العمى اهـ.
قال الحافظ في «أماليه» : وقد نقل المصنف: يعني مصنف «الأذكار» أن الترمذي صححه، ولم أر ذلك في شيء من النسخ التي وقفت عليها، وكلام ابن القطان والمنذري يعطي ذلك، ويبعد أن الترمذي يصححه مع تفرد زيد العمي به وقد ضعفوه، نعم طريق يزيد التي أشار إليها صححها ابن خزيمة وابن حبان اهـ.
وأشار به إلى قول المصنف في «الأذكار» .
قل الترمذي: حديث حسن صحيح اهـ.
وحينئذ فما هنا من اقتصاره على قوله عن الترمذي حديث حسن هو الحسن، وفي «الأذكار» : وزاد الترمذي في روايته في كتاب الدعوات من «جامعه» «قالوا فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة» .
7

رقم الحديث -184 أي والإقامة.
والأذان والتأذين والأذين: لغة الإعلام.
وشرعاً قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة.
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} ( ) وقوله { وإذا ناديتم إلى الصلاة} ( الجمعة: 9) وخبر عبد الله بن عبد ربه الأنصاري في الأذان والإقامة رواه الشيخان في «صحيحيهما» .