هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1365 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ . حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُو الْقَطَّانُ ، ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيِّبِيُّ ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ ، جَمِيعًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ : وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ ، وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1365 حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة ، إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت . حدثنا زهير بن حرب ، ومحمد بن المثنى ، وعبيد الله بن سعيد ، قالوا : حدثنا يحيى وهو القطان ، ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، ح وحدثنا ابن نمير ، حدثنا أبي ، كلهم عن عبيد الله ، ح وحدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، ح وحدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن ، ح وحدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، حدثنا أنس يعني ابن عياض ، جميعا عن موسى بن عقبة ، كل هؤلاء عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث مالك ، وزاد في حديث موسى بن عقبة : وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل ، والنهار ذكره ، وإذا لم يقم به نسيه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'Abdullah b. 'Umar reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

The example of a man who has memorised the Qur'an is like that of a hobbled camel. If he remained vigilant, he would be able to retain it (with him), and if he loosened the hobbled camel it would escape.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت.


المعنى العام

القرآن كلام الله، لفظه ومعناه من عند الله، هو المعجز لفصحاء البلاغة وأئمة اللسان، تحدى به العرب فوقفت دونه قدراتهم، تحدوا بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحدوا بسورة من مثله فعجزوا حتى قال قائلهم أعدى أعداء القرآن: إن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، وما هو من قول بشر.

من هنا لم يكن مما تعتاده الألسنة، وما تصنعه العقول، فكل قول يعاد يمل، لكن القرآن لا يمل، وكل قول يخلق بمرور الزمان، لكن القرآن لا يخلق على كثرة ترداده وتلاوته وتكراره.

من هنا كان ثقيلاً لفظًا ومعنى، وصدق الله العظيم إذ يقول: { { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } } [المزمل: 5] .

إن تناسق حروفه، واتساق كلماته، وتناسب آياته، وترابط معانيه وموضوعاته، تجعل حفظه ميسرًا، وتلاوته سهلة خفيفة على الألسنة، لكن لما كان من نوع لا نعتاده في ألسنتنا، ولا نتداوله في محادثاتنا، كان ترك تلاوته وعدم تعاهده واستذكاره مذهبًا لحفظه، مضيعًا له من صدور من ظفر به، فما أشبه حافظ القرآن بصاحب الإبل، نقصد صاحب الإبل الكثيرة، إبل البوادي التي لا تستأنس مكانًا معينًا، ولا تعتاد معاطن ثابتة، لأنها وصاحبها رحالة، كل يوم في مضرب وراء الكلأ والمرعى، فمن الذي يمسكها على صاحبها؟ وهي كما قيل عنها: سفينة الصحراء - معها خفها الذي يساعدها على الجري والمشي، ومعها سقاؤها الذي يمكنها من تحمل الجوع والعطش أيامًا، وتحصل على رزقها وطعامها بسهولة من أعشاب وأشجار كثيرة، فهي لهذا أكثر الحيوانات المستأنسة تفلتًا، فما الذي يمسكها؟ وما الأسلوب الذي يحافظ به صاحبها عليها؟ إنه العقل والحبل، وإذا بركت وثنت ساقها على فخذها قام صاحبها فربط الساق مع الفخذ بحبل كالحلقة، فإذا أرادت النهوض والقيام عجزت فهو مادام متعاهدًا لها، رابطًا أرجلها وعاقلها فهو ممسك لها محافظ عليها، وإن أهملها وأهمل عقالها ذهبت وضاعت منه، وكذلك حامل القرآن، إن عاهد عليه وحافظ على تلاوته ظل محتفظًا به في صدره ذاكرًا له، وإن أهمل تلاوته واستذكاره نسيه وبئس ما فعل، ويا خيبة من غنم بجهد، وحصل فضلاً كبيرًا بعناء ثم أضاع الغنيمة والفضل الجليل بتهاون وإهمال.

ولا يليق بمن أصابته هذه المصيبة أن يفخر بحصولها، ولا أن يتشدق بها، فإذا بليتم فاستتروا، وإن التصريح بقول: نسيت آية كذا أو سورة كذا مما كنت أحفظ مشعر باستهانة الإنسان بما نسي، فلو كان مهتمًا به حريصًا عليه ما نسيه، ومن اهتم بشيء حرص عليه، ومن حرص على شيء عض عليه بالنواجذ وقام عليه بالليل والنهار.

المباحث العربية

( سمع رجلاً يقرأ من الليل) في الكلام مضاف محذوف، أي سمع صوت وقراءة رجل، وجملة يقرأ في محل نصب صفة لرجل، ومن ظرفية بمعنى في ولم يثبت لدينا مقروء الرجل ما هو؟ والظاهر أن الرجل هو عباد بن بشر الصحابي الجليل، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: قالت: تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فسمع صوت عباد يصلي في المسجد فقال: يا عائشة.
أصوت عباد هذا؟ قلت: نعم.
قال: اللهم ارحم عبادًا وذكر البخاري هذه الرواية على أنها زيادة على مثل روايتنا مبينة لاسم القارئ.
وقيل: إنه عبد الله بن يزيد أخذًا من رواية أخرى، ويجوز أن تكون القصة قد تكررت.

( يرحمه اللَّه) في الرواية الثانية رحمه الله.
وسواء أكان بالفعل المضارع أو بالفعل الماضي فالجملة خبرية لفظًا إنشائية معنى، أي اللهم ارحمه.

( أذكرني كذا وكذا آية) وفي الرواية الثانية لقد أذكرني آية.
وكذا كما في مغني اللبيب: كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنيًا بها عن غير عدد، وتستعمل غالبًا معطوفًا عليها.
اهـ.
وهي مبنية.

( كنت أسقطتها من سورة كذا) أي كنت أسقطتها نسيانًا لا عمدًا، فهي بمعنى رواية كنت أنسيتها.

( إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة) إنما هي إن التي تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، دخلت عليها ما فكفتها ومنعتها من العمل، ولذا يطلق على إنما عبارة كافة ومكفوفة.
وهي تفيد الحصر، أي قصر ما يليها على ما بعده، فهنا قصرنا شبه صاحب القرآن على شبه صاحب الإبل المعقلة، ولما كان لصاحب القرآن أشباه أخرى غير هذا الشبه كان القصر إضافيًا، أي بالنسبة إلى الحفظ بالتلاوة والنسيان بالترك.
وفي روايتنا مضاف محذوف صرح به في رواية البخاري وهو لفظ صاحب: إذ فيها: كمثل صاحب الإبل المعقلة.
ويشير إلى هذا المحذوف في روايتنا قوله: إن عاهد عليها أمسكها.
والمعنى: إنما مثل صاحب القرآن مع القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة مع إبله المعقلة، ومعنى صاحب القرآن الذي ألفه، أي ألف تلاوته نظرًا من المصحف أو عن ظهر قلب، فإن الذي يداوم على ذلك يذل لسانه ويسهل عليه قراءته ويألفه، فالمصاحبة المؤالفة، ومنه: فلان صاحب فلان، وأصحاب الجنة، وأصحاب النار، وأصحاب الحديث، وأصحاب إبل وغنم، وصاحب كنز، وصاحب عبادة.
ذكره النووي.

والمعقلة بضم الميم وفتح العين وتشديد القاف، أي المشدودة بالعقال، وهو الحبل الذي يشد في ركبة البعير ليمنعه من القيام.
قال الحافظ ابن حجر: شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد، فما دام التعاهد موجودًا فالحفظ موجود، كما أن البعير مادام مشدودًا بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي رغبة في النفور، وفي تحصيلها بعد تمكن نفورها صعوبة.
اهـ فالتشبيه تشبيه تمثيل، بمعنى أننا شبهنا هيئة صاحب القرآن من حيث مداومته على القراءة أو تركها بهيئة صاحب الإبل من حيث مداومته عقل إبله أو فكها بجامع الحفظ في حالة والضياع في حالة أخرى.
وقيل: إنه تشبيه مركب فحامل القرآن شبه بصاحب الناقة والقرآن شبه بالناقة، والحفظ شبه بالربط.
وهذا القول بعيد، لعدم المناسبة والمشابهة بين القرآن والناقة.

( إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت) هذه تتمة أوصاف صاحب الإبل، ويشبهه فيها صاحب القرآن، والزيادة في الرواية الثالثة توضح ذلك وهي: وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه.
وتعاهد الشيء تجديد العهد به، وتعاهد القرآن ملازمة تلاوته، ومعنى أمسكها استمر في إمساكها.

( بئسما لأحدهم يقول) بئس فعل جامد غير متصرف يفيد الذم، يرفع فاعلاً ظاهرًا معرفًا بأل نحو بئس الرجل زيد، أو مضافًا لمعرف بأل نحو بئس أخو القوم زيد، وزيد في هاتين الحالتين مخصوص بالذم خبر مبتدأ محذوف.
أي المذموم زيد.
كما ترفع فاعلاً مضمرًا مفسرًا باسم نكرة منصوبة على التمييز نحو بئس رجلاً زيد.
وما في مثل هذا الحديث تحل محل الاسم النكرة والتقدير بئس هو شيئًا، والمخصوص بالذم يقول فعل مسبوك بمصدر من غير سابك، وقد صرح بحروف المصدر في الرواية السادسة، ولفظها: بئسما الرجل أن يقول.
أي المذموم قوله كذا.

( نسيت آية كيت وكيت) نسيت بفتح النون وكسر السين مخففة باتفاق.
وكيت وكيت كما قال القرطبي: يعبر بهما عن الجمل الكثيرة والحديث الطويل، ومثلهما ذيت وذيت.
وقال ثعلب: كيت للأفعال، وذيت للأسماء.
وحكي عن الداودي أنها مثل كذا إلا أنها خاصة بالمؤنث.

( بل هو نُسي) بضم النون وتشديد السين المكسورة.
قال القرطبي: رواه بعض رواة مسلم مخففًا.
أي مخفف السين المكسورة مع ضم النون.
قال الحافظ ابن حجر: والتثقيل هو الذي وقع في جميع الروايات في البخاري، وكذا في أكثر الروايات في غيره، ويؤيده ما وقع في رواية أبي عبيد في الغريب بعد قوله: كيت وكيت ليس هو نسي ولكنه نسي الأول بفتح النون وتخفيف السين والثاني بضم النون وتشديد السين.
قال القرطبي: التثقيل معناه أنه عوقب بوقوع النسيان عليه لتفريطه في معاهدته واستذكاره.
قال: ومعناه في التخفيف - أي في تخفيف السين المكسورة مع ضم النون - أن الرجل ترك غير ملتفت إليه، وهو كقوله تعالى: { { نسوا الله فنسيهم } } [التوبة: 67] أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة.

( استذكروا القرآن) أي واظبوا على تلاوته، واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به.
قال الطيبي: وهو عطف من حيث المعنى على قوله: بئسما لأحدهم يقول أي لا تقصروا في معاهدته واستذكروه.

( فلهو أشد تفصيًا من صدور الرجال) اللام لام جواب القسم المحذوف.
وتفصيًا بفتح التاء والفاء وكسر الصاد المشددة بعدها ياء مخففة، أي تفلتًا وتخلصًا، كما جاء في الرواية السابقة: لهو أشد تفلتًا.

( من النعم بعقلها) بضم العين والقاف، ويجوز سكون القاف، جمع عقال ككتاب وكتب، وهو الحبل، روي: في عقلها وروي: من عقلها.
قال القرطبي: من رواه: من عقلها فهو على الأصل الذي يقتضيه التعدي من لفظ التفلت.
وأما من رواه بالباء أو الفاء فيحتمل أن يكون بمعنى من أو للمصاحبة أو الظرفية.
والنعم أصلها الإبل والبقر والغنم، والمراد هنا الإبل خاصة لأنها التي تعقل، وفي الرواية الخامسة: من النعم من عقله بالتذكير، وهو صحيح فإن النعم تذكر وتؤنث.

فقه الحديث

تصرح الرواية الخامسة بالنهي عن قول: نسيت آية كذا.
وتذم الرواية الرابعة والسادسة هذا القول، ومع ذلك يتفق العلماء على أن الحكم هو كراهة التنزيه فقط، واختلفوا في متعلق الذم وحكمة النهي على أوجه ذكرها الحافظ ابن حجر نجملها فيما يأتي:

الوجه الأول: قيل: أراد أن يجري على ألسن العباد نسبة الأفعال إلى خالقها وذلك أولى من نسبة الأفعال إلى مكتسبها، وخصوصًا أن النسيان لا صنع للإنسان فيه، لأنه عارض للإنسان لا عن قصد منه، لأنه لو قصد نسيان الشيء لكان ذاكرًا له في حال قصده، فكيف ينسبه إلى نفسه فيوهم أنه انفرد بفعله؟ ويبعد هذا الوجه أن موسى عليه السلام أضاف النسيان إلى نفسه في قوله: { { لا تؤاخذني بما نسيت } } [الكهف: 73] وأضافه يوشع إلى نفسه حين قال: { { فإني نسيت الحوت } } [الكهف: 63] وقال الصحابة - كما يحكي عنهم القرآن الكريم: { { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } } [البقرة: 286] وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب النسيان إلى نفسه في باب سجود السهو حين سلم من ركعتين في رباعية، فلما ذكر قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني.
ورواية تخفيف السين في أنسى قوية ومشهورة.

فيبعد أن يكون النهي للزجر عن هذا اللفظ.

والوجه الثاني: قال بعضهم: يحتمل أن يكون كره له أن يقول نسيت بمعنى تركت لا بمعنى السهو العارض، من قبيل قوله تعالى: { { نسوا الله فنسيهم } } [التوبة: 67] .

وهذا الوجه بعيد أيضًا، لأن حاصله اللجوء إلى المجاز، ولا توجد قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، بل القرينة تبعد هذا المجاز، إذ قوله في الرواية الرابعة والخامسة والسادسة: بل هو نسي.
بضم النون وتشديد السين المكسورة يبعد أن يكون المراد منه بل هو ترك.

الوجه الثالث: قال الإسماعيلي: يحتمل أن يكون فاعل نسيت النبي صلى الله عليه وسلم، أي لا يقل أحد إن محمدًا صلى الله عليه وسلم نسي آية كذا، فإن الله هو الذي نساني عن ذلك لحكمة نسخه ورفع تلاوته.

وهذا الوجه أبعد من سابقيه، إذ كان ينبغي أن يقول - لو كان ذلك مرادًا - بل أنا أنسى بدل هو نسي، كما يزيده بعدًا تعقيب هذا النهي بالأمر باستذكار القرآن وتعهده مخافة نسيانه.

الوجه الرابع: أن يكون ذلك خاصًا بزمان النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من ضروب النسخ نسيان الشيء الذي ينزل ثم ينسخ بعد نزوله، فيذهب رسمه، وترفع تلاوته، ويسقط حفظه عن حملته.
قاله الخطابي.
وحاصله النهي عن أن يقول أحدهم: نسيت الآية المنسوخة، فهو قريب من قوله تعالى: { { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } } [البقرة: 106] وهذا الوجه أبعد من سوابقه، لأن الرواية السادسة تقول: نسيت سورة كذا وكذا ولم تنسخ سور ولا سورة، ثم إن هذا الضرب من النسخ لا يكاد يثبت، ثم إن تعقيب هذا النهي بالأمر باستذكار القرآن وتعهده دليل على الخوف من النسيان، ولا يخاف على نسيان المنسوخ.

الوجه الخامس: أن سبب النهي والذم ما في القول من الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن، إذ لا يقع النسيان إلا بترك التعاهد وكثرة الغفلة، فلو تعاهد بتلاوته لدام حفظه وتذكره، وقد عبر القاضي عياض عن هذا الوجه بقوله: أولى ما يتأول عليه الحديث ذم الحال لا ذم القول، أي بئس الحال حال من حفظه ثم غفل عنه حتى نسيه.
اهـ

وحاصل هذا الوجه النهي عن ترك المحفوظ بدون مذاكرة وتعاهد، وذم الغفلة عن تلاوة ما حفظ، كما تقول: لا تعتذر، وتقصد لا تفعل فعلاً تعتذر عنه.
وهذا التوجيه حسن ومقبول، لكنه لا يصلح معه أن النهي لكراهة التنزيه فالحالة المنهي عنها حينئذ حالة محرمة، بل من السلف من جعل نسيان ما حفظ من القرآن من الكبائر ومن أعظم المصائب، واحتجوا بما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس مرفوعًا: عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها: وفي رواية: أعظم من حامل القرآن وتاركه.
ولأبي داود عن سعد بن عبادة مرفوعًا: من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم.
أي مقطوع اليد.
وقيل: مقطوع الحجة.
وقيل: خالي اليد من الخير.
وقيل: يحشر مجذومًا حقيقة.
وهذه الأحاديث وغيرها مما في معناها يقوي بعضها بعضًا مما يفيد الحرمة لا نهي التنزيه.

فالوجه عندي أن النهي موجه إلى قول هذا اللفظ لما يشعر به فقط، أما أسباب النسيان فلها حكم مستقل، فمن نشأ نسيانه بأمر ديني كالجهاد فهو معذور، وعليه يحمل ما ورد من نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الآيات، كما في الرواية الأولى والثانية، ومن كان نسيانه عن إهمال وتقصير مع التمكن فهو حرام.
والله أعلم.

ويؤخذ من هذه الأحاديث فوق ما تقدم:

1- من الرواية الأولى والثانية جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل، وفي المسجد إذا لم يؤذ أحدًا ولم يتعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك.

2- أن الاستماع إلى القراءة سنة.

3- الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خيرًا وإن لم يقصد ذلك المحصول منه.

4- قال الحافظ ابن حجر: وفيه جواز قول المرء: أسقطت آية كذا من سورة كذا، إذا وقع منه ذلك، وقد أخرج ابن أبي داود من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال: لا تقل: أسقطت كذا.
بل قل: أغفلت.
قال الحافظ: وهو أدب حسن، وليس واجبًا.
اهـ

5- وفيه جواز قول: سورة كذا، خلافًا لمن كره ذلك.
وقال: لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها كذا.
وقد نقل القرطبي في تفسيره عن الحكيم الترمذي أن من حرمة القرآن أن لا يقال: سورة كذا، كقولك: سورة البقرة، وسورة النحل، وسورة النساء، وإنما يقال: السورة التي يذكر فيها كذا.
وقال النووي في الأذكار: يجوز أن يقول: سورة البقرة، سورة... إلى أن قال: وسورة العنكبوت، وكذلك الباقي، ولا كراهة في ذلك.
وقال بعض السلف: يكره ذلك.
والصواب الأول، وهو قول الجماهير، والأحاديث فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم.
اهـ.

وقال ابن كثير في تفسيره مشيرًا إلى رأي الكارهين: ولا شك أن ذلك أحوط، ولكن استقر الإجماع على الجواز في المصاحف والتفاسير.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وقد تمسك بالاحتياط المذكور جماعة من المفسرين منهم أبو محمد بن أبي حاتم ومن المتقدمين الكلبي وعبد الرزاق.
اهـ.

6- قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم فيما ليس طريقه البلاغ بشرطين: أحدهما أنه بعد ما يقع منه تبليغه، والآخر أنه لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكره، إما بنفسه وإما بغيره.
وهل يشترط في هذا الفور؟ قولان.

فأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلاً.
وزعم بعض الأصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه نسيان أصلاً، وإنما يقع منه صورته ليسن.
وهذا قول ضعيف.
اهـ

وقال الإسماعيلي: النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من القرآن يكون على قسمين:

أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود في السهو: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون.

والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: { { سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله } } [الأعلى: 6، 7] .

7- ومن الرواية الثالثة والرابعة والخامسة والسابعة يؤخذ ضرب الأمثال لتقريب المعنى إلى الأذهان.

8- والحث على تعاهد القرآن وتلاوته والتحذير من تعريضه للنسيان.

9- والإشارة إلى صعوبة حفظ القرآن.
قال ابن بطال: هذا الحديث يوافق الآيتين.
قوله تعالى: { { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } } [المزمل: 5] وقوله تعالى: { { ولقد يسرنا القرآن للذكر } } [القمر: 17] فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسر له، ومن أعرض عنه تفلت منه.
اهـ.

واللَّه أعلم