هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1521 حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : يَا عَائِشَةُ ، لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ ، فَهُدِمَ ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ ، بَابًا شَرْقِيًّا ، وَبَابًا غَرْبِيًّا ، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ ، فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى هَدْمِهِ ، قَالَ يَزِيدُ : وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ ، وَبَنَاهُ ، وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الحِجْرِ ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً ، كَأَسْنِمَةِ الإِبِلِ ، قَالَ جَرِيرٌ : فَقُلْتُ لَهُ : أَيْنَ مَوْضِعُهُ ؟ قَالَ : أُرِيكَهُ الآنَ ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ الحِجْرَ ، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ ، فَقَالَ : هَا هُنَا ، قَالَ جَرِيرٌ : فَحَزَرْتُ مِنَ الحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1521 حدثنا بيان بن عمرو ، حدثنا يزيد ، حدثنا جرير بن حازم ، حدثنا يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : يا عائشة ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت ، فهدم ، فأدخلت فيه ما أخرج منه ، وألزقته بالأرض ، وجعلت له بابين ، بابا شرقيا ، وبابا غربيا ، فبلغت به أساس إبراهيم ، فذلك الذي حمل ابن الزبير رضي الله عنهما على هدمه ، قال يزيد : وشهدت ابن الزبير حين هدمه ، وبناه ، وأدخل فيه من الحجر ، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة ، كأسنمة الإبل ، قال جرير : فقلت له : أين موضعه ؟ قال : أريكه الآن ، فدخلت معه الحجر ، فأشار إلى مكان ، فقال : ها هنا ، قال جرير : فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Yazid bin Ruman from `Urwa:

`Aisha said that the Prophet (ﷺ) said to her, O Aisha! Were your nation not close to the Pre-Islamic Period of Ignorance, I would have had the Ka`ba demolished and would have included in it the portion which had been left, and would have made it at a level with the ground and would have made two doors for it, one towards the east and the other towards the west, and then by doing this it would have been built on the foundations laid by Abraham. That was what urged Ibn-Az-Zubair to demolish the Ka`ba. Jazz said, I saw Ibn-Az-Zubair when he demolished and rebuilt the Ka`ba and included in it a portion of Al-Hijr (the unroofed portion of Ka`ba which is at present in the form of a compound towards the northwest of the Ka`ba). I saw the original foundations of Abraham which were of stones resembling the humps of camels. So Jarir asked Yazid, Where was the place of those stones? Jazz said, I will just now show it to you. So Jarir accompanied Yazid and entered Al-Hijr, and Jazz pointed to a place and said, Here it is. Jarir said, It appeared to me about six cubits from Al-Hijr or so.

'A'icha () [rapporte] que le Prophète () lui dit: 0 'A'icha! si ton peuple ne venait juste de quitter l'Ignorance, j'aurais donné l'ordre de démolir le Temple pour y faire introduire ce qui avait été sorti; je l'aurais en outre abaissé au niveau du sol en y pratiquant deux portes; une du côté de l'est et une autre du côté de l'ouest. Ainsi, je l'aurais posé sur les assises d'Abraham. D'autre part, c'est ce {hadîth} qui a poussé ibn azZubayr () à démolir la Ka'ba... Yazîd: J'étais témoin lorsqu'ibn azZubayr [donna l'ordre] de démolir et de reconstruire la Ka'ba en lui annexant une partie d'alHijr. Je vis [en la circonstance] les assises d'Abraham. C'était des pierres comme les bosses des chameaux. Jarîr: je dis alors à Yazîd:

":"ہم سے بیان بن عمرو نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہم سے یزید بن ہاروں نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہم سے جریر بن حازم نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہم سے یزید بن رومان نے بیان کیا ، ان سے عروہ نے اور ان سے ام المؤمنین حضرت عائشہ صدیقہ رضی اللہ عنہا نے کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ، عائشہ ! اگر تیری قوم کا زمانہ جاہلیت ابھی تازہ نہ ہوتا ، تو میں بیت اللہ کو گرانے کا حکم دے دیتا تاکہ ( نئی تعمیر میں ) اس حصہ کو بھی داخل کر دوں جو اس سے باہر رہ گیا ہے اور اس کی کرسی زمین کے برابر کر دوں اور اس کے دو دروازے بنا دوں ، ایک مشرق میں اور ایک مغرب میں ۔ اس طرح ابراہیم علیہ السلام کی بنیاد پر اس کی تعمیر ہو جاتی ۔ عبداللہ بن زبیر رضی اللہ عنہما کا کعبہ کو گرانے سے یہی مقصد تھا ۔ یزید نے بیان کیا کہ میں اس وقت موجود تھا جب عبداللہ بن زبیر رضی اللہ عنہما نے اسے گرایا تھا اور اس کی نئی تعمیر کر کے حطیم کو اس کے اندر کر دیا تھا ۔ میں نے ابراہیم علیہ السلام کی تعمیر کے پائے بھی دیکھے جو اونٹ کی کوہان کی طرح تھے ۔ جریر بن حازم نے کہا کہ میں نے ان سے پوچھا ، ان کی جگہ کہاں ہے ؟ انہوں نے فرمایا کہ میں ابھی دکھاتا ہوں ۔ چنانچہ میں ان کے ساتھ حطیم میں گیا اور آپ نے ایک جگہ کی طرف اشارہ کر کے کہا کہ یہ وہ جگہ ہے ۔ جریر نے کہا کہ میں نے اندازہ لگایا کہ وہ جگہ حطیم میں سے چھ ہاتھ ہو گی یا ایسی ہی کچھ ۔

'A'icha () [rapporte] que le Prophète () lui dit: 0 'A'icha! si ton peuple ne venait juste de quitter l'Ignorance, j'aurais donné l'ordre de démolir le Temple pour y faire introduire ce qui avait été sorti; je l'aurais en outre abaissé au niveau du sol en y pratiquant deux portes; une du côté de l'est et une autre du côté de l'ouest. Ainsi, je l'aurais posé sur les assises d'Abraham. D'autre part, c'est ce {hadîth} qui a poussé ibn azZubayr () à démolir la Ka'ba... Yazîd: J'étais témoin lorsqu'ibn azZubayr [donna l'ordre] de démolir et de reconstruire la Ka'ba en lui annexant une partie d'alHijr. Je vis [en la circonstance] les assises d'Abraham. C'était des pierres comme les bosses des chameaux. Jarîr: je dis alors à Yazîd:

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1586] حَدثنَا يزِيد هُوَ بن هَارُونَ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُرْوَةَ كَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مَسَانِيدِهِمْ عَنْهُ هَكَذَا وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ الْجَمَّالِ وَالزَّعْفَرَانِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَخَالَفَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فَرَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بَدَلَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَزْهَرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِنْ كَانَ أَبُو الْأَزْهَرِ ضَبَطَهُ فَكَأَنَّ يَزِيدَ بْنَ رُومَانَ سَمِعَهُ مِنَ الْأَخَوَيْنِ.

.

قُلْتُ قَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُشْكَانَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ عَنِ الدَّغُولِيِّ عَنْهُ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَيَزِيدُ قَدْ حَمَلَهُ عَنِ الْأَخَوَيْنِ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ أَوْضَحُ فَهِيَ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  حَدِيثُ عَهْدٍ كَذَا لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ بِالْإِضَافَةِ.

     وَقَالَ  الْمُطَرِّزِيُّ لَا يَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ فِي مِثْلِ هَذَا وَالصَّوَابُ حَدِيثُو عَهْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ بن الزُّبَيْرِ عَلَى هَدْمِهِ زَادَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ وَبِنَائِهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ يَزِيدُ هُوَ بن رُومَان بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله وَشهِدت بن الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ إِلَى قَوْلِهِ كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مُخْتَصَرًا وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَاضِحًا فَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهُ أَهْلُ الشَّامِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ وَلِلْفَاكِهِيِّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَغَيْرُهُ قَالُوا لَمَّا أَحْرَقَ أَهْلُ الشَّامِ الْكَعْبَةَ وَرَمَوْهَا بِالْمَنْجَنِيقِ وَهَتِ الْكَعْبَةُ وَلِابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ ارْتَحَلَ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ يَعْنِي الْأَمِيرَ الَّذِي كَانَ يُقَاتل بن الزُّبَيْرِ مِنْ قِبَلِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَتَاهُمْ مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي رَبِيعٍ الآخر سنة أَربع وَسِتِّينَ قَالَ فَأمر بن الزُّبَيْرِ بِالْخُصَاصِ الَّتِي كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَهُدِمَتْ فَإِذَا الْكَعْبَةُ تَنْفُضُ أَيْ تَتَحَرَّكُ مُتَوَهِّنَةٌ تَرْتَجُّ مِنْ أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلِهَا فِيهَا أَمْثَالُ جُيُوبِ النِّسَاءِ مِنْ حِجَارَةِ الْمَنْجَنِيقِ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ جَيْشُ الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ أَحْرَقَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى بَابِ بَنِي جِمْحٍ وَفِي الْمَسْجِدِ يَوْمَئِذٍ خِيَامٌ فَمَشَى الْحَرِيقُ حَتَّى أَخَذَ فِي الْبَيْتِ فَظَنَّ الْفَرِيقَانِ أَنَّهُمْ هَالِكُونَ وَضَعُفَ بِنَاءُ الْبَيْتِ حَتَّى إِنَّ الطَّيْرَ لَيَقَعُ عَلَيْهِ فَتَتَنَاثَرُ حِجَارَتُهُ وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ حَضَرَ ذَلِكَ قَالَ كَانَتِ الْكَعْبَةُ قَدْ وَهَتْ مِنْ حَرِيقِ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ فَهَدمهَا بن الزبير فَتَركه بن الزُّبَيْرِ حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يَحْزُبَهُمْ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ الْحَدِيثَ وَلِابْنِ سعد من طَرِيق بن أبي مليكَة قَالَ لم يبن بن الزُّبَيْرِ الْكَعْبَةَ حَتَّى حَجَّ النَّاسُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ ثُمَّ بَنَاهَا حِينَ اسْتَقْبَلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَحُكِيَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْأَثْبَتُ عِنْدِي أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِنَاءَهَا بَعْدَ رَحِيلِ الْجَيْشِ بِسَبْعِينَ يَوْمًا وَجَزَمَ الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي نِصْفِ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.

.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَامْتَدَّ أَمَدُهُ إِلَى الْمَوْسِمِ لِيَرَاهُ أَهْلُ الْآفَاقِ لِيُشَنِّعَ بِذَلِكَ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي تَارِيخِ الْمُسَبِّحِيِّ أَنَّ الْفَرَاغَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَزَادَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْجَمْعُ مَقْبُولًا فَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ وَذكر مُسلم فِي رِوَايَة عَطاء إِشَارَة بن عَبَّاس عَلَيْهِ بِأَن لَا يفعل وَقَول بن الزُّبَيْرِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ بَنَاهُ حَتَّى يُجَدِّدَهُ وَأَنَّهُ اسْتَخَارَ اللَّهَ ثَلَاثًا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا قَالَ فَتَحَامَاهُ النَّاسُ حَتَّى صَعَدَ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ حَتَّى بلغُوا بِهِ الأَرْض وَجعل بن الزبير أعمدةفَسَتَرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ.

     وَقَالَ  بْنِ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سابُورَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ خَرَجْنَا إِلَى مِنًى فَأَقَمْنَا بهَا ثَلَاثًا نَنْتَظِر الْعَذَاب وارتقى بن الزُّبَيْرِ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ هُوَ بِنَفْسِهِ فَهَدَمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ عَزَلَ مَا كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يُعَادَ فِي الْبَيْتِ فَبَنَوْا بِهِ فَنَظَرُوا إِلَى مَا كَانَ لَا يَصْلُحُ مِنْهَا أَنْ يَبْنِيَ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَيُدْفَنَ وَاتَّبَعُوا قَوَاعِدَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ نَحْوِ الْحِجْرِ فَلَمْ يُصِيبُوا شَيْئا حَتَّى شقّ على بن الزبير ثمَّ أدركوها بعد مَا أَمْعَنُوا فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَشَفُوا لَهُ عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَهِيَ صَخْرٌ أَمْثَالُ الْخَلْفِ مِنَ الْإِبِلِ فَانْفَضُّوا لَهُ أَيْ حَرَّكُوا تِلْكَ الْقَوَاعِدَ بِالْعُتُلِّ فَنَفَضَتْ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ وَرَأَوْهُ بُنْيَانًا مَرْبُوطًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ ثُمَّ أُحْضِرَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِوُجُوهِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ فَنَزَلُوا حَتَّى شَاهَدُوا مَا شَاهَدُوهُ وَرَأَوْا بُنْيَانًا مُتَّصِلًا فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَكَانَ طول الْكَعْبَة ثَمَان عشرَة ذِرَاعا فَزَاد بن الزُّبَيْرِ فِي طُولِهَا عَشْرَةَ أَذْرُعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ طُولُهَا عِشْرِينَ ذِرَاعًا فَلَعَلَّ رَاوِيهِ جَبَرَ الْكَسْرَ وَجَزَمَ الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ تِسْعَةُ أَذْرُعٍ فَلَعَلَّ عَطَاءً جَبَرَ الْكَسْرَ أَيْضًا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ بن سَابِطٍ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُمْ كَشَفُوا عَنِ الْقَوَاعِدِ فَإِذَا الْحِجْرُ مِثْلُ الْخِلْفَةِ وَالْحِجَارَةُ مُشَبَّكَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ كُنْتُ فِي الْأُمَنَاءِ الَّذِينَ جَمَعُوا عَلَى حَفْرِهِ فَحَفَرُوا قَامَةً وَنِصْفًا فَهَجَمُوا عَلَى حِجَارَةٍ لَهَا عُرُوقٌ تَتَّصِلُ بِزَرْدِ عِرْقِ الْمَرْوَةِ فَضَرَبُوهُ فَارْتَجَّتْ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ فَكَبَّرَ النَّاسُ فَبَنَى عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ مَرْثَدٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَكَشَفَ عَنْ رَبَضٍ فِي الْحِجْرِ آخِذٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَتَرَكَهُ مَكْشُوفًا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ فَرَأَيْتُ ذَلِكَ الرَّبْضَ مِثْلَ خَلْفِ الْإِبِلِ وَجْهٌ حَجَرٌ وَوَجْهٌ حَجَرَانِ وَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الْعَتَلَةَ فَيَضْرِبُ بِهَا مِنْ نَاحِيَةِ الرُّكْنِ فَيَهْتَزُّ الرُّكْنُ الْآخَرُ قَالَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ الَّتِي فِي الْعِلْمِ فَفَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَنَقَضَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَنَحْوُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مُوسَى بن ميسرَة أَنه دخل الْكَعْبَة بعد مَا بناها بن الزُّبَيْرِ فَكَانَ النَّاسُ لَا يَزْدَحِمُونَ فِيهَا يَدْخُلُونَ مِنْ بَابٍ وَيَخْرُجُونَ مِنْ آخَرَ فَصْلٌ لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قِصَّةَ تَغْيِيرِ الْحَجَّاجِ لما صنعه بن الزُّبَيْرِ وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ قَالَ فَلَمَّا قتل بن الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَان يُخبرهُ أَن بن الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَهُ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَيْهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْملك إِنَّا لسنا من تلطيخ بن الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ.

.
وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ وَسُدَّ بَابَهُ الَّذِي فَتَحَهُ فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَبَادَرَ يَعْنِي الْحَجَّاجَ فَهَدَمَهَا وَبَنَى شِقَّهَا الَّذِي يَلِي الْحِجْرَ وَرَفَعَ بَابَهَا وَسَدَّ الْبَابَ الْغَرْبِيَّ قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ نَدِمَ عَلَى إِذْنِهِ لِلْحَجَّاجِ فِي هَدْمِهَا وَلُعِنَ الْحَجَّاجُ وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَابُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فَرد الَّذِي كَانَ بن الزُّبَيْرِ أَدْخَلَ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَدِدْنَا أَنَّا تَرَكْنَا أَبَا خُبَيْبٍ وَمَا تَوَلَّى مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ قِصَّةَ نَدم عبد الْملك على ذَلِكَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ عَطَاءٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَفَدَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي خِلَافَتِهِ فَقَالَ مَا أَظُنُّ أَبَا خبيب يَعْنِي بن الزُّبَيْرِ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا فَقَالَ الْحَارِثُ بَلَى أَنَا سمعته مِنْهَا زَاد عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ فِيهِ وَكَانَ الْحَارِثُ مُصَدَّقًا لَا يُكَذَّبُ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ.

     وَقَالَ  وَدِدْتُ أَنِّي تركتهوَمَا تَحَمَّلَ وَأَخْرَجَهَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَزَعَةَ قَالَ بَيْنَمَا عَبْدُ الْمَلِكِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ قَاتل الله بن الزُّبَيْرِ حَيْثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ بِهَذَا فَقَالَ لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَن أهدمه لتركته على بِنَاء بن الزُّبَيْرِ تَنْبِيهٌ جَمِيعُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي جَمَعَتْهَا هَذِهِ الْقِصَّة متفقة على ان بن الزُّبَيْرِ جَعَلَ الْبَابَ بِالْأَرْضِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ الَّذِي زَادَهُ عَلَى سَمْتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ جُمْلَةَ مَا غَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ الْجِدَارُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْحِجْرِ وَالْبَابُ الْمَسْدُودُ الَّذِي فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ عَنْ يَمِينِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَمَا تَحْتَ عَتَبَةِ الْبَابِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّ الْمُشَاهَدَ الْآنَ فِي ظَهْرِ الْكَعْبَةِ بَابٌ مَسْدُودٌ يُقَابِلُ الْبَابَ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ فِي الِارْتِفَاعِ مِثْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ الَّذِي كَانَ على عهد بن الزُّبَيْرِ لَمْ يَكُنْ لَاصِقًا بِالْأَرْضِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَاصِقًا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ لَكِنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا غَيَّرَهُ رَفَعَهُ وَرَفَعَ الْبَابَ الَّذِي يُقَابِلُهُ أَيْضًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَدَّ الْبَابَ الْمُجَدَّدَ لَكِنْ لَمْ أَرَ النَّقْلَ بِذَلِكَ صَرِيحًا وَذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ أَنَّهُ شَاهَدَ هَذَا الْبَابَ الْمَسْدُودَ مِنْ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فَإِذَا هُوَ مُقَابِلٌ بَابَ الْكَعْبَةِ وَهُوَ بِقَدْرِهِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَإِذَا فِي أَعْلَاهُ كَلَالِيبُ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي الْبَاب الْمَوْجُود سَوَاء فَالله أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَحَزَرْتُ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ أَيْ قَدَّرْتُ .

     قَوْلُهُ  سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وَأَنَّهَا أَرْجَحُ الرِّوَايَاتِ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ مِنْهَا مُمْكِنٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الِاضْطِرَابِ وَالطَّعْنِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُقَيَّدَةِ لأجل الِاضْطِرَاب كَمَا جنح إِلَيْهِ بن الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ شَرْطَ الِاضْطِرَابِ أَنْ تَتَسَاوَى الْوُجُوهُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ التَّرْجِيحُ أَوِ الْجَمْعُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ هُنَا فَيَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا هِيَ قَاعِدَةُ مَذْهَبِهِمَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ وَالْمُقَيَّدَةَ مُتَوَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ قُرَيْشًا قَصَّرُوا عَنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَن بن الزُّبَيْرِ أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَّ الْحَجَّاجَ أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ قُرَيْشٍ وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ قَطُّ صَرِيحَةٌ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْبَيْتِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي فِي الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ قَدْرُ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا أَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ مُطْلَقَةٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَإِنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ سَائِغٌ مَجَازًا وَإِنَّمَا قَالَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ نُصْرَةً لِمَا رَجَّحَهُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ وَعُمْدَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى إِيجَابِ الطّواف خَارج الْحجر وَنقل بن عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ طَافَ مِنْ دَاخِلِ الْحِجْرِ وَكَانَ عَمَلًا مُسْتَمِرًّا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ وَهَذَا مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ إِيجَابِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَائِهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الَّذِي فِي الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَنَقَلَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ لَقِيَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ رَأَى إِيجَابَ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ احْتِيَاطًا.

.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الْإِيجَابِ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ فَعَلُوهُ اسْتِحْبَابًا لِلرَّاحَةِ مِنْ تَسَوُّرِ الْحِجْرِ لَا سِيَّمَا وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَطُوفُونَ جَمِيعًا فَلَا يُؤْمَنُ مِنَ الْمَرْأَةِ التَّكَشُّفُ فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا حَسْمَ هَذِهِ الْمَادَّةَ وَأما مَا نَقله الْمُهلب عَن بن أَبِي زَيْدٍ أَنَّ حَائِطَ الْحِجْرِ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَاهُ وَوَسَّعَهُ قَطْعًا لِلشَّكِّ وَأَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ حَوْلَ الْبَيْتِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَنَّ عُمْدَتَهُ فِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ بِلَفْظِ لَمْيَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ حَائِطٌ كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ الْبَيْتِ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا جدره قَصِيرَة فبناه بن الزُّبَيْرِ انْتَهَى وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ لَا فِي الْحِجْرِ فَدَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى قَائِلِهِ مِنْ هُنَا وَلَمْ يَزَلِ الْحِجْرُ مَوْجُودًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ نَعَمْ فِي الْحُكْمِ بِفَسَادِ طَوَافِ مَنْ دَخَلَ الْحِجْرَ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ نَظَرٌ وَقَدْ قَالَ بِصِحَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ كَأَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عَرْضَ مَا بَيْنَ الْمِيزَابِ وَمُنْتَهَى الْحِجْرِ سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْهَا عَرْضُ جِدَارِ الْحِجْرِ ذِرَاعَانِ وَثُلُثٌ وَفِي بَطْنِ الْحِجْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَعَلَى هَذَا فَنِصْفُ الْحِجْرِ لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ فَلَا يَفْسُدُ طَوَافُ مَنْ طَافَ دُونَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُهَلَّبِ إِنَّ الْفَضَاءَ لَا يُسَمَّى بَيْتًا وَإِنَّمَا الْبَيْتُ الْبُنْيَانُ لِأَنَّ شَخْصًا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَانْهَدَمَ ذَلِكَ الْبَيْتُ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فَلَيْسَ بِوَاضِحٍ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ مِنَ الطَّوَافِ مَا شُرِعَ لِلْخَلِيلِ بِالِاتِّفَاقِ فَعَلَيْنَا أَنْ نَطُوفَ حَيْثُ طَافَ وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِانْهِدَامِ حَرَمِ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا يَسْقُطُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِفَوَاتِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ فَحُرْمَةُ الْبُقْعَةِ ثَابِتَةٌ وَلَوْ فُقِدَ الْجِدَارُ.

.
وَأَمَّا الْيَمِينُ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْعُرْفِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَوِ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ فَنُقِلَتْ حِجَارَتُهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ بَقِيَتْ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ بِالْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا وَلَا حُرْمَةَ لِتِلْكَ الْحِجَارَةِ الْمَنْقُولَةِ إِلَى غَيْرِ مَسْجِدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ أَصْلٌ لِلْجِدَارِ بِخِلَافِ الْعَكْس أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ وَفِي حَدِيثِ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ تَرْكُ بَعْضِ الِاخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ عَنْهُ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ فِي عِبَارَتِهِ الْمُسْتَحَبُّ وَفِيهِ اجْتِنَابُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَا يَتَسَرَّعُ النَّاسُ إِلَى إِنْكَارِهِ وَمَا يُخْشَى مِنْهُ تَوَلُّدُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا وَتَأَلُّفُ قُلُوبِهُمْ بِمَا لَا يُتْرَكُ فِيهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَأَنَّهُمَا إِذَا تَعَارَضَا بُدِئَ بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَأَنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا أُمِنَ وُقُوعُهَا عَادَ اسْتِحْبَابُ عَمَلِ الْمَصْلَحَةِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ مَعَ أَهْلِهِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَحِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَكْمِيل حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الرَّشِيدِ أَوِ الْمَهْدِيِّ أَوِ الْمَنْصُورِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعِيد الْكَعْبَة على مَا فعله بن الزُّبَيْرِ فَنَاشَدَهُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَخْشَى أَنْ يَصِيرَ مَلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ فَتَرَكَهُ.

.

قُلْتُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ خَشْيَةُ جَدِّهِمُ الْأَعْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَأَشَارَ على بن الزُّبَيْرِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ الْكَعْبَةَ وَيُجَدِّدَ بِنَاءَهَا بِأَنْ يَرُمَّ مَا وَهَى مِنْهَا وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ.

     وَقَالَ  لَهُ لَا آمَنُ أَنْ يَجِيءَ مِنْ بَعْدِكَ أَمِيرٌ فَيُغَيِّرَ الَّذِي صَنَعْتَ أَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْهُ وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ هَمَّ بِنَقْضِ مَا فَعَلَهُ الْحَجَّاجُ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أَبِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّوَارِيخِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ وَلَا مَنْ دُونَهُمْ غَيَّرَ مِنَ الْكَعْبَةِ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ إِلَى الْآنَ إِلَّا فِي الْمِيزَابِ وَالْبَابِ وَعَتَبَتِهِ وَكَذَا وَقَعَ التَّرْمِيمُ فِي جِدَارِهَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَفِي سَقْفِهَا وَفِي سُلَّمِ سَطْحِهَا وَجُدِّدَ فِيهَا الرُّخَامُ فَذَكَرَ الْأَزْرَقِيّ عَن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ فَرَشَهَا بِالرُّخَامِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَوَقَعَ فِي جِدَارِهَا الشَّامِيِّ تَرْمِيمٌ فِي شُهُورِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ ثُمَّ فِي شُهُورِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ فِي شُهُورِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ ثُمَّ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَقَدْ تَرَادَفَتِ الْأَخْبَارُ الْآنَ فِي وَقْتِنَا هَذَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَنَّ جِهَةَ الْمِيزَابَ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَرْمِيمٍ فَاهْتَمَّ بِذَلِكَ سُلْطَانُ الْإِسْلَامِ الْمَلِكُ الْمُؤَيَّدُ وَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُسَهِّلَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ حَجَجْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَتَأَمَّلْتُ الْمَكَانَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ فِي تِلْكَ الْبَشَاعَةِ وَقَدْ رُمِّمَ مَا تَشَعَّثَ مِنَ الْحَرَمِ فِي أَثْنَاءِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى أَنْ نَقَضَ سَقْفَهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَعَلَى يَدَيْ بَعْضِ الْجُنْدِ فَجَدَّدَ لَهَا سَقْفًا وَرَخَّمَ السَّطْحَ فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ صَارَ الْمَطَرُ إِذَا نَزَلَ يَنْزِلُ إِلَى دَاخِلِ الْكَعْبَةِ أَشَدَّ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا فَأَدَّاهُ رَأْيُهُ الْفَاسِدُ إِلَى نَقْضِ السَّقْفِ مَرَّةً أُخْرَى وَسَدِّ مَا كَانَ فِي السَّطْحِ مِنَ الطَّاقَاتِ الَّتِي كَانَ يَدْخُلُ مِنْهَا الضَّوْءُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ امْتِهَانُ الْكَعْبَةِ بَلْ صَارَ الْعُمَّالُ يَصْعَدُونَ فِيهَا بِغَيْرِ أَدَبٍ فَغَارَ بَعْضُ الْمُجَاوِرِينَ فَكَتَبَ إِلَى الْقَاهِرَةِ يَشْكُو ذَلِكَ فَبَلَغَ السُّلْطَانَ الظَّاهِرَ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِذَلِكَ وَجَهَّزَ بَعْضَ الْجُنْدِ لِكَشْفِ ذَلِكَ فَتَعَصَّبَ لِلْأَوَّلِ بَعْضُ مَنْ جَاوَرَ وَاجْتَمَعَ الْبَاقُونَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً فَكَتَبُوا مَحْضَرًا بِأَنَّهُ مَا فَعَلَ شَيْئًا إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنْهُمْ وَأَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ مَصْلَحَةٌ فَسَكَنَ غَضَبُ السُّلْطَانِ وَغَطَّى عَنْهُ الْأَمْرَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ وَهُوَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ قَبْلَ الْأَلِفِ وَبَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ يَعْنِي الْكَعْبَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا فَإِذا ضيعوا ذَلِك هَلَكُوا أخرجه أَحْمد وبن مَاجَهْ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْأَمْنَ مِنَ الْفِتَنِ بِحِلْمِهِ وَكَرَمِهِ وَمِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقِ الِاحْتِيَاجُ فِي الْكَعْبَةِ إِلَى الْإِصْلَاحِ إِلَّا فِيمَا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ إِمَّا مِنَ الْجِدَارِ الَّذِي بَنَاهُ فِي الْجِهَةِ الشَّامِيَّةِ وَإِمَّا فِي السُّلَّمِ الَّذِي جَدَّدَهُ لِلسَّطْحِ وَالْعَتَبَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فَإِنَّمَا هُوَ لِزِيَادَةٍ مَحْضَةٍ كَالرُّخَامِ أَوْ لِتَحْسِينٍ كَالْبَابِ وَالْمِيزَابِ وَكَذَا مَا حَكَاهُ الْفَاكِهِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُكَرَّمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاوَرْتُ بِمَكَّةَ فَعَابَتْ أَيْ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أُسْطُوَانَةٌ مِنْ أَسَاطِينِ الْبَيْتِ فَأُخْرِجَتْ وَجِيءَ بِأُخْرَى لِيُدْخِلُوهَا مَكَانَهَا فَطَالَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ وَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ وَالْكَعْبَةُ لَا تُفْتَحُ لَيْلًا فَتَرَكُوهَا ليعودوا من غَد ليصلحوها فجاؤوا مِنْ غَدٍ فَأَصَابُوهَا أَقْدَمَ مِنْ قِدْحٍ أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ السَّهْمُ وَهَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ رِجَاله ثِقَات وَبكر هُوَ بن حَبِيبٍ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَكَأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي أَوَائِلِ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَكَانَتِ الْأُسْطُوَانَةُ مِنْ خَشَبٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ الْحَرَمِ) أَيِ الْمَكِّيِّ الَّذِي سَيَأْتِي ذِكْرُ حُدُودِهِ فِي بَابِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ تَعَالَى إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا الْآيَةَ وَجْهُ تَعَلُّقِهَا بِالتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ إِضَافَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إِلَى الْبَلْدَةِ فَإِنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّشْرِيفِ لَهَا وَهِيَ أَصْلُ الْحَرَمِ .

     قَوْلُهُ  أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُم حرما آمنا الْآيَةَ رَوَى النَّسَائِيُّ فِيالتَّفْسِيرِ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ مُرَّ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَدًّا عَلَيْهِ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُم حرما آمنا الْآيَةَ أَيْ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ فِي بَلَدٍ أَمِينٍ وَهُمْ مِنْهُ فِي أَمَانٍ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَمْنًا لَهُمْ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمُوا وَتَابَعُوا الْحَقَّ وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَاب حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَسَيَأْتِي بِأَتَمِّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي بَابِ لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى قَرِيبًا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَولُهُ بَابُ تَوْرِيث دور مَكَّة وَبَيْعهَا وشرائها وَأَنَّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْآيَةَ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ مَكَّةَ إِلَّا السَّوَائِبَ مَنِ أحتاج سكن أخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ وَإِرْسَالٌ.

     وَقَالَ  بِظَاهِرِهِ بن عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ كَانَ عَطَاءٌ يَنْهَى عَنِ الْكِرَاءِ فِي الْحَرَمِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ عُمَرَ نَهَى أَنْ تُبَوَّبَ دُورُ مَكَّةَ لِأَنَّهَا يَنْزِلُ الْحَاجُّ فِي عَرَصَاتِهَا فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَوَّبَ دَارَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَاعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ لِعُمَرَ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ مَكَّةُ مُبَاحٌ لَا يَحِلُّ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَلَا إِجَارَةُ بُيُوتِهَا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن بن عُمَرَ لَا يَحِلُّ بَيْعُ بُيُوتِ مَكَّةَ وَلَا إِجَارَتُهَا وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ أَبُو يُوسُفَ وَاخْتُلِفَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِالْجَوَازِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا سَيُجْمَعُ بِهِ مَا اخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَضَافَ الْمِلْكُ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنِ ابْتَاعَهَا مِنْهُ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ فَأَضَافَ الدَّار إِلَيْهِ وَاحْتج بن خُزَيْمَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ فَنَسَبَ اللَّهُ الدِّيَارَ إِلَيْهِمْ كَمَا نَسَبَ الْأَمْوَالَ إِلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَتِ الدِّيَارُ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لَهُمْ لماكَانُوا مَظْلُومِينَ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ دُورٍ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لَهُمْ قَالَ وَلَوْ كَانَتِ الدُّورُ الَّتِي بَاعَهَا عَقِيلٌ لَا تُمَلَّكُ لَكَانَ جَعْفَرُ وَعَلِيٌّ أَوْلَى بِهَا إِذْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ دُونَهُ وَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ أَثَرُ عُمَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ وَلَا يُعَارِضُ مَا جَاءَ عَنْ نَافِع عَن بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ تُغْلَقَ دُورُ مَكَّةَ فِي زَمَنِ الْحَاجِّ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ إِنَّ عُمَرَ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَتَّخِذُوا لِدُورِكُمْ أَبْوَابًا لِيَنْزِلَ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُمَرَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِكَرَاهَة الْكِرَاءِ رِفْقًا بِالْوُفُودِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ وَآخَرُونَ وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْجِدُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ النُّسُكُ وَالصَّلَاةُ لَا سَائِرَ دُورِ مَكَّةَ.

     وَقَالَ  الْأَبْهَرِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَاخْتَلَفُوا هَلْ مُنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا لِعِظَمِ حُرْمَتِهَا أَوْ أُقِرَّتْ لِلْمُسْلِمِينَ وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِي بَيْعِ دُورِهَا وَالْكِرَاءُ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا فَخَالَفَتْ حُكْمَ غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ فِي ذَلِكَ ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ نَاشِئًا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ هُنَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ هَلْ هُوَ الْحَرَمُ كُلُّهُ أَوْ مَكَانُ الصَّلَاةِ فَقَطْ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ سَوَاءً فِي الْأَمْنِ وَالِاحْتِرَامِ أَوْ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَبِوَاسِطَةِ ذَلِكَ نَشَأَ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا قَالَ بن خُزَيْمَةَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى سَوَاءً العاكف فِيهِ والباد جَمِيعَ الْحَرَمِ وَأَنَّ اسْمَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ لَمَا جَازَ حَفْرُ بِئْرٍ وَلَا قَبْرٍ وَلَا التَّغَوُّطُ وَلَا الْبَوْلُ وَلَا إِلْقَاءُ الْجِيَفِ وَالنَّتْنِ قَالَ وَلَا نَعْلَمُ عَالِمًا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا كَرِهَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ دُخُولَ الْحَرَمِ وَلَا الْجِمَاعَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ الِاعْتِكَافُ فِي دُورِ مَكَّةَ وَحَوَانِيتِهَا وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.

قُلْتُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْحَرَمُ كُله ورد عَن بن عَبَّاس وَعَطَاء وَمُجاهد أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ وَالْأَسَانِيدُ بِذَلِكَ كُلُّهَا إِلَيْهِمْ ضَعِيفَةٌ وَسَنَذْكُرُ فِي بَابِ فَتْحِ مَكَّةَ مِنَ الْمَغَازِي الرَّاجِحَ مِنَ الْخِلَافِ فِي فَتْحِهَا صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْله البادي الطاري هُوَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ بِالْمَعْنَى وَهُوَ مُقْتَضَى مَا جَاءَ عَن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْبَادِي الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَدْوِ وَكَذَا مَنْ كَانَ ظَاهِرَ الْبَلَدِ فَهُوَ بَادٍ وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْمُقِيمَ وَالطَّارِئَ سِيَّانِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد قَالَ سَوَاءً فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ .

     قَوْلُهُ  مَعْكُوفًا مَحْبُوسًا كَذَا وَقَعَ هُنَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي آيَةِ الْفَتْحِ وَلَكِنَّ مُنَاسَبَةَ ذِكْرِهَا هُنَا .

     قَوْلُهُ  فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْعَاكِفُ وَالتَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ وَالْمُرَادُ بِالْعَاكِفِ الْمُقِيمُ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ أَرَدْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ وَأَنَا بِمَكَّةَ فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ أَنْتَ عَاكِفٌ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1586] حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ".
فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- عَلَى هَدْمِهِ.
قَالَ يَزِيدُ: وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الإِبِلِ.
قَالَ جَرِيرٌ: فَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالَ: أُرِيكَهُ الآنَ.
فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: هَا هُنَا.
قَالَ جَرِيرٌ: فَحَزَرْتُ مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا.
وبالسند قال: ( حدّثنا بيان بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم وبيان بفتح الموحدة وتخفيف التحتية وبعد الألف نون البخاري المتوفى سنة ثنتين وعشرين ومائتين قال: ( حدّثنا يزيد) من الزيادة هو ابن هارون كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه قال: ( حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي، وجرير بالجيم المفتوحة والراء المكررة بينهما تحتية قال: ( حدّثنا يزيد بن رومان) بضم الراء وسكون الواو وتخفيف الميم وبعد الألف نون غير مصروف، ويزيد من الزيادة وهو مولى آل الزبير ( عن عروة) بن الزبير بن العوّام.
قال الحافظ ابن حجر: كذا رواه الحفاظ من أصحاب يزيد بن هارون عنه، فأخرجه أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان وأحمد بن منيع في مسانيدهم عن هكذا، والنسائي عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام، والإسماعيلي من طريق هارون الجمال والزعفراني كلهم عن يزيد بن هارون، وخالفهم الحرث بن أبي أسامة فرواه عن يزيد بن هارون فقال: عن عبد الله بن الزبير بدل عروة بن الزبير، وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي الأزهر عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه، قال الإسماعيلي: إن كان أبو الأزهر ضبطه فكأن يزيد بن رومان سمعه من الآخوين.
قال الحافظ ابن حجر: قد تابعه محمد بن مشكان كما أخرجه الجوزقي عن الدغولي عنه عن وهب بن جرير ويزيد قد حمله عن الآخوين، لكن رواية الجماعة أوضح فهي أصح ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها) : ( يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية) بإضافة حديث لعهد عند جميع الرواة.
قال المطرزي: وهو لحن إذ لا يجوز حذف الواو في مثل هذا، والصواب حديثو عهد بواو الجمع كذا نقله الزركشي والحافظ ابن حجر والعيني وأقروه، وأجاب صاحب المصابيح بأنه لا لحن فيه ولا خطأ والرواية صواب وتوجه بنحو ما قالوه في قوله تعالى { ولا تكونوا أول كافر به} [البقرة: 41] حيث قالوا: إن التقدير أول فريق كافر أو فوج كافر يعنون أن مثل هذه الألفاظ مفردة بحسب اللفظ وجمع بحسب المعنى فيجوز لك رعاية لفظه تارة ومعناه أخرى كيف شئت، فانقل هذا إلى الحديث تجده ظاهرًا لا خفاء بصوابه.
وقال صاحب اللامع: قد توجه بأن فيعلاً يستعمل للمفرد والجمع والمؤنث والمذكر كما في: { إن رحمت الله قريب من المحسنين} وخرج عليه خبير بنو لهب إذا قلنا أنه خبر مقدم، فإذا صحت الرواية وجب التأويل.
( لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه) بضم الهمزة أي من الحجر ( وألزقته بالأرض) بحيث يكون بابه على وجهها غير مرتفع عنها وألزقته بالزاي كألصقته بالصاد، ( وجعلت له بابين بابًا شرقيًا) مثل الوجود الآن ( وبابًا غربيًا فبلغت به أساس إبراهيم) عليه الصلاة والسلام.
( فذلك الذي حمل ابن الزبير) عبد الله ( على هدمه) البيت.
زاد وهب وبنائه والإشارة في قوله ذلك إلى ما روته عائشة -رضي الله عنها- عنه عليه الصلاة والسلام مع عدم وجود ما كان عليه الصلاة والسلام يخافه من الفتنة وقصور النفقة كما في حديث عطاء عند مسلم بلفظ: وقال ابن الزبير: سمعت عائشة تقول: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وليسعندي من النفقة ما يقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ولجعلت له بابًا يدخل منه الناس وبابًا يخرجون منه فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس" الحديث.
( قال يزيد) : بن رومان بالإسناد السابق: ( وشهدت ابن الزبير حين هدمه) وكان قد هدمه حتى بلغ به الأرض ( و) حين ( بناه) وكان في سنة خمس وستين.
وقال الأزرقي: في نصف جمادى الآخرة سنة أربع وستين وجمع بينهما بأن الابتداء كان في سنة أربع والانتهاء في سنة خمس، وأيدوه بأن في تاريخ المسجى أن الفراغ من بناء البيت كان في سنة خمس وستين.
زاد المحب الطبري أنه كان في شهر رجب.
( وأدخل فيه من الحجر) خمسة أذرع.
قال يزيد بن رومان: ( وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل) وفي كتاب مكة للفاكهي من طريق أبي أويس عن يزيد بن رومان: فكشفوا له أي لابن الزبير عن قواعد إبراهيم وهي صخر أمثال الخلف من الإبل ورأوه بنيانًا مربوطًا بعضه ببعض.
وعند عبد الرزاق من طريق ابن سابط عن زيد: أنهم كشفوا عن القواعد فإذا الحجر مثل الخلفة والحجارة مشتبك بعضها ببعض.
وفي رواية للفاكهي عن عطاء قال: كنت في الأبناء الذين جمعوا على حفره فحفروا قامة ونصفًا فهجموا على حجارة لها عروق تتصل بزرد عروق المروة فضربوه فارتجت قواعد البيت فكبر الناس فبني عليه، وفي رواية مرثد عند عبد الرزاق فكشف عن ربض في الحجر آخذ بعضه ببعض فتركه مكشوفًا ثمانية أيام ليشهدوا عليه فرأيت ذلك الربض مثل خلف الإبل وجه ووجه حجران ووجه حجر ووجه حجران، ورأيت الرجل يأخذ العتلة فيضرب بها من ناحية الركن فيهتز الركن الآخر.
( قال جرير) : هو ابن حازم المذكور ( فقلت له) أي ليزيد بن رومان: ( أين موضعه) أي الأساس؟ ( قال: أريكه الآن فدخلت معه الحجر فأشار إلى مكان) منه ( فقال: هاهنا.
قال جرير: فحزرت)
بتقديم الزاي على الراء المهملة أي قدرت ( من الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم ( ستة أذرع) بالذال المعجمة جمع ذراع، ولأبي ذر: ست أذرع ( أو نحوها) .
قال في المصابيح: والسبب في كونه حرز ذلك ولم يقطع به أن المنقول أنه لم يكن حول البيت حائط يحجز الحجر من سائر المسجد حتى حجزه عمر بالبنيان ولم ينبه على الجدر الذي كان علامة على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن زاد ووسع قطعًا للشك، وصار الجدر في داخل التحجيز فلذلك حرز جرير ولم يقطع اهـ.
وهذا نقله المهلب عن ابن أبي زيد بلفظ: إن حائط الحجر لم يكن مبنيًا في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر حتى كان عمر فبناه قطعًا للشك، وفيه نظر لأن هذا إنما هو في حائط المسجد لا في الحجر ولم يزل الحجر موجودًا في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يصرح به كثير من الأحاديث الصحيحة، وهل الصحيح أن الحجر كله من البيت حتى لا يصح الطواف في جزء منه أو بعضه؟ فيصح جزم النووي بالأول كابن الصلاح لحديث الصحيحين: الحجر من البيت، وأبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين والبغوي بالثاني.
وقال الرافعي: إنه الصحيح لحديث الباب وحديث مسلم عن الحرث عن عائشة: فإن لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه قريبًا من سبعة أذرع.
وله من طريق سعيد بن مينا عن عبد الله بن الزبير عنها: وزدت فيه ستة أذرع، ولسفيان بن عيينة في جامعه أن ابن الزبير زاد ستة أذرع مما يلي الحجر، وله أيضًا ستة أذرع وشبر، لكن قال ابن الصلاح منتصرًا لما ذهب إليه: اضطربت الروايات في ذلك ففي الصحيحين: الحجر من البيت، وروى ستة أذرع، وروي ست أو نحوها، وروي خمس، وروي قريبًا من سبع وحينئذ يتعين الأخذ بأكثرها ليسقط الفرض بيقين.
وقال الحافظ زين الدين العراقي في شرح سنن أبي داود: ظاهر نص الشافعي في المختصر أن الحجر كله من البيت وهو مقتضى كلام جماعة من أصحابه، وقال النووي: إنه الصحيح وبه قطع جماهير أصحابنا وقال هذا هو الصواب.
وتعقب بأن الجمع بين المختلف منالأحاديث ممكن وهو أولى من دعوى الاضطراب والطعن في الروايات المقيدة لأجل الاضطراب، لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح أو الجمع ولم يتعذر ذلك هنا فيتعين حمل المطلق على المقيد، وإطلاق اسم الكل على البعض سائغ مجازًا وحينئذ فالرواية التي جاء فيها أن الحجر من البيت مطلقة فيحمل المطلق منها على المقيد، ولم تأت رواية صريحة بأن جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت، وإنما قال النووي: ذلك نصرة لما صححه أن جميع الحجر من البيت، وعمدته في ذلك أن الشافعي نص على إيجاب الطواف خارج الحجر، ونقل ابن عبد البر الاتفاق عليه، لكن لا يلزم منه أن يكون كله من البيت فقد نص الشافعي كما ذكره البيهقي في المعرفة أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع، ونقله عن عدة من أهل العلم من قريش لقيهم، فيحتمل أن يكون رأي إيجاب الطواف من ورائه احتياطًا ولأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما طاف خارجه وقد قال: "خذوا عني مناسككم" وكما لا يصح الطواف داخل البيت لا يصح داخل جزء منه فلا يصح على الشاذروان بفتح الذال المعجمة وهو الخارج عن عرض جدار البيت مرتفعًا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع تركته قريش لضيق النفعة، فلو كان في الطواف ومس جدار البيت في موازاة الشاذروان لا يصح على الأصح لأن بعض بدنه في البيت، والصحيح من مذهب الحنابلة لا يجزئه وقطعوا به.
وعند الشيخ تقي الدين بن تيمية: إنه ليس من الكعبة فعلى الأول لو الجدار بيده في موازاة الشاذروان صح لأن معظمه خارج البيت قال: في الرعاية الكبرى: لكن قال المرداوي: ويحتمل عدم الصحة.
وقال الحنفية: يصح طواف من لم يحترز منه، لكن قال العلامة ابن الهمام: وينبغي أن يكون طوافه وراء الشاذروان لئلا يكون طوافه في البيت بناء على أنه منه.
وقال الكرماني من الحنفية: الشاذروان ليس من البيت عندنا، وعند الشافعي منه حتى لا يجوز الطواف عليه، والقول قوّلنا لأن الظاهر أن البيت هو الجدار المرئي قائمًا إلى أعلاه اهـ.
ومشهور مذهب المالكية كالشافعية، وعبارة الشيخ بهرام: ومن واجبات الطواف أن يطوف وجميع بدنه خارج عن شاذروان البيت وهو البناء المحدودب الذي في جدار البيت وأسقط من أساسه ولم يرفع على استقامته اهـ.
ونحوه قال الشيخ خليل في التوضيح: لكن نازع الخطيب أبو عبد الله بن رشيد بضم الراء وفتح المعجمة في رحلته في ذلك محتجًا بما حاصله أن لفظ الشاذروان لم يوجد في حديث صحيح ولا سقيم ولا عن أحد من السلف ولا ذكر له عن فقهاء المالكية إلا ما وقع في الجواهر لابن شاس، وتبعه ابن الحاجب وهو بلا شك منقول من كتب الشافعية، وأقدم من ذكر ذلك منهم المزني ومن ذكره منهم كابن الصلاح والنووي مقربان اليمانيين على قواعد إبراهيم والآخرين ليسا عليها، فلو كان الشاذروان من البيت لكان الركن الأسود داخلاً في البيت ولم يكن متممًا على قواعد إبراهيم، فمن أين نشأ الشاذروان وقد انعقد الإجماع على أن المبيت متمم على قواعد إبراهيم من جهة الركنين اليمانيين، ولذلك استلمهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون الآخرين، وأن ابن الزبير لما هدمه حتى بلغ به الأرض وبناه على قواعد إبراهيم إنما زاد فيه من جهة الحجر وأقامه على الأسس الظاهرة التي عاينها العدول من الصحابة وكبراء التابعين، وأن الحجاج لما نقض البيت بأمر عبد الملك لم ينقضه إلا من جهة الحجر خاصة، وهذا أمر معلوم مقطوع به مجمع عليه منقول بالسند الصحيح في الكتب المعتمدة التي لا يشك فيها أحد، وهو يرد قول ابن الصلاح: إن قريشًا لما رفعوا الأساس بمقدار ثلاثة أصابع من وجه الأرض وهو القدر الظاهر الآن من الشاذروان الأصلي قبل تزليقه نقصوا عرض الجدار عن عرض الأساس الأول.
قال ابن رشيد: وكيف يقال أن هذا القدر الظاهر نقصته قريش من عرض الجدار، وهل بقي لبناء قريش أثر؟ فالسهو والغلط فيما نقله ابن الصلاح مقطوع به، ولعل ابن الصلاح نقله عن التاريخيين، وإلا فهذا لم يأت في خبر صحيح ولا روي من قول صاحب يصحسنده، ولو صح لاشتهر ونقل، وإنما وضع هذا البناء حول البيت ليقيه السيول كما قاله ابن عبد ربه في كتاب العقد في صفة الكعبة.
وقال ابن تيمية أنه جعل عماد البيت وأيّده بأن داخل الحجر تحت حائط الكعبة الشاذروان فيكون هذا الشاذروان نظير الشاذروان الذي هو خارج البيت ولم يقل أحد أن هذا في الحجر له حكم الشاذروان الخارج ولا أنه عماد وأن الخارج شاذروان فكون هذا الشاذروان مراعى في الطواف لا دليل عليه، ومثل هذا لا يثبت إلا بالإجماع الصحيح المتواتر النقل اهـ.
وأقول قول ابن رشيد: إنه لم يوجد لفظ الشاذروان عن أحد من السلف، ونسبه ابن الصلاح إلى السهو والغلط فيما نقله من ذلك يقال عليه هذا الإمام الأعظم الشافعي قد قال ذلك فيما نقله عنه البيهقي في كتابه معرفة السنن والأخبار، وعبارته قال الشافعي: فكل طواف طافه على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جداره فكما لم يطف.
قال الشافعي: أما الشاذروان فأحسبه مبنيًا على أساس الكعبة ثم يقتصر بالبنيان عن استيطافه، ولا ريب أن الشافعي من أجل السلف ثم إنه لا يلزم من كونه عليه الصلاة والسلام كان يستلم الركنين اليمانيين عدم وجود الشاذروان ووجوده ليس مانعًا من استلامهما لصدق القول بأنهما على القواعد، وليس فيما نقله ابن رشيد تصريح بأن ابن الزبير وضع البناء على أساس إبراهيم عليه السلام بحيث لم يبق شيئًا مما يسمى شاذرون، ولا وقفت على ذلك في شيء من الروايات، فيحتمل أن يكون الأمر كذلك وأن يكون على حد بناء قريش فأبقي ما قيل أنهم أبقوه، وإذا احتمل الأمر واحتمل سقط الاستدلال به.
نعم هدم ابن الزبير لجميع البيت الظاهر منه أنه كان ليعيده على القواعد بحيث لم يترك شيئًا منها خارجًا عن الجدار من جميع جوانبه وإلا فلو كان غرضه إعادة ما نقصته قريش من جهة الحجر فقط لاكتفى بهدم ذلك فهدمه لجميعه وإعادته لا بد وأن يكون لغرض صحيح، وليس ثم سوى إعادته على بناء الخليل من غير أن يترك منه شيئًا، لكن روى مسلم في صحيحه عن عطاء قال: احترق البيت زمن يزيد بن معاوية قال ابن الزبير: يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها.
قال ابن عباس: إني أرى أن تصلح ما وهى منها وتدع بيتًا أسلم الناس عليه وأحجارًا أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال ابن الزبير: لو أن أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدده فكيف ببيت ربكم إني مستخير ربي ثلاثًا ثم عازم على أمر، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها الحديث.
فلم يقل أني أريد إعادته على قواعد إبراهيم بل قال جوابًا لابن عباس حيث قال: إني أرى أن تصلح ما وهى لو أن أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدده ففيه مع ما قبله إشعار بأن الداعي له على الهدم والبناء زيادة ما نقصته قريش من البيت من جهة الحجر وما وهى بسبب الحريق فلم يتعين أن الهدم كان متمحضًا لإعادتها كلها على القواعد بحيث لا يترك منها شيئًا، ولم أر في شيء من الأحاديث التصريح بأن قريشًا أبقت من الأساس ما يسمى شاذروان، بل السياق مشعر بالتخصيص بالحجر فليتأمل.
وهذا الحديث من علامات النبوة حيث أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة بذلك فكان الذي تولى نقضها وبناءها ابن اختها ابن الزبير ولم ينقل أنه قال ذلك لغيرها من الرجال والنساء، ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لها: فإن بدا لقومك أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبًا من سبعة أذرع رواه مسلم في صحيحه.
43 - باب فَضْلِ الْحَرَمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى [النمل: 91] { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَىْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَىْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [القصص: 57] .
( باب فضل الحرم) المكي وهو ما أحاط بمكة وأطاف بها من جوانبها جعل الله تعالى له حكمها في الحرمة تشريفًا لها، وسمي حرمًا لتحريم الله تعالى فيه كثيرًا مما ليس بمحرم في غيره من المواضع، وحده من طريق المدينة عند التنعيم على ثلاثة أميال من مكة، وقيل أربعة ومن طريق اليمن طرف أضاة لبن بفتح الهمزة والضاد المعجمة.
ولبن: بكسر اللام وسكون الموحدة على ستة أميال من مكة، وقيل سبعة ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال بتقديم المثناة الفوقية على السين ومن طريق الطائف على عرفات منبطن نمرة سبعة أميال، وقيل ثمانية.
ومن طريق جدة عشرة أميال.
وقال الرافعي: هو من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن العراق على سبعة، ومن الجعرانة على تسعة، ومن الطائف على سبعة، ومن جدة على عشرة وقد نظم ذلك بعضهم فقال: وللحرم التحديد من أرض طيبة ...
ثلاثة أميال إذا رمت اتقانه وسبعة أميال عراق وطائف ...
وجدة عشر ثم تسع جعرانه وزاد أبو الفضل النويري هنا بيتين فقال: ومن يمن سبع بتقديم سينها ...
فسل ربك الوهاب يرزقك غفرانه وقد زيد في حد لطائف أربع ...
ولم يرض جمهور لذا القول رجحانه وقال ابن سراقة في كتابه الإعداد: والحرم في الأرض موضع واحد وهو مكة وما حولها ومسافة ذلك ستة عشر ميلاً في مثلها وذلك بريد واحد وثلث على الترتيب، والسبب في بُعد بعض الحدود وقرب بعضها ما قيل إن الله تعالى لما أهبط على آدم بيتًا من ياقوتة أضاء له ما بين المشرق والمغرب فنفرت الجن والشياطين ليقربوا منها فاستعاذ منهم بالله وخاف على نفسه منهم، فبعث الله ملائكة فحفوا بمكة فوقفوا مكان الحرم، وذكر بعض أهل الكشف والمشاهدات أنهم يشاهدون تلك الأنوار واصلة إلى حدود الحرم فحدود الحرم موضع وقوف الملائكة، وقيل: إن الخليل لما وضع الحجر الأسود في الركن أضاء له نور وصل إلى أماكن الحدود فجاءت الشياطين فوقفت عند الأعلام فبناها الخليل عليه السلام حاجزًا.
رواه مجاهد عن ابن عباس، وعنه أن جبريل عليه السلام أرى إبراهيم عليه السلام موضع أنصاب الحرم فنصبها، ثم جددها إسماعيل عليه السلام، ثم جددها قصي بن كلاب، ثم جددها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما ولي عمر -رضي الله عنه- بعث أربعة من قريش فنصبوا أنصاب الحرم، ثم جددها معاوية -رضي الله عنه-، ثم عبد الملك بن مروان.
( وقوله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة ( { إنما أمرت} ) أي قل لهم يا محمد إنما أمرت ( { أن أعبد رب هذه البلدة} ) مكة ( { الذي حرمها} ) لا يسفك فيها دم حرام ولا يظلم فيها أحد ولا يهاج صيدها ولا يختلى خلاها، وتخصيص مكة بهذه الأوصاف تشريف لها وتعظيم لشأنها والذي بالذال في موضع نصب نعت لرب ( { وله كل شيء} ) البلدة وغيرها خلقًا وملكًا ( { وأمرت أن أكون من المسلمين} ) [النمل: 91] المنقادين الثابتين على الإسلام، ووجه تعلق هذه الآية بالترجمة من حيث أنه اختصها من بين جميع البلاد بإضافة اسمه إليها لأنها أحب بلاده إليه وأكرمها عليه وموطن نبيه ومهبط وحيه.
( وقوله جل ذكره) بالجر عطفًا على السابق ( { أو لم نمكن لهم حرمًا آمنًا} ) أو لم نجعل مكانهم حرمًا ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه ( { يجبى إليه} ) يحمل إليه ويجمع فيه ( { ثمرات كل شيء رزقًا من لدنا} ) مصدر من معنى يجبى لأنه في معنى يرزق أو مفعول له أو حال بمعنى مرزوقًا من ثمرات، وجاز لتخصيصها بالإِضافة أي إذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف يعترضهم التخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد.
( { ولكن أكثرهم لا يعلمون} ) [القصص: 57] جهلة لا يتفكّرون هذه النعم التي خصوا بها.
وروى النسائي أن الحرث بن عامر بن نوفل قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا فأنزل الله تعالى ردًّا عليه { أولم نمكن لهم حرمًا آمنًا} الآية.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :1521 ... غــ :1586] حَدثنَا يزِيد هُوَ بن هَارُونَ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُرْوَةَ كَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مَسَانِيدِهِمْ عَنْهُ هَكَذَا وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ الْجَمَّالِ وَالزَّعْفَرَانِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَخَالَفَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فَرَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بَدَلَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَزْهَرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِنْ كَانَ أَبُو الْأَزْهَرِ ضَبَطَهُ فَكَأَنَّ يَزِيدَ بْنَ رُومَانَ سَمِعَهُ مِنَ الْأَخَوَيْنِ.

.

قُلْتُ قَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُشْكَانَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ عَنِ الدَّغُولِيِّ عَنْهُ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَيَزِيدُ قَدْ حَمَلَهُ عَنِ الْأَخَوَيْنِ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ أَوْضَحُ فَهِيَ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  حَدِيثُ عَهْدٍ كَذَا لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ بِالْإِضَافَةِ.

     وَقَالَ  الْمُطَرِّزِيُّ لَا يَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ فِي مِثْلِ هَذَا وَالصَّوَابُ حَدِيثُو عَهْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ بن الزُّبَيْرِ عَلَى هَدْمِهِ زَادَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ وَبِنَائِهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ يَزِيدُ هُوَ بن رُومَان بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله وَشهِدت بن الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ إِلَى قَوْلِهِ كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مُخْتَصَرًا وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَاضِحًا فَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهُ أَهْلُ الشَّامِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ وَلِلْفَاكِهِيِّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَغَيْرُهُ قَالُوا لَمَّا أَحْرَقَ أَهْلُ الشَّامِ الْكَعْبَةَ وَرَمَوْهَا بِالْمَنْجَنِيقِ وَهَتِ الْكَعْبَةُ وَلِابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ ارْتَحَلَ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ يَعْنِي الْأَمِيرَ الَّذِي كَانَ يُقَاتل بن الزُّبَيْرِ مِنْ قِبَلِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَتَاهُمْ مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي رَبِيعٍ الآخر سنة أَربع وَسِتِّينَ قَالَ فَأمر بن الزُّبَيْرِ بِالْخُصَاصِ الَّتِي كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَهُدِمَتْ فَإِذَا الْكَعْبَةُ تَنْفُضُ أَيْ تَتَحَرَّكُ مُتَوَهِّنَةٌ تَرْتَجُّ مِنْ أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلِهَا فِيهَا أَمْثَالُ جُيُوبِ النِّسَاءِ مِنْ حِجَارَةِ الْمَنْجَنِيقِ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ جَيْشُ الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ أَحْرَقَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى بَابِ بَنِي جِمْحٍ وَفِي الْمَسْجِدِ يَوْمَئِذٍ خِيَامٌ فَمَشَى الْحَرِيقُ حَتَّى أَخَذَ فِي الْبَيْتِ فَظَنَّ الْفَرِيقَانِ أَنَّهُمْ هَالِكُونَ وَضَعُفَ بِنَاءُ الْبَيْتِ حَتَّى إِنَّ الطَّيْرَ لَيَقَعُ عَلَيْهِ فَتَتَنَاثَرُ حِجَارَتُهُ وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ حَضَرَ ذَلِكَ قَالَ كَانَتِ الْكَعْبَةُ قَدْ وَهَتْ مِنْ حَرِيقِ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ فَهَدمهَا بن الزبير فَتَركه بن الزُّبَيْرِ حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يَحْزُبَهُمْ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ الْحَدِيثَ وَلِابْنِ سعد من طَرِيق بن أبي مليكَة قَالَ لم يبن بن الزُّبَيْرِ الْكَعْبَةَ حَتَّى حَجَّ النَّاسُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ ثُمَّ بَنَاهَا حِينَ اسْتَقْبَلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَحُكِيَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْأَثْبَتُ عِنْدِي أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِنَاءَهَا بَعْدَ رَحِيلِ الْجَيْشِ بِسَبْعِينَ يَوْمًا وَجَزَمَ الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي نِصْفِ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.

.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَامْتَدَّ أَمَدُهُ إِلَى الْمَوْسِمِ لِيَرَاهُ أَهْلُ الْآفَاقِ لِيُشَنِّعَ بِذَلِكَ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي تَارِيخِ الْمُسَبِّحِيِّ أَنَّ الْفَرَاغَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَزَادَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْجَمْعُ مَقْبُولًا فَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ وَذكر مُسلم فِي رِوَايَة عَطاء إِشَارَة بن عَبَّاس عَلَيْهِ بِأَن لَا يفعل وَقَول بن الزُّبَيْرِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ بَنَاهُ حَتَّى يُجَدِّدَهُ وَأَنَّهُ اسْتَخَارَ اللَّهَ ثَلَاثًا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا قَالَ فَتَحَامَاهُ النَّاسُ حَتَّى صَعَدَ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ حَتَّى بلغُوا بِهِ الأَرْض وَجعل بن الزبير أعمدة فَسَتَرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ.

     وَقَالَ  بْنِ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سابُورَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ خَرَجْنَا إِلَى مِنًى فَأَقَمْنَا بهَا ثَلَاثًا نَنْتَظِر الْعَذَاب وارتقى بن الزُّبَيْرِ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ هُوَ بِنَفْسِهِ فَهَدَمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ عَزَلَ مَا كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يُعَادَ فِي الْبَيْتِ فَبَنَوْا بِهِ فَنَظَرُوا إِلَى مَا كَانَ لَا يَصْلُحُ مِنْهَا أَنْ يَبْنِيَ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَيُدْفَنَ وَاتَّبَعُوا قَوَاعِدَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ نَحْوِ الْحِجْرِ فَلَمْ يُصِيبُوا شَيْئا حَتَّى شقّ على بن الزبير ثمَّ أدركوها بعد مَا أَمْعَنُوا فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَشَفُوا لَهُ عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَهِيَ صَخْرٌ أَمْثَالُ الْخَلْفِ مِنَ الْإِبِلِ فَانْفَضُّوا لَهُ أَيْ حَرَّكُوا تِلْكَ الْقَوَاعِدَ بِالْعُتُلِّ فَنَفَضَتْ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ وَرَأَوْهُ بُنْيَانًا مَرْبُوطًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ ثُمَّ أُحْضِرَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِوُجُوهِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ فَنَزَلُوا حَتَّى شَاهَدُوا مَا شَاهَدُوهُ وَرَأَوْا بُنْيَانًا مُتَّصِلًا فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَكَانَ طول الْكَعْبَة ثَمَان عشرَة ذِرَاعا فَزَاد بن الزُّبَيْرِ فِي طُولِهَا عَشْرَةَ أَذْرُعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ طُولُهَا عِشْرِينَ ذِرَاعًا فَلَعَلَّ رَاوِيهِ جَبَرَ الْكَسْرَ وَجَزَمَ الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ تِسْعَةُ أَذْرُعٍ فَلَعَلَّ عَطَاءً جَبَرَ الْكَسْرَ أَيْضًا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ بن سَابِطٍ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُمْ كَشَفُوا عَنِ الْقَوَاعِدِ فَإِذَا الْحِجْرُ مِثْلُ الْخِلْفَةِ وَالْحِجَارَةُ مُشَبَّكَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ كُنْتُ فِي الْأُمَنَاءِ الَّذِينَ جَمَعُوا عَلَى حَفْرِهِ فَحَفَرُوا قَامَةً وَنِصْفًا فَهَجَمُوا عَلَى حِجَارَةٍ لَهَا عُرُوقٌ تَتَّصِلُ بِزَرْدِ عِرْقِ الْمَرْوَةِ فَضَرَبُوهُ فَارْتَجَّتْ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ فَكَبَّرَ النَّاسُ فَبَنَى عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ مَرْثَدٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَكَشَفَ عَنْ رَبَضٍ فِي الْحِجْرِ آخِذٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَتَرَكَهُ مَكْشُوفًا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ فَرَأَيْتُ ذَلِكَ الرَّبْضَ مِثْلَ خَلْفِ الْإِبِلِ وَجْهٌ حَجَرٌ وَوَجْهٌ حَجَرَانِ وَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الْعَتَلَةَ فَيَضْرِبُ بِهَا مِنْ نَاحِيَةِ الرُّكْنِ فَيَهْتَزُّ الرُّكْنُ الْآخَرُ قَالَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ الَّتِي فِي الْعِلْمِ فَفَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَنَقَضَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَنَحْوُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مُوسَى بن ميسرَة أَنه دخل الْكَعْبَة بعد مَا بناها بن الزُّبَيْرِ فَكَانَ النَّاسُ لَا يَزْدَحِمُونَ فِيهَا يَدْخُلُونَ مِنْ بَابٍ وَيَخْرُجُونَ مِنْ آخَرَ فَصْلٌ لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قِصَّةَ تَغْيِيرِ الْحَجَّاجِ لما صنعه بن الزُّبَيْرِ وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ قَالَ فَلَمَّا قتل بن الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَان يُخبرهُ أَن بن الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَهُ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَيْهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْملك إِنَّا لسنا من تلطيخ بن الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ.

.
وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ وَسُدَّ بَابَهُ الَّذِي فَتَحَهُ فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَبَادَرَ يَعْنِي الْحَجَّاجَ فَهَدَمَهَا وَبَنَى شِقَّهَا الَّذِي يَلِي الْحِجْرَ وَرَفَعَ بَابَهَا وَسَدَّ الْبَابَ الْغَرْبِيَّ قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ نَدِمَ عَلَى إِذْنِهِ لِلْحَجَّاجِ فِي هَدْمِهَا وَلُعِنَ الْحَجَّاجُ وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَابُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فَرد الَّذِي كَانَ بن الزُّبَيْرِ أَدْخَلَ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَدِدْنَا أَنَّا تَرَكْنَا أَبَا خُبَيْبٍ وَمَا تَوَلَّى مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ قِصَّةَ نَدم عبد الْملك على ذَلِكَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ عَطَاءٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَفَدَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي خِلَافَتِهِ فَقَالَ مَا أَظُنُّ أَبَا خبيب يَعْنِي بن الزُّبَيْرِ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا فَقَالَ الْحَارِثُ بَلَى أَنَا سمعته مِنْهَا زَاد عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ فِيهِ وَكَانَ الْحَارِثُ مُصَدَّقًا لَا يُكَذَّبُ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ.

     وَقَالَ  وَدِدْتُ أَنِّي تركته وَمَا تَحَمَّلَ وَأَخْرَجَهَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَزَعَةَ قَالَ بَيْنَمَا عَبْدُ الْمَلِكِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ قَاتل الله بن الزُّبَيْرِ حَيْثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ بِهَذَا فَقَالَ لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَن أهدمه لتركته على بِنَاء بن الزُّبَيْرِ تَنْبِيهٌ جَمِيعُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي جَمَعَتْهَا هَذِهِ الْقِصَّة متفقة على ان بن الزُّبَيْرِ جَعَلَ الْبَابَ بِالْأَرْضِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ الَّذِي زَادَهُ عَلَى سَمْتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ جُمْلَةَ مَا غَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ الْجِدَارُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْحِجْرِ وَالْبَابُ الْمَسْدُودُ الَّذِي فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ عَنْ يَمِينِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَمَا تَحْتَ عَتَبَةِ الْبَابِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّ الْمُشَاهَدَ الْآنَ فِي ظَهْرِ الْكَعْبَةِ بَابٌ مَسْدُودٌ يُقَابِلُ الْبَابَ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ فِي الِارْتِفَاعِ مِثْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ الَّذِي كَانَ على عهد بن الزُّبَيْرِ لَمْ يَكُنْ لَاصِقًا بِالْأَرْضِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَاصِقًا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ لَكِنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا غَيَّرَهُ رَفَعَهُ وَرَفَعَ الْبَابَ الَّذِي يُقَابِلُهُ أَيْضًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَدَّ الْبَابَ الْمُجَدَّدَ لَكِنْ لَمْ أَرَ النَّقْلَ بِذَلِكَ صَرِيحًا وَذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ أَنَّهُ شَاهَدَ هَذَا الْبَابَ الْمَسْدُودَ مِنْ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فَإِذَا هُوَ مُقَابِلٌ بَابَ الْكَعْبَةِ وَهُوَ بِقَدْرِهِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَإِذَا فِي أَعْلَاهُ كَلَالِيبُ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي الْبَاب الْمَوْجُود سَوَاء فَالله أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَحَزَرْتُ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ أَيْ قَدَّرْتُ .

     قَوْلُهُ  سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وَأَنَّهَا أَرْجَحُ الرِّوَايَاتِ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ مِنْهَا مُمْكِنٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الِاضْطِرَابِ وَالطَّعْنِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُقَيَّدَةِ لأجل الِاضْطِرَاب كَمَا جنح إِلَيْهِ بن الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ شَرْطَ الِاضْطِرَابِ أَنْ تَتَسَاوَى الْوُجُوهُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ التَّرْجِيحُ أَوِ الْجَمْعُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ هُنَا فَيَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا هِيَ قَاعِدَةُ مَذْهَبِهِمَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ وَالْمُقَيَّدَةَ مُتَوَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ قُرَيْشًا قَصَّرُوا عَنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَن بن الزُّبَيْرِ أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَّ الْحَجَّاجَ أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ قُرَيْشٍ وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ قَطُّ صَرِيحَةٌ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْبَيْتِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي فِي الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ قَدْرُ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا أَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ مُطْلَقَةٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَإِنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ سَائِغٌ مَجَازًا وَإِنَّمَا قَالَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ نُصْرَةً لِمَا رَجَّحَهُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ وَعُمْدَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى إِيجَابِ الطّواف خَارج الْحجر وَنقل بن عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ طَافَ مِنْ دَاخِلِ الْحِجْرِ وَكَانَ عَمَلًا مُسْتَمِرًّا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ وَهَذَا مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ إِيجَابِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَائِهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الَّذِي فِي الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَنَقَلَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ لَقِيَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ رَأَى إِيجَابَ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ احْتِيَاطًا.

.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الْإِيجَابِ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ فَعَلُوهُ اسْتِحْبَابًا لِلرَّاحَةِ مِنْ تَسَوُّرِ الْحِجْرِ لَا سِيَّمَا وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَطُوفُونَ جَمِيعًا فَلَا يُؤْمَنُ مِنَ الْمَرْأَةِ التَّكَشُّفُ فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا حَسْمَ هَذِهِ الْمَادَّةَ وَأما مَا نَقله الْمُهلب عَن بن أَبِي زَيْدٍ أَنَّ حَائِطَ الْحِجْرِ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَاهُ وَوَسَّعَهُ قَطْعًا لِلشَّكِّ وَأَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ حَوْلَ الْبَيْتِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَنَّ عُمْدَتَهُ فِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ بِلَفْظِ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ حَائِطٌ كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ الْبَيْتِ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا جدره قَصِيرَة فبناه بن الزُّبَيْرِ انْتَهَى وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ لَا فِي الْحِجْرِ فَدَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى قَائِلِهِ مِنْ هُنَا وَلَمْ يَزَلِ الْحِجْرُ مَوْجُودًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ نَعَمْ فِي الْحُكْمِ بِفَسَادِ طَوَافِ مَنْ دَخَلَ الْحِجْرَ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ نَظَرٌ وَقَدْ قَالَ بِصِحَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ كَأَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عَرْضَ مَا بَيْنَ الْمِيزَابِ وَمُنْتَهَى الْحِجْرِ سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْهَا عَرْضُ جِدَارِ الْحِجْرِ ذِرَاعَانِ وَثُلُثٌ وَفِي بَطْنِ الْحِجْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَعَلَى هَذَا فَنِصْفُ الْحِجْرِ لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ فَلَا يَفْسُدُ طَوَافُ مَنْ طَافَ دُونَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُهَلَّبِ إِنَّ الْفَضَاءَ لَا يُسَمَّى بَيْتًا وَإِنَّمَا الْبَيْتُ الْبُنْيَانُ لِأَنَّ شَخْصًا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَانْهَدَمَ ذَلِكَ الْبَيْتُ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فَلَيْسَ بِوَاضِحٍ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ مِنَ الطَّوَافِ مَا شُرِعَ لِلْخَلِيلِ بِالِاتِّفَاقِ فَعَلَيْنَا أَنْ نَطُوفَ حَيْثُ طَافَ وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِانْهِدَامِ حَرَمِ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا يَسْقُطُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِفَوَاتِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ فَحُرْمَةُ الْبُقْعَةِ ثَابِتَةٌ وَلَوْ فُقِدَ الْجِدَارُ.

.
وَأَمَّا الْيَمِينُ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْعُرْفِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَوِ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ فَنُقِلَتْ حِجَارَتُهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ بَقِيَتْ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ بِالْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا وَلَا حُرْمَةَ لِتِلْكَ الْحِجَارَةِ الْمَنْقُولَةِ إِلَى غَيْرِ مَسْجِدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ أَصْلٌ لِلْجِدَارِ بِخِلَافِ الْعَكْس أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ وَفِي حَدِيثِ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ تَرْكُ بَعْضِ الِاخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ عَنْهُ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ فِي عِبَارَتِهِ الْمُسْتَحَبُّ وَفِيهِ اجْتِنَابُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَا يَتَسَرَّعُ النَّاسُ إِلَى إِنْكَارِهِ وَمَا يُخْشَى مِنْهُ تَوَلُّدُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا وَتَأَلُّفُ قُلُوبِهُمْ بِمَا لَا يُتْرَكُ فِيهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَأَنَّهُمَا إِذَا تَعَارَضَا بُدِئَ بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَأَنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا أُمِنَ وُقُوعُهَا عَادَ اسْتِحْبَابُ عَمَلِ الْمَصْلَحَةِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ مَعَ أَهْلِهِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَحِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَكْمِيل حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الرَّشِيدِ أَوِ الْمَهْدِيِّ أَوِ الْمَنْصُورِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعِيد الْكَعْبَة على مَا فعله بن الزُّبَيْرِ فَنَاشَدَهُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَخْشَى أَنْ يَصِيرَ مَلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ فَتَرَكَهُ.

.

قُلْتُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ خَشْيَةُ جَدِّهِمُ الْأَعْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَأَشَارَ على بن الزُّبَيْرِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ الْكَعْبَةَ وَيُجَدِّدَ بِنَاءَهَا بِأَنْ يَرُمَّ مَا وَهَى مِنْهَا وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ.

     وَقَالَ  لَهُ لَا آمَنُ أَنْ يَجِيءَ مِنْ بَعْدِكَ أَمِيرٌ فَيُغَيِّرَ الَّذِي صَنَعْتَ أَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْهُ وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ هَمَّ بِنَقْضِ مَا فَعَلَهُ الْحَجَّاجُ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أَبِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّوَارِيخِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ وَلَا مَنْ دُونَهُمْ غَيَّرَ مِنَ الْكَعْبَةِ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ إِلَى الْآنَ إِلَّا فِي الْمِيزَابِ وَالْبَابِ وَعَتَبَتِهِ وَكَذَا وَقَعَ التَّرْمِيمُ فِي جِدَارِهَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَفِي سَقْفِهَا وَفِي سُلَّمِ سَطْحِهَا وَجُدِّدَ فِيهَا الرُّخَامُ فَذَكَرَ الْأَزْرَقِيّ عَن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ فَرَشَهَا بِالرُّخَامِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَوَقَعَ فِي جِدَارِهَا الشَّامِيِّ تَرْمِيمٌ فِي شُهُورِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ ثُمَّ فِي شُهُورِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ فِي شُهُورِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ ثُمَّ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَقَدْ تَرَادَفَتِ الْأَخْبَارُ الْآنَ فِي وَقْتِنَا هَذَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَنَّ جِهَةَ الْمِيزَابَ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَرْمِيمٍ فَاهْتَمَّ بِذَلِكَ سُلْطَانُ الْإِسْلَامِ الْمَلِكُ الْمُؤَيَّدُ وَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُسَهِّلَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ حَجَجْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَتَأَمَّلْتُ الْمَكَانَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ فِي تِلْكَ الْبَشَاعَةِ وَقَدْ رُمِّمَ مَا تَشَعَّثَ مِنَ الْحَرَمِ فِي أَثْنَاءِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى أَنْ نَقَضَ سَقْفَهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ عَلَى يَدَيْ بَعْضِ الْجُنْدِ فَجَدَّدَ لَهَا سَقْفًا وَرَخَّمَ السَّطْحَ فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ صَارَ الْمَطَرُ إِذَا نَزَلَ يَنْزِلُ إِلَى دَاخِلِ الْكَعْبَةِ أَشَدَّ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا فَأَدَّاهُ رَأْيُهُ الْفَاسِدُ إِلَى نَقْضِ السَّقْفِ مَرَّةً أُخْرَى وَسَدِّ مَا كَانَ فِي السَّطْحِ مِنَ الطَّاقَاتِ الَّتِي كَانَ يَدْخُلُ مِنْهَا الضَّوْءُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ امْتِهَانُ الْكَعْبَةِ بَلْ صَارَ الْعُمَّالُ يَصْعَدُونَ فِيهَا بِغَيْرِ أَدَبٍ فَغَارَ بَعْضُ الْمُجَاوِرِينَ فَكَتَبَ إِلَى الْقَاهِرَةِ يَشْكُو ذَلِكَ فَبَلَغَ السُّلْطَانَ الظَّاهِرَ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِذَلِكَ وَجَهَّزَ بَعْضَ الْجُنْدِ لِكَشْفِ ذَلِكَ فَتَعَصَّبَ لِلْأَوَّلِ بَعْضُ مَنْ جَاوَرَ وَاجْتَمَعَ الْبَاقُونَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً فَكَتَبُوا مَحْضَرًا بِأَنَّهُ مَا فَعَلَ شَيْئًا إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنْهُمْ وَأَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ مَصْلَحَةٌ فَسَكَنَ غَضَبُ السُّلْطَانِ وَغَطَّى عَنْهُ الْأَمْرَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ وَهُوَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ قَبْلَ الْأَلِفِ وَبَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ يَعْنِي الْكَعْبَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا فَإِذا ضيعوا ذَلِك هَلَكُوا أخرجه أَحْمد وبن مَاجَهْ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْأَمْنَ مِنَ الْفِتَنِ بِحِلْمِهِ وَكَرَمِهِ وَمِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقِ الِاحْتِيَاجُ فِي الْكَعْبَةِ إِلَى الْإِصْلَاحِ إِلَّا فِيمَا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ إِمَّا مِنَ الْجِدَارِ الَّذِي بَنَاهُ فِي الْجِهَةِ الشَّامِيَّةِ وَإِمَّا فِي السُّلَّمِ الَّذِي جَدَّدَهُ لِلسَّطْحِ وَالْعَتَبَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فَإِنَّمَا هُوَ لِزِيَادَةٍ مَحْضَةٍ كَالرُّخَامِ أَوْ لِتَحْسِينٍ كَالْبَابِ وَالْمِيزَابِ وَكَذَا مَا حَكَاهُ الْفَاكِهِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُكَرَّمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاوَرْتُ بِمَكَّةَ فَعَابَتْ أَيْ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أُسْطُوَانَةٌ مِنْ أَسَاطِينِ الْبَيْتِ فَأُخْرِجَتْ وَجِيءَ بِأُخْرَى لِيُدْخِلُوهَا مَكَانَهَا فَطَالَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ وَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ وَالْكَعْبَةُ لَا تُفْتَحُ لَيْلًا فَتَرَكُوهَا ليعودوا من غَد ليصلحوها فجاؤوا مِنْ غَدٍ فَأَصَابُوهَا أَقْدَمَ مِنْ قِدْحٍ أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ السَّهْمُ وَهَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ رِجَاله ثِقَات وَبكر هُوَ بن حَبِيبٍ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَكَأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي أَوَائِلِ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَكَانَتِ الْأُسْطُوَانَةُ مِنْ خَشَبٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1521 ... غــ : 1586 ]
- حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ".
فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- عَلَى هَدْمِهِ.
قَالَ يَزِيدُ: وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الإِبِلِ.
قَالَ جَرِيرٌ: فَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالَ: أُرِيكَهُ الآنَ.
فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: هَا هُنَا.
قَالَ جَرِيرٌ: فَحَزَرْتُ مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا.

وبالسند قال: ( حدّثنا بيان بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم وبيان بفتح الموحدة وتخفيف التحتية وبعد الألف نون البخاري المتوفى سنة ثنتين وعشرين ومائتين قال: ( حدّثنا يزيد) من الزيادة هو ابن هارون كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه قال: ( حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي، وجرير بالجيم المفتوحة والراء المكررة بينهما تحتية قال: ( حدّثنا يزيد بن رومان) بضم الراء وسكون الواو وتخفيف الميم وبعد الألف نون غير مصروف، ويزيد من الزيادة وهو مولى آل الزبير ( عن عروة) بن الزبير بن العوّام.

قال الحافظ ابن حجر: كذا رواه الحفاظ من أصحاب يزيد بن هارون عنه، فأخرجه أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان وأحمد بن منيع في مسانيدهم عن هكذا، والنسائي عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام، والإسماعيلي من طريق هارون الجمال والزعفراني كلهم عن يزيد بن هارون، وخالفهم الحرث بن أبي أسامة فرواه عن يزيد بن هارون فقال: عن عبد الله بن الزبير بدل عروة بن الزبير، وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي الأزهر عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه، قال الإسماعيلي: إن كان أبو الأزهر ضبطه فكأن يزيد بن رومان سمعه من الآخوين.
قال الحافظ ابن حجر: قد تابعه محمد بن مشكان كما أخرجه الجوزقي عن الدغولي عنه عن وهب بن جرير ويزيد قد حمله عن الآخوين، لكن رواية الجماعة أوضح فهي أصح ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها) :
( يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية) بإضافة حديث لعهد عند جميع الرواة.
قال المطرزي: وهو لحن إذ لا يجوز حذف الواو في مثل هذا، والصواب حديثو عهد بواو الجمع كذا نقله الزركشي والحافظ ابن حجر والعيني وأقروه، وأجاب صاحب المصابيح بأنه لا لحن فيه ولا خطأ والرواية صواب وتوجه بنحو ما قالوه في قوله تعالى { ولا تكونوا أول كافر به} [البقرة: 41] حيث قالوا: إن التقدير أول فريق كافر أو فوج كافر يعنون أن مثل هذه الألفاظ مفردة بحسب اللفظ وجمع بحسب المعنى فيجوز لك رعاية لفظه تارة ومعناه أخرى كيف شئت، فانقل هذا إلى الحديث تجده ظاهرًا لا خفاء بصوابه.
وقال صاحب اللامع: قد توجه بأن فيعلاً يستعمل للمفرد والجمع والمؤنث والمذكر كما في: { إن رحمت الله قريب من المحسنين} وخرج عليه خبير بنو لهب إذا قلنا أنه خبر مقدم، فإذا صحت الرواية وجب التأويل.

( لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه) بضم الهمزة أي من الحجر ( وألزقته بالأرض) بحيث يكون بابه على وجهها غير مرتفع عنها وألزقته بالزاي كألصقته بالصاد، ( وجعلت له بابين بابًا شرقيًا) مثل الوجود الآن ( وبابًا غربيًا فبلغت به أساس إبراهيم) عليه الصلاة والسلام.
( فذلك الذي حمل ابن الزبير) عبد الله ( على هدمه) البيت.
زاد وهب وبنائه والإشارة في قوله ذلك إلى ما روته عائشة -رضي الله عنها- عنه عليه الصلاة والسلام مع عدم وجود ما كان عليه الصلاة والسلام يخافه من الفتنة وقصور النفقة كما في حديث عطاء عند مسلم بلفظ: وقال ابن الزبير: سمعت عائشة تقول: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ولجعلت له بابًا يدخل منه الناس وبابًا يخرجون منه فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس" الحديث.

( قال يزيد) : بن رومان بالإسناد السابق: ( وشهدت ابن الزبير حين هدمه) وكان قد هدمه حتى بلغ به الأرض ( و) حين ( بناه) وكان في سنة خمس وستين.
وقال الأزرقي: في نصف جمادى الآخرة سنة أربع وستين وجمع بينهما بأن الابتداء كان في سنة أربع والانتهاء في سنة خمس، وأيدوه

بأن في تاريخ المسجى أن الفراغ من بناء البيت كان في سنة خمس وستين.
زاد المحب الطبري أنه كان في شهر رجب.
( وأدخل فيه من الحجر) خمسة أذرع.
قال يزيد بن رومان: ( وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل) وفي كتاب مكة للفاكهي من طريق أبي أويس عن يزيد بن رومان: فكشفوا له أي لابن الزبير عن قواعد إبراهيم وهي صخر أمثال الخلف من الإبل ورأوه بنيانًا مربوطًا بعضه ببعض.
وعند عبد الرزاق من طريق ابن سابط عن زيد: أنهم كشفوا عن القواعد فإذا الحجر مثل الخلفة والحجارة مشتبك بعضها ببعض.
وفي رواية للفاكهي عن عطاء قال: كنت في الأبناء الذين جمعوا على حفره فحفروا قامة ونصفًا فهجموا على حجارة لها عروق تتصل بزرد عروق المروة فضربوه فارتجت قواعد البيت فكبر الناس فبني عليه، وفي رواية مرثد عند عبد الرزاق فكشف عن ربض في الحجر آخذ بعضه ببعض فتركه مكشوفًا ثمانية أيام ليشهدوا عليه فرأيت ذلك الربض مثل خلف الإبل وجه ووجه حجران ووجه حجر ووجه حجران، ورأيت الرجل يأخذ العتلة فيضرب بها من ناحية الركن فيهتز الركن الآخر.

( قال جرير) : هو ابن حازم المذكور ( فقلت له) أي ليزيد بن رومان: ( أين موضعه) أي الأساس؟ ( قال: أريكه الآن فدخلت معه الحجر فأشار إلى مكان) منه ( فقال: هاهنا.
قال جرير: فحزرت)
بتقديم الزاي على الراء المهملة أي قدرت ( من الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم ( ستة أذرع) بالذال المعجمة جمع ذراع، ولأبي ذر: ست أذرع ( أو نحوها) .

قال في المصابيح: والسبب في كونه حرز ذلك ولم يقطع به أن المنقول أنه لم يكن حول البيت حائط يحجز الحجر من سائر المسجد حتى حجزه عمر بالبنيان ولم ينبه على الجدر الذي كان علامة على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن زاد ووسع قطعًا للشك، وصار الجدر في داخل التحجيز فلذلك حرز جرير ولم يقطع اهـ.

وهذا نقله المهلب عن ابن أبي زيد بلفظ: إن حائط الحجر لم يكن مبنيًا في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر حتى كان عمر فبناه قطعًا للشك، وفيه نظر لأن هذا إنما هو في حائط المسجد لا في الحجر ولم يزل الحجر موجودًا في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يصرح به كثير من الأحاديث الصحيحة، وهل الصحيح أن الحجر كله من البيت حتى لا يصح الطواف في جزء منه أو بعضه؟ فيصح جزم النووي بالأول كابن الصلاح لحديث الصحيحين: الحجر من البيت، وأبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين والبغوي بالثاني.

وقال الرافعي: إنه الصحيح لحديث الباب وحديث مسلم عن الحرث عن عائشة: فإن لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه قريبًا من سبعة أذرع.
وله من طريق سعيد بن مينا عن عبد الله بن الزبير عنها: وزدت فيه ستة أذرع، ولسفيان بن عيينة في جامعه أن ابن الزبير زاد ستة أذرع مما يلي الحجر، وله أيضًا ستة أذرع وشبر، لكن قال ابن الصلاح منتصرًا لما ذهب إليه:

اضطربت الروايات في ذلك ففي الصحيحين: الحجر من البيت، وروى ستة أذرع، وروي ست أو نحوها، وروي خمس، وروي قريبًا من سبع وحينئذ يتعين الأخذ بأكثرها ليسقط الفرض بيقين.
وقال الحافظ زين الدين العراقي في شرح سنن أبي داود: ظاهر نص الشافعي في المختصر أن الحجر كله من البيت وهو مقتضى كلام جماعة من أصحابه، وقال النووي: إنه الصحيح وبه قطع جماهير أصحابنا وقال هذا هو الصواب.

وتعقب بأن الجمع بين المختلف من الأحاديث ممكن وهو أولى من دعوى الاضطراب والطعن في الروايات المقيدة لأجل الاضطراب، لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح أو الجمع ولم يتعذر ذلك هنا فيتعين حمل المطلق على المقيد، وإطلاق اسم الكل على البعض سائغ مجازًا وحينئذ فالرواية التي جاء فيها أن الحجر من البيت مطلقة فيحمل المطلق منها على المقيد، ولم تأت رواية صريحة بأن جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت، وإنما قال النووي: ذلك نصرة لما صححه أن جميع الحجر من البيت، وعمدته في ذلك أن الشافعي نص على إيجاب الطواف خارج الحجر، ونقل ابن عبد البر الاتفاق عليه، لكن لا يلزم منه أن يكون كله من البيت فقد نص الشافعي كما ذكره البيهقي في المعرفة أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع، ونقله عن عدة من أهل العلم من قريش لقيهم، فيحتمل أن يكون رأي إيجاب الطواف من ورائه احتياطًا ولأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما طاف خارجه وقد قال: "خذوا عني مناسككم" وكما لا يصح الطواف داخل البيت لا يصح داخل جزء منه فلا يصح على الشاذروان بفتح الذال المعجمة وهو الخارج عن عرض جدار البيت مرتفعًا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع تركته قريش لضيق النفعة، فلو كان في الطواف ومس جدار البيت في موازاة الشاذروان لا يصح على الأصح لأن بعض بدنه في البيت، والصحيح من مذهب الحنابلة لا يجزئه وقطعوا به.
وعند الشيخ تقي الدين بن تيمية: إنه ليس من الكعبة فعلى الأول لو الجدار بيده في موازاة الشاذروان صح لأن معظمه خارج البيت قال: في الرعاية الكبرى: لكن قال المرداوي: ويحتمل عدم الصحة.
وقال الحنفية: يصح طواف من لم يحترز منه، لكن قال العلامة ابن الهمام: وينبغي أن يكون طوافه وراء الشاذروان لئلا يكون طوافه في البيت بناء على أنه منه.
وقال الكرماني من الحنفية: الشاذروان ليس من البيت عندنا، وعند الشافعي منه حتى لا يجوز الطواف عليه، والقول قوّلنا لأن الظاهر أن البيت هو الجدار المرئي قائمًا إلى أعلاه اهـ.

ومشهور مذهب المالكية كالشافعية، وعبارة الشيخ بهرام: ومن واجبات الطواف أن يطوف وجميع بدنه خارج عن شاذروان البيت وهو البناء المحدودب الذي في جدار البيت وأسقط من أساسه ولم يرفع على استقامته اهـ.

ونحوه قال الشيخ خليل في التوضيح: لكن نازع الخطيب أبو عبد الله بن رشيد بضم الراء وفتح المعجمة في رحلته في ذلك محتجًا بما حاصله أن لفظ الشاذروان لم يوجد في حديث صحيح ولا سقيم ولا عن أحد من السلف ولا ذكر له عن فقهاء المالكية إلا ما وقع في الجواهر لابن شاس،
وتبعه ابن الحاجب وهو بلا شك منقول من كتب الشافعية، وأقدم من ذكر ذلك منهم المزني ومن ذكره منهم كابن الصلاح والنووي مقربان اليمانيين على قواعد إبراهيم والآخرين ليسا عليها، فلو كان الشاذروان من البيت لكان الركن الأسود داخلاً في البيت ولم يكن متممًا على قواعد إبراهيم، فمن أين نشأ الشاذروان وقد انعقد الإجماع على أن المبيت متمم على قواعد إبراهيم من جهة الركنين اليمانيين، ولذلك استلمهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون الآخرين، وأن ابن الزبير لما هدمه حتى بلغ به الأرض وبناه على قواعد إبراهيم إنما زاد فيه من جهة الحجر وأقامه على الأسس الظاهرة التي عاينها العدول من الصحابة وكبراء التابعين، وأن الحجاج لما نقض البيت بأمر عبد الملك لم ينقضه إلا من جهة الحجر خاصة، وهذا أمر معلوم مقطوع به مجمع عليه منقول بالسند الصحيح في الكتب المعتمدة التي لا يشك فيها أحد، وهو يرد قول ابن الصلاح: إن قريشًا لما رفعوا الأساس بمقدار ثلاثة أصابع من وجه الأرض وهو القدر الظاهر الآن من الشاذروان الأصلي قبل تزليقه نقصوا عرض الجدار عن عرض الأساس الأول.
قال ابن رشيد: وكيف يقال أن هذا القدر الظاهر نقصته قريش من عرض الجدار، وهل بقي لبناء قريش أثر؟ فالسهو والغلط فيما نقله ابن الصلاح مقطوع به، ولعل ابن الصلاح نقله عن التاريخيين، وإلا فهذا لم يأت في خبر صحيح ولا روي من قول صاحب يصح سنده، ولو صح لاشتهر ونقل، وإنما وضع هذا البناء حول البيت ليقيه السيول كما قاله ابن عبد ربه في كتاب العقد في صفة الكعبة.

وقال ابن تيمية أنه جعل عماد البيت وأيّده بأن داخل الحجر تحت حائط الكعبة الشاذروان فيكون هذا الشاذروان نظير الشاذروان الذي هو خارج البيت ولم يقل أحد أن هذا في الحجر له حكم الشاذروان الخارج ولا أنه عماد وأن الخارج شاذروان فكون هذا الشاذروان مراعى في الطواف لا دليل عليه، ومثل هذا لا يثبت إلا بالإجماع الصحيح المتواتر النقل اهـ.

وأقول قول ابن رشيد: إنه لم يوجد لفظ الشاذروان عن أحد من السلف، ونسبه ابن الصلاح إلى السهو والغلط فيما نقله من ذلك يقال عليه هذا الإمام الأعظم الشافعي قد قال ذلك فيما نقله عنه البيهقي في كتابه معرفة السنن والأخبار، وعبارته قال الشافعي: فكل طواف طافه على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جداره فكما لم يطف.
قال الشافعي: أما الشاذروان فأحسبه مبنيًا على أساس الكعبة ثم يقتصر بالبنيان عن استيطافه، ولا ريب أن الشافعي من أجل السلف ثم إنه لا يلزم من كونه عليه الصلاة والسلام كان يستلم الركنين اليمانيين عدم وجود الشاذروان ووجوده ليس مانعًا من استلامهما لصدق القول بأنهما على القواعد، وليس فيما نقله ابن رشيد تصريح بأن ابن الزبير وضع البناء على أساس إبراهيم عليه السلام بحيث لم يبق شيئًا مما يسمى شاذرون، ولا وقفت على ذلك في شيء من الروايات، فيحتمل أن يكون الأمر كذلك وأن يكون على حد بناء قريش فأبقي ما قيل أنهم أبقوه، وإذا احتمل الأمر واحتمل سقط الاستدلال به.
نعم هدم ابن الزبير لجميع البيت الظاهر منه أنه كان ليعيده على القواعد بحيث لم يترك شيئًا منها خارجًا عن الجدار من جميع جوانبه وإلا فلو كان

غرضه إعادة ما نقصته قريش من جهة الحجر فقط لاكتفى بهدم ذلك فهدمه لجميعه وإعادته لا بد وأن يكون لغرض صحيح، وليس ثم سوى إعادته على بناء الخليل من غير أن يترك منه شيئًا، لكن روى مسلم في صحيحه عن عطاء قال: احترق البيت زمن يزيد بن معاوية قال ابن الزبير: يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها.
قال ابن عباس: إني أرى أن تصلح ما وهى منها وتدع بيتًا أسلم الناس عليه وأحجارًا أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال ابن الزبير: لو أن أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدده فكيف ببيت ربكم إني مستخير ربي ثلاثًا ثم عازم على أمر، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها الحديث.
فلم يقل أني أريد إعادته على قواعد إبراهيم بل قال جوابًا لابن عباس حيث قال: إني أرى أن تصلح ما وهى لو أن أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدده ففيه مع ما قبله إشعار بأن الداعي له على الهدم والبناء زيادة ما نقصته قريش من البيت من جهة الحجر وما وهى بسبب الحريق فلم يتعين أن الهدم كان متمحضًا لإعادتها كلها على القواعد بحيث لا يترك منها شيئًا، ولم أر في شيء من الأحاديث التصريح بأن قريشًا أبقت من الأساس ما يسمى شاذروان، بل السياق مشعر بالتخصيص بالحجر فليتأمل.

وهذا الحديث من علامات النبوة حيث أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة بذلك فكان الذي تولى نقضها وبناءها ابن اختها ابن الزبير ولم ينقل أنه قال ذلك لغيرها من الرجال والنساء، ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لها: فإن بدا لقومك أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبًا من سبعة أذرع رواه مسلم في صحيحه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1521 ... غــ :1586 ]
- حدَّثنا بَيانُ بنُ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  حَدثنَا يَزِيدُ قَالَ حدَّثنا جريرُ بنُ حازِمٍ قَالَ حدَّثنا يَزيدُ ابنُ رُومَانَ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ لَها يَا عَائِشَةَ لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لأمَرْتُ بِالبَيْتِ فَهُدِمَ فأدْخَلْتُ فِيهِ مَا أخْرِجَ مِنْهُ وَألْزَقْتُهُ بالأرْضِ وجَعَلْتُ لَهُ بابَُُيْنِ بابُُا شرْقِيا وبابُُا غرْبِيا فبلَغْتُ بِهِ أساسَ إبْرَاهِيمَ فذالِكَ الَّذِي حَمَلَ ابنَ الزُّبَيْرِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَلى هَدْمِهِ.
قالَ يَزِيدُ وشَهِدْتُ ابنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وبَناهُ وأدْخَلَ فِيهِ مِنَ الحِجْرِ وقَدْ رأيْتُ أسَاسَ إبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كأسْنِمَةِ الإبِلِ قَالَ جَرِيرٌ فقُلْتُ لَهُ أيْنَ مَوْضِعُهُ قَالَ أُرِيكِهُ الآنَ فدَخَلْتُ معَهُ الحِجْرَ فأشارَ إلَى مكانٍ فقالَ هاهُنَا قَالَ جَرير فَحزَرْتُ مِنَ الحِجْرِ سَتَّةَ أذْرُعٍ..
هَذَا طَرِيق رَابِع فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: الأول: بَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف نون: ابْن عَمْرو، بِالْوَاو، وَقد مر فِي: بابُُ تعاهد رَكْعَتي الْفجْر، الثَّانِي: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون، وَقد مر فِي: بابُُ التبرز فِي الْبيُوت.
الثَّالِث: جرير، بِفَتْح الْجِيم ابْن حزم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي.
الرَّابِع: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن رُومَان، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَتَخْفِيف الْمِيم وَبعد الْألف نون: مولى آل الزبير بن الْعَوام.
الْخَامِس: عُرْوَة بن الزبير.
السَّادِس: عَائِشَة، أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده من أهل بخارء من قصر كج خَارج الدَّرْب، وَإِن يزِيد بن هَارُون واسطي وَأَن جرير بن حَازِم بَصرِي وَأَن يزِيد بن رُومَان وَعُرْوَة مدنيان.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن سَلام عَن يزِيد بن هَارُون عَن جرير ابْن حَازِم.

قَوْله: (عَن عُرْوَة) ، هَكَذَا رَوَاهُ الْحفاظ من أَصْحَاب يزِيد بن هَارُون عَنهُ، وَكَذَا عِنْد أَحْمد بن حَنْبَل وَأحمد ابْن سِنَان وَأحمد بن منيع فِي (مسانيدهم) وَكَذَا عِنْد النَّسَائِيّ والزعفراني والإسماعيلي، كلهم عَن يزِيد بن هَارُون، وَخَالفهُم الْحَارِث ابْن أبي أُسَامَة فَرَوَاهُ عَن يزِيد بن هَارُون، فَقَالَ: عَن عبد الله بن الزبير، بدل: عُرْوَة بن الزبير، وَهَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أبي الْأَزْهَر عَن وهب بن جرير بن حَازِم عَن أَبِيه.
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِن كَانَ أَبُو الْأَزْهَر ضَبطه فَكَأَن يزِيد ابْن رُومَان سَمعه من الأخوان.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حَدِيث عهد) ، بِالْإِضَافَة عِنْد جَمِيع الروَاة، قَالَ المطرزي: لَا يجوز حذف الْوَاو فِي مثل هَذَا، وَالصَّوَاب: حديثوا الْعَهْد.
قَوْله: (مَا أخرج مِنْهُ) ، فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول.
قَوْله: (فأدخلت) ، و (مَا أخرج مِنْهُ) ، هُوَ الْمُسَمّى بِالْحجرِ.
قَوْله (وألزقته) ، أَي: أَلْصَقته بِحَيْثُ يكون بابُُه على وَجه الأَرْض غير مُرْتَفع.
قَوْله: (بابُُا شرقيا) ، هُوَ مثل الْمَوْجُود الْيَوْم، فَفِيهِ ثَلَاث تَصَرُّفَات على خلاف مَا بنى إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله: (فَذَلِك الَّذِي حمل ابْن الزبير) أَي عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، على هَدمه أَي: هدم الْبَيْت، وَزَاد وهب فِي رِوَايَته: وبنائه.
قَوْله: (قَالَ يزِيد) ، هُوَ ابْن رُومَان، أَي: قَالَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: (وَشهِدت ابْن الزبير) إِلَى قَوْله: (كأسنمة الْإِبِل) ، هَكَذَا ذكره يزِيد ابْن رُومَان مُخْتَصرا، وَقد رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح مطولا، فَقَالَ: حَدثنَا هناد بن السّري، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي زَائِدَة، قَالَ: أخبرنَا ابْن أبي سُلَيْمَان (عَن عَطاء قَالَ: لما احْتَرَقَ الْبَيْت، زمن يزِيد بن مُعَاوِيَة حِين غزاه أهل الشَّام فَكَانَ من أمره مَا كَانَ، تَركه ابْن الزبير حَتَّى قدم النَّاس الْمَوْسِم يُرِيد أَن يخزيهم أَو يحزنهم على أهل الشَّام، فَلَمَّا صدر النَّاس قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس! أَشِيرُوا عليَّ فِي الْكَعْبَة أنقضها ثمَّ أبني بناءها وَأصْلح مَا وَهَى مِنْهَا؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَأَنِّي قد فرق لي رَأْي فِيهَا، أرى أَن تصلح مَا وهَى مِنْهَا وَتَدَع بَيْتا أسلم النَّاس عَلَيْهِ، وأحجارا أسلم النَّاس عَلَيْهَا، وَبعث عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ ابْن الزبير: لَو كَانَ أحدكُم احْتَرَقَ بَيته مَا رَضِي حَتَّى يجدده، فَكيف بَيت ربكُم؟ إِنِّي مستخير رَبِّي ثَلَاثًا، ثمَّ عازم على أَمْرِي، فَلَمَّا مَضَت ثَلَاث أجمع رَأْيه على أَن ينْقضه، فتحاماه النَّاس أَن ينزل بِأول النَّاس يصعد فِيهِ أَمر من السَّمَاء، حَتَّى صعده رجل فَألْقى مِنْهُ حِجَارَة، فَلَمَّا لم يره النَّاس أَصَابَهُ تتابعوا فنقضوه حَتَّى بلغُوا بِهِ الأَرْض، فَجعل ابْن الزبير أعمدة فَستر عَلَيْهَا الستور تى ارْتَفع بِنَاؤُه،.

     وَقَالَ  ابْن الزبير: سَمِعت عَائِشَة تَقول: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَوْلَا أَن النَّاس حَدِيث عَهدهم بِكفْر، وَلَيْسَ عِنْدِي من النَّفَقَة مَا يقوى على بنائِهِ لَكُنْت أدخلت فِيهِ من الْحجر خَمْسَة أَذْرع، ولجعلت لَهُ بابُُا يدْخل مِنْهُ النَّاس، وبابُا يخرجُون مِنْهُ.
قَالَ: فَأَنا الْيَوْم أجد مَا أنْفق وَلست أَخَاف النَّاس.
قَالَ: فَزَاد فِيهِ خَمْسَة أَذْرع من الْحجر حَتَّى أبدى أُسّا نظر النَّاس إِلَيْهِ فَبنى عَلَيْهِ الْبناء، وَكَانَ ذول الْكَعْبَة ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا، فَلَمَّا زَاد فِيهِ استقصره، فَزَاد فِي طوله عشرَة أَذْرع، وَجعل لَهُ مَا بَين أَحدهمَا بابَُُيْنِ: يدْخل مِنْهُ، وَالْآخر يخرج مِنْهُ، فَلَمَّا قتل ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتب الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان يُخبرهُ بذلك، ويخبره أَن ابْن الزبير قد وضع الْبناء على أسٍّ نظر إِلَيْهِ الْعُدُول من أهل مَكَّة، فَكتب إِلَيْهِ عبد الْملك إِنَّا لسنا من تلطيخ ابْن الزبير فِي شَيْء، أما مَا زَاد من طوله فأقره، وَأما مَا زَاد فِيهِ من الْحجر فَرده إِلَى بنائِهِ، وسُدَّ الْبابُُ الَّذِي فَتحه، فنقضه وَأَعَادَهُ إِلَى بنائِهِ.
قَوْله: (وبناه) أَي: بنى الْبَيْت.
قَالَ ابْن سعد: لم يبن ابْن الزبير الْكَعْبَة حَتَّى حج بِالنَّاسِ سنة أَربع وَسِتِّينَ، ثمَّ بناها حِين اسْتقْبل سنة خمس وَسِتِّينَ، وَحكي عَن الْوَاقِدِيّ أَنه رد ذَلِك،.

     وَقَالَ : الأثبت أَنه ابْتَدَأَ بناءها بعد رحيل الْجَيْش لسَبْعين يَوْمًا..
     وَقَالَ  الْأَزْرَقِيّ: كَانَ ذَلِك فِي نصف جمادي الْآخِرَة سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَيُمكن الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يكون ابْتِدَاء الْبناء فِي ذَلِك الْوَقْت، وامتد أمده إِلَى الْمَوْسِم ليراه أهل الْآفَاق، ليشنع بذلك على بني أُميَّة، وَفِي (تَارِيخ المسجى) : كَانَ الْفَرَاغ من بِنَاء الْبَيْت فِي سنة خمس وَسِتِّينَ، وَزَاد الْمُحب الطَّبَرِيّ أَنه: كَانَ فِي شهر رَجَب.
قلت: الْجَيْش هُوَ جَيش الشَّام من قبل يزِيد بن مُعَاوِيَة، وَكَانَ أَمِيرهمْ الْحصين بن نمير، وَمَا ارتحلوا من مَكَّة حَتَّى أَتَاهُم موت يزِيد بن مُعَاوِيَة، وَذَلِكَ بعد أَن أفسدوا فِي حرم الله تَعَالَى وسفكوا الدِّمَاء وأوهنوا الْكَعْبَة من حِجَارَة المجانيق.
قَوْله: (وَقد رَأَيْت) ، الرَّائِي يزِيد بن رُومَان.
قَوْله: (كأسنمة الْإِبِل) ، الأسنمة: جمع سَنَام، وَفِي (كتاب مَكَّة) للفاكهي، من طَرِيق أبي أويس عَن يزِيد بن رُومَان.
فكشفوا لَهُ، أَي لِابْنِ الزبير، عَن قَوَاعِد إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَهِي صَخْر أَمْثَال الْخلف من الْإِبِل، ورأوه بنيانا مربوطا بعضه بِبَعْض، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق من طَرِيق ابْن سابط عَن يزِيد: أَنهم كشفوا عَن الْقَوَاعِد، فأذا الْحجر مثل الْخلقَة، وَالْحِجَارَة مشبك بَعْضهَا بِبَعْض، وَفِي رِوَايَة للفاكهي عَن عَطاء، قَالَ: كنت فِي الْأَبْنَاء الَّذين جمعُوا على حفره، فَحَفَرُوا قامة وَنصفا، فَهَجَمُوا على حِجَارَة لَهَا عروق تتصل بزرد عروق الْمَرْوَة، فضربوه فارتجت قَوَاعِد الْبَيْت، فَكبر النَّاس، فَبنى عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة مرْثَد عِنْد عبد الرَّزَّاق: فكشف عَن ربض فِي الْحجر آخذ بعضه بِبَعْض، فَتَركه مكشوفا ثَمَانِيَة أَيَّام ليشهدوا عَلَيْهِ، فَرَأَيْت ذَلِك الربض مثل خلف الْإِبِل، وَجه حجر وَوجه حجر وَوجه حجران، وَرَأَيْت الرجل يَأْخُذ العثلة فَيضْرب بهَا من نَاحيَة الرُّكْن فيهتز الرُّكْن الآخر.
قلت: الْخلف، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وَفِي آخِره فَاء، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْخلف الْمَخَاض، وَهِي الْحَوَامِل من النوق، الْوَاحِدَة: خلفة.
قَوْله: (قَالَ جرير) ، هُوَ جرير بن حَازِم الْمَذْكُور فِي السَّنَد.
قَوْله: (فحزرت) ، بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء، أَي: قدَّرت سِتَّة أَذْرع، وَقد ورد ذَلِك مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تقدم فِي الطَّرِيق الثَّانِي، فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَالله أعلم.