هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
153 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ إِسْحَاقُ : أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، وَقَالَ عُثْمَانُ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
153 حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، قال إسحاق : أخبرنا جرير ، وقال عثمان : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عمرو بن شرحبيل ، عن عبد الله ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال : قلت له : إن ذلك لعظيم ، قال : قلت : ثم أي ؟ قال : ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال : قلت : ثم أي ؟ قال : ثم أن تزاني حليلة جارك
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال قلت له: إن ذلك لعظيم.
قال قلت: ثم أي؟ قال ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال قلت: ثم أي؟ قال ثم أن تزاني حليلة جارك .



المعنى العام

وكما حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة أفضل الأعمال التي تقرب من الجنة ليعملوا بها حرصوا على معرفة أعظم الذنوب وأكبرها وترتيبها في العظم ليجتنبوها، وليتقوا النار بالبعد عنها.
فهذا عبد الله بن مسعود الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال في الحديث السابق يسأله عن أعظم الذنوب عند الله، فيقول له صلى الله عليه وسلم: أعظم الذنوب عند الله أن تشرك بالله وتجعل له ندا، مع أنه لا شريك له، خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك، واستعظم عبد الله بن مسعود هذه الجريمة، فقال: حقا يا رسول الله إن ذلك الذنب لعظيم جدا، فأخبرني عن الذنب الذي يليه في العظم؟ قال صلى الله عليه وسلم: أعظم الذنوب بعد الإشراك بالله أن تقتل ولدك وتئده في الحفرة خشية إملاق، وخوف أن يأكل معك، ويشاركك طعامك.
قال ابن مسعود: ثم أي الذنوب أعظم بعد الإشراك وقتل الأولاد؟ قال صلى الله عليه وسلم: أعظم الذنوب بعد الإشراك وقتل الأولاد أن تزني بزوجة جارك، وتنتهك حرمات الجوار، وترتكب الزنا مع من يجب عليك حمايتها من الفاحشة، ووقايتها من السوء، وأنزل الله تعالى مصداقا لهذا الحديث قوله: { { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } } [الفرقان: 68 - 69] .

المباحث العربية

( أي الذنب أعظم؟) أي أشد عقوبة، وكذا أي الذنب أكبر ؟ أي عقوبة.
والسؤال عن أعظم الذنوب ليقع التحرز منه أكثر من غيره.

( أن تجعل) المخاطب عبد الله بن مسعود، وهو غير مقصود والمعنى أن يجعل الإنسان لله ندا، والمصدر المنسبك من أن والفعل خبر مبتدأ محذوف، تقديره أعظم الذنب جعلك.

( لله ندا) الند بكسر النون وتشديد الدال، ويقال له: النديد أيضا هو نظير الشيء الذي يعارضه في أموره، فهو أخص من المثل، لأنه المثل المناوئ من ند إذا نفر وخالف، فإن قيل: يلزم أن يكون غير المناوئ غير منهي عنه لأنه لا يلزم من النهي عن الأخص النهي عن الأعم مع أن المثل منهي عن اتخاذه خالف أو لم يخالف؟ أجيب، بأن التعبير بالند من قبيل قوله تعالى: { { وما ربك بظلام للعبيد } } [فصلت: 46] اهـ قاله الأبي، وقال الجوهري: ند الشيء من يشاركه في جوهره، أما المثل فيقال في أي مشاركة سواء كانت في الجوهر أو في غيره، فكل ند مثل وليس كل مثل ندا.

أما الضد فهو أحد المتقابلين، والمتقابلان هما الشيئان المختلفان اللذان لا يجتمعان في شيء واحد، فالضد والند يتوافقان في المعارضة، فالند معارض والضد معارض، ويختلفان في المشاركة، فالند مشارك في الجوهر والضد غير مشارك.
اهـ بتصرف.

( وهو خلقك) الضمير لله تعالى، والجملة حالية لتقبيح الجعل.

( ثم أي؟) يعني أي شيء أعظم؟ فالتنوين للعوض، وثم ليست للترتيب في الزمان، إذ لا يتصور فيه، ولا في الرتبة لأن شرطه كون المعطوف أعظم، بل هي للترتيب في الإخبار.
قاله الأبي، وفيه: لأن الترتيب كما يكون تصاعديا يكون تنازليا، لكن يبدو أنه لما فسر ( ثم أي؟) بقوله: ثم أي شيء أعظم؟، قال ما قال.
والتحقيق أن معناه: ثم أي شيء أقل عظما؟ فثم للترتيب الرتبي.

( أن يطعم معك) بفتح الياء: أي يأكل، وهو معنى قوله تعالى: { { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } } [الإسراء: 31] أي فقر.
وذكر الإطعام لأنه كان الأغلب في حال العرب، ومعنى مخافة أن يطعم معك أي من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي، أو من جهة البخل مع سعة الرزق، والأول هو الموافق للآية.

( أن تزاني) أي أن تزني برضاها، فالمفاعلة من الجانبين، ولعله أشد قبحا من اغتصابها لما فيه من إفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني.

( حليلة جارك) بالحاء المهملة أي زوجته، سميت بذلك لكونها تحل له، وقيل: لكونها تحل معه.

( فأنزل الله تصديقها) هذا من كلام ابن مسعود، أي تصديق هذه الحالة وتلك المراتب.

( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) المراد من الدعاء النداء أو العبادة أو الاعتقاد.

{ { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } } المراد من التي حرم الله قتلها، هي المعصومة، وقوله إلا بالحق استثناء من عموم الأحوال أي محقين في قتلها.

{ { ومن يفعل ذلك } } الإشارة إلى كل واحد من الذنوب السابقة، لا إلى مجموعها لأن من يفعل واحدا منها يلق أثاما.

{ { يلق أثاما } } أي عقوبة ، وقيل: نكالا وقيل: جزاء إثمه.

فقه الحديث

لا خلاف بين أهل الإسلام أن الإشراك بالله أعظم الزنوب على الإطلاق، والجمهور على أن القتل بغير حق أكبر الكبائر بعد الشرك، وأما ما سواهما من الزنا، واللواط، وعقوق الوالدين، والسحر، وقذف المحصنات، والفرار يوم الزحف، وأكل الربا، وغير ذلك من الكبائر، فلها تفاصيل وأحكام ومراتب تختلف باختلاف الأحوال والمفاسد المترتبة عليها.

وإذا كان قتل النفس بغير حق يلي الإشراك بالله فأقبحه قتل الابن، لأنه ضد ما جبلت عليه طبيعة الآباء من الرقة، فلا يقع إلا من جافي الطبع، لا سيما إذا كان القتل عن طريق الدفن حيا كما كانوا يفعلون.

فذكر الولد قيد في كون القتل أقبح، وكون الدافع مخافة أن يطعم معك زيادة في هذا القبح.

ولا خلاف في أن الزنا مطلقا من أقبح وأعظم الذنوب، لكنه قد تلابسه ملابسات تزيد من قبحه، وتضاعف من عقوباته، فمثلا: الزنا بالأم في الحرم في الأشهر الحرم غير الزنا بأجنبية في غير الحرم وفي غير الأشهر الحرم، فللأول عقوبات متعددة ( عقوبة كون المزني بها محرما، بل أقرب المحارم، وعقوبة انتهاك حرمة المسجد الحرام، وعقوبة انتهاك حرمة الأشهر الحرم) ولم يأت الحديث بهذا التنظير لأنه فرضي بعيد الوقوع، وإنما نظر بحليلة الجار، لأن الغالب أن الرجل إنما يزاني من قرب مكانه وأمكن لقاؤه، ونبه بالحليلة على عظم حق الجار، وأنه يجب أن يغار المسلم على حليلة جاره من الفاحشة مثل ما يغار على حليلة نفسه، وليس القبح قاصرا على الحليلة، بل يشمل الزنا بأم أو أخت أو بنت الجار، فذكر الحليلة جرى على الغالب.
أما ذكر الجار فهو لشدة القبح، لأنه يحمل إثم انتهاك حرمة الجار وإبطالا لحقه، وقد ورد لأن يزني أحد بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره .

وكانت العرب تمتدح بصون حرم الجار، فقال عنترة:

وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها

والجار إنما يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه، ويأمن بوائقه ويطمئن إليه، وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه، فإذا قابل هذا كله بالزنا بامرأته، وإفسادها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن غيره منه كان في غاية القبح.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن كلا من الثلاثة ( أن تجعل لله ندا.. وأن تقتل ولدك ... وأن تزاني حليلة جارك) على ترتيبها في العظم، ولو جاز أن يكون فيما لم يذكره شيء يتصف بكونه أعظم منها لما طابق الجواب السؤال.
نعم يجوز أن يكون فيما لم يذكر شيء يساوي ما ذكر، فيكون التقدير: في المرتبة الثانية بعد الإشراك قتل الابن وما يكون في الفحش مثله، وفي المرتبة الثالثة الزنا بحليلة الجار وما يكون في الفحش مثله أو نحوه، لكن يستلزم أن لا يكون فيما لم يذكر في المرتبة الأولى أو الثانية شيء هو أعظم مما ذكر في المرتبة الثالثة، ولا محذور في ذلك.
انتهى بتصرف.

ويؤخذ مما قال: أن هناك ذنوبا أعظم من المرتبة الثالثة ولم تذكر هذه الذنوب، ولو أنها ذكرت لسبقت الزنا بحليلة الجار، فكأن الترتيب هكذا بين هذه الثلاثة إن اقتصر عليها، وقد سبق أن قلنا: إن الإشراك أعظم الذنوب على الإطلاق وإن قتل الولد يليه ثم يختلف عظم الذنوب بعد ذلك باختلاف الملابسات والأضرار المترتبة عليها.

والآية التي نزلت تصديقا لترتيب هذه الذنوب تعرضت للتوبة وأنها ترفع الآثام، إذ تقول: { { ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما } } [الفرقان: 68 - 70] .

وإذا تركنا جانبا رأي الخوارج الذين يكفرون صاحب المعصية، ورأي المعتزلة الذين يخرجونه من الإيمان ويحكمون بخلوده في النار، إذا تركنا جانبا هذين الرأيين وجدنا أهل السنة على أن كلا من القاتل والزاني تقبل توبته، ونقل عن ابن عباس القول بعدم قبول توبة القاتل المتعمد، إذ روى أحمد، والطبري، وابن ماجه عن سالم بن أبي الجعد قال: كنت عند ابن عباس بعد ما كف بصره، فأتاه رجل فقال: ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا قال: جزاؤه جهنم خالدا فيها .
وساق الآية إلى عظيما قال: أفرأيت إن تاب وآمن وعمل عملا صالحا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له التوبة والهدى؟

ويؤيد هذا الرأي ما أخرجه أحمد والنسائي عن معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، والرجل يقتل مؤمنا متعمدا .
قال الحافظ ابن حجر: وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السنة ما ورد من ذلك على التغليظ وصححوا توبة القاتل كغيره، وقالوا: معنى قوله: فجزاؤه جهنم أي إن شاء الله أن يجازيه، تمسكا بقوله تعالى: { { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } } [النساء: 48] ثم قال: ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، ثم أتى تمام المائة فقال له: لا توبة لك، فقتله فأكمل به مائة، ثم جاء آخر فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ الحديث.
وهو مشهور.
وإذا ثبت ذلك لمن قبلنا فمثله لهذه الأمة أولى، لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم.

والله أعلم