مَالِكُ بْنُ أَنَسِ ابْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ غَيْمَانَ بْنِ خُثَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ
8705 قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ , قَالَ : لَمَّا دُعِيَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَشُووِرَ وَسُمِعَ مِنْهَ وَقُبِلَ قَوْلُهُ شَنَفَ النَّاسُ لَهُ وَحَسَدُوهُ وَبَغَوْهُ بِكُلِّ شَيْءٍ , فَلَمَّا وَلِيَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعَوْا بِهِ إِلَيْهِ وَكَثُرُوا عَلَيْهِ عِنْدَهُ , وَقَالُوا : لاَ يَرَى أَيْمَانَ بِيعَتِكُمْ هَذِهِ بِشَيْءٍ , وَهُوَ يَأْخُذُ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ الأَحْنَفِ فِي طَلاَقِ الْمُكْرَهِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ , فَغَضِبَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , فَدَعَا بِمَالِكٍ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا رَقِيَ إِلَيْهِ عَنْهُ , ثُمَّ جَرَّدَهُ وَمَدَّهُ وَضَرَبَهُ بِالسِّيَاطِ وَمُدَّتْ يَدُهُ حَتَّى انْخَلَعَ كَتِفَاهُ , وَارْتَكَبَ مِنْهُ أَمْرًا عَظِيمًا , فَوَاللَّهِ مَا زَالَ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّرْبِ فِي رِفْعَةٍ عِنْدَ النَّاسِ وَعُلُوٍّ مِنْ أَمْرِهِ وَإِعِظَامِ النَّاسِ لَهُ , وَكَأَنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ السِّيَاطُ الَّتِي ضَرَبَهَا حُلِيًّا حُلِيَّ بِهَا. قَالَ : وَكَانَ مَالِكٌ يَأْتِي الْمَسْجِدَ , وَيَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ وَالْجُمُعَةَ وَالْجَنَائِزَ , وَيَعُودُ الْمَرْضَى , وَيَقْضِي الْحُقُوقَ وَيَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ , ثُمَّ تَرَكَ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ يُصَلِّي ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ , وَتَرَكَ شُهُودَ الْجَنَائِزَ فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَابُهَا فَيُعَزِّيهِمْ ،ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَمْ يَكُنْ يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ وَلاَ الْجُمُعَةَ وَلاَ يَأْتِي أَحَدًا يُعَزِّيهِ , وَلاَ يَقْضِي لَهُ حَقًّا , وَاحْتَمَلَ النَّاسُ ذَلِكَ كُلَّهُ لَهُ , وَكَانُوا أَرْغَبَ مَا كَانُوا فِيهِ وَأَشَدَّهُ لَهُ تَعْظِيمًا حَتَّى مَاتَ عَلَى ذَلِكَ , وَكَانَ رُبَّمَا كُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ : لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذْرِهِ. قَالَ : وَكَانَ مَالِكٌ يَجْلِسُ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى ضِجَاعٍ لَهُ وَنَمَارِقٍ مُطْرَحَةٍ يُمْنَةً وَيُسْرَةً فِي سَائِرِ الْبَيْتِ لِمَنْ يَأْتِيهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ وَالنَّاسِ وَكَانَ مَجْلِسُهُ مَجْلِسَ وَقَارٍ وَحِلْمٍ , وَكَانَ مَالِكٌ رَجُلاَّ مُهِيبًا نَبِيلاَّ لَيْسَ فِي مَجْلِسِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمِرَاءِ وَاللَّغَطِ وَلاَ رَفْعِ الصَّوْتِ , وَكَانَ الْغُرَبَاءُ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْحَدِيثِ , وَلاَ يُجِيبُ إِلاَّ الْحَدِيثَ بَعْدَ الْحَدِيثِ وَرُبَّمَا أَذِنَ لِبَعْضِهِمْ فَقَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ قَدْ نَسَخَ كُتُبَهُ يُقَالُ لَهُ: حَبِيبٌ يَقْرَأُ لِلْجَمَاعَةِ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ يَدْنُو وَلاَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ , وَلاَ يَسْتَفْهِمُ هَيْبَةً لِمَالِكٍ وَإِجْلاَلاَّ وَكَانَ حَبِيبٌ إِذَا قَرَأَ فَأَخْطَأَ فَتَحَ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَكَانَ ذَلِكَ قَلِيلاً.
{ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} وَتُوُفِّيَ صَبِيحَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِئَةٍ فِي خِلاَفَةِ هَارُونَ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَهُوَ ابْنُ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ بِأُمِّهِ كَانَ يُعْرَفُ , يُقَالُ : عَبْدُ اللهِ ابْنُ زَيْنَبَ , وَكَانَ يَوْمَئِذٍ وَالِيًا عَلَى الْمَدِينَةِ فَصَلَّى عَلَى مَالِكٍ فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ , وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ , وَكَانَ يَوْمَ مَاتَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ , فَقَالَ : أَنَا أَحْفَظُ النَّاسِ لِمَوْتِ مَالِكٍ , مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِئَةٍ.
8707 قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ , قَالَ : اشْتَكَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَيَّامًا يَسِيرَةً , فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا عَمَّا قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ , فَقَالَ : تَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ