هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1700 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  واللفظ له قال : قرأت على مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس ، صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، من المسلمين
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من شرح النووى على مسلم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    باب زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ
[ سـ :1700 ... بـ :984]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ

قَوْلُهُ : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى ( فَرَضَ ) هُنَا ، فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ ، فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَآتُوا الزَّكَاةَ .


وَلِقَوْلِهِ : ( فَرَضَ ) وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى .
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ : إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ : إِنَّهَا سُنَّةٌ ، لَيْسَتْ وَاجِبَةً ، قَالُوا : وَمَعْنَى ( فَرَضَ ) قَدَّرَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هِيَ وَاجِبَةٌ لَيْسَتْ فَرْضًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَقَالَ بَعْضُهُمُ : الْفِطْرَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ ، قُلْتُ : هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ ، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا فَرْضُ وَاجِبٍ .


قَوْلُهُ : ( مِنْ رَمَضَانَ ) إِشَارَةٌ إِلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا ، وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ ، فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ ، وَالثَّانِي : تَجِبُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ الْعِيدِ .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا : تَجِبُ بِالْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ مَعًا ، فَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الطُّلُوعِ لَمْ تَجِبْ .
وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ .
قَالَ الْمَازِرِيُّ : قِيلَ : إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ ؟ أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ ؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ : وَفِي قَوْلِهِ : ( الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ ) دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ : لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا ، قَالَ : وَكَانَ سَبَبُ هَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَطُولُ وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا مِنْ أُمُورٍ تُفَوِّتُ كَمَالَهَا ، جَعَلَ الشَّرْعُ فِيهَا كَفَّارَةً مَالِيَّةً بَدَلَ النَّقْصِ كَالْهَدْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَكَذَا الْفِطْرَةُ لِمَا يَكُونُ فِي الصَّوْمِ مِنْ لَغْوٍ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ .


وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي إِخْرَاجِهَا عَنِ الصَّبِيِّ ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ : يَجِبُ إِخْرَاجُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ، وَتَعَلَّقَ مَنْ لَمْ يُوجِبْهَا أَنَّهَا تَطْهِيرٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى التَّطْهِيرِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالتَّطْهِيرِ لِغَالِبِ النَّاسِ ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُوجَدَ التَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ ، كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، كَصَالِحٍ مُحَقَّقِ الصَّلَاحِ ، وَكَكَافِرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ ، وَكَمَا أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ ، فَلَوْ وَجَدَ مَنْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْقَصْرُ .


وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ) فَإِنَّ دَاوُدَ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ ، وَأَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَمْكِينَهُ مِنْ كَسْبِهَا ، كَمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ .
وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ .
وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِهَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً .
وَالثَّانِي : تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَحْمِلُهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ .
فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي ، فَلَفْظَةُ ( عَلَى ) عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ : لَفْظَةُ ( عَلَى ) بِمَعْنَى ( عَنْ ) .


وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ) .
فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي .


وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ ، وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ ، وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ .


وَقَوْلُهُ : ( ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ) ، حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا ، وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا .
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ ، وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعِيدِ .


وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .
فَصَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ ، فَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ .
وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ : تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ .


وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ : ( مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : ( مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) السَّادَةُ دُونَ الْعَبِيدِ .
وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ .


وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( صَاعًا مِنْ كَذَا وَصَاعًا مِنْ كَذَا ) فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ صَاعٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبٍ وَجَبَ صَاعٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً وَزَبِيبًا وَجَبَ أَيْضًا صَاعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ : نِصْفُ صَاعٍ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ : ( صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ) ، وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ اسْمٌ لِلْحِنْطَةِ خَاصَّةً ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِبَاقِي الْمَذْكُورَاتِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ ، وَأَوْجَبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا صَاعًا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَاعٌ وَلَا نَظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ ، قَالَ : وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ ، وَلَيْسَ لِلْقَائِلَيْنِ بِنِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ إِلَّا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ ، وَسَنُجِيبُ عَنْهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً ضَعَّفَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَضَعْفُهَا بَيِّنٌ .
قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتُلِفَ فِي النَّوْعِ الْمُخْرَجِ ، فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالشَّعِيرُ إِلَّا خِلَافًا فِي الْبُرِّ لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ ، وَخِلَافًا فِي الزَّبِيبِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكِلَاهُمَا مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ بِهِ .
وَأَمَّا الْأَقِطُ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ ، وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَقَالَ أَشْهَبُ : لَا تُخْرَجُ إِلَّا هَذِهِ الْخَمْسَةُ ، وَقَاسَ مَالِكٌ عَلَى الْخَمْسَةِ كُلَّ مَا هُوَ عَيْشُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْقَطَانِيِّ وَغَيْرِهَا ، وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ، وَلَمْ يُجِزْ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِخْرَاجَ الْقِيمَةِ ، وَأَجَازَهُأَبُو حَنِيفَةَ .
قُلْتُ : قَالَ أَصْحَابُنَا : جِنْسُ الْفِطْرَةِ كُلُّ حَبٍّ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ ، وَيُجْزِي الْأَقِطُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ .
وَالثَّانِي : يَتَعَيَّنُ قُوتُ نَفْسِهِ .
وَالثَّالِثُ : يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ عَدَلَ عَنِ الْوَاجِبِ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ عَدَلَ إِلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِهِ .


قَوْلُهُ : ( مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ : هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِ نَافِعٍ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ ، بَلْ وَافَقَهُ فِيهَا ثِقَتَانِ وَهُمَا : الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ .
فَالضَّحَّاكُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ ، وَأَمَّا عُمَرُ فَفِي الْبُخَارِيِّ .
قَوْلُهُ : ( عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ ) .
فَقَوْلُهُ : ( سَمْرَاءِ الشَّامِ ) هِيَ الْحِنْطَةُ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ فِي جَوَازِ نِصْفِ صَاعٍ حِنْطَةٍ ، وَالْجُمْهُورُ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً وَأَعْلَمُ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ ، فَنَرْجِعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ ، وَجَدْنَا ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسَ مُتَّفِقًا عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ كَغَيْرِهَا ، فَوَجَبَ اعْتِمَادُهُ ، وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ عِلْمٌ فِي مُوَافَقَةِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرَهُ كَمَا جَرَى لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ .