هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
111 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : قُلْتُ لِسُهَيْلٍ : إِنَّ عَمْرًا حَدَّثَنَا عَنِ الْقَعْقَاعِ ، عَنْ أَبِيكَ ، قَالَ : وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عَنِّي رَجُلًا ، قَالَ : فَقَالَ : سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي كَانَ صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ ، ثُمَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ ، وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ ، سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَبَا صَالِحٍ ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
111 حدثنا محمد بن عباد المكي ، حدثنا سفيان ، قال : قلت لسهيل : إن عمرا حدثنا عن القعقاع ، عن أبيك ، قال : ورجوت أن يسقط عني رجلا ، قال : فقال : سمعته من الذي سمعه منه أبي كان صديقا له بالشام ، ثم حدثنا سفيان ، عن سهيل ، عن عطاء بن يزيد ، عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : الدين النصيحة قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم حدثني محمد بن حاتم ، حدثنا ابن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن تميم الداري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ، وحدثني أمية بن بسطام ، حدثنا يزيد ، يعني ابن زريع ، حدثنا روح وهو ابن القاسم ، حدثنا سهيل ، عن عطاء بن يزيد ، سمعه وهو يحدث أبا صالح ، عن تميم الداري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is narrated on the authority of Tamim ad-Dari that the Messenger of Allah (may peace and blessings be upon him) observed:

Al-Din is a name of sincerity and well wishing. Upon this we said: For whom? He replied: For Allah, His Book, His Messenger and for the leaders and the general Muslims.

شرح الحديث من شرح النووى على مسلم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    باب بَيَانِ أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ
[ سـ :111 ... بـ :55]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قُلْتُ لِسُهَيْلٍ إِنَّ عَمْرًا حَدَّثَنَا عَنْ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِيكَ قَالَ وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عَنِّي رَجُلًا قَالَ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي كَانَ صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ ثُمَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

بَابُ بَيَانِ أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ

فِيهِ ( عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قَالَ : الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ وَعَلَيْهِ مَدَارُ الْإِسْلَامِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ شَرْحِهِ .
وَأَمَّا مَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ أَحَدُ أَرْبَاعِ الْإِسْلَامِ أَيْ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَجْمَعُ أُمُورَ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ كَمَا قَالُوهُ ، بَلِ الْمَدَارُ عَلَى هَذَا وَحْدَهُ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ ، وَلَيْسَ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ ، وَلَا لَهُ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي نِسْبَةِ تَمِيمٍ وَأَنَّهُ دَارِيٌّ أَوْ دَيْرِيٌّ .


وَأَمَّا شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : النَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ مَعْنَاهَا حِيَازَةُ الْحَظِّ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ .
قَالَ : وَيُقَالُ : هُوَ مِنْ وَجِيزِ الْأَسْمَاءِ ، وَمُخْتَصَرِ الْكَلَامِ ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ مُفْرَدَةٌ يُسْتَوْفَى بِهَا الْعِبَارَةُ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ .
كَمَا قَالُوا فِي الْفَلَاحِ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَجْمَعَ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْهُ .
قَالَ : وَقِيلَ : النَّصِيحَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصَحَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ إِذَا خَاطَهُ .
فَشَبَّهُوا فِعْلَ النَّاصِحِ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ مِنْ صَلَاحِ الْمَنْصُوحِ لَهُ بِمَا يَسُدُّهُ مِنْ خَلَلِ الثَّوْبِ .
قَالَ : وَقِيلَ : إِنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصَحْتَ الْعَسَلَ إِذَا صَفَّيْتَهُ مِنَ الشَّمْعِ ، شَبَّهُوا تَخْلِيصَ الْقَوْلِ مِنَ الْغِشِّ بِتَخْلِيصِ الْعَسَلِ مِنَ الْخَلْطِ .
قَالَ : وَمَعْنَى الْحَدِيثِ : عِمَادُ الدِّينِ وَقِوَامُهُ النَّصِيحَةُ .
كَقَوْلِهِ : الْحَجُّ عَرَفَةُ أَيْ عِمَادُهُ وَمُعْظَمُهُ عَرَفَةُ .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ النَّصِيحَةِ وَأَنْوَاعُهَا فَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا كَلَامًا نَفِيسًا أَنَا أَضُمُّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ مُخْتَصَرًا .
قَالُوا : أَمَّا النَّصِيحَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَمَعْنَاهَا مُنْصَرِفٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْهُ ، وَتَرْكِ الْإِلْحَادِ فِي صِفَاتِهِ وَوَصْفِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ كُلِّهَا ، وَتَنْزِيهِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ ، وَالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ ، وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ ، وَالْحُبِّ فِيهِ ، وَالْبُغْضِ فِيهِ ، وَمُوَالَاةِ مَنْ أَطَاعَهُ ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَصَاهُ ، وَجِهَادِ مَنْ كَفَرَ بِهِ ، وَالِاعْتِرَافِ بِنِعْمَتِهِ ، وَشُكْرِهِ عَلَيْهَا ، وَالْإِخْلَاصِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ ، وَالدُّعَاءِ إِلَى جَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ ، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا ، وَالتَّلَطُّفِ فِي جَمِيعِ النَّاسِ ، أَوْ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ عَلَيْهَا .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحْمَهُ اللَّهُ : وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْعَبْدِ فِي نُصْحِهِ نَفْسَهُ ، فَاللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ نُصْحِ النَّاصِحِ .
وَأَمَّاالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَالْإِيمَانُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيلُهُ ، لَا يُشْبِههُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْخَلْقِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ ، ثُمَّ تَعْظِيمُهُ وَتِلَاوَتُهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ، وَتَحْسِينُهَا وَالْخُشُوعُ عِنْدَهَا ، وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ ، وَالذَّبُّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِ الْمُحَرِّفِينَ وَتَعَرُّضِ الطَّاعِنِينَ ، وَالتَّصْدِيقُ بِمَا فِيهِ ، وَالْوُقُوفُ مَعَ أَحْكَامِهِ ، وَتَفَهُّمُ عُلُومِهِ وَأَمْثَالِهِ ، وَالِاعْتِبَارُ بِمَوَاعِظِهِ ، وَالتَّفَكُّرُ فِي عَجَائِبِهِ ، وَالْعَمَلُ بِمُحْكَمِهِ ، وَالتَّسْلِيمُ لِمُتَشَابِهِهِ ، وَالْبَحْثُ عَنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ، وَنَشْرُ عُلُومِهِ ، وَالدُّعَاءُ إِلَيْهِ وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَصِيحَتِهِ .


وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَصْدِيقُهُ عَلَى الرِّسَالَةِ ، وَالْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ ، وَطَاعَتُهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَنُصْرَتُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا ، وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُ ، وَمُوَالَاةُ مَنْ وَالَاهُ ، وَإِعْظَامُ حَقِّهِ ، وَتَوْقِيرُهُ ، وَإِحْيَاءُ طَرِيقَتِهِ وَسُنَّتِهِ ، وَبَثُّ دَعْوَتِهِ ، وَنَشْرُ شَرِيعَتِهِ ، وَنَفْيُ التُّهْمَةِ عَنْهَا ، وَاسْتِثَارَةُ عُلُومِهَا ، وَالتَّفَقُّهُ فِي مَعَانِيهَا ، وَالدُّعَاءُ إِلَيْهَا ، وَالتَّلَطُّفُ فِي تَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا ، وَإِعْظَامُهَا ، وَإِجْلَالُهَا ، وَالتَّأَدُّبُ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا ، وَالْإِمْسَاكُ عَنِ الْكَلَامِ فِيهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَإِجْلَالُ أَهْلِهَا لِانْتِسَابِهِمْ إِلَيْهَا ، وَالتَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِهِ ، وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ ، وَمَحَبَّةُ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَمُجَانَبَةُ مَنِ ابْتَدَعَ فِي سُنَّتِهِ ، أَوْ تَعَرَّضَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ .


وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الْحَقِّ ، وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ ، وَأَمْرُهُمْ بِهِ ، وَتَنْبِيهُهُمْ وَتَذْكِيرُهُمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ ، وَإِعْلَامُهُمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ ، وَتَأَلُّفُ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَمِنَ النَّصِيحَةِ لَهُمُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ ، وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ ، وَأَدَاءُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ عَلَيْهِمْ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ حَيْفٌ أَوْ سُوءُ عِشْرَةٍ ، وَأَنْ لَا يُغَرُّوا بِالثَّنَاءِ الْكَاذِبِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ .
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْخُلَفَاءُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُومُ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ .
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ .
وَحَكَاهُ أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ .
ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ يُتَأَوَّلُ ذَلِكَ عَلَى الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ عُلَمَاءُ الدِّينِ ، وَأَنَّ مِنْ نَصِيحَتِهِمْ قَبُولُ مَا رَوَوْهُ ، وَتَقْلِيدُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ ، وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِمْ .


وَأَمَّا نَصِيحَةُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مَنْ عَدَا وُلَاةِ الْأَمْرِ فَإِرْشَادُهُمْ لِمَصَالِحِهِمْ فِي آخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ فَيُعَلِّمُهُمْ مَا يَجْهَلُونَهُ مِنْ دِينِهِمْ ، وَيُعِينُهُمْ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَسَتْرُ عَوْرَاتِهِمْ ، وَسَدُّ خَلَّاتِهِمْ ، وَدَفْعُ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ ، وَجَلْبُ الْمَنَافِعِ لَهُمْ ، وَأَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ بِرِفْقٍ وَإِخْلَاصٍ ، وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ ، وَتَوْقِيرُ كَبِيرِهِمْ ، وَرَحْمَةُ صَغِيرِهِمْ ، وَتَخَوُّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَتَرْكُ غِشِّهِمْ وَحَسَدِهِمْ ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ ، وَيَكْرَهُ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ ، وَالذَّبُّ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَحَثُّهُمْ عَلَى التَّخَلُّقِ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ النَّصِيحَةِ ، وَتَنْشِيطُ هَمِّهِمْ إِلَى الطَّاعَاتِ .
وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَنْ تَبْلُغُ بِهِ النَّصِيحَةُ إِلَى الْإِضْرَارِ بِدُنْيَاهُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


هَذَا آخِرُ مَا تَلَخَّصَ فِي تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ .
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّ النَّصِيحَةَ تُسَمَّى دِينًا وَإِسْلَامًا وَأَنَّ الدِّينَ يَقَعُ عَلَى الْعَمَلِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْقَوْلِ .
قَالَ : وَالنَّصِيحَةُ فَرْضٌ يُجْزِي فِيهِ مَنْ قَامَ بِهِ ، وَيَسْقُطُ عَنِ الْبَاقِينَ .
قَالَ : وَالنَّصِيحَةُ لَازِمَةٌ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ إِذَا عَلِمَ النَّاصِحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ نُصْحُهُ ، وَيُطَاعُ أَمْرُهُ ، وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَكْرُوهَ .
فَإِنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ أَذًى فَهُوَ فِي سَعَةٍ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ( قَالَ : بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَلَقَّنَنِي فِيمَا اسْتَطَعْتَ ) وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِكَوْنِهِمَا قَرِينَتَيْنِ ، وَهُمَا أَهَمُّ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ ، وَأَظْهَرُهَا .
وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّوْمَ وَغَيْرَهُ لِدُخُولِهَا فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ .


وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فِيمَا اسْتَطَعْتَ ) مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَالرِّوَايَةُ ( اسْتَطَعْتَ ) بِفَتْحِ التَّاءِ .
وَتَلْقِينُهُ مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ قَدْ يَعْجِزُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ .
فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا اسْتَطَاعَ لَأَخَلَّ بِمَا الْتَزَمَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ جَرِيرٍ مَنْقَبَةٌ وَمَكْرُمَةٌ لِجَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهَا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ .
اخْتِصَارُهَا : أَنَّ جَرِيرًا أَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فَرَسًا فَاشْتَرَى لَهُ فَرَسًا بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَجَاءَ بِهِ وَبِصَاحِبِهِ لِيَنْقُدَهُ الثَّمَنَ ، فَقَالَ جَرِيرٌ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ : فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ .
أَتَبِيعُهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ ذَلِكَ إِلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ .
فَقَالَ : فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ .
أَتَبِيعُهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ؟ ثُمَّ لَمْ يَزُلْ يَزِيدُهُ مِائَةً ، فَمِائَةً ، وَصَاحِبُهُ يَرْضَى ، وَجَرِيرٌ يَقُولُ : فَرَسُكَ خَيْرٌ إِلَى أَنْ بَلَغَ ثَمَانمِائَةِ دِرْهَمٍ .
فَاشْتَرَاهُ بِهَا .
فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنِّي بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ فَفِيهِ أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمُقَدِّمَةِ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُصْرَفُ أَوْ لَا يُصْرَفُ ؟ وَفِي أَنَّ الْبَاءَ مَكْسُورَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَأَنَّ صَاحِبَ الْمَطَالِعِ حَكَى أَيْضًا فَتْحَهَا .


وفِيهِ زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِالْقَافِ .
وفِيهِ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ .
وَفِيهِ الدَّوْرَقِيُّ بِفَتْحِ الدَّالِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ بَيَانُ هَذِهِ النِّسْبَةِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ : ( حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ ) فَهَذَا إِسْنَادٌ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ .


وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ وَيَعْقُوبُ قَالَا : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيَّارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ ) ، ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِهِ : ( قَالَ يَعْقُوبُ فِي رِوَايَتِهِ : حَدَّثَنَا سَيَّارٌ ) فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى لَطِيفَةٍ وَهِيَ أَنَّ هُشَيْمًا مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ ( عَنْ ) سَيَّارٍ وَالْمُدَلِّسُ : إِذَا قَالَ : ( عَنْ ) ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِلَّا إِنْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى .
فَرَوَى مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدِيثَهُ هَذَا عَنْ شَيْخَيْنِ وَهُمَا سُرَيْجٌ وَيَعْقُوبُ .


فَأَمَّا سُرَيْجٌ فَقَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيَّارٍ .
وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَقَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ : حَدَّثَنَا سَيَّارٌ .
فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتِلَافَ عِبَارَةِ الرَّاوِيَيْنِ فِي نَقْلِهِمَا عِبَارَتَهُ ، وَحَصَلَ مِنْهُمَا اتِّصَالُ حَدِيثِهِ ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَهَذَا مِنْ عَظِيمِ إِتْقَانِهِ ، وَدَقِيقِ نَظَرِهِ ، وَحُسْنِ احْتِيَاطِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - .
وَسَيَّارٌ بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْيَاءِ .
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .