1703 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ نَافِعٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَجَعَلَ النَّاسُ عَدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ |
1703 حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ليث ، ح وحدثنا محمد بن رمح ، أخبرنا الليث ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر بزكاة الفطر صاع من تمر ، أو صاع من شعير قال ابن عمر : فجعل الناس عدله مدين من حنطة |
Ibn Umar said that Allah's Messenger (way peace be upon him) prescribed the payment of Zakat-ul-Fitr (on breaking the fast) of Ramadan for people, for every freeman, or slave, male and female among the Muslims-one sa' of dried dates, or one sa' of barley.
شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث
[984] .
قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى الناس صاعامن تمر أوصاعا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى فَرَضَ هُنَا فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تعالى وآتوا الزكاة وَلِقَوْلِهِ فَرَضَ وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ إِنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا وَمَعْنَى فَرَضَ قَدَّرَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ لَيْسَتْ فَرْضًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ قَالَ الْقَاضِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْفِطْرَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ.
.
قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا فَرْضُ وَاجِبٍ .
قَوْلُهُ (مِنْ رَمَضَانَ) إِشَارَةٌ إِلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ وَالثَّانِي تَجِبُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ بِالْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ مَعًا فَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الطُّلُوعِ لَمْ تَجِبْ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَفِي قَوْلِهِ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا قَالَ وَكَانَ سَبَبُ هَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَطُولُ وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا مِنْ أُمُورٍ تُفَوِّتُ كَمَالَهَا جَعَلَ الشَّرْعُ فِيهَا كَفَّارَةً مَالِيَّةً بَدَلَ النَّقْصِ كَالْهَدْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَذَا الْفِطْرَةُ لِمَا يَكُونُ فِي الصَّوْمِ مِنْ لَغْوٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي إِخْرَاجِهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ إِخْرَاجُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا صَغِيرٍ أَوْ كبير وتعلق من لم يوجبها بأنها تَطْهِيرٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى التَّطْهِيرِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّعْلِيلَبِالتَّطْهِيرِ لِغَالِبِ النَّاسِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُوجَدَ التَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ كَصَالِحٍ مُحَقَّقِ الصَّلَاحِ وَكَكَافِرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ وَكَمَا أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فَلَوْ وَجَدَ مَنْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْقَصْرُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَإِنَّ دَاوُدَ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَمْكِينَهُ مِنْ كَسْبِهَا كَمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً وَالثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَحْمِلُهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَلَفْظَةُ عَلَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ لَفْظَةُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ وَبِهِ قال مالك وأبوحنيفة وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَقَولُهُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعِيدِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَصَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّادَةُدُونَ الْعَبِيدِ وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَاعًا مِنْ كَذَا وَصَاعًا مِنْ كَذَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ صَاعٌ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبٍ وَجَبَ صَاعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً وَزَبِيبًا وَجَبَ أَيْضًا صَاعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ نِصْفُ صَاعٍ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ اسْمٌ لِلْحِنْطَةِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِبَاقِي الْمَذْكُورَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَوْجَبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا صَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَاعٌ وَلَا نَظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ وَوَقَعَ في رواية لأبي داود أوصاعا مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَيْسَ لِلْقَائِلَيْنِ بِنِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ إِلَّا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ وَسَنُجِيبُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً ضَعَّفَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَضَعْفُهَا بَيِّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتُلِفَ فِي النَّوْعِ الْمُخْرَجِ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالشَّعِيرُ إِلَّا خِلَافًا فِي الْبُرِّ لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَخِلَافًا فِي الزَّبِيبِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكِلَاهُمَا مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ بِهِ.
.
وَأَمَّا الْأَقِطُ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُخْرَجُ إِلَّا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَقَاسَ مَالِكٌ عَلَى الْخَمْسَةِ كُلَّ مَا هُوَ عَيْشُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْقَطَانِيِّ وَغَيْرِهَا وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يُجِزْ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِخْرَاجَالْقِيمَةِ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
.
قُلْتُ قَالَ أَصْحَابُنَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ كُلُّ حَبٍّ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ وَيُجْزِي الْأَقِطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ قُوتُ نَفْسِهِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَدَلَ عَنِ الْوَاجِبِ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَدَلَ إِلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِهِ .
قَوْلُهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ بَلْ وَافَقَهُ فِيهَا ثِقَتَانِ وَهُمَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ فَالضَّحَّاكُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ.
.
وَأَمَّا عُمَرُ فَفِي الْبُخَارِيِّ .
قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ فَ.
قَوْلُهُ سَمْرَاءِ الشَّامِ هِيَ الْحِنْطَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ فِي جَوَازِ نِصْفِ صَاعٍ حِنْطَةٍ وَالْجُمْهُورُ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً وَأَعْلَمُ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَنَرْجِعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَجَدْنَا ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسَ مُتَّفِقًا عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ كَغَيْرِهَا فَوَجَبَ اعْتِمَادُهُ وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ عِلْمٌ فِي مُوَافَقَةِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرَهُ كَمَا جَرَىمن تمر أوصاعا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى فَرَضَ هُنَا فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تعالى وآتوا الزكاة وَلِقَوْلِهِ فَرَضَ وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ إِنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا وَمَعْنَى فَرَضَ قَدَّرَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ لَيْسَتْ فَرْضًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ قَالَ الْقَاضِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْفِطْرَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ.
.
قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا فَرْضُ وَاجِبٍ .
قَوْلُهُ (مِنْ رَمَضَانَ) إِشَارَةٌ إِلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ وَالثَّانِي تَجِبُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ بِالْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ مَعًا فَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الطُّلُوعِ لَمْ تَجِبْ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَفِي قَوْلِهِ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا قَالَ وَكَانَ سَبَبُ هَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَطُولُ وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا مِنْ أُمُورٍ تُفَوِّتُ كَمَالَهَا جَعَلَ الشَّرْعُ فِيهَا كَفَّارَةً مَالِيَّةً بَدَلَ النَّقْصِ كَالْهَدْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَذَا الْفِطْرَةُ لِمَا يَكُونُ فِي الصَّوْمِ مِنْ لَغْوٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي إِخْرَاجِهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ إِخْرَاجُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا صَغِيرٍ أَوْ كبير وتعلق من لم يوجبها بأنها تَطْهِيرٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى التَّطْهِيرِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّعْلِيلَبِالتَّطْهِيرِ لِغَالِبِ النَّاسِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُوجَدَ التَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ كَصَالِحٍ مُحَقَّقِ الصَّلَاحِ وَكَكَافِرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ وَكَمَا أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فَلَوْ وَجَدَ مَنْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْقَصْرُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَإِنَّ دَاوُدَ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَمْكِينَهُ مِنْ كَسْبِهَا كَمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً وَالثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَحْمِلُهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَلَفْظَةُ عَلَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ لَفْظَةُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ وَبِهِ قال مالك وأبوحنيفة وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَقَولُهُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعِيدِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَصَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّادَةُدُونَ الْعَبِيدِ وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَاعًا مِنْ كَذَا وَصَاعًا مِنْ كَذَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ صَاعٌ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبٍ وَجَبَ صَاعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً وَزَبِيبًا وَجَبَ أَيْضًا صَاعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ نِصْفُ صَاعٍ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ اسْمٌ لِلْحِنْطَةِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِبَاقِي الْمَذْكُورَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَوْجَبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا صَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَاعٌ وَلَا نَظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ وَوَقَعَ في رواية لأبي داود أوصاعا مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَيْسَ لِلْقَائِلَيْنِ بِنِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ إِلَّا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ وَسَنُجِيبُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً ضَعَّفَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَضَعْفُهَا بَيِّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتُلِفَ فِي النَّوْعِ الْمُخْرَجِ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالشَّعِيرُ إِلَّا خِلَافًا فِي الْبُرِّ لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَخِلَافًا فِي الزَّبِيبِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكِلَاهُمَا مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ بِهِ.
.
وَأَمَّا الْأَقِطُ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُخْرَجُ إِلَّا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَقَاسَ مَالِكٌ عَلَى الْخَمْسَةِ كُلَّ مَا هُوَ عَيْشُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْقَطَانِيِّ وَغَيْرِهَا وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يُجِزْ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِخْرَاجَالْقِيمَةِ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
.
قُلْتُ قَالَ أَصْحَابُنَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ كُلُّ حَبٍّ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ وَيُجْزِي الْأَقِطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ قُوتُ نَفْسِهِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَدَلَ عَنِ الْوَاجِبِ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَدَلَ إِلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِهِ .
قَوْلُهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ بَلْ وَافَقَهُ فِيهَا ثِقَتَانِ وَهُمَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ فَالضَّحَّاكُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ.
.
وَأَمَّا عُمَرُ فَفِي الْبُخَارِيِّ .
قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ فَ.
قَوْلُهُ سَمْرَاءِ الشَّامِ هِيَ الْحِنْطَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ فِي جَوَازِ نِصْفِ صَاعٍ حِنْطَةٍ وَالْجُمْهُورُ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً وَأَعْلَمُ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَنَرْجِعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَجَدْنَا ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسَ مُتَّفِقًا عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ كَغَيْرِهَا فَوَجَبَ اعْتِمَادُهُ وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ عِلْمٌ فِي مُوَافَقَةِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرَهُ كَمَا جَرَىمن تمر أوصاعا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى فَرَضَ هُنَا فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تعالى وآتوا الزكاة وَلِقَوْلِهِ فَرَضَ وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ إِنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا وَمَعْنَى فَرَضَ قَدَّرَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ لَيْسَتْ فَرْضًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ قَالَ الْقَاضِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْفِطْرَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ.
.
قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا فَرْضُ وَاجِبٍ .
قَوْلُهُ (مِنْ رَمَضَانَ) إِشَارَةٌ إِلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ وَالثَّانِي تَجِبُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ بِالْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ مَعًا فَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الطُّلُوعِ لَمْ تَجِبْ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَفِي قَوْلِهِ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا قَالَ وَكَانَ سَبَبُ هَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَطُولُ وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا مِنْ أُمُورٍ تُفَوِّتُ كَمَالَهَا جَعَلَ الشَّرْعُ فِيهَا كَفَّارَةً مَالِيَّةً بَدَلَ النَّقْصِ كَالْهَدْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَذَا الْفِطْرَةُ لِمَا يَكُونُ فِي الصَّوْمِ مِنْ لَغْوٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي إِخْرَاجِهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ إِخْرَاجُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا صَغِيرٍ أَوْ كبير وتعلق من لم يوجبها بأنها تَطْهِيرٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى التَّطْهِيرِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّعْلِيلَبِالتَّطْهِيرِ لِغَالِبِ النَّاسِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُوجَدَ التَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ كَصَالِحٍ مُحَقَّقِ الصَّلَاحِ وَكَكَافِرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ وَكَمَا أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فَلَوْ وَجَدَ مَنْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْقَصْرُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَإِنَّ دَاوُدَ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَمْكِينَهُ مِنْ كَسْبِهَا كَمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً وَالثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَحْمِلُهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَلَفْظَةُ عَلَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ لَفْظَةُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ وَبِهِ قال مالك وأبوحنيفة وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَقَولُهُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعِيدِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَصَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّادَةُدُونَ الْعَبِيدِ وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَاعًا مِنْ كَذَا وَصَاعًا مِنْ كَذَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ صَاعٌ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبٍ وَجَبَ صَاعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً وَزَبِيبًا وَجَبَ أَيْضًا صَاعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ نِصْفُ صَاعٍ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ اسْمٌ لِلْحِنْطَةِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِبَاقِي الْمَذْكُورَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَوْجَبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا صَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَاعٌ وَلَا نَظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ وَوَقَعَ في رواية لأبي داود أوصاعا مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَيْسَ لِلْقَائِلَيْنِ بِنِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ إِلَّا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ وَسَنُجِيبُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً ضَعَّفَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَضَعْفُهَا بَيِّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتُلِفَ فِي النَّوْعِ الْمُخْرَجِ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالشَّعِيرُ إِلَّا خِلَافًا فِي الْبُرِّ لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَخِلَافًا فِي الزَّبِيبِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكِلَاهُمَا مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ بِهِ.
.
وَأَمَّا الْأَقِطُ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُخْرَجُ إِلَّا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَقَاسَ مَالِكٌ عَلَى الْخَمْسَةِ كُلَّ مَا هُوَ عَيْشُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْقَطَانِيِّ وَغَيْرِهَا وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يُجِزْ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِخْرَاجَالْقِيمَةِ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
.
قُلْتُ قَالَ أَصْحَابُنَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ كُلُّ حَبٍّ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ وَيُجْزِي الْأَقِطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ قُوتُ نَفْسِهِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَدَلَ عَنِ الْوَاجِبِ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَدَلَ إِلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِهِ .
قَوْلُهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ بَلْ وَافَقَهُ فِيهَا ثِقَتَانِ وَهُمَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ فَالضَّحَّاكُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ.
.
وَأَمَّا عُمَرُ فَفِي الْبُخَارِيِّ .
قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ فَ.
قَوْلُهُ سَمْرَاءِ الشَّامِ هِيَ الْحِنْطَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ فِي جَوَازِ نِصْفِ صَاعٍ حِنْطَةٍ وَالْجُمْهُورُ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً وَأَعْلَمُ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَنَرْجِعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَجَدْنَا ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسَ مُتَّفِقًا عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ كَغَيْرِهَا فَوَجَبَ اعْتِمَادُهُ وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ عِلْمٌ فِي مُوَافَقَةِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرَهُ كَمَا جَرَىمن تمر أوصاعا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى فَرَضَ هُنَا فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تعالى وآتوا الزكاة وَلِقَوْلِهِ فَرَضَ وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ إِنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا وَمَعْنَى فَرَضَ قَدَّرَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ لَيْسَتْ فَرْضًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ قَالَ الْقَاضِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْفِطْرَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ.
.
قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا فَرْضُ وَاجِبٍ .
قَوْلُهُ (مِنْ رَمَضَانَ) إِشَارَةٌ إِلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ وَالثَّانِي تَجِبُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ بِالْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ مَعًا فَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الطُّلُوعِ لَمْ تَجِبْ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَفِي قَوْلِهِ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا قَالَ وَكَانَ سَبَبُ هَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَطُولُ وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا مِنْ أُمُورٍ تُفَوِّتُ كَمَالَهَا جَعَلَ الشَّرْعُ فِيهَا كَفَّارَةً مَالِيَّةً بَدَلَ النَّقْصِ كَالْهَدْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَذَا الْفِطْرَةُ لِمَا يَكُونُ فِي الصَّوْمِ مِنْ لَغْوٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي إِخْرَاجِهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ إِخْرَاجُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا صَغِيرٍ أَوْ كبير وتعلق من لم يوجبها بأنها تَطْهِيرٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى التَّطْهِيرِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّعْلِيلَبِالتَّطْهِيرِ لِغَالِبِ النَّاسِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُوجَدَ التَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ كَصَالِحٍ مُحَقَّقِ الصَّلَاحِ وَكَكَافِرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ وَكَمَا أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فَلَوْ وَجَدَ مَنْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْقَصْرُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَإِنَّ دَاوُدَ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَمْكِينَهُ مِنْ كَسْبِهَا كَمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً وَالثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَحْمِلُهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَلَفْظَةُ عَلَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ لَفْظَةُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ وَبِهِ قال مالك وأبوحنيفة وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَقَولُهُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعِيدِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَصَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّادَةُدُونَ الْعَبِيدِ وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَاعًا مِنْ كَذَا وَصَاعًا مِنْ كَذَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ صَاعٌ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبٍ وَجَبَ صَاعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً وَزَبِيبًا وَجَبَ أَيْضًا صَاعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ نِصْفُ صَاعٍ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ اسْمٌ لِلْحِنْطَةِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِبَاقِي الْمَذْكُورَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَوْجَبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا صَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَاعٌ وَلَا نَظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ وَوَقَعَ في رواية لأبي داود أوصاعا مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَيْسَ لِلْقَائِلَيْنِ بِنِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ إِلَّا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ وَسَنُجِيبُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً ضَعَّفَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَضَعْفُهَا بَيِّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتُلِفَ فِي النَّوْعِ الْمُخْرَجِ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالشَّعِيرُ إِلَّا خِلَافًا فِي الْبُرِّ لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَخِلَافًا فِي الزَّبِيبِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكِلَاهُمَا مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ بِهِ.
.
وَأَمَّا الْأَقِطُ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُخْرَجُ إِلَّا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَقَاسَ مَالِكٌ عَلَى الْخَمْسَةِ كُلَّ مَا هُوَ عَيْشُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْقَطَانِيِّ وَغَيْرِهَا وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يُجِزْ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِخْرَاجَالْقِيمَةِ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
.
قُلْتُ قَالَ أَصْحَابُنَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ كُلُّ حَبٍّ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ وَيُجْزِي الْأَقِطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ قُوتُ نَفْسِهِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَدَلَ عَنِ الْوَاجِبِ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَدَلَ إِلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِهِ .
قَوْلُهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ بَلْ وَافَقَهُ فِيهَا ثِقَتَانِ وَهُمَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ فَالضَّحَّاكُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ.
.
وَأَمَّا عُمَرُ فَفِي الْبُخَارِيِّ .
قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ فَ.
قَوْلُهُ سَمْرَاءِ الشَّامِ هِيَ الْحِنْطَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ فِي جَوَازِ نِصْفِ صَاعٍ حِنْطَةٍ وَالْجُمْهُورُ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً وَأَعْلَمُ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَنَرْجِعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَجَدْنَا ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسَ مُتَّفِقًا عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ كَغَيْرِهَا فَوَجَبَ اعْتِمَادُهُ وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ عِلْمٌ فِي مُوَافَقَةِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرَهُ كَمَا جَرَىمن تمر أوصاعا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى فَرَضَ هُنَا فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تعالى وآتوا الزكاة وَلِقَوْلِهِ فَرَضَ وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ إِنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا وَمَعْنَى فَرَضَ قَدَّرَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ لَيْسَتْ فَرْضًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ قَالَ الْقَاضِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْفِطْرَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ.
.
قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا فَرْضُ وَاجِبٍ .
قَوْلُهُ (مِنْ رَمَضَانَ) إِشَارَةٌ إِلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ وَالثَّانِي تَجِبُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ بِالْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ مَعًا فَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الطُّلُوعِ لَمْ تَجِبْ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَفِي قَوْلِهِ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا قَالَ وَكَانَ سَبَبُ هَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَطُولُ وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا مِنْ أُمُورٍ تُفَوِّتُ كَمَالَهَا جَعَلَ الشَّرْعُ فِيهَا كَفَّارَةً مَالِيَّةً بَدَلَ النَّقْصِ كَالْهَدْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَذَا الْفِطْرَةُ لِمَا يَكُونُ فِي الصَّوْمِ مِنْ لَغْوٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي إِخْرَاجِهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ إِخْرَاجُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا صَغِيرٍ أَوْ كبير وتعلق من لم يوجبها بأنها تَطْهِيرٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى التَّطْهِيرِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّعْلِيلَبِالتَّطْهِيرِ لِغَالِبِ النَّاسِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُوجَدَ التَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ كَصَالِحٍ مُحَقَّقِ الصَّلَاحِ وَكَكَافِرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ وَكَمَا أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فَلَوْ وَجَدَ مَنْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْقَصْرُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَإِنَّ دَاوُدَ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَمْكِينَهُ مِنْ كَسْبِهَا كَمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً وَالثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَحْمِلُهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَلَفْظَةُ عَلَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ لَفْظَةُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ وَبِهِ قال مالك وأبوحنيفة وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَقَولُهُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعِيدِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَصَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّادَةُدُونَ الْعَبِيدِ وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَاعًا مِنْ كَذَا وَصَاعًا مِنْ كَذَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ صَاعٌ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبٍ وَجَبَ صَاعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً وَزَبِيبًا وَجَبَ أَيْضًا صَاعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ نِصْفُ صَاعٍ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ اسْمٌ لِلْحِنْطَةِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِبَاقِي الْمَذْكُورَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَوْجَبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا صَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَاعٌ وَلَا نَظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ وَوَقَعَ في رواية لأبي داود أوصاعا مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَيْسَ لِلْقَائِلَيْنِ بِنِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ إِلَّا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ وَسَنُجِيبُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً ضَعَّفَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَضَعْفُهَا بَيِّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتُلِفَ فِي النَّوْعِ الْمُخْرَجِ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالشَّعِيرُ إِلَّا خِلَافًا فِي الْبُرِّ لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَخِلَافًا فِي الزَّبِيبِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكِلَاهُمَا مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ بِهِ.
.
وَأَمَّا الْأَقِطُ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُخْرَجُ إِلَّا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَقَاسَ مَالِكٌ عَلَى الْخَمْسَةِ كُلَّ مَا هُوَ عَيْشُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْقَطَانِيِّ وَغَيْرِهَا وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يُجِزْ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِخْرَاجَالْقِيمَةِ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
.
قُلْتُ قَالَ أَصْحَابُنَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ كُلُّ حَبٍّ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ وَيُجْزِي الْأَقِطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ قُوتُ نَفْسِهِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَدَلَ عَنِ الْوَاجِبِ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَدَلَ إِلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِهِ .
قَوْلُهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ بَلْ وَافَقَهُ فِيهَا ثِقَتَانِ وَهُمَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ فَالضَّحَّاكُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ.
.
وَأَمَّا عُمَرُ فَفِي الْبُخَارِيِّ .
قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ فَ.
قَوْلُهُ سَمْرَاءِ الشَّامِ هِيَ الْحِنْطَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ فِي جَوَازِ نِصْفِ صَاعٍ حِنْطَةٍ وَالْجُمْهُورُ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً وَأَعْلَمُ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَنَرْجِعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَجَدْنَا ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسَ مُتَّفِقًا عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ كَغَيْرِهَا فَوَجَبَ اعْتِمَادُهُ وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ عِلْمٌ فِي مُوَافَقَةِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَكَرَهُ كَمَا جَرَىلَهُمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ
[984] فرض زَكَاة الْفطر أَي أوجب وألزم وَقيل قدر من الْمُسلمين قَالَ التِّرْمِذِيّ وَغَيره هَذِه اللَّفْظَة انْفَرد بهَا مَالك دون سَائِر أَصْحَاب نَافِع قَالَ النَّوَوِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك بل وَافقه فِيهَا ثقتان الضَّحَّاك بن عُثْمَان فِي مُسلم وَعمر بن نَافِع فِي البُخَارِيّ