فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فَضْل تَعْجِيل الفِطْرِوما يُفْطَرُ عَليهِ وَمَا يَقُولُهُ بَعْدَ الإِفْطَارِ

رقم الحديث 1233 ( عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يزال الناس بخير) جاء في رواية "لا يزال الدين ظاهراً وظهور الدين مستلزم لدوام الخير" ( ما عجلوا الفطر) زاد أحمد في حديثه عن أبي ذر: وأخروا السحور، وما مصدرية ظرفية أي مدة فعلهم ذلك امتثالاً للسنة، واقفين عند حدها غير مستنبطين بعقولهم ما يغيروا به قواعدها، زاد أبو هريرة في حديثه "لأن اليهود والنصارى يؤخرون" أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما، وتأخير أهل الكتاب له أمد وهو إلى ظهور النجم، وجاء من حديث سهل أيضاً بلفظ "لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم" رواه ابن حبان والحاكم، وفيه بيان الغاية في ذلك.
قال المهلب: والحكمة فيه أنه لا يزاد في النهار من الليل؛ ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة، واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية، أو بأخبار عدلين، وكذا عدل واحد في الأرجح.
قال الشافعي في الأم: تعجيل الفطر مستحب، ولا يكره تأخيره إلا لمن تعمده ورأى الفضل فيه.
قال الحافظ في الفتح: ومن البدع المنكرة إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة، في رمضان يفعلونه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا أحاد الناس، وجرهم في ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون المغرب، إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت فيما زعموا فأخروا الفطر وعجلوا السحور، فخالفوا السنة فلذا قل فيهم الخير وكثر الشر، والله المستعان ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1234 ( وعن أبي عطية) الوادعي الهمداني يروي عن ابن مسعود وأبي موسى وعنه أبو إسحق والأعمش ثقة من كبار التابعين.
قال الحافظ في التقريب: اسمه مالك بن عامر أو ابن أبي عامر أو ابن عوفٍ أو ابن حمزة أو ابن أبي حمزة مات في حدود السبعين، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ( قال: دخلت أنا ومسروق) ابن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي، ثقة فقيه عابد مخضرم، روى عنه أصحاب السنن ( على عائشة رضي الله عنها فقال لها مسروق: رجلان) مبتدأ، سوغ الابتداء به وصفه بقوله ( من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كلاهما) مبتدأ ثان، ولا يجوز على مذهب البصريين كونه تأكيد رجلان لنكارته؛ وهم يمنعون فيها ( لا يألو) فرد الخبر، باعتبار لفظ كلاهما، كما هو الأصح ومنه قوله تعالى: ( كلتا الجنتينءَاتت أكلها) ويجوز التثنية باعتبار المعنى، وقد اجتمعا في قول الشاعر: كلاهما حين جد السير بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي ( عن الخير أحدهما يعجل المغرب) أي: صلاته ( والإِفطار) أي: عند تحقق الغروب ( والآخر يؤخر المغرب والإِفطار) أتى بالظاهر محل الضمير؛ زيادة في الاستفسار ( فقالت: من يعجل المغرب والإِفطار) سألت عنه دون الثاني؛ لأنه أتى بما يثنى عليه، فأحبت معرفته؛ لتثني عليه بذلك، ويحصل مقصود بيان فعل الثاني، من الثناء على ضده ( قال عبد الله) وقوله ( يعني ابن مسعود) يحتمل أن يكون من أبي عطية، أو ممن دونه، وذلك لأن المسمين بعبد الله من الصحابة عدد كثير جداً، لكنه إذا أطلق في حديث الكوفيين فالمراد منه ابن مسعود، وإذا أطلق في حديث الحجازيين فالمراد: منه ابن عمر ( فقالت هكذا) أي: كفعل ابن مسعود ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع) في التعبير به دون يفعل، إيماء إلى الاهتمام بذلك، لأن الصنع من عمل الإنسان ما صدر منه بعد تدرب فيه وترو، وتحري إجادته ( رواه مسلم) وفيه وزاد أبو كريب: والآخر أبو موسى ( قوله: لا يألو أي لا يقصر في الخير) في مطاء المطول الألو التقصير، وقد استعمل معدى لاثنين في قولهم: لا آلوك جهداً، أي: لا أمنعك جهداً.
اهـ.
ومقتضاه: أن أصله التقصير كما استعمل في الحديث، وإن نصب المفعولين به لتضمنه معنى منع.


رقم الحديث 1236 ( وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أقبل الليل ها هنا) أي: من جهة المشرق ( وأدبر النهار من ها هنا) أي من جهة المغرب والجمع بينهما للتأكيد وإلا فأحدهما يستلزم الثاني، وكذا يستلزم قوله ( وغربت الشمس) بأن غاب جميع قرصها، ولا يضر بعد تحققه بقاء الشعاع، قال المصنف: وإنما جمعها؛ لأنه قد يكون في واد ونحوه، بحيث لا يشاهد غروب الشمس فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء ( فقد أفطر الصائم) أي: مفطراً شرعاً، وإن لم يتناول شيئاً؛ لخروج وقت الصوم وهو النهار بذلك، فالإِمساك بعد الغروب تعبداً، كصوم يوم العيد قاله بعض العلماء.
وقيل: معناه دخل وقت إفطاره.
قال ابن ملك: وهذا أولى لما جاء في الحديث "من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" ( متفق عليه) رواه أبو داود والترمذي.


رقم الحديث 1237 ( وعن أبي إبراهيم) كنية ( عبد الله بن أبي أوفى) بالفاء، وأسمه علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي الصحابي، تقدمت ترجمته، في باب الصبر، ومنها أنه هو وأبوه صحابيان ( رضي الله عنهما قال: سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم) لعله كان في فتح مكة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - خرج لذلك في رمضان من سنة ثمان.
( فلما غربت الشمس) أي: تكامل مغيب قرصها ( قال لبعض القوم: يا فلان) قيل: هو بلال، أخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري في الحديث وفيه، فقال يا بلال.
وأخرجه الإِسماعيلي وأبو نعيم، من طريق عبد الواحد، وهو ابن زياد شيخ مسدد، بلفظ يا فلان.
فاتفقت روايتهم على قوله - صلى الله عليه وسلم -: يا فلان، قال الحافظ في الفتح: ولعلها تصحيف، وجاء عند ابن خزيمة عن عمر رضي الله عنه قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا أقبل الليل.
الخ، فيحتمل أن المخاطب بذلك عمر، فإن الحديث واحد، فلما كان المقول له إذا أقبل الليل عمر، احتمل أن يكون هو المقول له أولاً أجدح، لكن يؤيد كونه بلالاً، قوله في رواية شعبة عند أحمد، فدعا صاحب شرابه، فإن بلالاً هو المعروف بخدمته - صلى الله عليه وسلم -.
اهـ ملخصاً ( انزل فاجدح لنا) أي حرك السويق ونحوه، بالماء بعود يقال له المجدح مجنح الرأس ( فقال: يا رسول الله لو أمسيت) إن كانت للتمني فلا حذف، وإن كانت للشرط فالجواب محذوف، مدلول عليه بقرينة الحال، أي: لكان أحسن ( قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن عليكم نهاراً) يحتمل أن يكون المذكور كان يرى شدة الضوء، من شدة الصحو فظن أن الشمس لم تغرب، وأنها قد غطاها جبل أو نحوه، أو أن هناك غيماً، فلا يتحقق غروبها، وأما قول الراوي: قد غربت الشمس فإخبار عما في نفس الأمر، وإلا فلو تحقق الصحابي، حكم المسئلة لما توقف ( قال: انزل فاجدح لنا قال) أي: الراوي للحديث، وهو ابن أبي أوفى ( فنزل فجدح لهم فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: وشربنا وسكت عنه لوضوحه ( ثم قال: إذا رأيتم) أي: إذا علمتم ( الليل قد أقبل من ها هنا) فالليل مفعول أول، وجملة قد أقبل سد مسد المفعول الثاني، ولك أن تجعل رأى بصرية فتكون الجملة حالية من المفعول ( فقد أفطر الصائم) قال ابن أبي أوفى ( وأشار) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - ( بيده قبل المشرق) مبيناً للمكان المشار إليه بقوله ها هنا ( متفق عليه قوله: اجدح، بجيم ثم دال ثم حاء مهملتين) بوزن اسأل ( أي اخلط السويق) قال في المصباح: هو ما يعمل من الحنطة، أو الشعير.
اهـ زاد في الفتح بعد قوله السويق أو نحوه ( بالماء) بعود يقال له المجدح بكسر الميم، مجنح الرأس تساط به الأشربة، وقد تكون له ثلاث شعب، وزعم الداودي أن معنى اجدح احلب، وغلطوه في ذلك.


رقم الحديث 1238 ( وعن سلمان) بسكون اللام ( ابن عامر) بالمهملة ابن أوس بن حجر بن عثمان بن عمرو بن الحارث ( الضبي) بالمعجمة وتشديد الموحدة، نسبة إلى ضبة بن داود بن طائحة بن إلياس بن مضر، قاله ابن الأثير في الأنساب ( الصحابي) سكن البصرة ( رضي الله عنه) خرج عنه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في مختصر التلقيح وغيره ثلاثة عشر حديثاً، أخرج له البخاري حديثاً واحداً، ولم يخرج له مسلم شيئاً، قال في أسد الغابة: قال مسلم بن الحجاج: لم يكن في ضبة صحابي غيره ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أفطر أحدكم) أي: أراد الفطر ( فليفطر على تمر) زاد الترمذي في رواية: فإنه بركة، أي: إن لم يجد رطباً وإلا فهو المقدم عليه، لما يأتي في الخبر بعده، وأخذ من الحديث حصول السنة، ولو بواحدة، لكن الحديث بعده يوميء إلى أنها بثلاث، والحكمة فيه أنه إن وجد في المعدة فضلة لها وإلا كان غذاء، وأنه يجمع ما تفرق من ضوء البصر بسبب الصوم.
وقول الأطباء: إنه مضعف للبصر، محمول على الإِكثار منه، ورب شيء كثيره مضر، وقليله نافع كالسقمونيا ( فإن لم يجد) التمر بأن لم يسهل تحصيله ( فليفطر على ماء) دخل فيه ماء زمزم، فلا يعدل إليه إلا عند فقد التمر، خلافاً لمن قال بتقديمه على التمر، وإن جمع بينهما فحسن، فإنه مردود.
أما الأول: فتصادمه السنة.
وأما الثاني: فللاستدراك عليها.
وقد صام - صلى الله عليه وسلم - بمكة أياماً عام الفتح، وما نقل عنه أنه خالف عادته من تقديم التمر، ولو فعل لنقل ( فإنه طهور) أي: مزيل للخبائث المعنوية والحسية، وما هو كذلك ينبغي إيثاره على غيره ( رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح) ورواه أحمد وابن ماجه والدارمي، ونحوه خبر الترمذي وغيره، وصححوه: إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإنه طهور، وهذا الترتيب لكمال السنة لا لأصلها، كما هو واضح، فمن أفطر على ماء مع وجود التمر حصل له أصل سنة الإفطار على الماء الطهور.


رقم الحديث 1239 ( وعن أنس) رضي الله عنه ( قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر قبل أن يصلي) أي: صلاة المغرب ( على رطبات فإن لم تكن) أي: توجد ( رطبات) بأن عزت، أي.
لم يسهل تحصيلها ( فتميرات) بالتصغير، أي: فثلاث؛ لأنه أقل الجمع ( فإن لم تكن تميرات) أي: توجد كما ذكر ( حسا) أي: شرب ( حسوات) بفتح أوليه المهملين، جمع حسوة بالفتح، وهي المرة من الشرب، وأما الحسوة بالضم فهو لغو الفم مما يحسى، ويجمع على حسوات وحسى كمدية ومدى ومديات، قاله في المصباح.
( من ماء) متعلق بحسوات، أو مستقر صفة لحسوات ( رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن) وصححه الدارقطني والحاكم، وقال: على شرط مسلم.
قال في فتح الإله: ومنه أخذ أئمتنا أنه يسر أن يكون الفطر على ثلاث رطبات، فإن عز فثلاث تمرات، فإن عز فثلاث غرفات من ماء، سواء كان ذلك في الصيف، أو الشتاء.
وقيل: يقدم التمر في الشتاء، والماء في الصيف لرواية به، ولما في ذلك من المناسبة، وما ذكر من التثليث والترتيب هو لكمال السنة، وإلا فأصلها يحصل بواحدة، وبتقديم المؤخر نظير ما مر.
" تنبيه " عقد المصنف الترجمة لفضل التعجيل، وما يفطر عليه، وما يقوله عند الفطر، وترك ما يتعلق بالثالث نسياناً، فحاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" رواه أبو داود وعن معاذ بن زهرة قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت رواه أبو داود مرسلاً.


رقم الحديث -220 أي عند تيقن الغروب، ويجوز عند ظنه باجتهاد صحيح، والأفضل تأخيره حينئذ لتيقنه ( وما يفطر عليه وما يقوله بعد إفطاره) أي: بيان كل منهما، فهو معطوف على فضل لا على مدخوله.


رقم الحديث 1235 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله عز وجل: أحب عبادي إلي) أي: أرضاهم عندي وأدناهم من جنابه، إدناء المحب من حبيبه، ولا يخفى ما في إضافة العباد من الإيماء إلى التشريف ( أعجلهم فطراً) وذلك لما فيه من متابعة السنة ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن) وأخرجه الحافظ العلائي في الأحاديث القدسية بأسانيد متعددة، تنتهي إلى أبي عاصم النبيل، وبإسناد ينتهي إلى الضحاك بن مخلد بسندهما إلى أبي هريرة، ثم أورد الحديث وقال: لفظهم واحد رواه الترمذي من طريق أبي عاصم النبيل قال: فوقع لنا بدلاً عالياً.