فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل صلاة الصبح والعصر

رقم الحديث 1047 ( وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله قال: من صلى البردين دخل الجنة) يحتمل أن يراد مع الناجين: أي إذا لم يقترف الكبائر أو اقترفها وتاب منها، أو لم يتب وتجاوزها الله له، ويحتمل أن يراد دخلها بعد المجازاة، ففيه إيماء إلى حسن خاتمة مصليهما بوفاته على الإسلام، إذ لا يدخلها إلا من مات مسلماً ( متفق عليه) والحديث سبق مع شرحه في باب بيان كثرة طرق الخير ( البردان الصبح والعصر) سميا بذلك لفعلهما وقت البرد فهو من وصف الشيء بما يلابسه.


رقم الحديث 1048 ( وعن أبي زهير) بضم الزاي وفتح الهاء وسكون التحتية مصغر زهر ( عمارة) بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبالراء كما أشار إليه الحافظ ابن حجر في «تبصرة المنتبه» ( ابنرؤيبة) بضم الراء وفتح الواو وبالموحدة وسكون التحتية بينهما، الثقفي من بني خيثم بن ثقيف كوفي، روى عنه ابنه أبو بكر وأبو إسحاق السبيعي وغيرهما، كذا في «أسد الغابة» ، وفي «تقريب التهذيب» للحافظ قال: هو صحابي نزل الكوفة وتأخر إلى بعد السبعين.
خرّج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، روي له ( رضي الله عنه) عن النبي تسعة أحاديث، قاله الكازروني في «شرح المشارق» ، أخرج له مسلم منها حديثين وانفرد به عن البخاري ( قال: سمعت رسول الله يقول: لن يلج) بفتح التحتية وكسر اللام مضارع ولج والأصل يولج حذفت الواو لوقوعها بين حرف مضارعة مفتوح وحرف مكسور: أي لن يدخل ( النار) أصلاً بالاعتبار الآتي.
ولا ينافي الورود عليها المحتوم على كل أحد لأنه غير الدخول للتعذيب، أو المراد لا يدخلها على التأبيد فيها، وإنما أولت هذا وما قبله بما ذكر فيهما لما في الحديث الصحيح «إن من المسلمين من يأتي يوم القيامة وله صلوات وصيام وغيرهما وعليه ظلامات الناس فيأخذون ذلك منه» قيل ما عدا الصوم لاختصاص عمله به تعالى.
قلت: وردّ بأنه جاء في صحيح مسلم «أنه كغيره من العبادات يؤخذ في ظلامات العباد، فإذا لم يبق له عمل وضع عليه من سيائتهم ثم يلقى في النار» ( أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها: يعني) أي النبي ( الفجر) بما قبل الطلوع ( والعصر) بما قبل الغروب، هذا تفسير للصلاة فيهما المذكورة في الحديث المحتملة لهما ولغيرهما من النافلة، وتخصيصهما بالذكر ليس لإفادة حصول النجاة من النار لمن جاء بهما دون باقي الخمس لأنه بخلاف المنصوص، بل لأمر آخر فلا مفهوم للاقتصار عليهما، بل لا بد في النجاة منها من الإتيان بالبقية مع عدم تحمل حق آدمي، وذلك الأمر هو أن وقت الصبح يكون عند النوم ولذته، ووقت العصر يكون عند الاشتغال بتتمات أعمال النهار وتجارته وتهيئة العشاء، ففي صلاة تينك مع ذلك دليل على خلوص النفس من الكسل ومحبتها للعبادة، ويلزم من ذلك إتيانها ببقية الصلوات الخمس، وأنها إذا حافظت عليهما كانت أشد مخافظة على غيرهما، ومن ثم مدح الله تعالى من هجر النوم ولذته والبيع وربحه في جنب عبادته وطاعته فقال عزّ وجل: { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} ( الذاريات: 17) وقال: { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} ( النور: 37) الآيتين، ومن هو كذلكحريّ أن لا يرتكب كبيرة ولا صغيرة لآدمي وإن فعل تاب، وصغائره المتعلقة بالله تعالى تقع مكفرة فحينئذ هو لا يلج النار أبداً ( رواه مسلم) ورواه أحمد وأبو داود والنسائي.


رقم الحديث 1049 ( وعن جندب) بضم الجيم وفتح الدال المهملة وضمها وسكون النون بينهما آخره موحدة ( ابن سفيان) بتثليث السين والضم أشهرها، ويقال الكسر.
p وحكى الفتح ابن أبي عمران: ثم إن المصنف نسب جندباً هنا إلى جده سفيان وقد نسبه إلى أبيه، إذ أورد الحديث في باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة حيث قال: وعن جندب بن عبد الله وقدمنا ترجمته ( رضي الله عنه) ثم ( قال: قال رسول الله: من صلى الصبح) أي جماعة كما قيل به في رواية أخرى ( فهو في ذمة الله) أي كلاءته وحفظه ( فانظر) أي تدبر ( با بن آدم) واحذر من التعرض لمن هو كذلك.
وقوله ( لا يطلبنك الله من ذمته بشيء) جواب شرط مقدر دل عليه الطلب قبله ولذا أكد، وبه يضعف احتمال الاستئناف لشذوذ تأكيد الفعل لا في طلب أو جواب قسم أو شرط، وفي قوله بشيء مبالغة في التحذير عن التعرض لمن هو كذلك في أي أمر كان وأي شيء عرض ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1050 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) أي تعقب طائفة منهم طائفة أخرى.
قال المصنف: فيه دليل لمن قال من النحويين بجواز إظهار ضمير التثنية والجمع في الفعل إذا تقدم: أي على المثنى والمجموع وهو لغة بني الحارث وحكوا فيه قولهم: أكلوني البراغيث، وحمل عليه الأخفش ومن وافقه قول الله تعالى: { وأسروا النجوى الذين ظلموا} ( الأنبياء: 3) وقال سيبويه وأكثر النحويين: لا يجوز إظهار الضمير مع تقدم الفعل، ويتأولون كل هذا ويجعلون الاسم بعده بدلاً من الضمير ولا يرفعونه بالفعل كأنه لما قيل «وأسروا النجوى» وقيل من هم؟ قيل همالذين ظلموا، وكذا «يتعاقبون» ونظائره اهـ.
وهو تابع لشيخه الإمام جمال الدين ابن مالك في جعله الحديث من هذا القبيل.
قال الشيخ جلال الدين السيوطي في الاقتراح بعد أن ذكر من تعقب ابن مالك فيما سلكه من إثبات القواعد العربية بالأحاديث النبوية ما لفظه: ومما يدل لصحة ما ذهب إليه ابن الضائع وأبو حيان من تعقب ابن مالك في ذلك أن ابن مالك استشهد على لغة أكلوني البراغيث بحديث الصحيحين «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» وأكثر من ذلك حتى صار يسميها لغة «يتعاقبون» وقد استدل به السهيلي ثم قال: لكني أقول إن الواو فيه علامة إضمار لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولاً فقال: «إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» اهـ.
قلت: والحديث في صحيح البخاري في بدء الخلق من طريق الأعرج عن أبي هريرة.
قال: قال النبي «الملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» الحديث، فلو استدرك به لكان أولى لأصحيته لكونه دالاً على أن ما في لفظ الرواية الأولى من تصرف الرواة والله أعلم ( ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر) اجتماعهم فيهم من لطف الله تعالى بالمؤمنين وتكرمته لهم، إذ جعل اجتماع الملائكة عليهم ومفارقهم لهم في أوقات عبادتهم واجتماعهم على طاعتههم ربهم فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير ( ثم يعرج) بضم الراء يصعد ( الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي) السؤال على ظاهره وحقيقته وهو تعبد منه للملائكة كما أمرهم بكتب الأعمال وهو أعلم بالجميع، قال القاضي عياض: الأظهر قول الأكثرين: إن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكتاب، قال: وقيل يحتمل أن يكونوا من جملة الملائكة كجملة الناس غير الحفظة ( فيقولون تركناهم وهم يصلون) أي الفجر ( وأتيناهم وهم يصلون) أي العصر ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1051 ( وعن جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى ( ابن عبد الله البجلي رضي الله عنهقال: كنا) أي جماعة من الصحابة ( عند النبي فنظر إلى القمر) أي في ( ليلة البدر) هي ليلة الرابع عشر من الشهر، سمي بذلك لمبادرة طلوعه غروب الشمس وطلوعها غروبه ( فقال: إنكم سترون) السين فيه لتأكيد الوعد وتحقيق الأمر ( ربكم) على ما يلييق به سبحانه من غير جهة ولا إدراك له ولا اتصال شعاع به ولا غير ذلك مما يكون في رؤية المحدث ( كما ترون هذا القمر) التشبيه في أصل الرؤية وانجلائها في كل من المشبه والمشبه به لا من كل وجه، إذ القمر مرئي وهو في جهة باتصال شعاع من الرائي به وإدراك له، والله سبحانه وتعالى منزه عن جميع ذلك، والمخاطب بذلك المؤمنون، فالكفار محجوبون عن رؤيته تعالى لا فرق فيه بين منافقيهم وغيرهم على الصحيح الذي عليه الجمهور من أهل السنة كما ذكره المصنف ( لا تضامون) قال المصنف: روي بتشديد الميم وتخفيفها فمن شددها فتح التاء ومن خففها ضم التاء ( في رؤيته) ومعنى المشدد: لا تتضامون وتتلاصقون في التواصل إلى رؤيته، ومعنى المخفف: لا يلحقكم ضيم وهو المشقة والتعب ( فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بالبناء للمفعول ( على صلاة قبل طلوع الشمس) يعني صلاة الصبح ( وقبل غروبها) يعني العصر ( فافعلوا) أي ترك المغلوبية التي لازمها الإتيان بالصلاتين كأنه قال صلوا، قال البرماوي في قوله «فإن استطعتم الخ» رمز إلى أن المحافظة على هاتين الصلاتين يرجى بها نيل الرؤية ( متفق عليه) .
( وفي رواية) للبخاري في أبواب مواقيت الصلاة ( فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة) وهي في «صحيح مسلم» عن جرير قال «كنا جلوساً عند رسول الله إذ نظر إلى القمر ليلة البدر» ولعله مراد المصنف أيضاً إلا أنه رواه بمعناه والله أعلم.


رقم الحديث 1052 ( وعن بريدة) بضم الموحدة وفتح الدال المهملة وسكون التحتية بينهما ( رضي اللهعنه قال: قال رسول الله: من ترك صلاة العصر حبط) بكسر الموحدة: أي بطل وفسد ( عمله) والمراد به بطلان ثوابه، فلا حجة للمعتزلة في قولهم إن المعصية تحبط الطاعة، أو المراد من تركها مستحلاً لذلك، أو جاحداً لوجوبها، أو المراد بحبوط العمل الكفر.
كما قال الإمام أحمد: إن تارك الصلاة عمداً يكفر، ويشهد له حديث أنس مرفوعاً «من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر جهاراً» أخرجه الطبراني في «الأوسط» ، فيحبط عمله بسبب كفره، أو يقال المراد بالعمل عمل الدنيا الذي شغله عن الصلاة: أي لا ينتفع به ولا يتمتع، أو المراد بالحبوط نقصان عمله في يومه، أو الأعمال بالخواتيم لا سيما في الوقت الذي يقرب أن ترفع فيه الأعمال، أو هو وارد على سبيل التغليظ: أي فكأنما حبط عمله، ذكره البرماوي في «اللامع الصبيح» ( رواه البخاري) وأحمد والنسائي.
9