فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فَضْلِ السُّحورِ وتأخيرِهِ مَا لَمْ يَخْشَ طُلُوع الفَجْرِ

رقم الحديث 1229 ( عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تسحروا) أمر ندب، ويحصل أصل السنة بقليل الطعام، لو جرعة ماء، ففي حديث عبد الله بن سراقة مرفوعاً "تسحروا ولو بجرعة من ماء" رواه ابن عساكر: وبكثيره ( فإن في السحور بركة) قال في النهاية: قيل: الصواب هنا الضم؛ لأن البركة والأجر والثواب في الفعل الذي هو تناول السحور لا في نفسه، وإن قيل: إن أكثر الروايات بالفتح.
اهـ وفي كون الفتح خلاف الصواب، ما لا يخفى خصوصاً وهو صحيح، إما على تقدير مضاف، أو على سبيل المجاز من وصف الشيء بوصف ملابسه، وقال الحافظ: هو بفتح السين وضمها؛ لأن المراد بالبركة: إما الأجر والثواب فيناسب الضم؛ لأنه مصدر بمعنى التسحر، أو كونه يقوي على الصوم، وينشط له، ويخفف المشقة فيه، فيناسب الفتح، وقيل: البركة ما يتضمنه من الاستيقاظ والدعاء في السحر.
والأولى أن يقال إن البركة تحصل بجهات متعددة، إتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة والتسبب للذكر، والدعاء وقت مظنة الإِجابة، وتارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام.
اهـ ( متفق عليه) ورواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أنس، ورواه النسائي أيضاً من حديث أبي هريرة وابن مسعود، ورواه أحمد من حديث ابن مسعود، كذا في الجامع الصغير.
وقال: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم" رواه أبو داود وغيره، لكنه لم يكن راتباً ولذا عد مؤذنو النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة.
قال الشافعي: وأحب أن أقتصر في المؤذنين على اثنين؛ لأنا إنما حفظنا أنه أذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنان ولا نضيق إذ أذن أكثر من اثنين ( بلال وابن أم مكتوم) الأعمى ففيه جواز كونه مؤذناً إذا كان له معرفة بالأوقات ولو بالتعريف ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن بلالاً يؤذن بليل) فيه ندب الأذان للصبح قبل دخول وقته؛ ليستعد للصلاة بالغسل من الجنابة، ونحو ذلك، وذلك من النصف الأخير ( فكلوا واشربوا) لبقاء الليل المباح فيه الأكل ( حتى يؤذن ابن أم مكتوم) فيه جواز نسبة الإِنسان إلى أمه ( قال) أي: ابن عمر ( ولم يكن بينهما) أي: بين أذانيهما ( إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا) قال العلماء: المعنى أن بلالاً كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يرقب الفجر، فإذا قارب طلوعه نزل ذ فأخبر ابن مكتوم، فتأهب بالطهارة وغيرها، ثم يرقى، ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر؛ ثم قد جاء عند ابن حبان في صحيحه، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال " وعند النسائي من حديث أنيسة بنت حبيب "إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا" قال العراقي: هاتان الروايتان معارضتان للرواية المشهورة.
قال ابن عبد البر: المحفوظ والصواب هو الأول.
وقال ابن خزيمة: يجوز أن يكون بينهما نوب.
وجزم به ابن حبان في الجمع بينهما ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1232 ( وعن عمرو بن العاص) كذا في النسخ بحذف الياء، وتقدم ما فيه عند ذكر ولده عبد الله، في باب تحريم الظلم، وتقدم في ترجمته في باب بيان كثرة طرق الخير، نسب عمرو هذا.
قال المصنف في التهذيب: أسلم عام خيبر أول سنة سبع، وقيل: في صفر سنة، ثمان، قبل الفتح بستة أشهر، وقيل: غير ذلك، وقدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، فأسلموا، ثم أمره - صلى الله عليه وسلم - في سرية ذات السلاسل، وهي السرية السابعة عشر، على جيوش هم ثلاثمائة، ثم أمده بجيش فيهم أبو بكر وعمر، وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح وقال له: لا تختلف.
فكان عمرو يصلي حتى رجعوا واستعمله - صلى الله عليه وسلم -، على عمان فلم يزل عليها حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أرسله أبو بكر أميراً إلى الشام فشهد فتوحها وولي فلسطين لعمر ثم أرسله عمر في جيش إلى مصر ففتحها، ولم يزل والياً عليها حتى توفي عمر، ثم أقره عثمان عليها أربع سنين، ثم عزله، فاعتزل عمرو بفلسطين، فكان يأتي المدينة أحياناً، ثم استعمله معاوية على مصر، فبقي والياً عليها حتى توفي ودفن بها، وكانت وفاته ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين على الأصح، وعمره سبعون سنة، وصلى عليه ابنه عبد الله، وكان من أبطال العرب، ودهاتهم، وكان فيصلاً وذا رأي ولما حضرته الوفاة قال: اللهم أمرتني فلم أءتمر، ونهيتني فلم أنزجر، ولست قوياً فانتصر، ولا بريئاً فاعتزر، ولا مستكبراً بل مستغفراً لا إله إلا أنت، فلم يزل يرددها حتى توفي، وفي وفاته حديث مليح، في كتاب الأيمان من صحيح مسلم، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة وسبعون حديثاً اتفقا على ثلاثة، ولمسلم اثنان، وللبخاري بعض حديث.
اهـ ملخصاً ( رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فصل) بالمهملة أي: فاصل ( ما) موصولة والأصل الفاصل الذي ( بين صيامنا وصيام أهل الكتاب) أي: اليهود والنصارى ( أكلة السحر) بفتح الهمزة، وهي المرة وإضافة فصل إلى ما من إضافة الموصوف لصفته ( رواه مسلم) وفيه التصريح بأن السحور من خصائصنا، وأن الله تعالى تفضل به، وميزه من الرخص على هذه الأمة، ما لم يتفضل به على غيرها من الأمم.


رقم الحديث -219 بفتح السين ما يتناول في السحر، وبالضم التناول له حينئذ ( وتأخيره) إن أريد الأول ففي الكلام مضاف أي: وتأخير تناوله ( ما لم يخش طلوع الفجر) ما فيه مصدرية ظرفية، قيد للتأخير.