هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1012 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ مِمَّنْ سَابَقَ بِهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1012 وحدثني عن مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من شرح الزرقاني

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ مِمَّنْ سَابَقَ بِهَا.


( ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخيل في نواصيها) جمع ناصية الشعر المسترسل على الجبهة ويحتمل أنه كني بالنواصي عن جميع الفرس كما يقال: فلان مبارك الناصية قاله الخطابي وغيره واستبعده الحافظ بحديث الصحيحين عن أنس مرفوعًا: البركة في نواصي الخيل.
وللإسماعيلي البركة تنزل في نواصي الخيل قال: ويحتمل أنه خصّ الناصية لكونها المقدم منها إشارة إلى الفضل في الإقدام بها على العدو دون المؤخر لأن فيه إشارة إلى الإدبار.
وقد روى مسلم عن جرير: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه بأصبعه ويقول الخيل معقود في نواصيها ( الخير إلى يوم القيامة) أي إلى قربه أعلم به أن الجهاد قائم إلى ذلك الوقت.
زاد الشيخان عن عروة البارقي مرفوعًا: الأجر والمغنم برفعهما بدل من الخير أو بتقدير هو الأجر.
وفي رواية لمسلم قالوا: بم ذاك يا رسول الله؟ قال الأجر والمغنم.

وبه يعلم أنه عام أريد به الخصوص أي الخيل المتخذة للغزو بأن يقاتل عليها أو تربط للغزو ويدل له أيضًا الخيل لثلاثة الحديث السابق ويحتمل أن المراد جنس الخيل أي أنها بصدد أن يكون فيها الخير، فأما من ارتبطها لعمل غير صالح فالوزر لطريان ذلك الأمر العارض.
ووقع عند الإسماعيلي من رواية عبد الله بن نافع عن مالك بلفظ: الخير معقود، وليس في الموطأ ولا في الصحيحين من طريقه نعم لفظ: معقود فيهما من حديث عروة البارقي وجرير في مسلم، وأحمد وأبي هريرة في الطبراني، وأبي يعلى وجابر عند أحمد، ومعناه ملازم لها كأنه معقود فيها.
قال الطيبي: ويجوز أن الخير المفسر بالأجر والمغنم استعارة مكنية لأن الخير ليس بشيء محسوس حتى يعقد على الناصية لكن شبهه لظهوره وملازمته بشيء محسوس معقود يجعل على مكان مرتفع فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريد للاستعارة.
والحاصل أنهم يدخلون المعقول في جنس المحسوس ويحكمون عليه بما يحكم على المحسوس مبالغة في اللزوم.

وقال عياض: في هذا الحديث مع وجيز لفظه من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحسن مع الجناس السهل الذي بين الخيل والخير.
قال الخطابي: وفيه إشارة إلى أن المال الذي يكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال وأطيبها، والعرب تسمي المال خيرًا.
وقال ابن عبد البر: فيه إشارة إلى تفضيل الخيل على غيرها من الدواب لأنه لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم في شيء غيرها مثل هذا القول.
وفي النسائي عن أنس: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل.
وقال عياض: إذا كان في نواصيها الخير فيبعد أن يكون فيها شؤم فيحتمل أن حديث إنما الشؤم في ثلاث الفرس والمرأة والدار في غير خيل الجهاد وأن المعدة له هي المخصوصة بالخير والبركة أو يقال الخير والشر يمكن اجتماعهما في ذات واحدة، فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم ولا يمنع ذلك أن يكون تلك الفرس يتشاءم بها، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد بسط لذلك في كتاب الجامع حيث ذكر الإمام الحديث الثاني ثمة.

وحديث الباب رواه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه جماعة في الصحيحين وغيرهما.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق) أجرى بنفسه أو أمر أو أباح ( بين الخيل التي قد أضمرت) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول بأن علفت حتى سمنت وقويت ثم قلل علفها بقدر القوت وأدخلت بيتًا وغشيت بالجلال حتى حميت وعرقت، فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجري ( من الحفياء) بفتح المهملة وسكون الفاء فتحتية ومدّ، مكان خارج المدينة ويجوز القصر.
وحكى الحازمي تقديم التحتية على الفاء وحكى ضم أوله وخطأه عياض وغيره ( وكان أمدها) بفتح الهمزة والميم، أي غايتها ( ثنية الوداع) بالمثلثة وفتح الواو، سميت بذلك لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها، قال سفيان: بين الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة.
وقال موسى بن عقبة: بينهما ستة أميال أو سبعة، رواهما البخاري.
قال الحافظ: وهو اختلاف قريب وسفيان هو الثوري ( وسابق بين الخيل التي لم تضمر) بضم التاء وفتح الضاد المعجمة والميم الثقيلة، وفي رواية بسكون الضاد وخفة الميم ( من الثنية) المذكورة ( إلى مسجد بني زريق) بضم الزاي ثم راء مفتوحة وسكون التحتية فقاف، ابن عامر قبيلة من الأنصار، وإضافة مسجد إليهم إضافة تمييز لا ملك.
قال سفيان: وبينهما ميل وقال ابن عقبة: ميل أو نحوه ( وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها) أي بالخيل أو بهذه المسابقة وهذا من قول ابن عمر عن نفسه كما تقول عن نفسك العبد فعل كذا.
وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال ابن عمر: وكنت فيمن أجري.
وعند الإسماعيلي قال ابن عمر: وكنت فيمن أجري فوثب بي فرس جدارًا.
ولمسلم من رواية أيوب عن نافع فسبقت الناس فطفف بي الفرس مسجد بني زريق، أي جاوز بي المسجد الذي هو الغاية.
وأصل التطفيف مجاوزة الحدّ.

وفيه مشروعية المسابقة وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك.
قال القرطبي: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب مجانًا وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدريب على الحرب وفيه جواز إضمار الخيل.
ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو ومشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة.
ونسبة الفعل إلى الآمر به لأن قوله سابق أي أمر أو أباح أي شامل لذلك، وجواز إضافة المسجد إلى مخصوصين.
وعليه الجمهور خلافًا للنخعي لقوله تعالى { { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ } } ويرد عليه حديث الباب وجواز معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبًا لها في غير الحاجة كالإجاعة والإجراء وتنزيل الخلق منازلهم لأنه صلى الله عليه وسلم غاير بين منزلة المضمر وغير المضمر، ولو خلطهما لأتعب ما لم تضمر.

وأخرجه البخاري في الصلاة عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى التميمي كلاهما عن مالك به وتابعه عبيد الله والليث وموسى بن عقبة وأيوب كلهم عن نافع في الصحيحين وغيرهما.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ليس برهان الخيل بأس) وإن لم يقع في حديث ابن عمر المذكور عند مالك والأئمة الستة لأنه جاء في بعض طرقه عند أحمد من رواية عبد الله بفتح العين، عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن.
وقد اتفقوا على جواز المسابقة بعوض بشرط كونه من غير المتسابقين كما قال: ( إذا دخل فيها محلل فإن سبق) بالبناء للفاعل ( أخذ السبق) بفتحتين أي الرهن الذي يوضع لذلك ( وإن سبق لم يكن عليه شيء) بشرط أن لا يخرج المحلل من عنده شيئًا ليخرج العقد من صورة القمار، وهو أن يخرج كل منهما سبقًا فمن غلب أخذه فهذا ممنوع اتفاقًا، وأجمعوا على جواز المسابقة بلا عوض لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل لحديث: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر.
رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه عن أبي هريرة وخصه بعض العلماء بالخيل وأجازه عطاء في كل شيء.

( مالك عن يحيى بن سعيد) مرسل وصله ابن عبد البر من طريق عبيد الله بن عمرو الفهري عن مالك عن يحيى عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ريء) بكسر الراء وهمز مبني للمجهول ( يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك فقال إني عوتبت الليلة في الخيل) ووصله أبو عبيدة في كتاب الخيل له من طريق يحيى بن سعيد عن شيخ من الأنصار وقال في إذالة الخيل: وله من مرسل عبد الله بن دينار وقال: إن جبريل بات الليلة يعاقبني في إذالة الخيل أي امتهانها، قال البوني: يحتمل أن ذلك وحي في المنام ويحتمل في اليقظة انتهى، والظاهر الثاني.

( مالك عن حميد الطويل) الخزاعي البصري ( عن أنس بن مالك) وللبخاري عن أبي إسحاق الفزاري عن حميد قال: سمعت أنسًا يقول ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر) بوزن جعفر، مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام.
قال أبو عبيد البكري: سميت باسم رجل من العماليق نزلها.
قال ابن إسحاق: خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم سنة سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر.
( أتاها ليلاً) لا تخالفه رواية الصحيح عن محمد بن سيرين عن أنس صبحنا خيبر بكرة لحمله على أنهم قدموها ليلاً وباتوا دونها ثم ركبوا إليها بكرة فصبحوها بالقتال والإغارة، ويشير إلى هذا قوله: ( وكان إذا أتى قومًا بليل لم يغر) بضم الياء وكسر الغين المعجمة، من أغار وفي لفظ: لا يغير عليهم.
وفي رواية التنيسي لم يغر بهم بكسر الغين أيضًا من الإغارة، ولبعض الرواة لم يقربهم بفتح الياء وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة وصحح الأول ( حتى يصبح) أي يطلع الفجر، وللبخاري عن إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس: كان إذا غزا قومًا لم يغر بنا حتى يصبح وينظر فإذا سمع أذانًا كفّ عنهم وإلا أغار.
قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذانًا ركب.
( فخرجت يهود) وفي رواية القعنبي وللتنيسي: فلما أصبح خرجت يهود زاد أحمد عن قتادة عن أنس إلى زروعهم وذكر الواقدي أنهم سمعوا بقصد النبي صلى الله عليه وسلم لهم وكانوا يخرجون كل يوم مسلحين مستعدين فلا يرون أحدًا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك فخرجوا ( بمساحيهم) بمهملتين مخففًا، جمع مسحاة كالمجارف إلا أنها من حديد طالبين زروعهم ( ومكاتلهم) بفوقية جمع مكتل بكسر الميم، القفة الكبيرة يحول فيها التراب وغيره ( فلما رأوه قالوا) هذا ( محمد) أو جاء محمد ( والله) قسم ( محمد والخميس) أي الجيش كما فسر به البخاري، سمي خميسًا لأنه خمسة أقسام ميمنة وميسرة ومقدمة وقلب وجناحان، وضبطه عياض وغيره: بالرفع عطفًا على محمد، والنصب مفعول معه.

( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر) كبر حين أنجز له وعده.
زاد في رواية للبخاري ثلاثًا، وفي أخرى فرفع يديه وقال: الله أكبر ( خربت خيبر) أي صارت خرابًا قال القاضي عياض: قيل تفاءل بخرابها بما رآه في أيديهم من آلات الخراب من المساحي وغيرهما وقيل: أخذه من اسمها والأصح أنه أعلمه الله بذلك.
وقال السهيلي: يؤخذ منه التفاؤل لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى آلة الهدم مع أن لفظ المسحاة من سحوت إذا قشرت أخذ منه أن مدينتهم ستخرب.
قال الحافظ: ويحتمل أنه قاله بطريق الوحي ويؤيده قوله ( إنا إذا نزلنا بساحة قوم) بفنائهم وقريتهم وحصونهم وأصل الساحة الفضاء بين المنازل ( فساء صباح المنذرين) أي بئس الصباح صباح من أنذر بالعذاب، وفيه جواز التمثل والاستشهاد بالقرآن والاقتباس قاله ابن عبد البر وابن رشيق والنووي، ولا أعلم خلافًا في جوازه في النثر في غير المجون والخلاعة وهزل الفساق وشربة الخمر واللاطة، وألف في جواز ذلك قديمًا أبو عبيد القاسم بن سلام كتابًا جمع فيه ما وقع للصحابة والتابعين من ذلك بالأسانيد المتصلة إليهم، ومن المتأخرين الشيخ داود الشاذلي الباجلي كراسة قال فيها: لا خلاف بين الشافعية والمالكية في جوازه، ونقله عن عياض والباقلاني وقال: كفى بهما حجة غير أنهم كرهوه في الشعر خاصة.

وروى الخطيب البغدادي وغيره بالإسناد عن مالك أنه كان يستعمله، وهذه أكبر حجة على من يزعم أن مذهب مالك تحريمه والعمدة في نفي الخلاف على الشيخ داود فهو أعرف بمذهبه.
وأما مذهب الشافعي فأئمته مجمعون على الجواز والأحاديث الصحيحة والآثار عن الصحابة والتابعين تشهد لهم فمن نسب تحريمه لمذهب الشافعي، فقد فشر وأبان عن أنه أجهل الجاهلين قاله السيوطي ملخصًا وهو يقضي عليه بالوهم في قوله في عقود الجمان:

قلت وأما حكمه في الشرع
فمالك مشدد في المنع

وليس فيه عندنا صراحه
لكن يحيى النووي أباحه

في الوعظ نثرًا دون نظم مطلقًا
والشرف المقري فيه حققًا

جوازه في الزهد والوعظ وفي
مدح النبي ولو بنظم فاقتفى

وفيه استحباب التكبير عند الحرب وتثليثه وقد قال تعالى: { { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } } وأخرجه البخاري هنا عن القعنبي.
وفي المغازي عن عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك به وتابعه إسماعيل بن جعفر وأبو إسحاق الفزاري في البخاري وغيره، وله طرق في الصحيحين وغيرهما بزيادات.

( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن حميد) بضم الحاء ( بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أنفق زوجين) أي شيئين من نوع واحد من أنواع المال وقد جاء مفسرًا مرفوعًا بعيرين شاتين حمارين درهمين وزاد إسماعيل القاضي عن أبي مصعب عن مالك من ماله ( في سبيل الله) أي في طلب ثواب الله وهو أعم من الجهاد وغيره من العبادات.
وقال التوربشتي: يحتمل أن يريد به تكرير الإنفاق مرة بعد أخرى.
قال الطيبي: وهذا هو الوجه إذا حملت التثنية على التكرير لأن القصد من الإنفاق التثبت من الأنفس بإنفاق كرائم الأموال والمواظبة على ذلك كما قال تعالى { { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } } أي ليثبتوا ببذل المال الذي هو شقيق الروح، وبذله أشق شيء على النفس من سائر العبادات الشاقة ( نودي في) أي عند دخول ( الجنة) وفي رواية معن: نودي من أبواب الجنة ( يا عبد الله هذا خير) أي فاضل، لا بمعنى أفضل، وإن أوهمه اللفظ ففائدته رغبة السامع في طلب الدخول من ذلك الباب.
وبين البخاري من وجه آخر عن أبي هريرة بيان الداعي ولفظه دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب، أي خزنة كل باب أي قل: هلم، بضم اللام لغة في فلان: وبه ثبتت الرواية.
وقيل: ترخيمه فاللام مفتوحة، قاله الحافظ، وقال الباجي: يحتمل أن يريد هذا خير أعده الله لك فأقبل إليه من هذا الباب أو هذا خير أبواب الجنة لأن فيه الخير والثواب الذي أعد لك ( فمن كان من أهل الصلاة) أي من كانت أغلب أعماله وأكثرها ( دعي من باب الصلاة) .

قال الحافظ: ومعنى الحديث أن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل، وقد جاء ذلك صريحًا من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل، أخرجه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح ( ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد) محل الشاهد من الحديث ( ومن كان من أهل الصدقة) المكثرين منها ( دعي من باب الصدقة) وليس هذا بتكرار مع قوله في صدر الحديث: من أنفق زوجين، لأن الإنفاق ولو قل خير من الخيرات العظيمة وذلك حاصل من كل أبواب الجنة وهذا استدعاء خاص ( ومن كان من أهل الصيام) المكثرين منه ( دعي من باب الريان) مشتق من الري فخص بذلك لما في الصوم من الصبر على ألم العطش والظمأ في الهواجر، قاله الباجي: وقال الحربي: إن كان الريان علمًا للباب فلا كلام وإن كان صفة فهو من الرواء الذي يروى، والمعنى أن الصائم لتعطيشه نفسه في الدنيا يدخل من باب الريان ليأمن من العطش ثوابًا له على ذلك، وفي التعبير بالريان إيماء إلى زيادة أمر الصوم ومبادرة القبول له، واحتمال أنه يدعى إليه كل من روي من حوضه صلى الله عليه وسلم رده عياض بأنه لا يختص الحوض بالصائمين والباب مختص بهم.

قال: وعلى أنه اسم للباب فسمي بذلك لاختصاص الداخلين فيه بالري.
قال الحافظ: فذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة، وهي ثمانية وبقي الحج فله باب بلا شك، والثلاثة باب الكاظمين الغيظ العافين عن الناس، رواه أحمد عن الحسن مرسلاً: إن لله بابًا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة، والباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب، والثامن لعله باب الذكر ففي الترمذي ما يومي إليه ويحتمل أنه باب العلم ويحتمل أن المراد بالأبواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية، لأن الأعمال الصالحة أكثر عددًا من ثمانية، انتهى.
ولا يرد عليه أن الذين لا حساب عليهم يتسورون كما ورد لاحتمال أن هذا الباب من أسفل الجنة التي يتسورون منها فأطلق عليه أنهم دخلوا منها مجازًا أو أنه معد لهم تكريمًا وإن لم يدخلوا منه، وتبع في عد الباب الأيمن عياضًا وقد تعقبه أبو عبد الله الأبي بأن المراد بالأيمن ما عن يمين الداخل وذلك يختلف بحسب الداخلين وإنما يكون بابًا إذا كان اسمًا وعلمًا على باب معين.

( فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله) زاد معن: بأبي أنت وأمي ( ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة) قال المظهري: ما نافية ومن زائدة، أي ليس ضرورة على من دعي منها إذ لو دعي من واحد لحصل مراده وهو دخول الجنة مع أنه لا ضرورة عليه أن يدعى من جميعها بل هو تكريم وإعزاز.
وقال ابن المنير وغيره: يريد من أحد تلك الأبواب خاصة دون غيره من الأبواب فأطلق الجميع وأراد الواحد.
وقال ابن بطال: يريد أن من لم يكن إلا من أهل خصلة واحدة من هذه الخصال ودعي من بابها لا ضرر عليه لأن الغاية المطلوبة دخول الجنة.
وقال الطيبي: لما خص كل باب بمن أكثر نوعًا من العبادة وسمع ذلك الصديق رغب في أن يدعى من كل باب، وقال: ليس على من دعي منها ضرر بل شرف وإكرام فسأل فقال: ( فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها) ويختص بهذه الكرامة ( قال: نعم) يقال له عند كل باب: إن لك هنا خيرًا أعده الله لك لعبادتك المختصة بالدخول من هذا الباب، قاله الباجي، وقال الحافظ وغيره يدعى منها كلها على سبيل التخيير في الدخول من أيها شاء إكرامًا له لاستحالة الدخول من الكل معًا فإنما يدخل من واحد ولعله العمل الذي يكون أغلب عليه، ولا ينافيه ما في مسلم عن عمر مرفوعًا من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله الحديث.
وفيه فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء لأنها تفتح له تكريمًا وإنما يدخل من باب العمل الغالب عليه ( وأرجو أن تكون منهم) قال العلماء: الرجاء من الله ومن نبيه واقع، وبه صرح في حديث ابن عباس عند ابن حبان ولفظه: فقال أجل وأنت هو يا أبا بكر.

وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها وإشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات، بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواعها ثم الإنفاق في الصدقة والجهاد والعلم والحج ظاهرا ما في غيرها فمشكل فيمكن أن المراد بالإنفاق في الصلاة فيما يتعلق بوسائلها من تحصيل آلاتها من طهارة وتطهير ثوب وبدن ومكان، وفي الصيام بما يقويه على فعله وخلوص القصد فيه والإنفاق في العفو عن الناس بترك ما يجب له من حق وفي التوكل ما ينفقه على نفسه في مرضه المانع له من التصرف في طلب المعاش مع الصبر على المصيبة أو ينفق على من أصابه مثل ذلك طلبًا للثواب والإنفاق في الذكر على نحو ذلك.
وقيل: المراد بالإنفاق في الصلاة والصيام بذل النفس والبدن فيهما فالعرب تسمي ما يبذله المرء من نفسه صدقة كما يقال: أنفقت في طلب العلم عمري وبذلت فيه نفسي وهذا معنى حسن وأبعد من قال: المراد بالزوجين النفس والمال لأن المال في الصلاة والصيام ونحوهما ليس بظاهر إلا بالتأويل المتقدم، وكذا من قال: النفقة في الصيام تقع بتفطير الصائم والإنفاق عليه لأن ذلك يرجع إلى باب الصدقة، وفي الحديث: أن من أكثر من شيء عرف به وأن أعمال البر قلّ إن تجتمع كلها لشخص واحد على السواء، وأن الملائكة تحب صالحي بني آدم وتفرح بهم، وأن الإنفاق كلما كان أكثر كان أفضل، وأن تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب.

وأخرجه البخاري في الصيام من طريق معن عن مالك به وتابعه شعيب في البخاري، ويونس وصالح بن كيسان ومعمر في مسلم، الأربعة عن ابن شهاب.