هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1464 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ ، وَلِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ ، هُنَّ لَهُنَّ ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1464 حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشأم الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دون ذلك ، فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ ، وَلِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ ، هُنَّ لَهُنَّ ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ .

Narrated Ibn `Abbas:

Allah's Messenger (ﷺ) (p.b.u.h) made Dhul-Huiaifa as the Miqat for the people of Medina; Al-Juhfa for the people of Sham; Qarn-al-Manazil for the people of Najd; and Yalamlam for the people of Yemen; and these Mawaqit are for the people at those very places, and besides them for those who come thorough those places with the intention of performing Hajj and `Umra; and whoever is living within these boundaries can assume lhram from the place he starts, and the people of Mecca can assume Ihram from Mecca.

Ibn 'Abbâs dit: «Le Prophète (): fixa comme endroits à partir desquels on commence la talbiya: Dhu1Hulayfa pour les gens de Médine; alJuhfa, pour les gens de la Syrie; Qurnu1Manâzil, pour les gens de Nejd; Yalamiam, pour les gens du Yémen. «Ce sont là les endroits fixés pour ces gens et pour ceux qui s'y trouvent et qui veulent faire le hajj ou la 'umra. Celui qui est plus proche [de la Mecquel commencera la talbiya à partir de l'endroit où il se propose [de faire le pèlerinage], et ainsi de suite, jusqu'à arriver à La Mecque d'où ses habitants commenceront la talbiya.»

":"ہم سے موسیٰ بن اسماعیل نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے وہیب نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے عبداللہ بن طاؤس نے بیان کیا ، ان سے ان کے باپ نے اور ان سے ابن عباس رضی اللہ عنہما نے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے مدینہ والوں کے احرام کے لیے ذوالحلیفہ ، شام والوں کے لیے حجفہ ، نجد والوں کے قرن منزل ، یمن والوں کے یلملم متعین کیا ۔ یہاں سے ان مقامات والے بھی احرام باندھیں اور ان کے علاوہ وہ لوگ بھی جو ان راستوں سے آئیں اور حج یا عمرہ کا ارادہ رکھتے ہوں ۔ لیکن جن کا قیام میقات اور مکہ کے درمیان ہے تو وہ احرام اسی جگہ سے باندھیں جہاں سے انہیں سفر شروع کرنا ہے ۔ یہاں تک کہ مکہ کے لوگ مکہ ہی سے احرام باندھیں ۔

Ibn 'Abbâs dit: «Le Prophète (): fixa comme endroits à partir desquels on commence la talbiya: Dhu1Hulayfa pour les gens de Médine; alJuhfa, pour les gens de la Syrie; Qurnu1Manâzil, pour les gens de Nejd; Yalamiam, pour les gens du Yémen. «Ce sont là les endroits fixés pour ces gens et pour ceux qui s'y trouvent et qui veulent faire le hajj ou la 'umra. Celui qui est plus proche [de la Mecquel commencera la talbiya à partir de l'endroit où il se propose [de faire le pèlerinage], et ainsi de suite, jusqu'à arriver à La Mecque d'où ses habitants commenceront la talbiya.»

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1524] .

     قَوْلُهُ  وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْ مَدِينَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .

     قَوْلُهُ  ذَا الْحُلَيْفَةِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مُصَغَّرًا مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِائَتَا مِيلٍ غَيْرِ ميلين قَالَه بن حَزْمٍ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا عَشْرُ مَرَاحِلَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ أَمْيَالٍ وَوَهِمَ من قَالَ بَينهمَا ميل وَاحِد وَهُوَ بن الصَّبَّاغِ وَبِهَا مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِمَسْجِدِ الشَّجَرَةِ خَرَابٌ وَبِهَا بِئْرٌ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ عَلِيٍّ .

     قَوْلُهُ  الْجُحْفَةَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ خَمْسُ مَرَاحِلَ أَوْ سِتَّةٌ وَفِي قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثَلَاث مراحل نظر وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهَا مَهْيَعَةُ بِوَزْنِ عَلْقَمَةُ وَقِيلَ بِوَزْنِ لَطِيفَةٍ وَسُمِّيَتِ الْجُحْفَةَ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَ بِهَا قَالَ بن الْكَلْبِيِّ كَانَ الْعَمَالِيقُ يَسْكُنُونَ يَثْرِبَ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَين بني عبيل بِفَتْح الْمُهْملَة وكسرة الْمُوَحَّدَةِ وَهُمْ إِخْوَةُ عَادٍ حَرْبٌ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ يَثْرِبَ فَنَزَلُوا مَهْيَعَةَ فَجَاءَ سَيْلٌ فَاجْتَحَفَهُمْ أَيِ اسْتَأْصَلَهُمْ فَسُمِّيَتِ الْجُحْفَةَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ وَالْمَكَانُ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْمِصْرِيُّونَ الْآنَ رَابِغُ بِوَزْنِ فَاعِلٍ بِرَاءٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ قَرِيبٌ مِنَ الْجُحْفَةِ وَاخْتَصَّتِ الْجُحْفَةُ بِالْحُمَّى فَلَا يَنْزِلُهَا أَحَدٌ إِلَّا حُمَّ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ أَمَّا نَجْدٌ فَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٌ وَهُوَ اسْمٌ لِعَشْرَةِ مَوَاضِعَ وَالْمُرَادُ مِنْهَا هُنَا الَّتِي أَعْلَاهَا تِهَامَةُ وَالْيَمَنُ وَأَسْفَلُهَا الشَّامُ وَالْعِرَاقُ وَالْمَنَازِلُ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمَنْزِلِ وَالْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ هُوَ اسْمُ الْمَكَانِ وَيُقَالُ لَهُ قَرْنٌ أَيْضًا بِلَا إِضَافَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا نُونٌ وَضَبَطَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَغَلَّطُوهُ وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى تَخْطِئَتِهِ فِي ذَلِكَ لَكِنْ حَكَى عِيَاضٌ تَعْلِيقَ الْقَابِسِيِّ أَنَّ مَنْ قَالَهُ بِالْإِسْكَانِ أَرَادَ الْجَبَلَ وَمَنْ قَالَهُ بِالْفَتْحِ أَرَادَ الطَّرِيقَ وَالْجَبَلُ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ مَرْحَلَتَانِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ قُدَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَرْنٌ مَوْضِعَانِ أَحَدُهُمَا فِي هُبُوطٍ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَالْآخَرُ فِي صُعُودٍ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَرْنُ الثَّعَالِبِ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَفِي أَخْبَارِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ أَنَّ قَرْنَ الثَّعَالِبِ جَبَلٌ مُشْرِفٌ عَلَى أَسْفَلِ مِنًى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْجِدِ مِنًى أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ لَهُ قَرْنُ الثَّعَالِبِ لِكَثْرَةِ مَا كَانَ يَأْوِي إِلَيْهِ مِنَ الثَّعَالِبِ فَظَهَرَ أَنَّ قَرْنَ الثَّعَالِبِ لَيْسَ مِنَ الْمَوَاقِيتِ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي إِتْيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَرَدِّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ الحَدِيث ذكره بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عَطَاءٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ وَلِمَنْ سَلَكَ نَجْدًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِالقَاضِي حُسَيْن فِي سِيَاقه لحَدِيث بن عَبَّاسٍ هَذَا وَلِأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنَ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ طرق حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّ لِأَهْلِ الْيَمَنِ إِذَا قَصَدُوا مَكَّةَ طَرِيقَيْنِ إِحْدَاهُمَا طَرِيقُ أَهْلِ الْجِبَالِ وَهُمْ يَصِلُونَ إِلَى قَرْنٍ أَوْ يُحَاذُونَهُ فَهُوَ مِيقَاتُهُمْ كَمَا هُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى طَرِيقُ أَهْلِ تِهَامَةَ فَيَمُرُّونَ بِيَلَمْلَمَ أَوْ يُحَاذُونَهُ وَهُوَ مِيقَاتُهُمْ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ إِلَّا مَنْ أَتَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ .

     قَوْلُهُ  وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ مِيمٌ مَكَانٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ مِيلًا وَيُقَالُ لَهَا أَلَمْلَمَ بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْيَاءُ تَسْهِيلٌ لَهَا وَحَكَى بن السَّيِّدِ فِيهِ يَرَمْرَمَ بِرَاءَيْنِ بَدَلَ اللَّامَيْنِ تَنْبِيهٌ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ ذُو الْحُلَيْفَةَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَعْظُمَ أُجُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ رِفْقًا بِأَهْلِ الْآفَاقِ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ الْآفَاقِ إِلَى مَكَّةَ أَيْ مِمَّنْ لَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ .

     قَوْلُهُ  هُنَّ لَهُمْ أَيِ الْمَوَاقِيتُ الْمَذْكُورَةُ لِأَهْلِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ بِلَفْظِ هُنَّ لَهُنَّ أَيِ الْمَوَاقِيتُ لِلْجَمَاعَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ لِأَهْلِهِنَّ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ وَوَقَعَ فِي بَابِ مُهَلِّ أَهْلِ الْيَمَنِ بِلَفْظِ هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ كَمَا شَرَحْتُهُ وَقَولُهُ هُنَّ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ وَأَصْلُهُ لِمَنْ يَعْقِلُ وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِيمَا لَا يَعْقِلُ لَكِنْ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَقَولُهُ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ أَيْ عَلَى الْمَوَاقِيتِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ دَخَلَ بَلَدًا ذَاتَ مِيقَاتٍ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فَالَّذِي لَا يَدْخُلُ لَا إِشْكَالَ فِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ وَالَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ خِلَافٌ كَالشَّامِيِّ إِذَا أَرَادَ الْحَجَّ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَمِيقَاتُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِاجْتِيَازِهِ عَلَيْهَا وَلَا يُؤَخِّرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْجُحْفَةَ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُهُ الْأَصْلِيُّ فَإِنْ أَخَّرَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَطْلَقَ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ وَنَفَى الْخِلَافَ فِي شَرْحَيْهِ لِمُسْلِمٍ وَالْمُهَذَّبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ لِلشَّامِيِّ مَثَلًا إِذَا جَاوَزَ ذَا الْحُلَيْفَةِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ إِلَى مِيقَاتِهِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْجُحْفَةُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ خِلَافَهُ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو ثَوْر وبن الْمُنْذر من الشَّافِعِيَّة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ .

     قَوْلُهُ  وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ يَشْمَلُ مَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَنْ لَمْ يَمُرَّ وَقَولُهُ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ يَشْمَلُ الشَّامِيَّ إِذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَغَيْرِهِ فَهُنَا عُمُومَانِ قَدْ تَعَارَضَا انْتَهَى مُلَخَّصًا وَيَحْصُلُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَّ لَهُنَّ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ مَثَلًا وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ سَاكِنُوهَا وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ سَفَرِهِمْ فَمَرَّ عَلَى مِيقَاتِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ عِرَاقِيٌّ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَةُ مِيقَاتِ الْمَدِينَةِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَيَتَرَجَّحُ بِهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَيَنْتَفِي التَّعَارُضُ .

     قَوْلُهُ  مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةٍ مُفْرَدَةٍ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ أَيْ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ .

     قَوْلُهُ  فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ أَيْ فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ إِذِ السَّفَرُ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى مَكَّةَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ مِيقَاتُ هَؤُلَاءِ نَفْسُ مَكَّةَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بن حَزْمٍ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِيقَاتٌ فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ دُونَ الْمِيقَاتِ أَيْ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ سَافَرَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلنُّسُكِ فَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ النُّسُكُ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ تَجَدَّدَ لَهُ الْقَصْدُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْمِيقَاتِ لِقَوْلِهِ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَهْلَ مَكَّةَ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ وَالْكَسْرُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مَكَّةَ أَيْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْإِحْرَامِ مِنْهُ بَلْ يُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّةَ كَالْآفَاقِيِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَكَانِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْمِيقَاتِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ وَهَذَا خَاصٌّ بِالْحَاجِّ وَاخْتُلِفَ فِيأَفْضَلِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُحْرِمُ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةٍ مُفْرَدَةٍ.

.
وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا جَعَلَ مَكَّةَ مِيقَاتًا لِلْعُمْرَةِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْقَارِنِ وَاخْتُلِفَ فِي الْقَارِنِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمَ الْحَاجِّ فِي الإهلال من مَكَّة.

     وَقَالَ  بن الْمَاجِشُونِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ إِنَّمَا تَنْدَرِجُ فِي الْحَجِّ فِيمَا مَحِلُّهُ وَاحِدٌ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ.

.
وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَمَحِلُّهُ فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ وَجَوَابُ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ أَنْ يَرِدَ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ مِنَ الْحِلِّ فَيَصِحَّ كَوْنُهُ وَافِدًا عَلَيْهِ وَهَذَا يَحْصُلُ لِلْقَارِنِ لِخُرُوجِهِ إِلَى عَرَفَةَ وَهِيَ مِنَ الْحِلِّ وَرُجُوعِهِ إِلَى الْبَيْتِ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ فَلَمْ يُحْرِمْ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَأْثَمْ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فَأَمَّا لُزُومُ الدَّمِ فَبِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذَا.

.
وَأَمَّا الْإِثْمُ فَلِتَرْكِ الْوَاجِب وَقد تقدم الحَدِيث من طَرِيق بن عُمَرَ بِلَفْظِ فَرَضَهَا وَسَيَأْتِي بِلَفْظِ يُهِلُّ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَالْأَمْرُ لَا يَرِدُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ تَأْكِيدُهُ وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَسَبَقَ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَذَهَبَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَا يَصح حجَّة وَبِه قَالَ بن حَزْمٍ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ لَوْ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالنُّسُكِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَعُودَ مُلَبِّيًا وَمَالِكٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْعُدَ وَأَحْمَدُ لَا يَسْقُطُ بِشَيْءٍ تَنْبِيهٌ الْأَفْضَلُ فِي كُلِّ مِيقَاتٍ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ طَرَفِهِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ فَلَوْ أحرم من طرفه الْأَقْرَب جَازَ ( قَولُهُ بَابُ مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) وَلَا يُهِلُّونَ قِبَلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ قَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا فِي بَابِ فَرْضِ الْمَوَاقِيتِ وَاسْتَنْبَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ إِيرَادِ الْخَبَرِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ مَعَ إِرَادَةِ الْأَمْرِ تَعَيُّنَ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ قِبَلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَوْلَا تَعَيُّنُ الْمِيقَاتِ لَبَادَرُوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَشَقَّ فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَجْرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْمَتْنِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1524] حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ".
[الحديث أطرافه في: 1526، 1529، 1530، 1845] .
وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي البصري قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الحاء ابن خالد قال: ( حدّثنا ابن طاوس) عبد الله اليماني ( عن أبيه) طاوس ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( قال:) ( إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت) أي حدد المواضع الآتية للإحرام وجعلها ميقاتًا وإن كان مأخوذًا من الوقت إلا أن العرف يستعمله في مطلق التحديد اتساعًا، ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر وقد يكون بمعنى أوجب كقوله تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ويؤيده الرواية الماضية بلفظ: فرضها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لأهل المدينة) النبوية ومن سلك طريق سفرهم ومرّ على ميقاتهم ( ذا الحليفة) مفعول وقت، والحليفة بضم الحاء المهملة تصغير حلفة بنت معروف وهي قرية خربة، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبئر يقال لها بئر علي.
وقال في القاموس: هو ماء لبني جشم على ستة أميال وهو الذي صحه النووي كما مرّ، وقول من قال كابن الصباغ في الشامل والروياني في البحر أنه على ميل من المدينة وهم يردّه الحس ولهم موضع آخر بين حاذة وذات عرق وحاذة بالحاء المهملة والذال المعجمة المخففة وهو المراد في حديث رافع بن خديج: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب إبل ( ولأهل الشام) زاد النسائي في حديث عائشة ومصر وزاد الشافعي في روايته والغرب ( الجحفة؟) ، وقول النووي في شرح المهذّب أن بعدها عن مكة ثلاث مراحل فيه نظر كما قاله الحافظ ابن حجر ( ولأهل نجد) أي نجد الحجاز أو اليمن ومن سلك طريقهم في السفر ( قرن المنازل) ويسمى قرن الثعالب وسمي بذلك لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب.
وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أنهما موضعان.
أحدهما في هبوط وهو الذي يقاد له قرن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول، لكن في أخبار مكة للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منىبينه وبين مِنى ألف وخمسمائة ذراع، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، ( ولأهل اليمن) إذا مرّوا بطريق تهامة ومن سلك طريق سفرهم ومرّ على ميقاتهم ( يلملم) فتح الياء واللامين وسكون الميم الأولى بينهما غير منصرف جبل من جبال تهامة.
ويقال فيه ألملم بهمزة بدل الياء على مرحلتين من مكة فإن مر أهل اليمن من طريق الجبال فميقاتهم نجد ( هن) أي المواقيت المذكورة ( لهن) بضمير المؤنثات.
وكان مقتضى الظاهر أن يكون لهم بضمير المذكرين.
فأجاب ابن مالك بأنه عدل إلى ضمير المؤنثات لقصد التشاكل وكأنه يقول ناب ضمير عن ضمير بالقرينة لطلب التشاكل.
وأجاب غيره بأنه على حذف مضاف أي هن لأهلهن أي هذه المواقيت لأهل هذه البلدان بدليل قوله في حديث آخر: هنّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، فصرح بالأهل ثانيًا.
ولأبي ذر: هن لهم بضمير المذكرين وهو واضح ( ولمن أتى) مرّ ( عليهن) أي المواقيت ( من غيرهن) أي من غير أهل البلاد المذكورة، فلو مرّ الشامي على ذي الحليفة كما يفعل الآن لزمه الإحرام منها وليس له مجاوزتها إلى الجحفة التي هي ميقاته فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور، وأطلق النووي الاتفاق ونفي الخلاف في شرحيه لمسلم المهذّب في هذه المسألة، فإن أراد نفي الخلاف في مذهب الشافعي فمسلم وإن أراد نفي الخلاف مطلقًا فلا لأن مذهب مالك أن له مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة إن كان من أهل الشام أو مصر وإن كان الأفضل خلافه، وبه قال الحنفية، وابن المنذر من الشافعية.
وأما استشكال ابن دقيق العيد قوله: ولأهل الشام الجحفة فإنه شامل من مرّ من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر، وقوله: ولمن أتى عليهن من غير أهلهن فإنه شامل للشامي إذا مرّ بذي الحليفة وغيره فهما عمومان قد تعارضا، فأجاب عنه الولي ابن العراقي بأن المراد بأهل المدينة من سلك طريق سفرهم ومن مرّ على ميقاتهم وحينئذ فلا إشكال ولا تعارض.
( ممن أراد الحج والعمرة) معًا بأن يقرن بينهما أو الواو بمعنى أو وفيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام ( ومن كان دون ذلك) أي بين الميقات ومكة ( فمن) أي فميقاته من ( حيث أنشأ) الإحرام أو السفر من مكانه إلى مكة ( حتى أهل مكة) وغيرهم ممن هو بها يهلون ( من مكة) كالأفاقي الذي بين مكة والميقات فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات وهذا خاص بالحج.
أما العمرة، فمن أدنى الحل.
وقوله: حتى أهل مكة من مكة عام للحج والعمرة، ولذا قال المؤلّف باب: مهل أهل مكة للحج والعمرة لكن قصة عمرة عائشة حين أرسلها عليه الصلاة والسلام مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم لتحرم منه بالعمرة تخصص عموم هذا الحديث، لكن البخاري نظر إلى عموم اللفظ، نعم القارن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة تغليبًا للجج لاندراج العمرة تحته فلا يحتاج إلى الإحرام بها من الحل مع أنه يجمع بين الحل والحرم بوقوفه بعرفة، وحتى هذه ابتدائية وأهل مكة مبتدأ والخبر محذوف والجملة لا محل لها من الإعراب.
وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الحج.
8 - باب مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلاَ يُهِلُّوا قَبْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ ( باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلون قبل ذي الحليفة) لأنه لم ينقل عنه أحد ممن حج مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أحرم قبلها، والظاهر أن المصنف كان يرى المنع من الإحرام قبل الميقات.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ مُهَلُّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ)
الْمُهَلُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَوْضِعُ الْإِهْلَالِ وَأَصْلُهُ رَفْعُ الصَّوْتِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ أُطْلِقَ على نفس الْإِحْرَام إتساعا قَالَ بن الْجَوْزِيِّ وَإِنَّمَا يَقُولُهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَنْ لَا يَعْرِفُ.

     وَقَالَ  أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِهْلَالِ كَالْمُدْخَلِ وَالْمُخْرَجِ بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ وَأَشَارَ المُصَنّف بالترجمة إِلَى حَدِيث بن عُمَرَ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي بِلَفْظِ مُهَلِّ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ وَقَّتَ أَيْ حَدَّدَ وَأَصْلُ التَّوْقِيتِ أَنْ يُجْعَلَ لِلشَّيْءِ وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِهِ ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْمَكَانِ أَيْضًا قَالَ بن الْأَثِيرِ التَّوْقِيتُ وَالتَّأْقِيتُ أَنْ يُجْعَلَ لِلشَّيْءِ وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ بَيَانُ مِقْدَارِ الْمُدَّةِ يُقَالُ وَقَّتَ الشَّيْءَ بِالتَّشْدِيدِ يُوَقِّتُهُ وَوَقَتَ بِالتَّخْفِيفِ يَقِتُهُ إِذَا بَيَّنَ مُدَّتَهُ ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَقِيلَ للموضع مِيقَات.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ قِيلَ إِنَّ التَّوْقِيتَ فِي اللُّغَةِ التَّحْدِيدُ وَالتَّعْيِينُ فَعَلَى هَذَا فَالتَّحْدِيدُ مِنْ لَوَازِمِ الْوَقْتِ وَقَولُهُ هُنَا وَقَّتَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّحْدِيدُ أَيْ حَدَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لِلْإِحْرَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَعْلِيقُ الْإِحْرَامِ بِوَقْتِ الْوُصُولِ إِلَى هَذِهِ الْأَمَاكِنِ بِالشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ وَقَّتَ أَيْ حَدَّدَ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى أَوْجَبَ وَمِنْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْمَاضِيَةُ بِلَفْظِ فَرَضَ

[ قــ :1464 ... غــ :1524] .

     قَوْلُهُ  وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْ مَدِينَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .

     قَوْلُهُ  ذَا الْحُلَيْفَةِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مُصَغَّرًا مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِائَتَا مِيلٍ غَيْرِ ميلين قَالَه بن حَزْمٍ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا عَشْرُ مَرَاحِلَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ أَمْيَالٍ وَوَهِمَ من قَالَ بَينهمَا ميل وَاحِد وَهُوَ بن الصَّبَّاغِ وَبِهَا مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِمَسْجِدِ الشَّجَرَةِ خَرَابٌ وَبِهَا بِئْرٌ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ عَلِيٍّ .

     قَوْلُهُ  الْجُحْفَةَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ خَمْسُ مَرَاحِلَ أَوْ سِتَّةٌ وَفِي قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثَلَاث مراحل نظر وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهَا مَهْيَعَةُ بِوَزْنِ عَلْقَمَةُ وَقِيلَ بِوَزْنِ لَطِيفَةٍ وَسُمِّيَتِ الْجُحْفَةَ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَ بِهَا قَالَ بن الْكَلْبِيِّ كَانَ الْعَمَالِيقُ يَسْكُنُونَ يَثْرِبَ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَين بني عبيل بِفَتْح الْمُهْملَة وكسرة الْمُوَحَّدَةِ وَهُمْ إِخْوَةُ عَادٍ حَرْبٌ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ يَثْرِبَ فَنَزَلُوا مَهْيَعَةَ فَجَاءَ سَيْلٌ فَاجْتَحَفَهُمْ أَيِ اسْتَأْصَلَهُمْ فَسُمِّيَتِ الْجُحْفَةَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ وَالْمَكَانُ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْمِصْرِيُّونَ الْآنَ رَابِغُ بِوَزْنِ فَاعِلٍ بِرَاءٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ قَرِيبٌ مِنَ الْجُحْفَةِ وَاخْتَصَّتِ الْجُحْفَةُ بِالْحُمَّى فَلَا يَنْزِلُهَا أَحَدٌ إِلَّا حُمَّ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ أَمَّا نَجْدٌ فَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٌ وَهُوَ اسْمٌ لِعَشْرَةِ مَوَاضِعَ وَالْمُرَادُ مِنْهَا هُنَا الَّتِي أَعْلَاهَا تِهَامَةُ وَالْيَمَنُ وَأَسْفَلُهَا الشَّامُ وَالْعِرَاقُ وَالْمَنَازِلُ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمَنْزِلِ وَالْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ هُوَ اسْمُ الْمَكَانِ وَيُقَالُ لَهُ قَرْنٌ أَيْضًا بِلَا إِضَافَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا نُونٌ وَضَبَطَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَغَلَّطُوهُ وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى تَخْطِئَتِهِ فِي ذَلِكَ لَكِنْ حَكَى عِيَاضٌ تَعْلِيقَ الْقَابِسِيِّ أَنَّ مَنْ قَالَهُ بِالْإِسْكَانِ أَرَادَ الْجَبَلَ وَمَنْ قَالَهُ بِالْفَتْحِ أَرَادَ الطَّرِيقَ وَالْجَبَلُ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ مَرْحَلَتَانِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ قُدَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَرْنٌ مَوْضِعَانِ أَحَدُهُمَا فِي هُبُوطٍ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَالْآخَرُ فِي صُعُودٍ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَرْنُ الثَّعَالِبِ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَفِي أَخْبَارِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ أَنَّ قَرْنَ الثَّعَالِبِ جَبَلٌ مُشْرِفٌ عَلَى أَسْفَلِ مِنًى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْجِدِ مِنًى أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ لَهُ قَرْنُ الثَّعَالِبِ لِكَثْرَةِ مَا كَانَ يَأْوِي إِلَيْهِ مِنَ الثَّعَالِبِ فَظَهَرَ أَنَّ قَرْنَ الثَّعَالِبِ لَيْسَ مِنَ الْمَوَاقِيتِ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي إِتْيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَرَدِّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ الحَدِيث ذكره بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عَطَاءٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ وَلِمَنْ سَلَكَ نَجْدًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ القَاضِي حُسَيْن فِي سِيَاقه لحَدِيث بن عَبَّاسٍ هَذَا وَلِأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنَ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ طرق حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّ لِأَهْلِ الْيَمَنِ إِذَا قَصَدُوا مَكَّةَ طَرِيقَيْنِ إِحْدَاهُمَا طَرِيقُ أَهْلِ الْجِبَالِ وَهُمْ يَصِلُونَ إِلَى قَرْنٍ أَوْ يُحَاذُونَهُ فَهُوَ مِيقَاتُهُمْ كَمَا هُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى طَرِيقُ أَهْلِ تِهَامَةَ فَيَمُرُّونَ بِيَلَمْلَمَ أَوْ يُحَاذُونَهُ وَهُوَ مِيقَاتُهُمْ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ إِلَّا مَنْ أَتَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ .

     قَوْلُهُ  وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ مِيمٌ مَكَانٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ مِيلًا وَيُقَالُ لَهَا أَلَمْلَمَ بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْيَاءُ تَسْهِيلٌ لَهَا وَحَكَى بن السَّيِّدِ فِيهِ يَرَمْرَمَ بِرَاءَيْنِ بَدَلَ اللَّامَيْنِ تَنْبِيهٌ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ ذُو الْحُلَيْفَةَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَعْظُمَ أُجُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ رِفْقًا بِأَهْلِ الْآفَاقِ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ الْآفَاقِ إِلَى مَكَّةَ أَيْ مِمَّنْ لَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ .

     قَوْلُهُ  هُنَّ لَهُمْ أَيِ الْمَوَاقِيتُ الْمَذْكُورَةُ لِأَهْلِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ بِلَفْظِ هُنَّ لَهُنَّ أَيِ الْمَوَاقِيتُ لِلْجَمَاعَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ لِأَهْلِهِنَّ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ وَوَقَعَ فِي بَابِ مُهَلِّ أَهْلِ الْيَمَنِ بِلَفْظِ هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ كَمَا شَرَحْتُهُ وَقَولُهُ هُنَّ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ وَأَصْلُهُ لِمَنْ يَعْقِلُ وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِيمَا لَا يَعْقِلُ لَكِنْ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَقَولُهُ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ أَيْ عَلَى الْمَوَاقِيتِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ دَخَلَ بَلَدًا ذَاتَ مِيقَاتٍ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فَالَّذِي لَا يَدْخُلُ لَا إِشْكَالَ فِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ وَالَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ خِلَافٌ كَالشَّامِيِّ إِذَا أَرَادَ الْحَجَّ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَمِيقَاتُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِاجْتِيَازِهِ عَلَيْهَا وَلَا يُؤَخِّرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْجُحْفَةَ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُهُ الْأَصْلِيُّ فَإِنْ أَخَّرَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَطْلَقَ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ وَنَفَى الْخِلَافَ فِي شَرْحَيْهِ لِمُسْلِمٍ وَالْمُهَذَّبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ لِلشَّامِيِّ مَثَلًا إِذَا جَاوَزَ ذَا الْحُلَيْفَةِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ إِلَى مِيقَاتِهِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْجُحْفَةُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ خِلَافَهُ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو ثَوْر وبن الْمُنْذر من الشَّافِعِيَّة قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ .

     قَوْلُهُ  وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ يَشْمَلُ مَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَنْ لَمْ يَمُرَّ وَقَولُهُ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ يَشْمَلُ الشَّامِيَّ إِذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَغَيْرِهِ فَهُنَا عُمُومَانِ قَدْ تَعَارَضَا انْتَهَى مُلَخَّصًا وَيَحْصُلُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَّ لَهُنَّ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ مَثَلًا وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ سَاكِنُوهَا وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ سَفَرِهِمْ فَمَرَّ عَلَى مِيقَاتِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ عِرَاقِيٌّ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَةُ مِيقَاتِ الْمَدِينَةِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَيَتَرَجَّحُ بِهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَيَنْتَفِي التَّعَارُضُ .

     قَوْلُهُ  مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةٍ مُفْرَدَةٍ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ أَيْ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ .

     قَوْلُهُ  فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ أَيْ فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ إِذِ السَّفَرُ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى مَكَّةَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ مِيقَاتُ هَؤُلَاءِ نَفْسُ مَكَّةَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بن حَزْمٍ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِيقَاتٌ فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ دُونَ الْمِيقَاتِ أَيْ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ سَافَرَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلنُّسُكِ فَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ النُّسُكُ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ تَجَدَّدَ لَهُ الْقَصْدُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْمِيقَاتِ لِقَوْلِهِ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَهْلَ مَكَّةَ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ وَالْكَسْرُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مَكَّةَ أَيْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْإِحْرَامِ مِنْهُ بَلْ يُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّةَ كَالْآفَاقِيِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَكَانِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْمِيقَاتِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ وَهَذَا خَاصٌّ بِالْحَاجِّ وَاخْتُلِفَ فِي أَفْضَلِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُحْرِمُ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةٍ مُفْرَدَةٍ.

.
وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا جَعَلَ مَكَّةَ مِيقَاتًا لِلْعُمْرَةِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْقَارِنِ وَاخْتُلِفَ فِي الْقَارِنِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمَ الْحَاجِّ فِي الإهلال من مَكَّة.

     وَقَالَ  بن الْمَاجِشُونِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ إِنَّمَا تَنْدَرِجُ فِي الْحَجِّ فِيمَا مَحِلُّهُ وَاحِدٌ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ.

.
وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَمَحِلُّهُ فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ وَجَوَابُ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ أَنْ يَرِدَ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ مِنَ الْحِلِّ فَيَصِحَّ كَوْنُهُ وَافِدًا عَلَيْهِ وَهَذَا يَحْصُلُ لِلْقَارِنِ لِخُرُوجِهِ إِلَى عَرَفَةَ وَهِيَ مِنَ الْحِلِّ وَرُجُوعِهِ إِلَى الْبَيْتِ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ فَلَمْ يُحْرِمْ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَأْثَمْ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فَأَمَّا لُزُومُ الدَّمِ فَبِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذَا.

.
وَأَمَّا الْإِثْمُ فَلِتَرْكِ الْوَاجِب وَقد تقدم الحَدِيث من طَرِيق بن عُمَرَ بِلَفْظِ فَرَضَهَا وَسَيَأْتِي بِلَفْظِ يُهِلُّ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَالْأَمْرُ لَا يَرِدُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ تَأْكِيدُهُ وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَسَبَقَ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَذَهَبَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَا يَصح حجَّة وَبِه قَالَ بن حَزْمٍ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ لَوْ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالنُّسُكِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَعُودَ مُلَبِّيًا وَمَالِكٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْعُدَ وَأَحْمَدُ لَا يَسْقُطُ بِشَيْءٍ تَنْبِيهٌ الْأَفْضَلُ فِي كُلِّ مِيقَاتٍ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ طَرَفِهِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ فَلَوْ أحرم من طرفه الْأَقْرَب جَازَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
( باب مهل أهل مكة للحج والعمرة) بضم الميم وفتح الحاء وتشديد اللام أي موضع إهلالهم وهو في الأصل رفع الصوت بالتلبية ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعًا.
قال أبو البقاء: وهو مصدر بمعنى الإهلال كالمدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج.
قال البدر الدماميني: جعله هنا مصدرًا يحتاج إلى حذف أو تأويل ولا داعي إليه.


[ قــ :1464 ... غــ : 1524 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ".
[الحديث 1524 - أطرافه في: 1526، 1529، 1530، 1845] .

وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي البصري قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الحاء ابن خالد قال: ( حدّثنا ابن طاوس) عبد الله اليماني ( عن أبيه) طاوس ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( قال:)
( إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت) أي حدد المواضع الآتية للإحرام وجعلها ميقاتًا وإن كان مأخوذًا من الوقت إلا أن العرف يستعمله في مطلق التحديد اتساعًا، ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر وقد يكون بمعنى أوجب كقوله تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ويؤيده الرواية الماضية بلفظ: فرضها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لأهل المدينة) النبوية ومن سلك طريق سفرهم ومرّ على ميقاتهم ( ذا الحليفة) مفعول وقت، والحليفة بضم الحاء المهملة تصغير حلفة بنت معروف وهي قرية خربة، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبئر يقال لها بئر علي.
وقال في القاموس: هو ماء لبني جشم على ستة أميال وهو الذي صحه النووي كما مرّ، وقول من قال كابن الصباغ في الشامل والروياني في البحر أنه على ميل من المدينة وهم يردّه الحس ولهم موضع آخر بين حاذة وذات عرق وحاذة بالحاء المهملة والذال المعجمة المخففة وهو المراد في حديث رافع بن خديج: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب إبل ( ولأهل الشام) زاد النسائي في حديث عائشة ومصر وزاد الشافعي في روايته والغرب ( الجحفة؟) ، وقول النووي في شرح المهذّب أن بعدها عن مكة ثلاث مراحل فيه نظر كما قاله الحافظ
ابن حجر ( ولأهل نجد) أي نجد الحجاز أو اليمن ومن سلك طريقهم في السفر ( قرن المنازل) ويسمى قرن الثعالب وسمي بذلك لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب.
وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أنهما موضعان.
أحدهما في هبوط وهو الذي يقاد له قرن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول، لكن في أخبار مكة للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مِنى ألف وخمسمائة ذراع، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، ( ولأهل اليمن) إذا مرّوا بطريق تهامة ومن سلك طريق سفرهم ومرّ على ميقاتهم ( يلملم) فتح الياء واللامين وسكون الميم الأولى بينهما غير منصرف جبل من جبال تهامة.
ويقال فيه ألملم بهمزة بدل الياء على مرحلتين من مكة فإن مر أهل اليمن من طريق الجبال فميقاتهم نجد ( هن) أي المواقيت المذكورة ( لهن) بضمير المؤنثات.
وكان مقتضى الظاهر أن يكون لهم بضمير المذكرين.
فأجاب ابن مالك بأنه عدل إلى ضمير المؤنثات لقصد التشاكل وكأنه يقول ناب ضمير عن ضمير بالقرينة لطلب التشاكل.
وأجاب غيره بأنه على حذف مضاف أي هن لأهلهن أي هذه المواقيت لأهل هذه البلدان بدليل قوله في حديث آخر: هنّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، فصرح بالأهل ثانيًا.
ولأبي ذر: هن لهم بضمير المذكرين وهو واضح ( ولمن أتى) مرّ ( عليهن) أي المواقيت ( من غيرهن) أي من غير أهل البلاد المذكورة، فلو مرّ الشامي على ذي الحليفة كما يفعل الآن لزمه الإحرام منها وليس له مجاوزتها إلى الجحفة التي هي ميقاته فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور، وأطلق النووي الاتفاق ونفي الخلاف في شرحيه لمسلم المهذّب في هذه المسألة، فإن أراد نفي الخلاف في مذهب الشافعي فمسلم وإن أراد نفي الخلاف مطلقًا فلا لأن مذهب مالك أن له مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة إن كان من أهل الشام أو مصر وإن كان الأفضل خلافه، وبه قال الحنفية، وابن المنذر من الشافعية.

وأما استشكال ابن دقيق العيد قوله: ولأهل الشام الجحفة فإنه شامل من مرّ من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر، وقوله: ولمن أتى عليهن من غير أهلهن فإنه شامل للشامي إذا مرّ بذي الحليفة وغيره فهما عمومان قد تعارضا، فأجاب عنه الولي ابن العراقي بأن المراد بأهل المدينة من سلك طريق سفرهم ومن مرّ على ميقاتهم وحينئذ فلا إشكال ولا تعارض.

( ممن أراد الحج والعمرة) معًا بأن يقرن بينهما أو الواو بمعنى أو وفيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام ( ومن كان دون ذلك) أي بين الميقات ومكة ( فمن) أي فميقاته من ( حيث أنشأ) الإحرام أو السفر من مكانه إلى مكة ( حتى أهل مكة) وغيرهم ممن هو بها يهلون ( من مكة) كالأفاقي الذي بين مكة والميقات فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات وهذا خاص بالحج.
أما العمرة، فمن أدنى الحل.
وقوله: حتى أهل مكة من مكة عام للحج والعمرة، ولذا قال المؤلّف باب: مهل أهل مكة للحج والعمرة لكن قصة عمرة عائشة حين أرسلها عليه الصلاة والسلام مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم لتحرم منه بالعمرة تخصص عموم هذا الحديث، لكن البخاري نظر إلى

عموم اللفظ، نعم القارن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة تغليبًا للجج لاندراج العمرة تحته فلا يحتاج إلى الإحرام بها من الحل مع أنه يجمع بين الحل والحرم بوقوفه بعرفة، وحتى هذه ابتدائية وأهل مكة مبتدأ والخبر محذوف والجملة لا محل لها من الإعراب.

وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الحج.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ مُهَلِّ أهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مهلّ أهل مَكَّة، أَي: مَوضِع إهلالهم، لِأَن لفظ: مهل، بِضَم الْمِيم وَفتح الْهَاء وَتَشْديد اللَّام، والإهلال رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ هُنَا..
     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: وَإِنَّمَا يَقُوله بِفَتْح الْمِيم من لَا يعرف.
قلت: هُوَ بِضَم الْمِيم اسْم مَكَان من الإهلال وَاسم زمَان أَيْضا، وَيكون مصدرا أَيْضا كالمدخل والمخرج بِمَعْنى الإدخال والأخراج، وأصل هَذِه الْمَادَّة لرفع الصَّوْت، وَمِنْه اسْتهلّ الصَّبِي إِذا صَاح عِنْد الْولادَة، وأهلَّ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْد الذَّبِيحَة، وَأهل الْهلَال واستهل: إِذا تبين، وَأهل الْمُعْتَمِر إِذا رفع صَوته بِالتَّلْبِيَةِ.



[ قــ :1464 ... غــ :1524 ]
- حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا ابنُ طاوُوسٍ عنْ أبيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَّتَ لأِهْلِ المَدِينةِ ذَا الحُلَيْفةِ وَلأِهْلِ الشَّامِ الجُحفَةَ وَلأِهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ وَلأِهلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ ولِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ والعُمْرَةَ ومَنْ كانَ دُونَ ذالِكَ فَمِنْ حيثُ أنشَأ حتَّى أهَلَّ أهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( حَتَّى أهلَّ أهلُ مَكَّة من مَكَّة) ، يَعْنِي: لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْمِيقَات للْإِحْرَام، بل مهَّلهم لِلْحَجِّ أَي: مَوضِع إهلالهم لأجل الْحَج هُوَ مَكَّة، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: غَرَض البُخَارِيّ بَيَان أَن الْإِحْرَام لَا بُد وَأَن يكون من هَذِه الْمَوَاقِيت، فَمَا وَجه دلَالَته عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ أَن التَّلْبِيَة من ثمَّة؟ قلت: التَّلْبِيَة إِمَّا وَاجِبَة فِي الْإِحْرَام أَو سنة فِيهِ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فالإحرام لَا يَخْلُو مِنْهَا، فالمهلّ هُوَ الْمِيقَات.
انْتهى.
قلت: لَيْسَ غَرَضه مَا ذكره الْكرْمَانِي، وَإِنَّمَا غَرَضه بَيَان مهل أهل مَكَّة، وَلِهَذَا ترْجم بقوله: بابُُ مهلَّ أهل مَكَّة لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة، وَمحل الشَّاهِد هُوَ قَوْله: ( حَتَّى أهل مَكَّة من مَكَّة) كَمَا ذكرنَا، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يدل على أَن مهلّهم هُوَ مَكَّة، سَوَاء كَانَ لِلْحَجِّ أَو الْعمرَة، وَلَكِن مهلّ أهل مَكَّة للْعُمْرَة الحلّ، كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه.
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة، قد ذكرُوا، ووهيب هُوَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله بن طَاوُوس، يروي عَن أَبِيه طَاوُوس الْيَمَانِيّ.

أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُعلى بن أَسد، وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم فرقهم، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان صَاحب الشَّافِعِي، وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( وقَّت) أَي: عين وَقت، من التَّوْقِيت، وَهُوَ التَّعْيِين وأصل التَّوْقِيت أَن يَجْعَل للشَّيْء وَقت يخْتَص بِهِ،.

     وَقَالَ  عِيَاض: وَقت أَي حدد، وَقد يكون بِمَعْنى: أوجب، وَيُؤَيِّدهُ الرِّوَايَة الْمَاضِيَة بِلَفْظ: فرض.
قَوْله: ( قرن الْمنَازل) ، قد ذكرنَا تَفْسِير الْقرن فِي: بابُُ فرض مَوَاقِيت الْحَج، وَكَذَلِكَ ذكرنَا تَفْسِير ذِي الحليفة والجحفة، وَهُنَاكَ ذكر لفظ: الْقرن، فَقَط وَهَهُنَا ذكر بِلَفْظ: قرن الْمنَازل، وَهُوَ جمع منزل.
قَالَ الْكرْمَانِي: والمركب الإضافي هُوَ اسْم الْمَكَان، وَقد يقْتَصر على لفظ الْمُضَاف، كَمَا فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم.
قلت: النُّكْتَة فِي ذكره هُنَا بِهَذِهِ اللَّفْظَة هِيَ أَن الْمَكَان الَّذِي يُسمى الْقرن موضعان أَحدهمَا فِي هبوط، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: قرن الْمنَازل، وَالْآخر فِي صعُود وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: قرن الثعالب، وَالْمَعْرُوف الأول.
وَذكر فِي ( أَخْبَار مَكَّة) للفاكهي: أَن قرن الثعالب جبل مشرف على أَسْفَل منى، بَينه وَبَين مَسْجِد منى ألف وَخَمْسمِائة ذِرَاع.
وَقيل لَهُ: قرن الثعالب لِكَثْرَة مَا كَانَ يأوي إِلَيْهِ من الثعالب، فَظهر أَن قرن الثعالب لَيْسَ من الْمَوَاقِيت، وَقد وَقع ذكره فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي إتْيَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّائِف يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام وردهم عَلَيْهِ.
قَالَ: فَلم استفق إلاَّ وَأَنا بقرن الثعالب ... الحَدِيث، ذكره ابْن إِسْحَاق فِي ( السِّيرَة النَّبَوِيَّة) .
قَوْله: ( ويلملم) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللاَّمين وَسُكُون الْمِيم الأولى، غير منصرف..
     وَقَالَ  عِيَاض: وَيُقَال: ألملم، وَهُوَ الأَصْل وَالْيَاء بدل مِنْهُ، وَهِي على ميلين من مَكَّة، وَهُوَ جبل من جبال تهَامَة..
     وَقَالَ  ابْن حزم: هُوَ جنوب مَكَّة، وَمِنْه إِلَى مَكَّة ثَلَاثُونَ ميلًا.
وَفِي ( الْمُحكم) : يَلَمْلَم وألملم جبل..
     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: أَهله كنَانَة وتنحدر أوديته إِلَى الْبَحْر وَهُوَ فِي طَرِيق الْيمن إِلَى مَكَّة.
وَهُوَ من كبار جبال تهَامَة..
     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ وادٍ بِهِ مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِه عسكرت هوَازن يَوْم حنين.
فَإِن قلت: مَا وَزنه؟ قلت: فعمعل: كصمحمح، وَلَيْسَ هُوَ من: لملمت، لِأَن ذَوَات الْأَرْبَعَة لَا تلحقها الزِّيَادَة فِي أَولهَا إلاَّ فِي الْأَسْمَاء الْجَارِيَة على أفعالها.
نَحْو: مدحرج.
قلت: فعلى هَذَا الْمِيم الأولى وَاللَّام الثَّانِيَة زائدتان؟ وَلِهَذَا قَالَ الْجَوْهَرِي فِي: بابُُ الْمِيم وَفصل الْيَاء: يلم، ثمَّ قَالَ: يَلَمْلَم لُغَة فِي ألملم، وَهُوَ مِيقَات أهل الْيمن.
وَحكى ابْن سيدة فِيهِ: يرمرم، براءين بدل اللاَّمين، وَقد جمع وَاحِد مَوَاقِيت الْإِحْرَام بنظم، وَهُوَ قَوْله:
( قرنَ يلملمُ ذُو الحليفة جحفةٌ ... قل: ذاتُ عرقٍ كلُّها مِيقَات)

( نجدٌ تهامةُ والمدينةُ مغربٌ ... شرقٌ وَهن إِلَى الْهدى مرقات)

قَوْله: ( هن لَهُنَّ) أَي: هَذِه الْمَوَاقِيت لهَذِهِ الْبِلَاد، وَالْمرَاد أَهلهَا.
وَكَانَ الأَصْل أَن يُقَال: هن لَهُم، لِأَن المُرَاد الْأَهْل، وَقد ورد ذَلِك فِي بعض الرِّوَايَات فِي ( الصَّحِيح) ..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: هن، ضمير جمَاعَة مؤنث الْعَاقِل فِي الأَصْل، وَقد يُعَاد على مَا لَا يعقل، وَأكْثر ذَلِك فِي الْعشْرَة فَمَا دونهَا، فَإِذا جاوزها قَالُوهُ بهاء الْمُؤَنَّث، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: { إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا} ( التَّوْبَة: 63) .
ثمَّ قَالَ: { مِنْهَا أَرْبَعَة حرم} ( التَّوْبَة: 63) .
أَي: من الإثني عشر، ثمَّ قَالَ: { فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} ( التَّوْبَة: 63) .
أَي: فِي هَذِه الْأَرْبَعَة، وَقد قيل: فِي الْجَمِيع، وَهُوَ ضَعِيف شَاذ.
قَوْله: ( وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ) ، أَي: على هَذِه الْمَوَاقِيت ( من غَيْرهنَّ) أَي: من غير أهلهن، مثلا إِذا أَتَى الشَّامي إِلَى ذِي الحليفة، يكون مهلّه ذَا الحليفة، وَكَذَا الْبَاقِي نَحوه.
قَوْله: ( وَمن كَانَ دون ذَلِك) يَعْنِي من كَانَ بَين الْمِيقَات وَمَكَّة.
قَوْله: ( فَمن حَيْثُ أنشأ) ، الْفَاء جَوَاب الشَّرْط أَي: فمهله من حَيْثُ قصد الذّهاب إِلَى مَكَّة، يَعْنِي يهل من ذَلِك الْموضع.
قَوْله: ( حَتَّى أهل مَكَّة من مَكَّة) يَعْنِي: إِذا قصد الْمَكِّيّ الْحَج فمهلَّه من مَكَّة، وَأما إِذا قصد الْعمرَة فمهلُّه من الْحل لقضية عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، حِين أرسلها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن إِلَى التَّنْعِيم لتَحْرِيم مِنْهُ.
فَإِن قلت: قَوْله: ( حَتَّى أهل مَكَّة من مَكَّة) أَعم من أَن يكون الْمَكِّيّ قَاصِدا لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة، وَلِهَذَا ترْجم البُخَارِيّ بقوله: بابُُ مهلَّ أهل مَكَّة لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة.
قلت: قَضِيَّة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، تخصص هَذَا! وَلَكِن الظَّاهِر أَن البُخَارِيّ نظر إِلَى عُمُوم اللَّفْظ حَتَّى ترْجم بِهَذِهِ التَّرْجَمَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن هَذِه الْمَوَاقِيت الْمَذْكُورَة لأهل هَذِه الْبِلَاد، وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل الْتِزَام الْحَج مِنْهُنَّ.
أَو من منزله، فَقَالَ مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق: إِحْرَامه من الْمَوَاقِيت أفضل، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث الْبابُُ وَشبهه..
     وَقَالَ  الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ: الْإِحْرَام من الْمَوَاقِيت رخصَة، واعتمدوا فِي ذَلِك على فعل الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَإِنَّهُم أَحْرمُوا من قبل الْمَوَاقِيت، وهم ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَغَيرهم، قَالُوا: وهم أعرف بِالسنةِ، وأصول أهل الظَّاهِر تَقْتَضِي أَنه لَا يجوز الْإِحْرَام إلاَّ من الْمِيقَات إلاَّ أَن يَصح إِجْمَاع على خِلَافه.
قَالَ أَبُو عمر: مَالك أَن يحرم أحد قبل الْمِيقَات، وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه أنكر على عمرَان بن حُصَيْن إِحْرَامه من الْبَصْرَة، وَأنكر عُثْمَان بن عَفَّان على عبد الله بن عَامر إِحْرَامه قبل الْمِيقَات.
وَفِي تَعْلِيق للْبُخَارِيّ: كره عُثْمَان أَن يحرم من خُرَاسَان وكرمان، وَكره الْحسن وَعَطَاء بن أبي رَبَاح الْإِحْرَام من الْموضع الْبعيد،.

     وَقَالَ  ابْن بزيزة: فِي هَذَا ثَلَاثَة أَقْوَال: مِنْهُم من جوزه مُطلقًا، وَمِنْهُم من كرهه مُطلقًا، وَمِنْهُم من أجَازه فِي الْبعيد دون الْقَرِيب..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة الْإِحْرَام من قبل هَذِه الْمَوَاقِيت أفضل لمن قوي على ذَلِك، وَقد صَحَّ أَن عَليّ بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَعمْرَان بن حُصَيْن وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر أَحْرمُوا من الْمَوَاضِع الْبَعِيدَة، وَعند ابْن أبي شيبَة أَن عُثْمَان بن الْعَاصِ أحرم من المنجشانية، وَهِي قَرْيَة من الْبَصْرَة، وَعَن ابْن سِيرِين أَنه أحرم هُوَ وَحميد بن عبد الرَّحْمَن وَمُسلم بن يسَار من الدارات، وَأحرم أَبُو مَسْعُود من السيلحين.
وَعَن أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أهل بِعُمْرَة من بَيت الْمُقَدّس غفر لَهُ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: من أهل بِحجَّة أَو عمْرَة من الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، وَوَجَبَت لَهُ الْجنَّة.
شكّ عبد الله أَيَّتهمَا قَالَ.
قلت: عبد الله هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن أحد رَوَاهُ الحَدِيث،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: يرحم الله وكيعا، أحرم من بَيت الْمُقَدّس، يَعْنِي: إِلَى مَكَّة، وَأحرم ابْن سِيرِين مَعَ أنس من العقيق ومعاذ من الشَّام وَمَعَهُ كَعْب الحبر،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: وَلَا يحل لأحد أَن يحرم بِالْحَجِّ أَو بِالْعُمْرَةِ قبل الْمَوَاقِيت، فَإِن أحرم أحد قبلهَا وَهُوَ يمر عَلَيْهَا فَلَا إِحْرَام لَهُ وَلَا حج، وَلَا عمْرَة لَهُ إلاَّ أَن يَنْوِي إِذا صَار فِي الْمِيقَات تَحْدِيد إِحْرَام، فَذَلِك جَائِز، وإحرامه حِينَئِذٍ تَامّ.

وَفِيه: من أَتَى على مِيقَات من الْمَوَاقِيت لَا يتَجَاوَز غير محرم عِنْد أبي حنيفَة سَوَاء قصد دُخُول مَكَّة أَو لم يقْصد..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: أما من مر على الْمِيقَات قَاصِدا دُخُول مَكَّة من غير نسك، وَكَانَ مِمَّن لَا يتَكَرَّر دُخُوله إِلَيْهَا، فَهَل يلْزمه دم أَو لَا؟ اخْتلف فِيهِ أَصْحَابنَا، وَظَاهر الحَدِيث أَنه إِنَّمَا يلْزم الْإِحْرَام من أَرَادَ مَكَّة لأحد النُّسُكَيْنِ، خَاصَّة وَهُوَ مَذْهَب الزُّهْرِيّ وَأبي مُصعب فِي آخَرين،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: أما المجاوز للميقات مِمَّن لَا يُرِيد النّسك فعلى قسمَيْنِ: أَحدهمَا: لَا يُرِيد دُخُول مَكَّة بل يُرِيد حَاجَة فِيمَا سواهَا، فَهَذَا لَا يلْزمه الْإِحْرَام بِلَا خلاف، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي تَركه الْإِحْرَام لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بَدْرًا مرَّتَيْنِ وَلم يحرم، وَلَا أحد من أَصْحَابه، ثمَّ بَدَأَ لهَذَا الْإِحْرَام وتجدد لَهُ الْعَزْم عَلَيْهِ أَن يحرم من مَوْضِعه، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، هَذَا ظَاهر كَلَام الحرقي، وَبِه يَقُول مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وصاحبا أبي حنيفَة، وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن أَحْمد فِي الرجل يخرج لحَاجَة وَهُوَ لَا يُرِيد الْحَج، فجاوز ذَا الحليفة ثمَّ أَرَادَ الْحَج يرجع إِلَى ذِي الحليفة فَيحرم؟ وَبِه قَالَ إِسْحَاق.
الْقسم الثَّانِي: من يُرِيد دُخُول الْحرم إِمَّا إِلَى مَكَّة أَو غَيرهَا، فهم على ثَلَاثَة أضْرب: أَحدهَا من يدخلهَا لقِتَال مُبَاح أَو من خوف أَو لحَاجَة متكررة كالحشاش والحطاب وناقل الْميرَة، وَمن كَانَت لَهُ ضَيْعَة يتَكَرَّر دُخُوله وَخُرُوجه إِلَيْهَا، فَهَؤُلَاءِ لَا إِحْرَام عَلَيْهِم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل يَوْم فتح مَكَّة حَلَالا وعَلى رَأسه المغفر، وَكَذَا أَصْحَابه، وَلَا نعلم أَن أحدا مِنْهُم أحرم يَوْمئِذٍ، وَلَو وَجب الْإِحْرَام على من يتَكَرَّر دُخُولهَا أفْضى إِلَى أَن يكون جَمِيع زَمَنه محرما، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي.