هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1365 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ فِرَاسٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا ؟ قَالَ : أَطْوَلُكُنَّ يَدًا ، فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا ، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا ، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1365 حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها : أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، قلن للنبي صلى الله عليه وسلم : أينا أسرع بك لحوقا ؟ قال : أطولكن يدا ، فأخذوا قصبة يذرعونها ، فكانت سودة أطولهن يدا ، فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة ، وكانت أسرعنا لحوقا به وكانت تحب الصدقة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا ؟ قَالَ : أَطْوَلُكُنَّ يَدًا ، فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا ، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا ، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ .

Narrated `Aisha:

Some of the wives of the Prophet (ﷺ) asked him, Who amongst us will be the first to follow you (i.e. die after you)? He said, Whoever has the longest hand. So they started measuring their hands with a stick and Sauda's hand turned out to be the longest. (When Zainab bint Jahsh died first of all in the caliphate of `Umar), we came to know that the long hand was a symbol of practicing charity, so she was the first to follow the Prophet (ﷺ) and she used to love to practice charity. (Sauda died later in the caliphate of Muawiya).

A'icha () dit: Quelquesunes des épouses du Prophète () dirent à celuici: Laquelle d'entre nous sera la première à te rejoindre [après ta mort)? — Celle, réponditil, qui a la plus longue main. Sur ce, elles prirent un roseau, se mesurèrent et trouvèrent que c'était Sawda qui avait la main la plus longue. Mais après cela, continue A'icha, nous sûmes que la longueur de la main signifie l'aumône. En effet, elle fut la première à le rejoindre...; elle aimait faire l'aumône. D'après Abu Hurayra (), le Prophète () dit: ... et un homme qui fait une aumône en secret au point où la main gauche ne sait pas ce que fait sa main droite. Allah, le TrèsHaut, dit:

":"ہم سے موسیٰ بن اسماعیل نے بیان کیا ‘ کہا کہ ہم سے ابوعوانہ وضاح یشکری نے بیان کیا ‘ ان سے فراس بن یحییٰ نے ان سے شعبی نے ، ان سے مسروق نے اور ان سے عائشہ رضی اللہ عنہا نے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کی بعض بیویوں نے آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے پوچھا کہ سب سے پہلے ہم میں آخرت میں آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے کون جا کر ملے گی تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا جس کا ہاتھ سب سے زیادہ لمبا ہو گا ۔ اب ہم نے لکڑی سے ناپنا شروع کر دیا تو سودہ رضی اللہ عنہا سب سے لمبے ہاتھ والی نکلیں ۔ ہم نے بعد میں سمجھا کہ لمبے ہاتھ والی ہونے سے آپ صلی اللہ علیہ وسلم کی مراد صدقہ زیادہ کرنے والی سے تھی ۔ اور سودہ رضی اللہ عنہا ہم سب سے پہلے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے جا کر ملیں ‘ صدقہ کرنا آپ صلی اللہ علیہ وسلم کو بہت محبوب تھا ۔

A'icha () dit: Quelquesunes des épouses du Prophète () dirent à celuici: Laquelle d'entre nous sera la première à te rejoindre [après ta mort)? — Celle, réponditil, qui a la plus longue main. Sur ce, elles prirent un roseau, se mesurèrent et trouvèrent que c'était Sawda qui avait la main la plus longue. Mais après cela, continue A'icha, nous sûmes que la longueur de la main signifie l'aumône. En effet, elle fut la première à le rejoindre...; elle aimait faire l'aumône. D'après Abu Hurayra (), le Prophète () dit: ... et un homme qui fait une aumône en secret au point où la main gauche ne sait pas ce que fait sa main droite. Allah, le TrèsHaut, dit:

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1420] .

     قَوْلُهُ  إِنَّ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ السَّائِلَةِ مِنْهُنَّ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا عِنْدَ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَتْ فَقُلْتُ بِالْمُثَنَّاةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ فَقُلْنَ بِالنُّونِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  يَدًا وَأَطُولُكُنَّ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ .

     قَوْلُهُ  فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا أَيْ يُقَدِّرُونَهَا بِذِرَاعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ بِالنَّظَرِ إِلَى لَفْظِ الْجَمْعِ لَا بِلَفْظِ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ وَإِنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ تَعْظِيمًا وَقَولُهُ أَطُولُكُنَّ يُنَاسِبُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَقَالَ طُولَاكُنَّ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَتْ سَوْدَةُ زَاد بن سَعْدٍ عَنْ عَفَّانَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  أَطْوَلُهُنَّ يَدًا فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ ذِرَاعًا وَهِيَ تُعِينُ أَنَّهُنَّ فَهِمْنَ مِنْ لَفْظِ الْيَدِ الْجَارِحَةَ .

     قَوْلُهُ  فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَيْ لَمَّا مَاتَتْ أَوَّلُ نِسَائِهِ بِهِ لُحُوقًا .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا بِالْفَتْحِ وَالصَّدَقَةُ بِالرَّفْعِ وَطُولَ يَدِهَا بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ الْخَبَرُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا كَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ وَوَقَعَ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ لِلْمُصَنِّفِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَنَا الخ وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ الدُّورِيِّ عَنْ مُوسَى وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ عِنْدَ أَحْمد وبن سعد عَنهُ قَالَ بن سَعْدٍ قَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ يَعْنِي الْوَاقِدِيَّ هَذَا الْحَدِيثُ وُهِلَ فِي سَوْدَةَ وَإِنَّمَا هُوَ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَهِيَ أَوَّلُ نِسَائِهِ بِهِ لُحُوقًا وَتُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَبَقِيَتْ سَوْدَةُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا الْحَدِيثُ سَقَطَ مِنْهُ ذِكْرُ زَيْنَبَ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ السِّيَرِ عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي أَنَّ الصَّوَابَ وَكَانَتْ زَيْنَبُ أَسْرَعَنَا إِلَخْ وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تِلْكَ الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمُصَرَّحُ فِيهَا بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِسَوْدَةَ وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيِّ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ سَوْدَةَ كَانْتَ أَسْرَعَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ زَيْنَبَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنَ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالْعَجَبُ مِنَ الْبُخَارِيِّ كَيْفَ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ وَلَا أَصْحَابُ التَّعَالِيقِ وَلَا عَلِمَ بِفَسَادِذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ.

     وَقَالَ  لُحُوقُ سَوْدَةَ بِهِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ وَهَمٌ وَإِنَّمَا هِيَ زَيْنَبُ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا بِالْعَطَاءِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يدا زَيْنَبُ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ وَتَتَصَدَّقُ انْتَهَى وَتَلَقَّى مغلطاي كَلَام بن الْجَوْزِيِّ فَجَزَمَ بِهِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ لَهُ وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ الطِّيبِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ الْمُرَادُ الْحَاضِرَاتُ مِنْ أَزْوَاجِهِ دُونَ زَيْنَبَ وَكَانَتْ سَوْدَةُ أَوَّلُهُنَّ مَوْتًا.

.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ نَحْوُهُ فِي كَلَامِ مُغَلْطَايْ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا أَنَّ فِي رِوَايَة يحيى بن حَمَّاد عِنْد بن حِبَّانَ أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ لَمْ تُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي وَفَاةِ سَوْدَةَ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ هِلَالٍ أَنَّهُ قَالَ مَاتَتْ سَوْدَةُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَجَزَمَ الذَّهَبِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ بِأَنَّهَا مَاتَتْ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ.

     وَقَالَ  بن سَيِّدِ النَّاسِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ حَيْثُ قَالَ أَجْمَعَ أهل السّير على أَن زَيْنَب أول من مَاتَ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَسَبَقَهُ إِلَى نَقْلِ الِاتِّفَاقِ بن بَطَّالٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ النَّقْلَ مُقَيَّدٌ بِأَهْلِ السِّيَرِ فَلَا يَرِدُ نَقْلُ قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ مِمَّنْ لَا يَدْخُلُ فِي زُمْرَةِ أَهْلِ السِّيَرِ.

.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ فَلَا يَصِحُّ وَقَدْ تقدم عَن بن بَطَّالٍ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَكَانَتْ لِزَيْنَبَ وَذَكَرْتُ مَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرُهُ بِسَوْدَةَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِكَوْنِ غَيْرِهَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فَلَمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى قِصَّةِ زَيْنَبَ وَكَوْنِهَا أَوَّلَ الْأَزْوَاجِ لُحُوقًا بِهِ جَعَلَ الضَّمَائِرَ كُلَّهَا لِسَوْدَةَ وَهَذَا عِنْدِي مِنْ أَبِي عَوَانَةَ فَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِك بن عُيَيْنَة عَن فراس كَمَا قَرَأت بِخَط بن رَشِيدٍ أَنَّهُ قَرَأَهُ بِخَطِّ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْوَرْدِ وَلَمْ أَقِفْ إِلَى الْآنَ عَلَى رِوَايَةِ بن عُيَيْنَةَ هَذِهِ لَكِنْ رَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي زِيَادَاتِ الْمَغَازِي وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِزَيْنَبَ لَكِنْ قَصَّرَ زَكَرِيَّا فِي إِسْنَادِهِ فَلَمْ يَذْكُرْ مَسْرُوقًا وَلَا عَائِشَةَ وَلَفْظُهُ قُلْنَ النِّسْوَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا قَالَ أَطْوَلكُنَّ يدا فأخذن يتذار عَن أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ عَلِمْنَ أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فِي الْخَيْرِ وَالصَّدَقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَكُنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا فِي بَيْتِ إِحْدَانَا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمُدُّ أَيْدِيَنَا فِي الْجِدَارِ نَتَطَاوَلُ فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَكَانَتِ امْرَأَةً قَصِيرَةً وَلَمْ تَكُنْ أَطْوَلَنَا فَعَرَفْنَا حِينَئِذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ بِطُولِ الْيَدِ الصَّدَقَةَ وَكَانَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةَ صِنَاعَةٍ بِالْيَدِ وَكَانَتْ تَدْبُغُ وَتَخْرُزُ وَتَصَدَّقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ انْتَهَى وَهِيَ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ مُبَيِّنَةٌ مُرَجِّحَةٌ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ فِي أَمْرِ زَيْنَبَ قَالَ بن رَشِيدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ لَا تَعْنِي سَوْدَةَ قَوْلُهَا فَعَلِمْنَا بَعْدُ إِذْ قَدْ أَخْبَرَتْ عَنْ سَوْدَةَ بِالطُّولِ الْحَقِيقِيِّ وَلَمْ تَذْكُرْ سَبَبَ الرُّجُوعِ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ إِلَّا الْمَوْتَ فَإِذَا طَلَبَ السَّامِعُ سَبَبَ الْعُدُولِ لَمْ يَجِدْ إِلَّا الْإِضْمَارَ مَعَ أَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهَا إِنَّمَا هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِالصَّدَقَةِ لِمَوْتِهَا قَبْلَ الْبَاقِيَاتِ فَيَنْظُرُ السَّامِعُ وَيَبْحَثُ فَلَا يَجِدُ إِلَّا زَيْنَبَ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِضْمَارِ مَا لَا يَصْلُحُ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ قَوْلَهَا فَعَلِمْنَا بَعْدُ يُشْعِرُ إِشْعَارًا قَوِيًّا أَنَّهُنَّ حَمَلْنَ طُولَ الْيَدِ عَلَى ظَاهِرِهِ ثُمَّ عَلِمْنَ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافَهُ وَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ وَالَّذِي عَلِمْنَهُ آخِرًا خِلَافَ مَا اعْتَقَدْنَهُ أَوَّلًا وَقَدِ انْحَصَرَ الثَّانِي فِي زَيْنَبَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا أَوَّلُهُنَّمَوْتًا فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُرَادَةُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الضَّمَائِرِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَكَانَتْ وَاسْتَغْنَى عَنْ تَسْمِيَتِهَا لِشُهْرَتِهَا بِذَلِكَ انْتَهَى.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فِي الْحَدِيثِ اخْتِصَارًا أَوِ اكْتِفَاءً بِشُهْرَةِ الْقِصَّةِ لِزَيْنَبَ وَيُؤَوَّلُ الْكَلَامُ بِأَنَّ الضَّمِير رَجَعَ إِلَى المرأةالتي عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الصَّدَقَةِ.

.

قُلْتُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْبُخَارِيِّ حَذَفَ لَفْظَ سَوْدَةَ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ لَمَّا أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحِ لِعِلْمِهِ بِالْوَهْمِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَمَّا سَاقَهُ فِي التَّارِيخِ بِإِثْبَاتِ ذِكْرِهَا ذَكَرَ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَكَانَتْ أَوَّلَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُوقًا بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَارِيخِ وَفَاتِهَا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَأَنَّهُ سَنَةَ عِشْرِينَ وروى بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ بَرْزَةَ بِنْتِ رَافِعٍ قَالَتْ لَمَّا خَرَجَ الْعَطَاءُ أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِالَّذِي لَهَا فَتَعَجَّبَتْ وَسَتَرَتْهُ بِثَوْبٍ وَأَمَرَتْ بِتَفْرِقَتِهِ إِلَى أَنْ كُشِفَ الثَّوْبُ فَوَجَدَتْ تَحْتَهُ خَمْسَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ قَالَتْ اللَّهُمَّ لَا يُدْرِكُنِي عَطَاءٌ لِعُمَرَ بَعْدَ عَامِي هَذَا فَمَاتَتْ فَكَانَتْ أَوَّلَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لُحُوقا بِهِ وروى بن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ قَالَ كَانَتْ زَيْنَبُ أَوَّلَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُوقًا بِهِ فَهَذِهِ رِوَايَاتٌ يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِهَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ وَهْمًا وَقَدْ سَاقَهُ يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ عَنْهُ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ فَأَخَذْنَ قَصَبَةً يَتَذَارَعْنَهَا فَمَاتَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الصَّدَقَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ قَالَ أَطْوَلُكُنَّ يَدًا بِالصَّدَقَةِ هَذَا لَفظه عِنْد بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ الْحَرَّانِيُّ عَنْهُ فَأَخَذْنَ قَصَبَةً فَجَعَلْنَ يَذْرَعْنَهَا فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَهُنَّ بِهِ لُحُوقًا وَكَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا وَكَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ وَهَذَا السِّيَاقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إِلَّا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ دُخُولِ الْوَهْمِ عَلَى الرَّاوِي فِي التَّسْمِيَةِ خَاصَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ ظَاهِرٌ وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَهُوَ لَفْظُ أَطُولُكُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْذُورٌ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَمَّا كَانَ السُّؤَالُ عَنْ آجَالٍ مُقَدَّرَةٍ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالْوَحْيِ أَجَابَهُنَّ بِلَفْظٍ غَيْرِ صَرِيحٍ وَأَحَالَهُنَّ عَلَى مَا لَا يَتَبَيَّنُ إِلَّا بِآخَرَ وَسَاغَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنَ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ لَمْ يُلَمْ وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ مَجَازَهُ لِأَنَّ نِسْوَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلْنَ طُولَ الْيَدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِنَّ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُنَّ لَيْسَ ذَلِكَ أَعْنِي إِنَّمَا أَعْنِي أَصْنَعُكُنَّ يَدًا فَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَحْتَجْنَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَرْعِ أَيْدِيهِنَّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ لِأَنَّ النِّسْوَةَ فَهِمْنَ مِنْ طُولِ الْيَدِ الْجَارِحَةَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالطُّولِ كَثْرَةُ الصَّدَقَةِ وَمَا قَالَهُ لَا يُمْكِنُ اطِّرَادُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالله أعلمقَولُهُ بَابُ صَدَقَةِ الْعَلَانِيَةِ وَقَولُهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً إِلَى قَوْله وَلَا هم يَحْزَنُونَ سَقَطَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلْمُسْتَمْلِي وَثَبَتَتْ لِلْبَاقِينَ وَبِهِ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا لِمَنْ ثَبَّتَهَا حَدِيثٌ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا شَيْءٌ عَلَى شَرْطِهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف إِلَى بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَأَنْفَقَ بِاللَّيْلِ وَاحِدًا وَبِالنَّهَارِ وَاحِدًا وَفِي السِّرِّ وَاحِدًا وَفِي الْعَلَانِيَةِ وَاحِدًا وَذَكَرَهُ الْكَلْبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا وَزَادَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَمَا إِنَّ ذَلِكَ لَكَ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْخَيْلِ الَّذِينَ يربطونها فِي سَبِيل الله أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَعَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي إِبَاحَةِ الِارْتِفَاقِ بِالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ لِأَنَّهُ يَرْتَفِقُ بِهَا كُلُّ مَارٍّ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي سِرٍّ وَعَلَانِيَةٍ وَكَانَتْ أَعَمَّ قَولُهُ بَابُ صَدَقَةِ السِّرِّ.

     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ وَقَولُهُ تَعَالَى إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خير لكم الْآيَةَ وَإِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الَّذِي خَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ ثُمَّ زَانِيَةٍ ثُمَّ غَنِيٍّ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ بَابُ إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ وَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَيَكُونُ قَدِ اقْتَصَرَ فِي تَرْجَمَةِ صَدَقَةِ السِّرِّ عَلَى الْحَدِيثِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْآيَةِ وَعَلَى مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فَيَحْتَاجُ إِلَى مُنَاسَبَةٍ بَيْنَ تَرْجَمَةِ صَدَقَةِ السِّرِّ وَحَدِيثِ الْمُتَصَدِّقِ وَوَجْهُهَا أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ وَقَعَتْ بِاللَّيْلِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ بَلْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِيهِ لِأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ كَمَا سَيَأْتِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ صَدَقَتَهُ كَانَتْ سِرًّا إِذْ لَوْ كَانَتْ بِالْجَهْرِ نَهَارًا لَمَا خَفِيَ عَنْهُ حَالُ الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ لَا تَخْفَى بِخِلَافِ الزَّانِيَةِ وَالسَّارِقِ وَلِذَلِكَ خُصَّ الْغَنِيُّ بِالتَّرْجَمَةِ دُونَهُمَا وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُعَلَّقُ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ بِتَمَامِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَهُوَ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ إِخْفَاءِ الصَّدَقَةِ.

.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَظَاهِرَةٌ فِي تَفْضِيلِ صَدَقَةِ السِّرِّ أَيْضًا وَلَكِنْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَنَقَلَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْإِعْلَانَ فِي صَدَقَةِ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الْإِخْفَاءِ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَخَالَفَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ فَقَالَ إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَالَ فَالْمَعْنَى إِنْ تُؤْتُوهَا أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ ظَاهِرَةً فَلَكُمْ فَضْلٌ وَإِنْ تُؤْتُوهَا فُقَرَاءَكُمْ سِرًّا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ قَالَ وَكَانَ يَأْمُرُ بِإِخْفَاءِ الصَّدَقَةِ مُطْلَقًا وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ أَنَّ إِخْفَاءَ الزَّكَاةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَفْضَلَ فَأَمَّا بَعْدَهُ فَإِنَّ الظَّنَّ يُسَاءُ بِمَنْ أَخْفَاهَا فَلِهَذَا كَانَ إِظْهَارُ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ أَفْضَلَ قَالَ بن عَطِيَّةَ وَيُشْبِهُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَكُونَ الْإِخْفَاءُ بِصَدَقَةِ الْفَرْضِ أَفْضَلَ فَقَدْ كَثُرَ الْمَانِعُ لَهَا وَصَارَ إِخْرَاجُهَا عُرْضَةً لِلرِّيَاءِ انْتَهَى وَأَيْضًا فَكَانَ السَّلَفُ يُعْطُونَ زَكَاتَهُمْ لِلسُّعَاةِ وَكَانَ مَنْ أَخْفَاهَا اتُّهِمَ بِعَدَمِ الْإِخْرَاجِ.

.
وَأَمَّا الْيَوْمَ فَصَارَ كُلُّ أَحَدٍ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ بِنَفْسِهِ فَصَارَ إِخْفَاؤُهَا أَفْضَلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَوْ قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ لَمَا كَانَ بَعيدا فَإِذا كَانَ الإِمَام مثلا جَائِزا وَمَالَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مَخْفِيًّا فَالْإِسْرَارُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمُتَطَوِّعُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيُتَّبَعُ وَتَنْبَعِثُ الْهِمَمُ عَلَى التَّطَوُّعِ بِالْإِنْفَاقِ وَسَلِمَ قَصْدُهُ فَالْإِظْهَارُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ( قَولُهُ بَابُ إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَيْ فَصَدَقَتُهُ مَقْبُولَةٌ)

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1420] حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْنَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا.
فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا.
فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ".
وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري ( عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره سين مهملة ابن يحيى الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء المكتب ( عن الشعبي) عامر بن شراحيل ( عن مسروق) هو ابن الأجدع ( عن عائشة رضي الله عنها أن بعض أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلن) الضمير للبعض الغير العين، لكن عند ابن حبان من طريق يحيى بن حماد عن أبي عوانة بهذا الإسناد عن عائشة قالت فقلت: ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أينا أسرع بك لحوقًا) نصب على التمييز أي يدركك بالموت.
وأينا: بضم التحتية المشددة بغير علامة التأنيث لقول سيبويه فيما نقله عنه الزمخشري في سورة لقمان أنها مثل كل في أن لحاق التاء لها غير فصيح وجملة أينا أسرع مبتدأ وخبر ( قال) : عليه الصلاة والسلام: ( أطولكن) بالرفع خبر مبتدأ محذوف دل عليه السؤال أي أسرعكن لحوقًا بي أطولكن ( يدًا) نصب على التمييز وكان القياس أن يقول طولاكن بوزن فعلى لأن في مثله يجوز الإفراد والمطابقة لن أفعل التفضيل له ( فأخذوا قصبة يذرعونها) بالذال المعجمة أي يقدّرونها بذراع كل واحدة كي يعلمن أيهن أطول جارحة، والضمير في قوله: فأخذوا ويذرعون راجع لمعنى الجمع لا لفظ جماعة النساء وإلا لقال: فأخذن قصبة يذرعنها أو عدل إليه تعظيمًا لشأنهن كقوله: وكانت من القانتين، وكقوله: وإن شئت حرمت النساء سواكم ( فكانت سودة) بفتح السين بنت زمعة كما زاده ابن سعد ( أطولهن يدًا) من طريق المساحة ( فعلمنا بعد) أي بعد أن تقرر كون سودة أطولهن يدًا بالساحة ( أنما) بفتح الهمزة لكونه في موضع المفعول لعلمنا ( كانت طول يدها الصدقة) اسم كان وطول يدها خبر مقدم أي علمنا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد باليد العضو وبالطول طولها بل أراد العطاء وكثرته، فاليد هنا استعارة للصدقة والطول ترشيح لها لأنه ملائم للمستعار منه ( وكانت أسرعنا لحوقًا به) عليه الصلاة والسلام، ( وكانت تحب الصدقة) واستشكل هذا بما ثبت من تقدم موت زينب وتأخر سودة بعدها.
وأجاب ابن رشيد: بأن عائشة لا تعني سودة بقولها فعلمنا بعد أي بعد أن أخبرت عن سودة بالطول الحقيقيولم تذكر سببًا للرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت فتعين الحمل على المجاز انتهى.
وحينئذٍ فالضمير في وكانت في الموضعين عائد على الزوجة التي عناها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: أطولكن يدًا وإن كانت لم تذكر إذ هو متعين لقيام الدليل على أنها زينب بنت جحش كما في مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ: فكانت أطولنا يدًا زينب بنت جحش لأنها كانت تعمل وتصدّق مع اتفاقهم على أنها أولهن موتًا، فتعين أن تكون هي المرادة وهذا من إضمار ما لا يصلح غيره كقوله تعالى: { حتى توارت بالحجاب} [ص: 32] وعلى هذا فلم تكن سودة مرادة قطعًا وليس الضمير عائدًا عليها، لكن يعكر على هذا ما وقع من التصريح بسودة عند المؤلّف في تاريخه الصغير عن موسى بن إسماعيل بهذا السند بلفظ: فكانت سودة أسرعنا، وقول بعضهم: إنه يجمع بين روايتي البخاري ومسلم بأن زينب لم تكن حاضرة خطابه عليه الصلاة والسلام بذلك، فالأوّلية لسودة باعتبار من حضر إذ ذاك معارض بما رواه ابن حبان من رواية يحيى بن حماد أن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجتمعن عنده فلم يغادر منهن واحدة.
وأجاب الحافظ ابن حجر بأنه يمكن أن يكون تفسيره بسودة من أبي عوانة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر لأن ابن عيينة عن فراس قد خالفه في ذلك.
وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي والبيهقي في الدلائل بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك لزينب، لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقًا ولا عائشة ولفظه: فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدًا في الخير والصدقة ويؤيده ما رواه الحاكم في المناقب من مستدركه ولفظه قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا في بيت احدانا بعد وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطوّلنا فعرفنا حينئذٍ أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة باليد تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله.
قال الحاكم على شرط مسلم وهي رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب.
وروى ابن أبي خيثمة من طريق القاسم بن معن قال: كانت زينب أول نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحوقًا به فهذه روايات يعضد بعضها بعضًا ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانة وهمًا.
12 - باب صَدَقَةِ الْعَلاَنِيَةِ وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً) إِلَى قَوْلِهِ ( وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274] .
( باب صدقة العلانية وقوله عز وجل) بالجر عطفًا على سابقه { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراًّ وعلانية} إلى قوله: { ولا هم يحزنون} [البقرة: 274] أي يعمرون الأوقات والأحوال بالخيرات.
وروى عبد الرزاق بسند فيه ضعف أنها نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحدًا وبالنهار واحدًا وفي السر واحدًا وفي العلانية واحدًا.
وأخرج ابن أبي حاتم من حديث أبي أمامة أنها نزلت في الخيل التي يربطونها في سبيل الله ولم يذكر حديثًا وكأنه لم ير فيه شيئًا على شرطه، وسقطت هذه الترجمة للمستملي.
13 - باب صَدَقَةِ السِّرِّ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ».
وَقَولِهِ: { إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] الآية.
( باب صدقة السر.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه)
مما وصله المؤلّف من حديث في باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( ورجل) الواو حكاية لعطفه على ما ذكر قبله في الحديث ( تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت) وللكشميهني ما تنفق ( يمينه) وهذا كما قاله ابن بطال مثال ضربه عليه الصلاة والسلام في المبالغة في الاستتار بالصدقة لقرب الشمال من اليمين، وإنما أراد أن لو قدر أن لا يعلم من يكون على شماله من الناس نحو: { واسأل القرية} [يوسف: 82] لأن الشمال لا توصف بالعلم فهو من مجاز الحذف وألطف منه ما قاله ابن المنير أن يراد لو أمكن أن يخفي صدقته عن نفسه لفعل فكيف لا يخفيها عن غيره؟ والإخفاء عن النفس يمكن باعتبار وهو أن يتغافل المتصدق عن الصدقة ويتناساها حتى ينساها وهذا ممدوح الكرام شرعًا وعرفًا.
( وقوله) عز وجل: ( { إن تبدوا الصدقات فنعما هي} ) فنعم شيئًا إبداؤها ( { وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء} ) أي تعطوها مع الإخفاء ( { فهو خير لكم} ) [البقرة: 271] فالإخفاء خير لكم وهذا في التطوع ولمن لم يعرف بالمال فإن إبداءالفرض لغيره أفضل لنفي التهم، ولغير أبي ذر: وقال الله تعالى: { وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} ولم يذكر هنا حديثًا إلا المعلق فقط.
وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله تعالى: { إن تبدوا الصدقات فنعما هي} [البقرة: 271] نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
أما عمر فجاء بنصف ماله حتى دفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما خلفت وراءك لأهلك يا عمر؟ لما قال: خلفت لهم نصف مالي، وأما أبو بكر فجاء بماله كله فكاد أن يخفيه من نفسه حتى دفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما خلفت وراءك يا أبا بكر؟ " فقال: عدة الله وعدة رسوله فبكى عمر وقال: بأبي أنت يا أبا بكر والله ما سبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقنا.
14 - باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ هذا ( باب) بالتنوين ( إذا تصدق) رجل ( على) آخر ( غني وهو) أي والحال أنه ( لا يعلم) أنه غني فصدقته مقبولة، وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر وقال عقب قوله في السابق { فهو خير لكم} الآية وإذا تصدق بواو العطف.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَبِهِ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَسَقَطَ لِأَبِي ذَرٍّ فَعَلَى رِوَايَتِهِ هُوَ مِنْ تَرْجَمَةِ فَضْلِ صَدَقَةِ الصَّحِيحِ وَعَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ مِنْهُ وَأَوْرَدَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ قِصَّةَ سُؤَالِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ أَيَّتُهُنَّ أَسْرَعُ لُحُوقًا بِهِ وَفِيهِ .

     قَوْلُهُ  لَهُنَّ أَطْوَلُكُنَّ يَدًا الْحَدِيثَ وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ تَضَمَّنَ أَنَّ الْإِيثَارَ وَالِاسْتِكْثَارَ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي زَمَنِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ سَبَبٌ لِلَّحَاقِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ الْغَايَةُ فِي الْفَضِيلَةِ أَشَارَ إِلَى هَذَا الزين بن الْمُنِير.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّهُ تَبَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِطُولِ الْيَدِ الْمُقْتَضِي لِلَّحَاقِ بِهِ الطول وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَأَتَّى لِلصَّحِيحِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمُدَاوَمَةِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[ قــ :1365 ... غــ :1420] .

     قَوْلُهُ  إِنَّ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ السَّائِلَةِ مِنْهُنَّ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا عِنْدَ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَتْ فَقُلْتُ بِالْمُثَنَّاةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ فَقُلْنَ بِالنُّونِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  يَدًا وَأَطُولُكُنَّ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ .

     قَوْلُهُ  فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا أَيْ يُقَدِّرُونَهَا بِذِرَاعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ بِالنَّظَرِ إِلَى لَفْظِ الْجَمْعِ لَا بِلَفْظِ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ وَإِنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ تَعْظِيمًا وَقَولُهُ أَطُولُكُنَّ يُنَاسِبُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَقَالَ طُولَاكُنَّ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَتْ سَوْدَةُ زَاد بن سَعْدٍ عَنْ عَفَّانَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  أَطْوَلُهُنَّ يَدًا فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ ذِرَاعًا وَهِيَ تُعِينُ أَنَّهُنَّ فَهِمْنَ مِنْ لَفْظِ الْيَدِ الْجَارِحَةَ .

     قَوْلُهُ  فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَيْ لَمَّا مَاتَتْ أَوَّلُ نِسَائِهِ بِهِ لُحُوقًا .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا بِالْفَتْحِ وَالصَّدَقَةُ بِالرَّفْعِ وَطُولَ يَدِهَا بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ الْخَبَرُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا كَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ وَوَقَعَ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ لِلْمُصَنِّفِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَنَا الخ وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ الدُّورِيِّ عَنْ مُوسَى وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ عِنْدَ أَحْمد وبن سعد عَنهُ قَالَ بن سَعْدٍ قَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ يَعْنِي الْوَاقِدِيَّ هَذَا الْحَدِيثُ وُهِلَ فِي سَوْدَةَ وَإِنَّمَا هُوَ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَهِيَ أَوَّلُ نِسَائِهِ بِهِ لُحُوقًا وَتُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَبَقِيَتْ سَوْدَةُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا الْحَدِيثُ سَقَطَ مِنْهُ ذِكْرُ زَيْنَبَ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ السِّيَرِ عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي أَنَّ الصَّوَابَ وَكَانَتْ زَيْنَبُ أَسْرَعَنَا إِلَخْ وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تِلْكَ الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمُصَرَّحُ فِيهَا بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِسَوْدَةَ وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيِّ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ سَوْدَةَ كَانْتَ أَسْرَعَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ زَيْنَبَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنَ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالْعَجَبُ مِنَ الْبُخَارِيِّ كَيْفَ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ وَلَا أَصْحَابُ التَّعَالِيقِ وَلَا عَلِمَ بِفَسَادِ ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ.

     وَقَالَ  لُحُوقُ سَوْدَةَ بِهِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ وَهَمٌ وَإِنَّمَا هِيَ زَيْنَبُ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا بِالْعَطَاءِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يدا زَيْنَبُ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ وَتَتَصَدَّقُ انْتَهَى وَتَلَقَّى مغلطاي كَلَام بن الْجَوْزِيِّ فَجَزَمَ بِهِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ لَهُ وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ الطِّيبِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ الْمُرَادُ الْحَاضِرَاتُ مِنْ أَزْوَاجِهِ دُونَ زَيْنَبَ وَكَانَتْ سَوْدَةُ أَوَّلُهُنَّ مَوْتًا.

.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ نَحْوُهُ فِي كَلَامِ مُغَلْطَايْ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا أَنَّ فِي رِوَايَة يحيى بن حَمَّاد عِنْد بن حِبَّانَ أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ لَمْ تُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي وَفَاةِ سَوْدَةَ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ هِلَالٍ أَنَّهُ قَالَ مَاتَتْ سَوْدَةُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَجَزَمَ الذَّهَبِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ بِأَنَّهَا مَاتَتْ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ.

     وَقَالَ  بن سَيِّدِ النَّاسِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ حَيْثُ قَالَ أَجْمَعَ أهل السّير على أَن زَيْنَب أول من مَاتَ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَسَبَقَهُ إِلَى نَقْلِ الِاتِّفَاقِ بن بَطَّالٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ النَّقْلَ مُقَيَّدٌ بِأَهْلِ السِّيَرِ فَلَا يَرِدُ نَقْلُ قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ مِمَّنْ لَا يَدْخُلُ فِي زُمْرَةِ أَهْلِ السِّيَرِ.

.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ فَلَا يَصِحُّ وَقَدْ تقدم عَن بن بَطَّالٍ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَكَانَتْ لِزَيْنَبَ وَذَكَرْتُ مَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرُهُ بِسَوْدَةَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِكَوْنِ غَيْرِهَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فَلَمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى قِصَّةِ زَيْنَبَ وَكَوْنِهَا أَوَّلَ الْأَزْوَاجِ لُحُوقًا بِهِ جَعَلَ الضَّمَائِرَ كُلَّهَا لِسَوْدَةَ وَهَذَا عِنْدِي مِنْ أَبِي عَوَانَةَ فَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِك بن عُيَيْنَة عَن فراس كَمَا قَرَأت بِخَط بن رَشِيدٍ أَنَّهُ قَرَأَهُ بِخَطِّ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْوَرْدِ وَلَمْ أَقِفْ إِلَى الْآنَ عَلَى رِوَايَةِ بن عُيَيْنَةَ هَذِهِ لَكِنْ رَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي زِيَادَاتِ الْمَغَازِي وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِزَيْنَبَ لَكِنْ قَصَّرَ زَكَرِيَّا فِي إِسْنَادِهِ فَلَمْ يَذْكُرْ مَسْرُوقًا وَلَا عَائِشَةَ وَلَفْظُهُ قُلْنَ النِّسْوَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا قَالَ أَطْوَلكُنَّ يدا فأخذن يتذار عَن أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ عَلِمْنَ أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فِي الْخَيْرِ وَالصَّدَقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَكُنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا فِي بَيْتِ إِحْدَانَا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمُدُّ أَيْدِيَنَا فِي الْجِدَارِ نَتَطَاوَلُ فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَكَانَتِ امْرَأَةً قَصِيرَةً وَلَمْ تَكُنْ أَطْوَلَنَا فَعَرَفْنَا حِينَئِذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ بِطُولِ الْيَدِ الصَّدَقَةَ وَكَانَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةَ صِنَاعَةٍ بِالْيَدِ وَكَانَتْ تَدْبُغُ وَتَخْرُزُ وَتَصَدَّقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ انْتَهَى وَهِيَ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ مُبَيِّنَةٌ مُرَجِّحَةٌ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ فِي أَمْرِ زَيْنَبَ قَالَ بن رَشِيدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ لَا تَعْنِي سَوْدَةَ قَوْلُهَا فَعَلِمْنَا بَعْدُ إِذْ قَدْ أَخْبَرَتْ عَنْ سَوْدَةَ بِالطُّولِ الْحَقِيقِيِّ وَلَمْ تَذْكُرْ سَبَبَ الرُّجُوعِ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ إِلَّا الْمَوْتَ فَإِذَا طَلَبَ السَّامِعُ سَبَبَ الْعُدُولِ لَمْ يَجِدْ إِلَّا الْإِضْمَارَ مَعَ أَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهَا إِنَّمَا هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِالصَّدَقَةِ لِمَوْتِهَا قَبْلَ الْبَاقِيَاتِ فَيَنْظُرُ السَّامِعُ وَيَبْحَثُ فَلَا يَجِدُ إِلَّا زَيْنَبَ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِضْمَارِ مَا لَا يَصْلُحُ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ قَوْلَهَا فَعَلِمْنَا بَعْدُ يُشْعِرُ إِشْعَارًا قَوِيًّا أَنَّهُنَّ حَمَلْنَ طُولَ الْيَدِ عَلَى ظَاهِرِهِ ثُمَّ عَلِمْنَ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافَهُ وَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ وَالَّذِي عَلِمْنَهُ آخِرًا خِلَافَ مَا اعْتَقَدْنَهُ أَوَّلًا وَقَدِ انْحَصَرَ الثَّانِي فِي زَيْنَبَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا أَوَّلُهُنَّ مَوْتًا فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُرَادَةُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الضَّمَائِرِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَكَانَتْ وَاسْتَغْنَى عَنْ تَسْمِيَتِهَا لِشُهْرَتِهَا بِذَلِكَ انْتَهَى.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فِي الْحَدِيثِ اخْتِصَارًا أَوِ اكْتِفَاءً بِشُهْرَةِ الْقِصَّةِ لِزَيْنَبَ وَيُؤَوَّلُ الْكَلَامُ بِأَنَّ الضَّمِير رَجَعَ إِلَى المرأةالتي عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الصَّدَقَةِ.

.

قُلْتُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْبُخَارِيِّ حَذَفَ لَفْظَ سَوْدَةَ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ لَمَّا أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحِ لِعِلْمِهِ بِالْوَهْمِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَمَّا سَاقَهُ فِي التَّارِيخِ بِإِثْبَاتِ ذِكْرِهَا ذَكَرَ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَكَانَتْ أَوَّلَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُوقًا بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَارِيخِ وَفَاتِهَا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَأَنَّهُ سَنَةَ عِشْرِينَ وروى بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ بَرْزَةَ بِنْتِ رَافِعٍ قَالَتْ لَمَّا خَرَجَ الْعَطَاءُ أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِالَّذِي لَهَا فَتَعَجَّبَتْ وَسَتَرَتْهُ بِثَوْبٍ وَأَمَرَتْ بِتَفْرِقَتِهِ إِلَى أَنْ كُشِفَ الثَّوْبُ فَوَجَدَتْ تَحْتَهُ خَمْسَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ قَالَتْ اللَّهُمَّ لَا يُدْرِكُنِي عَطَاءٌ لِعُمَرَ بَعْدَ عَامِي هَذَا فَمَاتَتْ فَكَانَتْ أَوَّلَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لُحُوقا بِهِ وروى بن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ قَالَ كَانَتْ زَيْنَبُ أَوَّلَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُوقًا بِهِ فَهَذِهِ رِوَايَاتٌ يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِهَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ وَهْمًا وَقَدْ سَاقَهُ يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ عَنْهُ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ فَأَخَذْنَ قَصَبَةً يَتَذَارَعْنَهَا فَمَاتَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الصَّدَقَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ قَالَ أَطْوَلُكُنَّ يَدًا بِالصَّدَقَةِ هَذَا لَفظه عِنْد بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ الْحَرَّانِيُّ عَنْهُ فَأَخَذْنَ قَصَبَةً فَجَعَلْنَ يَذْرَعْنَهَا فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَهُنَّ بِهِ لُحُوقًا وَكَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا وَكَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ وَهَذَا السِّيَاقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إِلَّا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ دُخُولِ الْوَهْمِ عَلَى الرَّاوِي فِي التَّسْمِيَةِ خَاصَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ ظَاهِرٌ وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَهُوَ لَفْظُ أَطُولُكُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْذُورٌ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَمَّا كَانَ السُّؤَالُ عَنْ آجَالٍ مُقَدَّرَةٍ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالْوَحْيِ أَجَابَهُنَّ بِلَفْظٍ غَيْرِ صَرِيحٍ وَأَحَالَهُنَّ عَلَى مَا لَا يَتَبَيَّنُ إِلَّا بِآخَرَ وَسَاغَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنَ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ لَمْ يُلَمْ وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ مَجَازَهُ لِأَنَّ نِسْوَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلْنَ طُولَ الْيَدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِنَّ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُنَّ لَيْسَ ذَلِكَ أَعْنِي إِنَّمَا أَعْنِي أَصْنَعُكُنَّ يَدًا فَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَحْتَجْنَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَرْعِ أَيْدِيهِنَّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ لِأَنَّ النِّسْوَةَ فَهِمْنَ مِنْ طُولِ الْيَدِ الْجَارِحَةَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالطُّولِ كَثْرَةُ الصَّدَقَةِ وَمَا قَالَهُ لَا يُمْكِنُ اطِّرَادُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1365 ... غــ : 1420 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْنَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا.
فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا.
فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ".

وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري ( عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره سين مهملة ابن يحيى الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء المكتب ( عن الشعبي) عامر بن شراحيل ( عن مسروق) هو ابن الأجدع ( عن عائشة رضي الله عنها أن بعض أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلن) الضمير للبعض الغير العين، لكن عند ابن حبان من طريق
يحيى بن حماد عن أبي عوانة بهذا الإسناد عن عائشة قالت فقلت: ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أينا أسرع بك لحوقًا) نصب على التمييز أي يدركك بالموت.
وأينا: بضم التحتية المشددة بغير علامة التأنيث لقول سيبويه فيما نقله عنه الزمخشري في سورة لقمان أنها مثل كل في أن لحاق التاء لها غير فصيح وجملة أينا أسرع مبتدأ وخبر ( قال) : عليه الصلاة والسلام:
( أطولكن) بالرفع خبر مبتدأ محذوف دل عليه السؤال أي أسرعكن لحوقًا بي أطولكن ( يدًا) نصب على التمييز وكان القياس أن يقول طولاكن بوزن فعلى لأن في مثله يجوز الإفراد والمطابقة لن أفعل التفضيل له ( فأخذوا قصبة يذرعونها) بالذال المعجمة أي يقدّرونها بذراع كل واحدة كي يعلمن أيهن أطول جارحة، والضمير في قوله: فأخذوا ويذرعون راجع لمعنى الجمع لا لفظ جماعة النساء وإلا لقال: فأخذن قصبة يذرعنها أو عدل إليه تعظيمًا لشأنهن كقوله: وكانت من القانتين، وكقوله:
وإن شئت حرمت النساء سواكم
( فكانت سودة) بفتح السين بنت زمعة كما زاده ابن سعد ( أطولهن يدًا) من طريق المساحة ( فعلمنا بعد) أي بعد أن تقرر كون سودة أطولهن يدًا بالساحة ( أنما) بفتح الهمزة لكونه في موضع المفعول لعلمنا ( كانت طول يدها الصدقة) اسم كان وطول يدها خبر مقدم أي علمنا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد باليد العضو وبالطول طولها بل أراد العطاء وكثرته، فاليد هنا استعارة للصدقة والطول ترشيح لها لأنه ملائم للمستعار منه ( وكانت أسرعنا لحوقًا به) عليه الصلاة والسلام، ( وكانت تحب الصدقة) واستشكل هذا بما ثبت من تقدم موت زينب وتأخر سودة بعدها.
وأجاب ابن رشيد: بأن عائشة لا تعني سودة بقولها فعلمنا بعد أي بعد أن أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي ولم تذكر سببًا للرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت فتعين الحمل على المجاز انتهى.

وحينئذٍ فالضمير في وكانت في الموضعين عائد على الزوجة التي عناها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: أطولكن يدًا وإن كانت لم تذكر إذ هو متعين لقيام الدليل على أنها زينب بنت جحش كما في مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ: فكانت أطولنا يدًا زينب بنت جحش لأنها كانت تعمل وتصدّق مع اتفاقهم على أنها أولهن موتًا، فتعين أن تكون هي المرادة وهذا من إضمار ما لا يصلح غيره كقوله تعالى: { حتى توارت بالحجاب} [ص: 32] وعلى هذا فلم تكن سودة مرادة قطعًا وليس الضمير عائدًا عليها، لكن يعكر على هذا ما وقع من التصريح بسودة عند المؤلّف في تاريخه الصغير عن موسى بن إسماعيل بهذا السند بلفظ: فكانت سودة أسرعنا، وقول بعضهم: إنه يجمع بين روايتي البخاري ومسلم بأن زينب لم تكن حاضرة خطابه عليه الصلاة والسلام بذلك، فالأوّلية لسودة باعتبار من حضر إذ ذاك معارض بما رواه ابن حبان من رواية يحيى بن حماد أن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجتمعن عنده فلم يغادر منهن واحدة.
وأجاب الحافظ ابن حجر بأنه يمكن أن يكون تفسيره بسودة من أبي عوانة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر لأن ابن عيينة عن فراس قد خالفه في ذلك.


وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي والبيهقي في الدلائل بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك لزينب، لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقًا ولا عائشة ولفظه: فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدًا في الخير والصدقة ويؤيده ما رواه الحاكم في المناقب من مستدركه ولفظه قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا في بيت احدانا بعد وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطوّلنا فعرفنا حينئذٍ أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة باليد تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله.
قال الحاكم على شرط مسلم وهي رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب.

وروى ابن أبي خيثمة من طريق القاسم بن معن قال: كانت زينب أول نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحوقًا به فهذه روايات يعضد بعضها بعضًا ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانة وهمًا.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1365 ... غــ :1420 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ فِرَاسٍ عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ بَعْضَ أزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَ لِللنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّنَا بِكَ لُحُوقا قَالَ أطْوَلُكُنَّ يَدَا فأخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا فكَانَتْ سَوْدَةُ أطْوَلُهُنَّ يَدا فَعَلِمْنَا بَعْدُ أنَّما كانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ وكَانَتْ أسْرَعَنَا لُحُوقا بِهِ وكانَتْ تُحِبِّ الصَّدَقَةَ.

وَجه تعلق هَذَا الحَدِيث بِمَا قبله من حَيْثُ إِنَّه يبين أَن المُرَاد بطول الْيَد الْمُقْتَضِي للحاق بِهِ الطول، بِالْفَتْح، وَذَلِكَ لَا يَأْتِي إلاَّ من الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَا يحصل إلاَّ بالمداومة فِي حَال الصِّحَّة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري، وَقد مضى عَن قريب.
الثَّانِي: أَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: واسْمه الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي.
الثَّالِث: فراس، بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن يحيى الخارفي، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَالْفَاء: الْمكتب.
الرَّابِع: عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ.
الْخَامِس: مَسْرُوق بن الأجدع.
السَّادِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَأَبُو عوَانَة واسطي وفراس وَالشعْبِيّ ومسروق كوفيون.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
وَفِيه: أَن أحد الروَاة مَذْكُور بكنيته وَالْآخر بنسبته وَالْآخر مُجَرّد.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي عَن يحيى بن حَمَّاد عَن أبي عوَانَة عَن فراس عَن الشّعبِيّ بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَ:) بِصِيغَة جمع الْمُؤَنَّث، وَعند ابْن حبَان من طَرِيق يحيى بن حَمَّاد عَن أبي عوَانَة بِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَت: فَقلت، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: فَقُلْنَ، بِصِيغَة الْجمع.
قَوْله: ( أَيّنَا) إِنَّمَا لم يقل أَيَّتنَا، بتاء التَّأْنِيث لِأَن سِيبَوَيْهٍ يشبه تَأْنِيث: أَي: بتأنيث: كل، فِي قَوْلهم: كلتهن، يَعْنِي: لَيْسَ بفصيحة، ذكره الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُورَة لُقْمَان.
قَوْله: ( لُحُوقا) نصب على التَّمْيِيز، أَي: من حَيْثُ اللحوق بك.
قَوْله: ( أَطْوَلكُنَّ) مَرْفُوع، يجوز أَن يكون مُبْتَدأ وَيجوز أَن يكون خَبرا.
أما الأول: فتقديره: أَطْوَلكُنَّ يدا أسْرع بِي لُحُوقا.
وَأما الثَّانِي: فتقديره: أسْرع بِي لُحُوقا أَطْوَلكُنَّ يدا، ويدا نصب على التَّمْيِيز، وَإِنَّمَا لم يقل: طولا، كن، بِلَفْظ: فعلى، لِأَن الْقيَاس هَذَا، لِأَن فِي مثله يجوز الْإِفْرَاد والمطابقة لمن أفعل التَّفْضِيل لَهُ، قَوْله: ( يَذْرَعُونَهَا) أَي: يقدرونها بِذِرَاع كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِنَّمَا ذكر بِلَفْظ جمع الْمُذكر، وَالْقِيَاس ذكر لفظ جمع الْمُؤَنَّث اعْتِبَارا لِمَعْنى الْجمع، أَو عدل إِلَيْهِ كَقَوْل الشَّاعِر:
( وَإِن شِئْت حرمت النِّسَاء سواكم)

ذكره بِلَفْظ جمع الْمُذكر تَعْظِيمًا.
قَوْله: ( فَكَانَت سَوْدَة) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد عَن عَفَّان عَن أبي عوَانَة بِهَذَا الْإِسْنَاد، سَوْدَة بنت زَمعَة القرشية العامرية، تزَوجهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد خَدِيجَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، على الْمَشْهُور.
قَوْله: ( بعد) مَبْنِيّ على الضَّم، أَي: بعد ذَلِك يَعْنِي: بعد موت أول نِسَائِهِ.
قَوْله: ( إِنَّمَا) ، بِالْفَتْح، لِأَنَّهُ فِي مَحل مفعول: علمنَا.
قَوْله: ( طول يَدهَا) ، هُوَ كَلَام إضافي مَنْصُوب، لِأَنَّهُ خبر كَانَت وَالصَّدَََقَة مَرْفُوع لِأَنَّهُ: اسْم كَانَت.
قَوْله: ( وَكَانَت أَسْرَعنَا لُحُوقا بِهِ) أَي: بِالنَّبِيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالضَّمِير فِي: كَانَت، بِحَسب الظَّاهِر، وَيرجع إِلَى سَوْدَة، وَقد صرح بِهِ البُخَارِيّ فِي ( تَارِيخه الصَّغِير) فِي رِوَايَته عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَكَانَت سَوْدَة أَسْرَعنَا.
.
إِلَى آخِره.
وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْعَبَّاس الدوري: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَكَذَا فِي رِوَايَة عَفَّان عِنْد أَحْمد وَابْن سعد عَنهُ،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: قَالَ لنا مُحَمَّد بن عمر، يَعْنِي: الْوَاقِدِيّ، هَذَا الحَدِيث، وهم فِي سَوْدَة، وَإِنَّمَا هُوَ فِي زَيْنَب بنت جحش، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَهِيَ أول نِسَائِهِ بِهِ لُحُوقا.
وَتوفيت فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبقيت سَوْدَة إِلَى أَن توفت فِي خلَافَة مُعَاوِيَة فِي شَوَّال سنة أَربع وَخمسين، وَفِي ( التَّلْوِيح) : هَذَا الحَدِيث غلط من بعض الروَاة، وَالْعجب من البُخَارِيّ كَيفَ لم يُنَبه عَلَيْهِ، وَلَا مَن بعده من أَصْحَاب التَّعَالِيق، حَتَّى: إِن بعضه فسره بِأَن لُحُوق سَوْدَة من أَعْلَام النُّبُوَّة، وكل ذَلِك وهم، وَإِنَّمَا هِيَ زَيْنَب بنت جحش، فَإِنَّهَا كَانَت أَطْوَلهنَّ يدا بِالْمَعْرُوفِ، وَتوفيت سنة عشْرين، وَهِي أول الزَّوْجَات وَفَاة، وَسَوْدَة توفيت سنة أَربع وَخمسين، وَقد ذكر مُسلم ذَلِك على الصِّحَّة من حَدِيث عَائِشَة بنت طَلْحَة، عَن عَائِشَة، قَالَت: وَكَانَت زَيْنَب أطولنا يدا لِأَنَّهَا كَانَت تعْمل وَتَتَصَدَّق.
قلت: أَخذ صَاحب ( التَّلْوِيح) هَذَا كُله من كَلَام ابْن الْجَوْزِيّ.
وَقَوله: حَتَّى إِن بَعضهم، المُرَاد بِهِ الْخطابِيّ، وَذكر صَاحب ( التَّلْوِيح) أَيْضا فَقَالَ: يحْتَمل أَن تكون رِوَايَة البُخَارِيّ لَهَا وَجه، وَهُوَ أَن يكون خطابه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لمن كَانَ حَاضرا عِنْده، إِذْ ذَاك من الزَّوْجَات، وَأَن سَوْدَة وَعَائِشَة كَانَتَا ثمَّة وَزَيْنَب غَائِبَة لم تكن حَاضِرَة.
قلت: هَذَا من كَلَام الطَّيِّبِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: يُمكن أَن يُقَال فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ: المُرَاد الحاضرات من أَزوَاجه دون زَيْنَب، فَكَانَت سَوْدَة أولهنَّ موتا.
قلت: يرد مَا قَالَه مَا رَوَاهُ ابْن حبَان من رِوَايَة يحيى بن حَمَّاد: أَن نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْتَمعْنَ عِنْده لم تغادر مِنْهُنَّ وَاحِدَة، وَيُمكن أَن يَأْتِي هَذَا على أحد الْقَوْلَيْنِ فِي وَفَاة سَوْدَة، فقد روى البُخَارِيّ فِي ( تَارِيخه) بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى سعيد بن أبي هِلَال، أَنه قَالَ: مَاتَت سَوْدَة فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَجزم الذَّهَبِيّ فِي ( التَّارِيخ الْكَبِير) بِأَنَّهَا مَاتَت فِي أُخر خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،.

     وَقَالَ  ابْن سيد النَّاس: إِنَّه الْمَشْهُور.
وَأما على قَول الْوَاقِدِيّ الَّذِي تقدم ذكره فَلَا يَصح.

     وَقَالَ  ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث سقط مِنْهُ ذكر زَيْنَب لِاتِّفَاق أهل السّير على أَن زَيْنَب أول من مَاتَ من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: مُرَاده أَن الصَّوَاب: وَكَانَت زَيْنَب أَسْرَعنَا لُحُوقا بِهِ..
     وَقَالَ  بَعضهم: يُعَكر على هَذَا التَّأْوِيل الرِّوَايَات الْمُصَرّح فِيهَا بِأَن الضَّمِير لسودة.
قلت: ابْن بطال لم يؤول، وَلَا يُقَال لمثل هَذَا تَأْوِيل، وَأَرَادَ بالروايات مَا ذَكرْنَاهُ من البُخَارِيّ الَّذِي ذكره فِي ( تَارِيخه) وَالْبَيْهَقِيّ وَأحمد، وكل هَذِه الرِّوَايَات لَا تعَارض قَول من قَالَ: مَاتَ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَزوَاجه زَيْنَب لَا سَوْدَة..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: أجمع أهل السّير أَن زَيْنَب أول نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موتا بعده، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ يُونُس بن بكير فِي ( زِيَادَة الْمَغَازِي) وَالْبَيْهَقِيّ فِي ( الدَّلَائِل) بِإِسْنَادِهِ عَنهُ عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن الشّعبِيّ، التَّصْرِيح بِأَن ذَلِك لِزَيْنَب، وَلَكِن قصر زَكَرِيَّا فِي إِسْنَاده فَلم يذكر مسروقا وَلَا عَائِشَة، وَلَفظه: ( قُلْنَ النسْوَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّنَا أسْرع بك لُحُوقا؟ قَالَ: أَطْوَلكُنَّ يدا فأخذن يتذارعن أيتهن أطول يدا، فَلَمَّا توفيت زَيْنَب علِمْنَ أَنَّهَا كَانَت أَطْوَلهنَّ يدا فِي الْخَيْر وَالصَّدَََقَة) .
وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي المناقب من ( مُسْتَدْركه) من طَرِيق يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأزواجه: ( أَسْرَعكُنَّ لُحُوقا بِي أَطْوَلكُنَّ يدا.
قَالَت عَائِشَة: فَكُنَّا إِذا اجْتَمَعنَا فِي بَيت إحدانا بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نمد أَيْدِينَا فِي الْجِدَار نتطاول، فَلم نزل نَفْعل ذَلِك حَتَّى توفيت زَيْنَب بنت جحش، وَكَانَت امْرَأَة قَصِيرَة وَلم تكن أطولنا، فَعرفنَا حِينَئِذٍ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَرَادَ بطول الْيَد: الصَّدَقَة)
.
وَكَانَت زَيْنَب امْرَأَة صناع بِالْيَدِ، فَكَانَت تدبغ وتخرز وَتصدق فِي سَبِيل الله.
قَالَ الْحَاكِم: على شَرط مُسلم، وَهَذِه رِوَايَة مفسرة مبينَة مرجحة لرِوَايَة عَائِشَة بنت طَلْحَة فِي أَمر زَيْنَب..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَا يَخْلُو أَن يُقَال: إِمَّا أَن فِي الحَدِيث اختصارا وتلفيقا يَعْنِي: اختصر البُخَارِيّ الْقِصَّة وَنقل الْقطعَة الْأَخِيرَة من حَدِيث فِيهِ ذكر زَيْنَب، فالضمائر رَاجِعَة إِلَيْهَا.
وَإِمَّا أَنه اكْتفى بشهرة الْحِكَايَة وَعلم أهل هَذَا الشَّأْن بِأَن الأسرع لُحُوقا هِيَ زَيْنَب، فتعود الضمائر إِلَى من هِيَ مُفْردَة فِي أذهانهم.
وَإِن أَن يؤول الْكَلَام بِأَن الضَّمِير رَاجع إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي هِيَ علم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحوقها بِهِ أَولا، وَعلمنَا بعد ذَلِك أَنَّهَا هِيَ الَّتِي طول صَدَقَة يَديهَا، وَالْحَال أَنَّهَا كَانَت أسْرع لُحُوقا بِهِ، وَكَانَت محبَّة للصدقة.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي لَيْسَ بسديد، لَا من جِهَة التَّوْفِيق بَين الْأَخْبَار، وَلَا من جِهَة مَا يَقْتَضِيهِ تركيب الْكَلَام، بل كَلَامه بعيد جدا من هَذَا الْوَجْه..
     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: قَوْله: ( فَعلمنَا بعد) ، يَعْنِي فهمنا من قَوْله: ( أَطْوَلكُنَّ يدا) ابْتِدَاء ظَاهره فأخذنا لذَلِك قَصَبَة نذرع بهَا يدا يدا لنَنْظُر أَيّنَا أطول يدا، فَلَمَّا فطنا محبتها الصَّدَقَة، وَعلمنَا أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يرد بِالْيَدِ الْعُضْو، وبالطول طولهَا، بل أَرَادَ الْعَطاء وكثرته، أجريناه على الصَّدَقَة.
فاليد هَهُنَا استعادة للصدقة، والطول ترشيح لَهَا لِأَنَّهُ ملائم للمستعار مِنْهُ.
وَلَو قيل: أكبركن، لَكَانَ تجريدا لَهَا.
وَقيل: وَجه الْجمع أَن فِي قَوْلهَا: فَعلمنَا بعد إِشْعَار بأنهن حملن طول الْيَد على ظَاهره، ثمَّ علِمْنَ بعد ذَلِك خلا مَا اعتقدن أَولا، وَقد انحصر الثَّانِي فِي زَيْنَب للاتفاق على أَنَّهَا آخِرهنَّ موتا، فَتعين أَن تكون هِيَ المرادة، وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الضمائر بعد قَوْله: فَكَانَت، وَاسْتغْنى عَن تَسْمِيَتهَا لشهرتها بذلك.
انْتهى..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَكَأن هَذَا هُوَ السِّرّ فِي كَون البُخَارِيّ حذف لفظ سَوْدَة من سِيَاق الحَدِيث لما أخرجه فِي ( الصَّحِيح) لعلمه بالوهم فِيهِ، وَأَنه سَاقه فِي التَّارِيخ ( بِإِثْبَات ذكرهَا.
انْتهى)
قلت: قَول الْقَائِل الأول: فَتعين أَن تكون هِيَ المرادة إِلَى آخِره غير مُسلم، فَمن أَيْن التَّعْيِين من التَّرْكِيب على أَن زَيْنَب هِيَ المرادة؟ وَكَيف تَقول: وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الضمائر بعد قَوْله: فَكَانَت؟ وَاسْتغْنى عَن تَسْمِيَتهَا؟ أَي: عَن تَسْمِيَة زَيْنَب لشهرتها بذلك، وَالْمَذْكُور فِيهِ بالتصريح سَوْدَة، وَلَا يُبَادر الذِّهْن إلاَّ إِلَى أَن الضَّمِير فِي فَكَانَت يرجع إِلَى سَوْدَة بِمُقْتَضى حق التَّرْكِيب، وَهَذَا الَّذِي قَالَه خلاف مَا يَقْتَضِيهِ حق التَّرْكِيب، وَقَول بَعضهم: وَكَانَ هَذَا هُوَ السِّرّ فِي كَون البُخَارِيّ حذف لفظ سَوْدَة إِلَى آخِره كَلَام تمجه الأسماع لِأَنَّهُ كَيفَ يحذف لفظ سَوْدَة فِي ( الصَّحِيح) بالوهم ويثبته فِي ( التَّارِيخ) وَكَانَ اللَّائِق بِهِ أَن يكون الْأَمر بِالْعَكْسِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن من حمل الْكَلَام على ظَاهره وَحَقِيقَته لم يلم وَإِن كَانَ مُرَاد الْمُتَكَلّم مجازه، لِأَن نسْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حملن طول الْيَد على الْحَقِيقَة، فَلم يُنكر عَلَيْهِنَّ.
فَإِن قلت: روى الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من طَرِيق يزِيد بن الْأَصَم ( عَن مَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُنَّ: لَيْسَ ذَلِك، أَعنِي، إِنَّمَا أَعنِي أصنعكن يدا) .
قلت: هَذَا حَدِيث ضَعِيف جدا، وَلَو كَانَ ثَابتا لم يحتجن بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذرع أَيْدِيهنَّ، كَمَا مر فِي رِوَايَة عمْرَة عَن عَائِشَة.
وَفِيه: دلَالَة على أَن الحكم للمعاني لَا للألفاظ، لِأَن النسْوَة فهمن من طول الْيَد الْجَارِحَة، وَإِنَّمَا المُرَاد بالطول كَثْرَة الصَّدَقَة، قَالَه الْمُهلب، وَلكنه غير مطرد فِي جَمِيع الْأَحْوَال.
وَفِيه: علم من أَعْلَام النُّبُوَّة ظَاهر.
وَفِيه: أَنه لما كَانَ السُّؤَال عَن آجال مقدرَة لَا تعلم إلاَّ بِالْوَحْي، أجابهنصلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَفْظ غير صَرِيح، وأحالهن على مَا لَا يتَبَيَّن إلاَّ بِآخِرهِ، وساغ ذَلِك لكَونه لَيْسَ من الْأَحْكَام التكليفية.
وَفِيه: على مَا قَالَه بَعضهم جَوَاز إِطْلَاق اللَّفْظ الْمُشْتَرك بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز بِغَيْر قرينَة إِذا لم يكن هُنَاكَ مَحْذُور.
قلت: لَيْت شعري مَا اللَّفْظ الْمُشْتَرك هُنَا حَتَّى يجوز إِطْلَاقه بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز؟ فَإِن كَانَ مُرَاده لفظ: الطول، فَهُوَ غير مُشْتَرك، بل هُوَ ترشيح الإستعادة، وَإِن كَانَ مُرَاده لفظ: الْيَد، فَهُوَ لَيْسَ بمشترك هُنَا، بل هُوَ اسْتِعَارَة للصدقة على مَا ذكرنَا.