فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تأكيد وجُوب الزكاة وبَيان فضلها وَمَا يتعلق بِهَا

رقم الحديث 1206 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: بُنِيَ الإسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ) أي: من الخصال ( شهادة أن لا إله إلا الله) ( وشهادة أن محمداً رسول الله) الشهادتان خصلة واحدة ويجوز في شهادة وجوه الإِعراب الثلاثة الجر على الإِتباع، والآخران على القطع.
( وإقام الصلاة) بحذف التاء للتخفيف.
( وإيتاء) أي: إعطاء ( الزكاة وحج البيت وصوم رمضان) .
المصادر فيه محتملة؛ لكونها مبنية للفاعل، مضافة للمفعول أي: شهادة المكلف وإقامته وإيتاؤه وحجه وصومه؛ ولكونها مبنية للمفعول أي: أن تشهد الشهادتان وتقام الصلاة الخ.
( متفق عليه) وتقدم مشروحاً في باب الأمر بالمحافظة على الصلوات المكتوبات.


رقم الحديث 1207 ( وعن طلحة) بفتح المهملتين وسكون اللام بينهما.
( ابن عبيد الله) بالتصغير ( ابن عثمان بن عمرو بن كعب) بن سعد بن تيم بن مرة القرشي ( التيمي) أبي محمد المكي المدني أحد العشرة المبشرة بالجنة ، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض ( رضي الله عنه) سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة الخير، وطلحة الجود، وهو من المهاجرين الأولين ولم يشهد بدراً؛ لكن ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمه، وأجره كمن حضرها وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد، وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك يوم كله كان لطلحة وفضائله أشهر من أن تذكر روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية وثلاثون حديثاً اتفقا على حديثين منها وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثلاثة، وقتل يوم الجمل لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وهذا لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في قدر عمره، فقيل أربع وستون، وقيل ثمان وخمسون، وقيل اثنان وستون، وقيل: ستون.
وقبره بالبصرة مشهور يزار ويتبرك به، ومن فضائله أن عائشة رضي الله عنها قالت: طلحة ممن قضى نحبه، وما بدلوا تبديلاً، وثبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، ووقاه بيده ضربة فصد بها فشلت يده.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوجب طلحة، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه انتهى.
ملخصاً من التهذيب.
( قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد) قال الجلال البلقيني: في مبهمات البخاري قال القاضي عياض: هو ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، كذا قال ابن بطال وغيره وفيه نظر؛ لأن ضماماً إنما هو في حديث أنس.
أما حديث طلحة فلا، فالظاهر أنهما قضيتان لتباين الألفاظ نبه عليه القرطبي اهـ وكأنه لهذا التنظير قال السيوطي في التوشيح قيل هو ضمام ( ثائر الرأس) أي: منتشره منتفشه وهو بالرفع صفة رجل، وقيل: يجوز نصبه على الحال.
( نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول) قال المصنف: بالنون المفتوحة فيهما، وروي بالتحتية المضمومة فيهما، والأول هو الأشهر الأكثر الأعرف، ودوي الصوت بفتح الدال المهملة على المشهور، وحكى صاحب المطالع ضمها وخطأ القاضي عياض ضمها، وكسر الواو وتشديد الياء وهو بعده في الهواء، ومعناه شدة صوت لا يفهم.
وقال الخطابي: الدوي صوت مرتفع متكرر لا يفهم وذلك لأنه نادى من بعد ( حتى دنا) أي: قرب غاية لمقدر أي: فسار إلى أن قرب ( من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا) فجائية ( هو) مبتدأ خبره جملة ( يسأل عن الإِسلام) أي: عن شرائعه، وعند البخاري في الصوم فقال: أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس، وكذا قال في الزكاة.
قال في التوشيح: وبه يتبين مطابقة الجواب هنا للسؤال.
( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خمس صلوات في اليوم والليلة) أي: مفروضة فيهما على كل مكلف بها لا نحو حائض ونفساء ومجنون.
( فقال: هل عليّ غيرها؟) أي: علي فرض من الصلاة غير الخمس؟ ( قال لا إلا أن تطوع) بتشديد الطاء والواو وأصله تتطوع فادغمت التاء في الطاء، ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحدى التاءين، والاستثناء منقطع، أي: لا شيء واجب عليك غيرها؛ لكن يستحب أن تتطوع، ومنه أخذ أصحابنا عدم وجوب الوتر، وأنه سنة، وجعله بعض العلماء متصلاً، واستدل به على أن من شرع في نفل من صوم، أو صلاة، وجب عليه إتمامه، ومذهبنا أنه يستحب الإِتمام، ولا يجب.
قاله المصنف ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وصيام شهر رمضان) عطف على خمس ( قال: هل عليّ غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع) والمراد بيان الواجب منهما بأصل الشرع وإلا فيجب في الصلاة زيادة على الخمس بنذر، وفي الصوم بنذر، أو كفارة ( قال) أي: الراوي ( وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة) أي: المفروض منها ( فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) قال الدماميني في المصابيح: لا يخفى أن هذا الرجل إنما وفد بالمدينة، وأقل ما قيل فيه أنه وفد سنة خمس، وقد تقرر في ذلك الزمن النهي عن أمور كالقتل، والزنى، والعقوق، والظلم، والسرقة.
فثبت أن عليه وظائف أخرى غير الصلاة والزكاة والصيام.
وأجاب ابن المنير بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجيب بما يقتضيه الحال، وبالأهم فالأهم، إذ لا يمكن بيان الشريعة دفعة، لا سيما لحديث عهد بالإِسلام، أو أن الرواة اقتصروا على بعض ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي عن المصنف.
( قال: فأدبر الرجل وهو يقول) جملة حالية، أو معطوفة ( والله لا أزيد على هذا ولا أنقص) أحسن ما يقال فيه: أن المعنى أبلغها قومي على ما سمعتها من غير زيادة ولا نقص؛ لأنه كان وافداً لهم ليتعلم تسلمهم.
قاله ابن المنير قال الدماميني: ولا ينافيه ما في كتاب الصوم من البخاري من قوله والذي أكرمك بالحق لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئاً؛ لأن ما في الصوم من حديث أنس، وما فيه قضية غير القضية التي في حديث طلحة، كما تقدم عن القرطبي.
( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلح إن صدق) معناه ظاهر باعتبار ما تقدم، وقال ابن العربي في كتابه القبس: إنما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأنه أول ما أسلم فأراد أن يطمئن فؤاده، وبعد ذلك يفعل ما سواها بما يظهر له من ترغيب الإِسلام، وقال المصنف: أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه، ومن أتى بما عليه كان مفلحاً، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحاً، فإنه إذا أفلح بالواجب فلأن يفلح بالواجب والمندوب أولى، فإن قيل كيف قال لا أزيد على هذا وليس في الحديث جميع الواجبات، ولا المنهيات الشرعية ولا السنن المندوبات؟ فالجواب أنه جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود قال: فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإِسلام فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً، فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام، وعموم قوله مما فرض عليّ، يزول الإشكال في الفرائض، وأما النوافل فقيل: يحتمل أنه كان قبل شرعها، ويحتمل أنه أراد، لا أزيد على الفريضة بصلاة النافلة مع عدم الإخلال بشيء من الفرائض، وهذا مفلح بلا شك وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة، وترد بها الشهادة، إلا أنه ليس بعاص، بل مفلح ناج.
اهـ وتقدم في كلام الدماميني منع الاستدلال بما في رواية البخاري المذكورة لما في هذا الحديث لاختلاف قضيتهما ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الإيمان، وفي الصوم وفي الشهادات، وفي ترك الحيل.
وأخرجه مسلم في الإِيمان، ورواه أَبو داود في الصلاة من سننه، والنسائي في الصلاة وفي الصوم وفي الإِيمان من سننه، كذا في الأطراف للمزي ملخصاً.


رقم الحديث 1208 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً) هو ابن جبل الأنصاري ( رضي الله عنه إلى اليمن) عاملاً على بعض منها ( فقال:) أي: في أثناء الحديث وتقدم بجملته في باب الأمر بالمحافظة على الصلوات المكتوبات، وكذا حديث ابن عمر المذكور بعده.
( ادعهم) حذف العاطف وهو الفاء المذكورة قبله؛ لعدم تعلق غرض ما أورد له الحديث بها؛ أي: ادع أهل الكتاب الذين تقدم عليهم.
( إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) بدأ بالدعاء إليهما لأنهما الأساس للاعتداد بالطاعات.
( فإن هم أطاعوا لذلك) بالإذعان له والإِقرار به ( فاعلمهم أن الله افترض) أي: فرض، والعدول إلى صيغة الافتعال إيماء إلى الاهتمام بالمفروض، ( عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة) ظرف لأداء المقدر قبل خمس ( فإن هم أطاعوا لذلك) بالتصديق بوجوبها والتزام فعلها ( فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة) إن قيل توقف الصلاة على الشهادتين ظاهر؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بعد الإسلام، فما وجه توقف الزكاة على الصلاة مع استوائهما في كونهما ركنين من الإسلام؟ فالجواب أن المعنى فإن أطاعوا باعتقاد الصلاة فرضاً فاذكر لهم الزكاة، والغرض بذلك التدريج حتى لا ينفروا من كثرتها لو جمعت، وتقديم الصلاة؛ لشرفها ولكونها بدنية أسهل من الزكاة؛ لكونها مالية، وبذل المال مشق ( تؤخذ من أغنيائهم) يشمل الصغير فتجب الزكاة في ماله والمدين غني باعتبار الحال الحاضر، فلذا لم يمنع الدين وجوب الزكاة عليه على الأصح ( وترد على فقرائهم) اقتصر عليهم مع أن مستحقها أصناف مذكورة في آية ( إنما الصدقات) لمقابلة الفقراء بالأغنياء ولأن الفقراء هم الأغلب، والإِضافة تقتضي منع صرف الزكاة لكافر، وإنما لم يذكر في الحديث الصوم والحج؛ لأن اهتمام الشرع بالصلاة والزكاة أكثر؛ ولذا كُررا في القرآن كثيراً، وأيضاً فإن الصوم قد يسقط بالفدية، والحج بفعل الغير في المعضوب، قال البرماوي: أو أن الحج لم يكن شرع، وفيه نظر لا يخفى لأن إرساله إلى اليمن كان قبيل موته - صلى الله عليه وسلم -، وقد استقر وجوب الحج حينئذ بلا خلاف ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1209 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرت) بصيغة المجهول، ولم يذكر الفاعل وهو الله تعالى للعلم به ( أن أقاتل الناس) أي: الكفرة غير الكتابيين ومن ألحق بهم ( حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) فيه أن تارك الصلاة كسلاً ومانع الزكاة لا يمتنع قتالهما وهو مذهب إمامنا الشافعي فيقتل بإخراج الصلاة عن وقت الضرورة إن لم يتب ، ويقاتل الإمام تاركي الزكاة إذا توقف أخذها منهم عليه، ( فإذا فعلوا ذلك) أي: ما ذكر من الشهادتين وما بعدهما، وفيه تغليب الفعل على القول ( عصموا) أي: منعوا ( مني دماءهم) فلا يجوز قتلهم إلا بسبب خاص من قصاص أو زنى مع إحصان أو ارتداد ( وأموالهم) فلا يجوز أخذها إلا بطريقه من كفارة أو بدل ما أتلفوه.
( وحسابهم على الله) يعني أن الشريعة الشريفة إنما تجري على الظواهر ولا تنقر عما في القلب، فمن أتى بالشهادتين والتزم أحكام الإِسلام جرت عليه أحكامهم، سواء كان في الباطن كذلك أم لا.
أما الكتابي وما ألحق به من المجوسي فيقاتل حتى يسلم أو يؤدي الجزية.
( متفق عليه) ورواه أصحاب السنن الأربع، قال السيوطي في الجامع الصغير: وهو متواتر.


رقم الحديث 1210 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي) بصيغة المجهول، ونائب فاعله ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وسكت عن ذكر الفاعل للعلم به.
( وكان أبو بكر رضي الله عنه) أي: خليفة أو التقدير وكانت خلافة أبي بكر أي: وجدت فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وذكر العامل؛ لتذكير مرفوعه ( وكفر) أي: ارتد ( من كفر من العرب) وما بقي على الإِيمان سوى أهل الحرمين، ومن حولهما وأُناس قليل، وقيل: المراد منه وترك الزكاة من ترك، وأطلق الكفر على مانع الزكاة تغليظاً، أو أن الذين أراد الصديق قتالهم كان بعضهم مرتداً كأصحاب مسيلمة، وبعضهم بغاة بمنع الزكاة، وأُطلق على الجميع الكفر؛ لأنه كان أعظم خطباً، وصار مبدأ قتال أهل البغي مؤرخاً بزمان على إذ كانوا منفردين في عصره لم يختلطوا بأهل الشرك، ولا منافاة بين إيمانهم مع إنكارهم الزكاة، الذي يكفر به غير المعذور لأن التكفير بذلك إنما هو في زماننا لتقرر الأركان، وحصول الإجماع عليها، وكونها معلومة من الدين بالضرورة.
وأما أولئك فلم يكفروا بذلك لكونهم كانوا قريبي عهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ، وبوقوع الفترة بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا جهالاً بأمور الدين، فدخلتهم الشبهة فغدروا، فسموا بذلك بغاة، وذلك لأن المناظرة بين الصحابة إنما هي في قتال مانعي الزكاة ( فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس) بالفوقية إنكار على أبي بكر أمره به أو بالنون أي نتلبس به، والفاء عاطفة على محذوف دل عليه السياق، أي: فأراد أبو بكر قتالهم وأمر به فقال عمر: إلخ ( وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) أي: مع قرينتها وهي محمد رسول الله، وظاهر هذه الرواية الاكتفاء في رفع القتال بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإن لم يأت قبله بقوله أشهد، والرواية قبله تقتضي اعتبار ذلك، والصحيح الاكتفاء به من غير لفظ أشهد.
( فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه) عمومه متناول الصادق في إيمانه والمنافق فيه فذلك منه عاصم لهما منه، ويدل له قوله ( وحسابه على الله) أي: فإن كان صادقاً نفعه في الآخرة، وإلا فلا، وهذا من سند الصديق، فإن من حق المال الزكاة، فلا تعصم الشهادة من أخذها ( فقال:) أي: أبو بكر رضي الله عنه ( والله لأقاتلن من فرق) بالتشديد والتخفيف ( بين الصلاة والزكاة) أي: بأن قال إحداهما واجبة دون الأخرى، أو امتنع من إحداهما ( فإن الزكاة حق المال) أي: والشهادتان لا يعصمان من أخذه من المال ، فهي داخلة في قوله - صلى الله عليه وسلم - إلا بحقه ( والله لو منعوني عقالاً) بكسر المهملة وبالقاف.
قال في النهاية: أراد به الحبل الذي يعقل به البعير الذي كان يؤخذ في الصدقة؛ لأن على صاحبها التسليم، وإنما يقع القبض بالرباط، وقيل: أراد ما يساوي عقالاً من حقوق الصدقة، وقيل: إذا أخذ المصدق أعيان الإِبل قيل أخذ عقالاً، وإذا أخذ أثمانها قيل أخذ نقداً وقيل: أراد بالعقال صدقة العام، يقال أخذ المصدق عقال هذا العام إذا أخذ منهم صدقته، واختاره أبو عبيد.
وقال: هو أشبه عندي بالمعنى، وقال الخطابي: إنما يضرب المثل في هذا بالأقل إلا بالأكثر وليس بسائر في لسانهم أن العقال صدقة عام، وفي أكثر الروايات عناقاً، وفي أخرى جدياً.
اهـ ( كانوا يؤدونه) أي: يدفعونه ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه) أي: لأجل منعهم إياه ( قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) أي: اجتهد فطابق اجتهاده.
قال البرماوي: إن عمر أخذ بظاهر أول الحديث قبل أن ينظر في آخره، فقال أبو بكر: إن الزكاة حق المال، فدخلت في قوله إلا بحقه، وقاسه على الممتنع من الصلاة، لأنها كانت بالإِجماع، فرد المختلف فيه إلى المتفق عليه والعموم يخص بالقياس، على أن هذه الرواية مختصرة من الرواية المصرح فيها بالزكاة، وهو حديث ابن عمر السابق قبله، وسبب الاختصار أنه حكى ما جرى بين الشيخين لا جميع القصة اعتماداً على علم المخاطبين بها، أو اكتفى بما هو الغرض حينئذ، وقال الخطابي: الخطاب في الكتاب ثلاثة أضرب: عام نحو: إذا أقمتم إلى الصلاة، وخاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم - نحو فتهجد حيث قيد بذلك، وخطاب يواجه به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو والأمة فيه سواء كآية ( خذ من أموالهم صدقة) ، فعلى القائم بعده بأمر الأمة أن يحتذي حذوه في أخذها منهم.
وأما التطهير والتزكية والدعاء من الإمام لصاحبها، فإن الفاعل فيها قد ينال ذلك كله بطاعة الله ورسوله فيها، وكل ثواب موعود على عمل كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - فهو باق، فيستحب للإمام أن يدعو للمتصدق ويرجى أن يستجيب الله منه ولا يخيبه ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1211 ( وعن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري ( رضي الله عنه أن رجلاً) نقل عن الصريفيني أنه روى الحديث من طريق أبي أيوب وقال فيه: أنه وافد بني المنتفق، قاله الدماميني في المصابيح، وقال البرماوي: حكى ابن قتيبة في غريب الحديث أنه أبو أيوب نفسه، وتقدم شرح الحديث في باب بر الوالدين وصلة الأرحام ( قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرني بعمل يدخلني الجنة) بالرفع جملة في محل الصفة لما قبله، وإسناد الإدخال إليه مجاز من الإِسناد للسبب.
( فقال) أي: ( النبي - صلى الله عليه وسلم - تعبد الله) هو من حذف أن قبل المضارع، أو تنزيل الفعل منزلة المصدر كما في تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وكذا المعطوفات ( ولا تشرك به شيئاً) جملة خبرية حالية من فاعل الفعل قبله، رابطها الواو والضمير ( وتقيم الصلاة) أي: تأتي بها جامعة الأركان والشرائط ( وتؤتي الزكاة) أي: تؤديها للفقراء وباقي مستحقيها، وسكت عن الصوم والحج إن كانا قد وُجبا إما اكتفاء بعلم المخاطب أنهما كاللذين قبلهما في سببية دخولها؛ أو لأن الحاجة إلى ما ذكره في الحديث أهم لتقصير السائل في تلك الأمور، لا في نحو الصوم والحج، فبين له شأنهما تحريضاً عليهما، أو ذكراً وسقطاً من الراوي ( وتصل الأرحام متفق عليه) .


رقم الحديث 1212 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً) هو ساكن البادية، وهذا الأعرابي لعله عبد الله بن الأحزم، قاله البلقيني في الإِفهام ( أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته) عبر بها لثقته بتوفيق الله تعالى له، فكأنه مقطوع بحصوله ( دخلت الجنة قال تبعد الله ولا تشرك به شيئاً) من الشرك، أو من المعبودات، والجملة حال رابطها الضمير ( وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة) احترازاً من صدقة التطوع ( وتصوم رمضان) سكت عن الحج والجهاد، إما لعدم طلبهما من السائل، أو لعلمه بأنه يعلم ثوابهما وعلو مكانهما ( قال: والذي نفسي بيده) أي: بقدرته ( لا أزيد على هذا) زاد مسلم: ولا أنقص منه.
قال الطبراني: هذا الحديث ونحوه خوطب به أعراب حديثو عهد بالإِسلام فاكتفى منهم بفعل الواجب في ذلك الحال؛ لئلا يثقل ذلك عليهم فيملوا، حتى إذا انشرحت صدورهم للفهم عنه والحرص على تحصيل ثواب المندوبات سهلت عليهم.
كذا في التوشيح ( فلما ولى) أي: أدبر ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) قال البرماوي: فيه أن المبشر بها أكثر من العشرة، كما ورد النص في الحسن والحسين وأمهما وجدتهما وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتحمل بشارة العشرة على أنهم بشروا دفعة واحدة، أو بلفظ بشره بالجنة، أو أن العدد لا ينفي الزائد ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1213 ( وعن جرير بن عبد الله) بالجيم والرائين بوزن قتيل وهو البجلي ( رضي الله عنه قال بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم -) من مبايعة الجند الأمير، وهو التزام ما يلزم ( على إقام الصلاة) مصدر أقام بحذف التاء المزيدة عوضاً عن ألف الافتعال تخفيفاً، وذلك خاص بحال إضافته ( وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم) أي: ذي إسلام من ذكر أو أنثى ( متفق عليه) وقد تقدم في باب النصيحة.


رقم الحديث 1214 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من) مزيدة لتأكيد استغراق قوله ( صاحب ذهب ولا فضة) أي مما تجب فيه الزكاة منهما، فالوعيد مخصوص بذلك، وقول ابن حجر في شرح المشكاة: فذلك الوعيد لا يستثنى منه أحد، مراده ممن وجد عنده أحد النقدين الواجبة زكاتهما فلم يؤدها ( لا يؤدي منها حقها) أي: الحق الواجب فيها وهو الزكاة، والإِضافة للملابسة وإفراد الضمير، إما لإِرجاعه إلى القصة لأنها أقرب، والذهب يعلم مما ذكر فيها بالأولى أو لأنها الأغلب، أو لأنهما في معنى الدنانير والدراهم، وهذا على منوال قوله تعالى: ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) ( إلا) استثناء من أعم الأحوال أي: لا يحصل له حال من الأحوال إلا حالة واحدة هي أنه ( إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح) بالرفع ويصح النصب على أنه المفعول الثاني، والأول ضمير الذهب والفضة وأفرد لما مر ولمطابقة الثاني.
قال التوربشتي: تصفيح الشيء جعله عريضاً، والصفائح ما طبع من الحديد وغيره عريضاً ( من نار فاحمى عليها في نار جهنم) بيان لمعنى كونها من نار لأن حقيقتها من غيرها، لكن لهذا الإِحماء الذي يصيرها كالنار في رأي العين سميت ناراً، والآية ( يوم يحمى عليها في نار جهنم) إلخ ظاهرة في هذا، وذكر أحمى هنا ويحمي في الآية؛ لإِسناده إلى الظرف، والأصل أحميت النار عليها أي: صارت ذات توقد وحر شديد، ثم حول الإِسناد إلى الظرف مبالغة؛ لأن كونها يحمى عليها أبلغ من كونها محماة؛ لإِشعار الأول بمزيد علاج واعتناء أتم، ومن ثم كان المراد أن تلك الصفائح تعاد إلى النار عوداً متكرراً إلى أن تبلغ في مزيد حرها ولهبها واشتداد إحراقها الغاية، وإنما كان الأصل ذلك لأنه لا يقال أحميت على الحديد بل أحميت الحديد وحميته كذا في فتح الإله، وبه يندفع منع التوربشتي من جهة الدراية لا من جهة الرواية لرفع الصفائح، زاعماً تعين نصبها؛ لأن على الرفع يتعين كون من نار لبيان الجنس ولا يستقيم، وذلك لأن الأموال هي التي جعلت صفائح ليعذب بها صاحبها، ولو كانت الصفائح متخذة من نار لم يكن لقوله ( يحمى عليها) وجه، ووجه الاندفاع أنه لا منافاة بين كون التعذيب بنفس الأموال، وبين كونها من النار؛ لأن الأول حقيقة والثاني مجاز؛ لأنه لشدة التهابها بالنار صارت كأنها عينها، وقوله ثم يكن لقوله ( يحمى عليها) وجه ممنوع، بل له وجه وهو المبالغة في ذلك العذاب والله أعلم بالصواب.
( فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره) خصت هذه الثلاثة؛ لأن إمساك المال عن أداء الواجب لأجل الوجاهة وملء البطن من الأطعمة وستر الظهر باللباس، أو لأنه أعرض بوجهه عن الفقير، وأزور عنه بجانبه وولاه ظهره؛ أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة؛ لاشتمالها على الأعضاء الرئيسية الدماغ والقلب والكبد، أو المراد منها جهات البدن الأربع أمامه ووراءه ويمينه ويساره ( كلما بردت) عن الحمو ردت إلى النار لزيادة حموها وشدتها ( أعيدت له) أحر وأشد مما كانت.
قال القرطبي: معناه دوام التعذيب واستمرار شدة الحرارة في تلك الصفائح، كاستمرارها في حديدة محماة ترد إلى الكير وتخرج منها ساعة فساعة ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) على الكافرين ونحوهم من الفسقة المتمردين المانعين حق الله تعالى وحق عباده، أما المؤمنون فهو على بعضهم كركعتي الفجر، وعلى باقيهم كنصف يوم من أيام الدنيا كما أشير إليه بقوله تعالى: ( وأحسن مقيلاً) ولا يزال تعذيبه مستمراً في هذه المدة الطويلة ( حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله) .
قال الطيبي: رويناه بضم الياء وفتحها وبرفع سبيله ونصبه.
اهـ وعلى ضم التحتية فسبيله أما نائب فاعل أو مفعول به، وعلى فتحها فهو مفعول به فقط.
والسبيل كالطريق وزناً ومعنى يذكر ويؤنث ( إما إلى الجنة) أي: إن كان مؤمناً والظرف في محل الحال ( وإما إلى النار) بأن كان كافراً ومنه مستحل ترك الزكاة ( قيل: يا رسول الله فالإِبل) أي: عرفنا حكم النقدين فما حكم الإِبل؟ ( قال:) عطفاً على قوله ما من صاحب ذهب إلخ ( ولا صاحب إبل) بكسرتين وبكسر فسكون، أي: وما من صاحب إبلٍ ( لا يؤدي منها حقها) الواجب ( ومن) أي: بعض ( حقها) المندوب ذكر استطراداً وبياناً لما ينبغي أن يعتني به من له مروءة، وإن لم يكن فيه عذاب؛ لأن العذاب لا يكون إلا بترك واجب وفعل حرام ( حلبها) بفتح المهملة واللام على الأشهر، وإسكانها غريب لكنه القياس ( يوم ورودها) أي: ورودها الماء بأن تحلب حينئذ ويسقى من ألبانها للمارة والواردين للماء، ونظير ذلك الأمر بالصرام نهاراً ليحضر المحتاج والنهي عنه ليلاً ( إلا إذا كان يوم القيامة بطح) أي: طرح على وجهه.
قال المصنف وقال القاضي: قد جاء في رواية البخاري تخبط وجهه بأخفافها، وهذا يقتضي أنه ليس من شرط البطح كونه علي الوجه، وإنما هو في اللغة بمعنى المد والبسط، فقد يكون على وجهه، وقد يكون على ظهره، ومنه سميت بطحاء مكة لانبساطها ( لها) وفي نسخة له: ولا يصح رواية بل معنى خلافاً للطيبي كالتوربشتي؛ لأن الضمير لها وذكر باعتبار الجنس ( بقاع) أي في صحراء واسعة مستوية ( قرقر) بقافين وراءين أي: مستو فهو صفة كاشفة كذا في فتح الإِله، والظاهر أنها صفة مؤكدة.
قال التوربشتي: القرقر في معنى القاع، وعبر عنه بلفظين مختلفين؛ للمبالغة في استواء ذلك المكان.
قال: وروي بقاع قرق وهو مثله ( أوفر) أي: أسمن ( ما كانت) أي: أوقات أكوانها وأحيائها ليزداد ثقلها عليه عند وطئها له؛ ولكون إضافة أفعل غير محضة لم تمنع وقوعه حالاً، كذا في فتح الإِله وهو وهم، فإن الصفة التي تكون إضافتها لفظية هي اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، كما في التوضيح، ونصبه في الحديث على الظرفية أي: وقت أوفرِ أكوانها والله أعلم ( لا يفقد منها) جملة حالية من فاعل كان التامة العائد للإِبل ( فصيلاً واحداً تطؤه بأخفافها) حال أيضاً متداخلة، أو استئناف بياني جواب لسؤال مقدر تقديره لم بطح لها وقت كونها أوفر ( وتعضه بأفواهها كلما) ظرف لقوله ردت ( مر عليه أولاها رد عليه أخراها) قيل: الأنسب.
رواية مسلم: كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها، بل قال المصنف: إنه الأصوب وإن به يستقيم الكلام، وكذا قال التوربشتي في شرح المصابيح، لكن قال في فتح القدير: وفيه ما فيه، بل المقصود من العبارتين تتابعها عليه واحداً بعد واحد ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
قيل: يا رسول الله فالبقر)
اسم جنس شامل للذكر والأنثى من الحيوان المعروف سمي به؛ لأنه يبقر الأرض للحرث أي: يشقها ( والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم) أي: مما تجب فيه الزكاة بأن يكون نصاباً بدليل قوله ( لا يؤدي منها حقها) أي: الزكاة الواجبة فيها ( إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد) بكسر القاف أي: لا يعدم ( منها شيئاً ليس فيها عقصاء) بالمهملتين بينهما قاف هي ملتوية القرنين ( ولا جلحاء) بالجيم والمهملة أي: لا قرن لها ( ولا عضباء) بالمهملة والمعجمة هي المكسورة القرن استفيد من هذه أن قرونها في غاية السلامة والقوهّ ليكون أوجع للمنطوح ( تنطحه) بكسر الطاء وفتحها لغتان، ذكرهما الجوهري وغيره، وقال المصنف: الكسر أفصح وهو المعروف في الرواية ( بقرونها وتطؤه بأظلافها) هي للبقر والغنم والظباء بمنزلة الخف للإِبل، فالظلف المنشق من القوائم، والخف للبعير، والقدم للآدمي، والحافر للفرس والبغل والحمار.
( كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد) والفعل فيه وفيما قبله مبني للمجهول، وسكت عن ذكر الفاعل للعلم به لتعيينه ( فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
قيل: يا رسول الله فالخيل)
قال في المصباح: معروفة، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها.
سميت خيلاً لاختيالها وهو إعجابها بنفسها مرحاً، ومنه يقال اختال الرجل وبه خيلاء أي: كبر وإعجاب، والمسئول عنه وجوب الزكاة فيها ( قال الخيل ثلاثة) أي: لها أحكام غير ما مر، فلا زكاة فيها، هذا ما دل عليه السياق ويؤيده حديث "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه زكاة" وقال الطيبي، خولف بين إيراد جواب هذا وأجوبة الأنعام، فما هنا وارد على أسلوب الحكيم، فالتقدير على مذهب الشافعي دع السؤال عن الوجوب، فليس فيها حق واجب؛ ولكن سل عن اقتنائها، وعما يرجع إلى صاحبها من النفع، أو المضرة ( هي لرجل وزر) بكسر الواو أي: إثم أي: سببه ( وهي: فالرجل ستر) أي: للحالة التي هو فيها من الفقر أو الضيق ( وهي لرجل أجر فأما التي) قال المصنف: كذا في أكثر النسخ أي من مسلم، ووقع في بعضها الذي هو أوضح وأظهر ( هي له) وفي المشكاة لرجل بالاسم الظاهر محل المضمر ( وزر فرجل ربطها رياء وفخراً) حال أو علة ( ونواء) بكسر النون وتخفيف الواو بالمد: المعاداة ( لأهل الإِسلام فهي له وزر) جملة مؤكدة مشعرة بتمام عنايته - صلى الله عليه وسلم - بتمام هذا الأمر والتحذير منه، ويأتي هذا في نظيره الآتي ( وأما التي هي له ستر) أي: من إظهار الحاجة ( فرجل ربطها في سبيل الله) أي: طاعته لا خصوص الجهاد لئلا يتحد مع ما بعده، ومن ثم عبر بدله في رواية بقوله: فرجل ربطها تغنياً وتعففاً أي: استغناء بنتاجها وتعففاً به عن سؤال الناس عند حاجته إلى الركوب، وهذا أشبه بصنيع ذوي الهيئات وأخلاق أهل الكرم والمروءة ( ثم لم ينس حق الله في ظهورها) بأن يركبها للطاعات وعند الحاجات ندباً تارة ووجوباً أخرى ( ولا رقابها) بأن يتعهدها بما يصلحها ويدفع ضررها ( فهي له ستر) أي: حجاب يمنعه عن الحاجة للناس ( وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله) أي: بقصد الجهاد عليها والإِعانة بها ( لأهل الإِسلام في مرج) بالميم والراء والجيم بوزن فلس أي: أرض ذات نبات ومرعى والظرف متعلق بربط ( أو روضة) عطف خاص على عام ( فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء) من مزيدة مؤكدة؛ لعموم مجرورها إذ هو نكرة في سياق النفي ( إلا كتب له عدد ما) أي: الذي ( أكلت) العائد محذوف ( حسنات) نائب فاعل كتب ( وكتب له عدد) بالنصب مفعول مطلق ( أرواثها وأبوالها) باعتبار أن بذلك بقاء حياتها مع كون أصلها قبل الاستحالة مالاً لمالكها، وفي ذكرهما غاية المبالغة؛ لأنهما إذا كتبا مع استقذارهما فغيرهما أولى ( حسنات ولا تقطع طولها) بكسر المهملة وفتح الواو الخفيفة، ويقال طيل بوزن ما ذكر وقلب الواو ياء لإِنكسار ما قبلها.
قال المصنف: وكذا جاء في الموطأ وهو حبل طويل يشد طرفه في نحو وتد وطرفه الآخر في يد الفرس أو رجلها لتدور فيه وترعى من جوانبها وتذهب لوجهها ( فاستنت) أي: عدت في مرجها لتوفر نشاطها ( شرفاً أو شرفين) أي: طلقاً أو طلقين قال التوربشتي: لأنها تعدو حتى تبلغ شرفاً من الأرض وهو ما يعلو منها فتقف عند ذلك وقفة ثم تعدو ما بدا لها، فعبر عن الطلق بالشرف، أو المراد تعدو إلى طرف المرج ثم تعود إلى محلها ( إلا كتب الله له) أتى بصيغة المعلوم تفنناً في التعبير ( عدد آثارها) لخطاها ( وأرواثها) أراد بها هنا ما يشمل البول، وأسقط للعلم به منها ( حسنات ولا مر بها صاحبها) يحتمل أن يراد به مالكها، وأن يراد من صاحبها وإن كان غيره، وإذا أثيب بالمصاحبة فالمالك أولى بالثواب.
( على نهر) بسكون الهاء وفتحها ( فشربت منه) ما أفادته الفاء من التعقيب هو باعتبار الغالب، وإلا فما يأتي مرتب على شربها منه ولو مع مهلة ( ولا يريد أن يسقيها) بفتح التحتية على الأفصح وضمها لغة والجملة حالية من صاحب ( إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات) وكتب له ذلك؛ لأنه نشأ عن فعله الذي هو إطعامها حتى احتاجت للشرب، وإذا أثيب بما ذكر من غير قصد السقي فمع قصده أولى ( قيل: يا رسول الله فالحمر) بضمتين أي: أهي كالانعام في وجوب الزكاة أو كالخيل فيما ذكر؟ ( قال: ما أنزل) بالفعل المبني للمجهول وفي نسخة مصححة ما أنزل الله ( عليّ في الحمر شيء) أي: من الأحكام ( إلا هذه الآية) بالرفع ويجوز فيه النصب ( الفاذة) بالمعجمة المشددة أي: المنفردة في معناها ( الجامعة) لأبواب البر لإِطلاق اسم الخير على سائر الطاعات، يقال: فذ الرجل عن أصحابه إذا شذ عنهم فبقى منفرداً، وعطف عليها عطف بيان.
قوله ( فمن يعمل مثقال ذرة) أي: زنة نملة صغيرة أو جزء من أجزاء الهباء ( خيراً يره) فإن كان مؤمناً رأى جزاءه في الدارين، وإن كان كافراً ففي الدنيا وقد يخفف عنه من عذاب الآخرة ( ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره متفق عليه) أي: باعتبار أصل الوعيد في ترك الزكاة؛ لأن حديث البخاري ليس فيه ذكر وعيد النقدين، ولا ما في الخيل والحمر ( وهذا) أي: المذكور ( لفظ مسلم) في كتاب الزكاة، وسكت فيه عما تجب فيه الزكاة من الأقوات وعروض التجارة.


رقم الحديث -214 هي لغة النماء والتطهير وشرعاً جزء مخصوص يخرج من مال مخصوص على وجه مخصوص ( وبيان فضلها) معطوف على تأكيد ( و) بيان ( ما يتعلق بها) من بيان بعض ما يجب فيه الزكاة، ومن يجب عليه ( قال الله تعالى: وأقيموا الصلاة) أي: بإتمام أركانها وشرائطها من قولهم أقمت العود أزلت عوجه ( وآتوا) أي: اعطوا ( الزكاة) دل قرن إعطائها بإقامة الصلاة على عظم تاكيد ذلك ( وقال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله) أي: ليتذللوا غاية التذلل له ( مخلصين له الدين) بأن لا يشركوا معه فيه شركاً جلياً بأن يعبدوا غيره معه كما يفعل المشركون أو شركاً خفياً بأن يرائي العامل بعمله، أو يسمع به فإن الأول يمنع أصل الإِيمان، والثاني يمنع ثواب الأعمال المفعولة كذلك ( حنفاء) مائلين عن كل دين باطل ( ويقيموا الصلاة) عطف على يعبدوا ( ويؤتوا) أي: يعطوا ( الزكاة وذلك) أي: ما ذكر من الإِيمان مخلصاً وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ( دين القيمة) أي: دين الملة أو الشريعة المستقيمة، وقيل: هي جمع القيم أي: الأمة القائمين لله تعالى.
وتقدم تفسير هذه الأية أول باب الإخلاص ( وقال تعالى: خذ من أموالهم) أي: أموال المؤمنين ( صدقة تطهرهم) عن الذنوب ورذيلة البخل ( وتزكيهم بها) أي: ترفعهم بالصدقة إلى منازل المصدقين المخلصين.
ففي الحديث والصدقة برهان.