البيان
|
|
الاسم بالكامل :
|
الأدب المفرد للبخاري
|
اسم الشهرة :
|
الأدب المفرد للبخاري
|
البيان
|
|
اسمه بالكامل :
|
البُخاري ، أبو عبد الله ، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة .
|
عمره أو تاريخ وفاته :
|
(194 - 256هـ ، 810 - 870م) .
|
ترجمته :
|
اسمه ونسبه:
أبو عبدالله بن أبي الحسن، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَه ، الجعفي مولاهم، البخاري.
فأمَّا الجعفي: فنسبة إلى يمان الجعفي الذي أسلم على يديه المغيرة جَدّ البخاري، وكان قبلُ مجوسيًّا، فنُسِب إليه نسبة ولاء إسلام.
وأمَّا البُخاري: فنسبة إلى مدينة "بُخارى" الواقعة في بلاد ما وراء النَّهر، وهي الآن تقع في الجزء الغربي من جمهورية "أُوزبكستان".
مولده ومكان ولادته:
ولد يوم الجمعة بعد صلاتها، لثلاث عشرة ليلةً خلت من شهر شوَّال، سنة أربع وتسعين ومائة، "بِبُخارى"، وقد ذكر البخاري أنَّه وجد تاريخ مولده بخطِّ أبيه.
نشأته:
مات أبوه وهو صغير، فنشأ في حِجْر أمِّه، وكان أبوه قد ترك مالاً أعان أمَّه على تنشِئته وتربيته التربية الكريمة، قال أبوه "إسماعيل" عند وفاته: "لا أعلم في مالي درهمًا من حرامٍ ولا شبهةٍ".
ذهبت عيناه في صِغَره، فرأت أمُّه خليلَ الرحمن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - في المنام، فقال لها: "يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره بكثرة دعائك أو بكائك"، فأصبح وقد ردَّ الله له بصره.
طلبه للعلم والحديث ورحلاته:
ظهر نبوغه العلميُّ في سنٍّ مبكرة وهو ابن عشر سنين، فبدأ بطلب العلم ببلدِه "بُخَارَى" قبل أنْ يرتحلَ منها، وفي ست عشرة سنة حفظ كُتب ابن المبارك ووكيع.
وقد سُئل البخاري: كيف كان بَدْءُ أمرِكَ؟ قال: "أُلْهِمْتُ حِفظَ الحديث وأنا في الكُتَّاب، فقيل: كم كان سِنُّك؟ فقال: عشر سنين أو أقل، فلمَّا طعنتُ في ست عشرةَ سنة، كنتُ قد حفظتُ كُتب ابن المبارك ووكيع، وعرفتُ كلام هؤلاء[، ثمَّ خرجتُ مع أمِّي وأخي إلى "مكةَ"، فلمَّا حَججتُ رجع أخي بها، وتخلَّفتُ في طلب الحديث".
فكان هذا أول ارتحاله في طلب العلم، وكان ذلك حوالي سنة عشر ومائتين، ثمَّ رحل إلى المدينة، والشام، ومصر، ونَيسابور، والجزيرة، والبصرة، والكوفة، وبغداد، وواسط، ومرو، والرّيّ، وبَلْخ، وغيرها، قال الخَطيب: "رحل في طلب العلم إلى سائر محدِّثي الأمصار".
شيوخه:
بعد هذه الرحلات الواسعة لا يُسْتَغْرب قول البخاري - رحمه الله - قبل موته بشهر: "كتبتُ عن ألفٍ وثمانين نفسًا"، ابتدأ السَّماع من شيوخ بلده "بُخارى"، فسمع أولاً من عبدالله بن محمد بن عبدالله بن جعفر بن اليمان الجعفي المسندي، ومحمد بن سلام البيكندي، وجماعة.
وقد قسَّم الحافظ ابنُ حجر شيوخ البخاري إلى خمس طبقات:
الأولى: مَن حدَّثه عن التابعين، وهم أتباع التابعين، مثل محمد بن عبدالله الأنصاري، ومكي بن إبراهيم، وعُبيدالله بن موسى، وغيرهم.
الثانية: مَن كان في عصر هؤلاء لكنَّه لم يسمع من ثِقات التابعين، كآدم بن أبي إياس، وسعيد بن أبي مريم، وأيوب بن سليمان، وأمثالهم.
الثالثة: وهي الوسطى من مشايخه، وهم مَنْ لم يَلْقَ التابعين، بل أخذ عن كبار تَبَعِ الأتباع، كسليمان بن حرب، وقتيبة بن سعيد، وابن المديني، وابن معين، وابن حنبل، وإسحاق، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأمثالهم، وهذه الطبقة قد شاركه "مسلم" في الأخذ عنهم.
الرابعة: رفقاؤه في الطلب، ومَن سمع قبله، كمحمد بن يحيى الذُّهْلي، وعبد بن حُمَيد، وأبي حاتم الرازي، وجماعة من نظرائهم، وإنَّما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه، أو ما لم يجده عند غيرهم.
الخامسة: وهم في عِداد طلبته في السنِّ والإسناد، وقد سمع منهم للفائدة، كعبدالله بن حمّاد الآملي، وعبدالله بن أبي العاص الخوارزمي، وحسين بن محمد القباني، وغيرهم. وقد روى عنهم أشياء يسيرة، وعمل في الرواية عنهم لما قاله "وكيع": "لا يكون الرجل عالِمًا حتى يُحدِّث عمَّن هو فوقه، وعمَّن هو مثله، وعمَّن هو دونه".
تلامذته:
أخذ عنه خلقٌ كثيرٌ لا يُحصَون، قال الحافظ صالح بن محمد الملقَّب (جزرة): " كان يجتمع له في "بغداد" وحدَها أكثر من عشرين ألفًا يكتبون عنه".
وكان بين يديه ثلاثة مستملين، وسَمِع منه الصحيح ما يَقْرب من تسعين ألفًا.
وممَّن أخذ عنه من العلماء المشهورين: الإمام مسلم بن الحجَّاج صاحب "الصحيح"، والإمام محمد بن سورة الترمذي صاحب "الجامع"، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيَّان، وابن خزيمة، وصالح بن محمد (جزرة)، وغيرهم كثير.
عبادته:
كان - رحمه الله - إذا دخلت أول ليلةٍ من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلِّي بهم، ويقرأ في كلِّ ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أنْ يختمَ القرآن.
وكان يقرأ في السَّحَر ما بين النِّصف إلى الثُّلث من القرآن، فيختم عند السَّحَر في كلِّّ ثلاث ليالٍ، وكان يختم بالنهار في كلِّ يومٍ ختمة، ويكون ختمه عند الإفطار كلَّ ليلة، وكان يصلِّي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة، ويوتِر منها بواحدة.
كان معه شيء من شَعْرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَه في ملبوسه.
صلَّى ذات ليلة، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرَّة، فلمَّا قضى الصلاة، قال: "انظروا أيش آذاني"، ولمَّا ألَّفَ "الصحيح"، كان يصلِّي ركعتين عند كلِّ ترجمة.
ورعه واحتياطه في جَرْحِ الرواة:
قال - رحمه الله -: "أرجو أنْ ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبتُ أحدًا".
قال الذهبي - رحمه الله - معلِّقًا على كلام البخاري هذا: "قلتُ: صدَقَ - رحمه الله - ومَنْ نَظَرَ في كلامه في الجَرح والتعديل، عَلِمَ ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعِّفه، فإنه أكثر ما يقول: "منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر"، ونحو هذا، وقلَّ أنْ يقول: "فلانٌ كذَّاب، أو كان يضعُ الحديث"، حتى إنَّه قال: "إذا قلتُ: فلانٌ في حديثه نظرٌ، فهو متَّهمٌ واهٍ"، وهذا معنى قولِه: "لا يحاسبني الله أني اغتبتُ أحدًا"، وهذا هو - والله - غاية الْوَرَع".
ولم يمنعه ما جرى بينه وبين الذهلي في مسألة اللفظ - وستأتي - أن يروِيَ عنه، قال الذّهبي معدِّدًا تلاميذ الذهلي: "ومنهم: محمد بن إسماعيل البخاري، ويدلِّسه كثيرًا، لا يقول: محمد بن يحيى، بل يقول: محمد فقط، أو محمد بن خالد، أو محمد بن عبدالله ينسبه إلى الجدِّ، ويُعمي اسمه لمكان الواقع بينهما، غَفَرَ اللهُ لهما".
حفظه وذكاؤه:
قال البخاري - رحمه الله -: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح".
وقال: "كتبتُ عن ألف شيخ وأكثر، عن كلِّ واحدٍ منهم عشرة آلاف وأكثر، ما عندي حديث إلا أذكر إسناده".
وقال محمد بن أبي حاتم الورَّاق: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبدالله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام، فكنَّا نقول له: إنَّك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يومًا بعد ستة عشر يومًا: "إنَّكما قد أكثرتما عليَّ وألححتما، فاعرضا عليَّ ما كتبتما"، فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلَّها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نُحْكِمُ كُتُبَنَا من حفظه، ثمَّ قال: أترون أني أختلف هَدَرًا، وأضيِّع أيَّامي؟! فعرفنا أنَّه لا يتقدَّمه أحدٌ.
قَدِمَ "بغداد"، فسمع منه أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد هذا، وإسناد هذا المتن هذا، ودفعوا إلى كلِّ واحدٍ عشرة أحاديث ليُلْقُوهَا على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فسأل البخاري عن حديث من عشرته، فقال: "لا أعرفه"، وسأله عن آخر، فقال: "لا أعرفه"، وكذلك حتى فرغ من عشرته، فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: "الرَّجل فهم"، ومَن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز، ثم انتدب آخر، ففعل كما فعل الأوَّل، والبخاري يقول: "لا أعرفه"، ثمَّ الثالث، وإلى تمام عشرة الأنفس، وهو لا يزيدهم على: "لا أعرفه"، فلمَّا عَلِم أنَّهم قد فرغوا، التفتَ إلى الأول منهم، فقال: أمَّا حديثك الأوَّل فكذا، والثَّاني كذا، والثالث كذا إلى العشرة، فردَّ كلَّ متنٍ إلى إسناده، وفعل بالآخرين مثل ذلك، فأقرَّ له الناس بالحفظ.
وكان "بسمرقند" أربعمائة ممَّن يطلبون الحديث، فاجتمعوا سبعة أيام، وأحبُّوا مغالطة محمد ابن إسماعيل، فأدخلوا إسناد الشَّام في إسناد العراق، وإسناد اليمن في إسناد الحَرَمين، فما تعلَّقوا منه بسقطةٍ لا في الإسناد، ولا في المتن.
قال الإمام ابن كثير: "وقد ذكروا أنَّه كان ينظُر في الكتاب مرَّة واحدةً فيحفظه من نظرةٍ واحدةٍ، والأخبار عنه في ذلك كثيرة".
ثناء الأئمَّة عليه:
جعل الله له لسان صدْقٍ عند العلماء وأصحاب التَّراجِم، فما زال العلماء منذ عصره يُثنون عليه وعلى كتابه "الصحيح"، حتى إنَّ بعضهم ألَّف مؤلَّفًا مستقلاًّ في ترجمته ومناقبه كالذهبي، وابن كثير، وابن حجر، وغيرهم كثير، وهذه بعض أقوال وثناء أهل العِلم عليه:
ذُكِرَ قَوْلُ البخاري لعليّ بن المديني - يعني قولَه: "ما استصغرتُ نفسي إلا بين يدي عليّ بن المديني" - فقال عليّ: "دَعُوا هذا، فإنَّ محمد بن إسماعيل لم يرَ مِثْل نفسه".
وقال عمرو بن عليّ الفلاس: "حديثٌ لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث".
قال إسحاق بن راهويه: "اكتبوا عن هذا الشاب - يعني البخاري - فلو كان في زمن الحَسَنِ لاحتاج إليه الناس؛ لمعرفته بالحديث وفقهه".
وقال أبو عيسى الترمذي: "لم أرَ بالعراق، ولا بخراسان في معنى العِلل، والتاريخ، ومعرفة الأسانيد أَعْلَم من محمد بن إسماعيل".
وقال نعيم بن حمَّاد، ويعقوب بن إبراهيم الدروقي: "محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأُمة".
وجاء "مسلم" إلى البخاري، فقال: "دَعْني أُقبِّلْ رجلَيك يا أستاذ الأستاذين، وسيِّد المحدِّثين، وطبيب الحديث في عِلَلِهِ".
وقال "مسلم" أيضًا: "لا يبغضك إلا حاسدٌ، وأشهد أنَّه ليس في الدنيا مثلك".
وقال أحمد بن حنبل: "ما أخرجتْ خراسان مثل محمد بن إسماعيل".
وقال عبدالله بن سعيد بن جعفر: "سمعتُ العلماء بالبصرة يقولون: ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح".
وقال ابن خزيمة: "ما رأيتُ تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحفظ له من محمد بن إسماعيل".
وكان ابنُ صَاعد إذا ذَكَرَهُ يقول: "الكبش النَّطَّاح".
وقال أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله بن نُمير: "ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل".
وقال الحافظ ابن كثير: "هو إمام أهل الحديث في زمانه، والمقْتَدَى به في أوانه، والمقدَّم على سائر أضرابه وأقرانه"، وقال: "وقد كان البخاري - رحمه الله - في غاية الحياء، والشجاعة، والسَّخاء، والوَرَع، والزُّهد في الدنيا دار الفناء، والرَّغبة في الآخرة دار البقاء".
محنته مع محمد بن يحيى الذُّهْلي في مسألة اللفظ:
لمّا قَدِمَ البخاري نيسابور سنة (250) هـ، استقبله الناس استقبالاً عظيمًا، فاجتمع الناس عليه مدَّةً يحدِّثهم، فحسده مَن حسده، وكان فيها محدِّثها محمد بن يحيى الذُّهْلي، وكان يقول لدى مَقْدم البخاري: "اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح، فاسمعوا منه"، فذهب الناس إليه، وأقبلوا على السماع منه، حتى ظهر الخَلل في مجلس محمد بن يحيى، فحسده بعد ذلك، وتكلَّم فيه.
ومن ثَمَّ سأل رجلٌ البخاري: ما تقول في اللفظ بالقرآن: مخلوقٌ هو، أم غير مخلوق؟ فأجاب بقوله: "القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العِباد مخلوقة، والامتحان بدعة".
وقال: "أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا".
فلمَّا قال البخاري ذلك، اختلف الناس في تفسير عبارته: فقال البعض: "قال بخَلْق القرآن"، وقال البعض الآخر: "بل قال لفظي بالقرآن مخلوق"، فعندها قال محمد بن يحيى الذُّهْلي: "القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته، وحيث تصرف، فمَن لزم هذا استغنى عن اللفظ وعمَّا سواه من الكلام في القرآن، ومَن زعم أنَّ القرآن مخلوق فقد كفر، وخرج عن الإيمان، وبانت منه امرأته، يُستتاب، فإنْ تاب، وإلا ضُربت عنقه، وجُعِلَ ماله فيئًا بين المسلمين، ولم يُدْفَن في مقابرهم، ومَن وقف فقال: لا أقول: مخلوق ولا غير مخلوق، فقد ضاهى الكفر، ومَنْ زعم أنَّ لفظي بالقرآن مخلوق، فهذا مبتدع، لا يجالَس ولا يكلَّم، ومَن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتَّهموه؛ فإنَّه لا يحضر مجلسه إلا مَن كان على مثل مذهبه".
فانفضَّ الناس عن البخاري، فلم يحضر مجلِسَه إلا "مسلم" صاحب "الصحيح"، وأحمد بن سلمة، فبعث مسلم إلى الذُّهْلي ما سمعه منه؛ لأنَّه كان يُظْهِرُ القول باللفظ ولا يكتمه.
ومن الغَرابة أنْ يُعلِّق الحافظ ابن حجر على صنيع الإمام مسلم، فيقول: "قد أنصَف مسلم، فلم يُحدِّث في كتابه عن هذا ولا عن هذا"، فأين الإنصاف والمسألة فيها شُبهة؟ عداك أنَّ البخاري لم يصح عنه أنَّه قال باللفظ؛ روى الخطيب عن محمد بن نصر المروزي، قال: سمعتُ البخاري يقول: "مَنْ زعم أنَّي قلتُ: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذَّاب؛ فإنِّي لم أقلْه"، فقلتُ له: يا أبا عبدالله، قد خاض الناس في هذا، وأكثروا فيه، فقال: "ليس إلا ما أقول".
وقال أبو عمرو الخفاف: أتيتُ محمد بن إسماعيل، فناظرته في شيءٍ من الأحاديث حتى طابت نفسه، فقلتُ: يا أبا عبدالله، ها هنا أحدٌ يحكي عنك أنك قلتَ هذه المقالة، فقال: "يا أبا عمرو، احفظْ ما أقول لك، مَن زعم من أهل نيسابور - وسمَّى بلدانًا أخرى - أنِّي قلتُ: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذَّاب؛ فإنِّي لم أقلْ هذه المقالة، إلا أنِّي قلتُ: أفعال العباد مخلوقةٌ".
بعدها خرج من نيسابور، فعاد إلى بلده بُخارى، فاستقبله الناس، ونُثِرت عليه الدَّراهم، وحدَّث بها أيَّامًا إلى أنْ حَدَثتِ الوحشة بينه وبين واليها الأمير خالد بن أحمد الذُّهْلي؛ حيث سأله أنْ يحضرَ منزله، فيقرأ "الجامع"، و"التاريخ" على أولاده، فامتنع عن الحضور عنده، فراسله بأنْ يعقد مجلسًا لأولاده لا يحضره غيرهم، فامتنع، وقال: لا أخصُّ أحدًا، ثم قال للرسول: "أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب النّاس، فإنْ كانت لكَ إلى شيءٍ منه حاجة، فاحضرْ في مسجدي، أو في داري، وإنْ لم يعجبك هذا، فإنَّك سلطان فامنعني من المجلس؛ ليكون لي عذرٌ عند الله يوم القيامة؛ لأنِّي لا أكتمُ العلمَ ... "، فوجد عليه الوالي، واستعان بخصومه حتى تكلَّموا في مذهبه، فنُفِيَ عن البلد، فمضى إلى "سمرقند".
وفاته:
بعد نفيه استقرَّ بإحدى قُرى سمرقند تُدعَى: "خَرْتَنْك"، فكان له بها أقرباء أقام عندهم أيَّامًا، مرض مرضًا شديدًا، فسُمِع ليلةً وقد فرغ من صلاة الليل يقول: "اللهم إنَّه قد ضاقت عليَّ الأرض بما رَحُبَت، فاقبضني إليك"، فما تمَّ الشهر حتى مات.
توفي البخاري ليلة السبت، وهي ليلة عيد الفطر آنذاك، عند صلاة العشاء، ودُفِنَ يوم الفطر بعد صلاة الظهر بخَرْتَنْك، سنة ست وخمسين ومائتين، عاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا، جزاه الله عن المسلمين خيرًا، وأجزل مثوبته.
أهم مصنفاته:
أجلُّها: "الجامع الصحيح"، "الجامع الصغير"، "الجامع الكبير"، "الأدب المفرد"، "أسامي الصحابة"، "الأشربة"، كتب التاريخ: الكبير والأوسط والصغير، "التفسير الكبير"، "خلق أفعال العباد"، "رفع اليدين في الصلاة"، "الضعفاء الصغير"، "العلل"، "الفوائد"، "القراءة خلف الإمام"، "قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم"، "الكُنَى"، "المبسوط"، "المسند الكبير".
من أقواله - رحمَه الله -:
"لا أعلم شيئًا أنفَع للحفظ من نَهمة الرجل، ومداومة النظر".
"لا ينبغي للمسلم أنْ يكون بحالةٍ إذا دعا لم يُسْتَجَبْ له".
"لا أعلم شيئًا يُحتاج إليه إلا وهو في كتاب الله والسُّنة".
|
[الأدب المفرد للبخاري]
(المؤلف)
الإمام الحافظ محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (194 هـ - 256 هـ)
اسم الكتاب الذي طبع به، ووصف أشهر طبعاته:
1- طبع باسم:
الأدب المفرد
حقق نصوصه ورقم أبوابه وأحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي، وصدر عن المطبعة السلفية ومكتبتها بالقاهرة, سنة 1375 هـ.
2- طبع بنفس الاسم، تحقيق وشرح عارف الكندي, صدر دار الإرشاد بحمص, سنة 1392 هـ.
3- طبع بنفس الاسم، حققه وقابله على أصوله سمير بن أمين الزهيري مستفيدا من تخريجات وتعليقات العلامة الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني
(توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه)
في اللوحة الأولى من النسخة المخطوطة المحفوظ في مكتبة عارف حكمت , أن الحافظ ابن حجر ذكره في فتح الباري وذكر نعته وفوائده , وهو كتاب مشهور غني عن التعريف به وتوثيق نسبته إلى مؤلفه فكثيرا ما يعزو إليه الحافظ ابن حجر في الفتح وفي التهذيب وفي تعجيل المنفعة وأيضا في الإصابة والدراية في تخريج أحاديث الهداية وفي التلخيص الحبير وفي تغليق التعليق وذكره غير الحافظ جمع من الأئمة مثل العظيم آبادي والمباركفوري والمنذري والسيوطي وغيرهم 4
(وصف الكتاب ومنهجه)
جمع الإمام البخاري في هذا الكتاب جل الآداب التي أمر وحبب فيها النبي صلى الله عليه وسلم منها ما هو واجب ومنها ما هو دون ذلك وأيضا الأمور المنهي عنها كالنهي عن كثرة الضحك والظلم والكذب والشبع دون الجار إلى غير ذلك , وهو لا يقسم كتابه هذا إلى عدة كتب ثم إلى أبواب كما يفعل في الصحيح ولكنها أبواب مختلفة وكل باب يندرج تحته عدة أحاديث , وأحيانا يفعل الإمام مثل ما يفعل في الصحيح من إيراد الحديث في أكثر من موضع فهناك مثلا حديث " تحاج الجنة والنار " أورده الإمام في باب الكبر وأيضا في باب البغي .
[التعريف بالكتاب ، نقلاً عن موقع :
جامع الحديث]