هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1831 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ ، قَالَ أَنَسٌ ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } ، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا ، وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَخْ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهِ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ ، وَبَنِي عَمِّهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1831 وحدثني مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أنه سمع أنس بن مالك يقول : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس ، فلما أنزلت هذه الآية : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن الله تبارك وتعالى يقول : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } ، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله أرجو برها ، وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت فيه ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه ، وبني عمه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من شرح الزرقاني

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: { { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } } قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: { { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } } وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا، وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَخْ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ، وَبَنِي عَمِّهِ.


(الترغيب في الصدقة)

(مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن أبي الحباب) بضم الحاء المهملة وموحدتين مخففًا (سعد بن يسار) بتحتية ومهملة خفيفة مرسلاً عند يحيى وأكثر الرواة وأسنده معن وابن بكير عن مالك عن يحيى عن أبي الحباب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تصدق بصدقة من كسب طيب) أي مكسوب والمراد ما هو أعم من تعاطي التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث وكأنه ذكر الكسب لأنه الغالب في تحصيل المال والمراد بالطيب الحلال لأنه صفة كسب قال القرطبي أصل الطيب المستلذ بالطبع ثم أطلق على المطلوب بالشرع وهو الحلال قال ابن عبد البر المحض أو المتشابه به لأنه في حيز الحلال على أشبه الأقوال للأدلة (ولا يقبل الله إلا طيبًا) جملة معترضة بين الشرط والجزاء التقدير ما قبله وفي رواية للبخاري ولا يصعد إلى الله إلا الطيب أي الحلال أو المتشابه لا الحرام قال القرطبي لأنه غير مملوك للمتصدق وهو ممنوع من التصرف فيه وهو قد تصرف فيه فلو قبله لزم أن يكون الشيء مأمورًا منهيًا من وجه واحد وهو محال وقال الأبي القبول حصول الثواب على الفعل إذ المعنى لا يثيب الله من تصدق بحرام وإنما يصح الحج بالمال الحرام لأن القبول أخص من الصحة لأنها عبارة عن كون الفعل مسقطًا للفرض ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم فالحج بالحرام صحيح إذ يسقط به الفرض وهو غير متقبل أي لا ثواب فيه ولا يتعقب هذا بأنه لا واجب إلا وفيه ثواب لأن رد الشيء المغصوب واجب ولا ثواب فيه ولا يشكل صحة الحج بالحرام بقول مالك في النكاح بالمال الحرام أخاف أن يضارع الزنا لأن ذلك مبالغة في التنفير عنه وإلا فالنكاح صحيح (فإنه إنما يضعها في كف الرحمن) ولمسلم عن سعيد المقبري عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت ثميرة فتربو في كف الرحمن قال المازري هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوه في خطابهم ليفهموا عنه فكنى عن قبول الصدقة باليمين وبالكف وعن تضعيف أجرها بالتربية وقال عياض لما كان الشيء الذي يرتضي يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول كقول الشاعر

إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين

لما استعار للمجد الراية استعار للمبادرة إلى فعلها التلقي باليمين وليس المراد الجارحة وقيل اليمين كناية عن الرضا والقبول إذ الشمال تستعمل في ضد ذلك وقد فرق الله بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال وقيل المراد بكف الرحمن ويمينه كف المتصدق عليه ويمينه وإضافتها إلى الله إضافة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة في كف الآخذ ويمينه لوجه الله وقيل المراد سرعة القبول وقيل حسنه ولعله يصح أن المراد بالكف كفة الميزان وكف كل شيء كفه وكفته وقال الزين بن المنير الكناية عن الرضا والقبول بالتلقي باليمين والكف لتثبيت المعاني المعقولة في الأذهان وتحقيقها في النفوس تحقيق المحسوسات أي لا يتشكك في القبول كما لا يتشكك من عاين التلقي للشيء بيمينه لا إن التناول كالتناول المعهود ولا أن التناول بجارحة وقال الترمذي في جامعه قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة نؤمن بهذا الأحاديث ولا نتوهم فيها تشبيهًا ولا نقول كيف هي هكذا روي عن مالك وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم وأنكرت الجهمية هذه الروايات انتهى وقد رد عليهم بما هو معلوم (يربيها) أي ينميها لصاحبها بمضاعفة الأجر أو الزيادة في الكمية قاله عياض وقد يصح أن التربية على وجهها وأن ذاتها تعظم يبارك الله فيها ويزيدها من فضله لتعظم في الميزان وتثقله (كما يربي أحدكم فلوه) بفتح الفاء وضم اللام وشد الواو مهره لأنه يفلي أي يفطم وقيل هو كل فطيم من حافر والجمع أفلاء كعدو وأعداء وحكى كسر الفاء وسكون اللام وأنكره ابن دريد وقال أبو زيد إذا فتحت الفاء شددت الواو وإذا كسرتها سكنت اللام وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيمًا فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال وكذلك عمل ابن آدم لا سيما الصدقة فإن العبد إذا تصدق بكسب طيب لا يزال ينظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما تقدم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل (أو فصيله) وهو ولد الناقة لأنه فصل عن رضاع أمه وفي رواية لمسلم أو قلوصه وهي الناقة المسنة وعند البزار مهره أو وصيفه أو فصيله ولابن خزيمة من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة فلوه أو قال فصيله وهذا يشعر بأن أو للشك من الراوي (حتى تكون مثل الجبل) لتثقل في ميزانه وفي مسلم عن المقبري عن سعيد بن يسار حتى تكون أعظم من الجبل وله عن سهيل عن أبيه حتى تكون مثل الجبل أو أعظم ولابن جرير من وجه آخر حتى يوافي بها يوم القيامة وهي أعظم من أحد قال أبو هريرة وتصديق ذلك في كتاب الله { { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } } وللترمذي حتى أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد قال الحافظ فالظاهر أن عينها تعظم لتثقل في الميزان ويحتمل أنه عبارة عن ثوابها وفي التمهيد قيل لبعض العلماء إن الله قال يمحق الله الربا وإنا نرى أصحاب الربا تنمى أموالهم فقال إنما يمحق الله الربا حيث يربي الصدقات ويضعفها يوم القيامة فإذا نظر العبد إلى أعماله نظرها ممحوقة أو مضاعفة وهذا الحديث مجمع على صحته انتهى وهو في الصحيحين وغيرهما من طريق عبيدة (مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول كان أبو طلحة) زيد بن سهل الخزرجي (أكثر أنصاري) أي أكثر كل واحد من الأنصار ولذا لم يقل أكثر الأنصار فهو من التفضيل على التفضيل قاله الكرماني (بالمدينة مالاً) تمييز أي من حيث المال (من نخل) بيان لمال (وكان أحب أمواله) هي حوائط قال ابن عبد البر كانت دار أبي جعفر والدار التي تليها حوائط لأبي طلحة وكان قصر بني حديلة حائطًا له يقال لها بئر حاء قال الحافظ ومراده بدار أبي جعفر التي صارت إليه بعد ذلك وعرفت به وهو أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي وقصر بني حديلة بحاء مهملة مصغر ووهم من قال بجيم بطن من الأنصار فنسب إليه بسبب المجاورة وإلا فالذي بناه معاوية لما اشترى حصة حسان بمائة ألف درهم ليكون له حصنًا وجعل له بابين أحدهما شارع على خط بني حديلة والآخر في الزاوية الشرقية والذي بناه لمعاوية الطفيل بن أبي بن كعب كما ذكره ابن شبة وغيره (بئر حاء) قال الباجي قرأناه على أبي ذر بفتح الراء في موضع الرفع والنصب والخفض والجمع واللفظان اسم لموضع وليست مضافة إلى موضع وقال الحافظ أبو عبد الله الصوري إنما هي بفتح الباء والراء واتفق هو وأبو ذر وغيرهما من الحفاظ على أن من رفع الراء حال الرفع فقد غلط وعلى ذلك كنا نقرؤه على شيوخ بلدنا وعلى الأول أدركت أهل العلم بالمشرق وهذا الموضع يعرف بقصر بني حديلة قبلي مسجد المدينة وفي فتح الباري بيرحاء بفتح الموحدة وسكون التحتية وبفتح الراء وبالمهملة والمد وجاء في ضبطها أوجه جمعها في النهاية فقال يروى بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد والقصر فهذه ثمانية وفي رواية حماد بن سلمة يعني في مسلم بريحا بفتح وكسر الراء مقدمة على التحتية وفي أبي داود بأريحاء مثله لكن بزيادة ألف وقال الباجي أفصحها بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء مقصور وكذا جزم به الصغاني وقال إنه فعيلاً من البراح قال ومن ذكره بكسر الموحدة فظن أنها بئر من آبار المدينة فقد صحف انتهى وتعقب فيما نسبه للنهاية بأن الذي فيها إنما هو خمس فقط فنصبها بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها والمد فيها وبفتحهما والقصر وقال عياض رويناه بفتح الباء والراء وبكسر الباء مع فتح الراء وضمها يسمى به وليس اسم بئر وجزم التيمي بأن المراد البستان قال لأن بساتين المدينة تدعى بآبارها أي البستان الذي فيه بيرحاء وجزم الصغاني بأنها اسم أرض لا بئر قال في اللامع ولا تنافي بين ذلك فإن الأرض أو البستان تسمى باسم البئر التي فيه وصوب الصغاني والزمخشري والمجد الشيرازي من هذا كله فتح الموحدة والراء وقال الباجي إنها المسموعة على أبي ذر وغيره قال في الفتح واختلف في حاء هل هي اسم رجل أو امرأة أو مكان أضيفت إليه البئر أو هي كلمة زجر للإبل فكأن الإبل كانت ترعى هناك وتزجر بهذه اللفظة فأضيفت البئر إلى اللفظة المذكورة (وكانت مستقبلة المسجد) النبوي أي مقابلته قريبة منه (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها) زاد في رواية للبخاري ويستظل فيها (ويشرب من ماء فيها) أي في بيرحاء (طيب) بالجر صفة ماء وفيه إباحة استعذاب الماء وتفضيل بعضه على بعض وإباحة الشرب من دار الصديق ولو لم يكن حاضرًا إذا علم طيب نفسه واتخاذ الحوائط والبساتين ودخول أهل العلم والفضل فيها والاستظلال بظلها والراحة والتنزه فيها وقد يكون ذلك مستحبًا يثاب عليه إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة وتنشيطها في الطاعة (قال أنس فلما أنزلت هذه الآية { { لن تنالوا البر } } أي لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضا والجنة { { حتى تنفقوا مما تحبون } } أي بعض ما تحبون من المال أو ما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيل الله (قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية عند ابن عبد البر ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر (فقال يا رسول الله إن الله تعالى يقول { { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } } وإن أحب أموالي إلي) بشد الياء (بيرحاء) خبر إن (وإنها صدقة لله أرجو برها) أي خيرها (وذخرها) بضم الذال وإسكان الخاء المعجمتين أي أقدمها فأدخرها لأجدها (عند الله) تعالى ولمسلم عن ثابت عن أنس لما نزلت الآية قال أبو طلحة أرى ربنا يسألنا عن أموالنا فاستشهدك يا رسول الله أني جعلت أرضي بيرحاء لله (فضعها يا رسول الله حيث شئت) وللتنيسي والقعنبي حيث أراك الله فوض أبو طلحة تعيين مصرفها له صلى الله عليه وسلم لكن لا تصريح فيه بأنه جعلها وقفًا ولذا قيل لا ينهض الاستدلال بهذه القصة لشيء من مسائل الوقف (قال) أنس (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فبخ) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وقد تنون مع التثقيل والتخفيف بالكسر وبالرفع والسكون ويجوز التنوين لغات ولو كررت فالمختار تنوين الأولى وتسكين الثانية ومعناه تفخيم الأمر والإعجاب به قاله الحافظ (ذلك مال رابح ذلك مال رابح) مرتين قال الباجي رواه يحيى وجماعة بتحتية وجيم أي يروج ثوابه في الآخرة انتهى وهو مخالف لقول ابن عبد البر رواه يحيى وجماعة رابح من الربح أي رابح صاحبه ومعطيه ورواه ابن وهب وغيره بتحتية أي يروح على صاحبه بالأجر العظيم والأول أولى عندي انتهى ونحوه قول أبي العباس الداني في أطراف الموطأ رواه يحيى الأندلسي بالموحدة والحاء المهملة وتابعه جماعة ورواه يحيى النيسابوري بالتحتية والحاء المهملة وتابعه إسماعيل وابن وهب ورواه القعنبي بالشك انتهى ومعنى رابح بموحدة ذو ربح كلابن وتامر أي يربح صاحبه في الآخرة وقيل فاعل بمعنى مفعول أي مال مربوح فيه ومعناه بتحتية اسم فاعل من الرواح نقيض الغد وأنه قريب الفائدة يصل نفعه إلى صاحبه كل رواح لا يحتاج أن يتكلف فيه إلى مشقة وسير أو يروح بالأجر ويغدو به واكتفى بالرواح عن الغدو لعلم السامع أو من شأنه الرواح وهو الذهاب والفوات فإذا ذهب في الخير فهو أولى وادعى الإسماعيلي أن رواية التحتية تصحيف (وقد سمعت) أنا (ما قلت) أنت (فيه وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) وفي رواية للبخاري قبلناه منك ورددناه عليك فاجعله في الأقربين (فقال أبو طلحة أفعل) بضم اللام مضارع (يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) عطف خاص على عام وفي البخاري من وجه آخر عن أنس فجعلها لحسان وأبي وأنا أقرب إليه ولم يجعل لي منها فباع حسان فقيل له أتبيع صدقة أبي طلحة فقال ألا أبيع صاعًا من تمر بصاع من دراهم وفي مرسل أبي بكر بن حزم فرده على أقاربه أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه أو ابن أخيه شداد بن أوس ونبيط بن جابر فتقاوموه فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم أي بعد ذلك في خلافة معاوية قال ابن عبد البر روى إسماعيل القاضي عن القعنبي عن مالك بلفظ فقسمها صلى الله عليه وسلم في أقاربه وبني عمه أي أقارب أبي طلحة وإضافة القسم إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم على أنه الآمر به وإن شاع في لسان العرب لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك والصواب على ابن عبد العزيز عن القعنبي فقسمها أبو طلحة كرواية الجماعة وفيه التمسك بالعموم لأن أبا طلحة فهم من الآية تناول ذلك لجميع أفراده فلم يقف حتى يرد عليه البيان عن شيء بعينه بل بادر إلى إنفاق ما يحبه وأقره صلى الله عليه وسلم وفيه فضيلة لأبي طلحة لأن الآية تضمنت الحث على الإنفاق من المحبوب فترقى هو إلى إنفاق أحب المحبوب فصوبه صلى الله عليه وسلم وشكر فعله ثم أمره أن يخص بها أهله وكنى عن رضاه بذلك بقوله بخ وزيادة صدقة التطوع على نصاب الزكاة خلافًا لمن قيدها به وصدقة الصحيح بأكثر من ثلثه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به وقال لسعد بن أبي وقاص الثلث والثلث كثير وفيه جواز حب المال للرجل الفاضل العالم وأنه لا نقص عليه من ذلك وقد أخبر الله عن الإنسان بقوله { { وإنه لحب الخير لشديد } } والخير المال اتفاقًا وفيه غير ذلك وأخرجه البخاري في الزكاة عن عبد الله بن يوسف وفي الوكالة عن يحيى النيسابوري وفي الوقف وفي الأشربة عن القعنبي وفي التفسير عن إسماعيل بن أبي أويس ومسلم في الزكاة عن يحيى النيسابوري أربعتهم عن مالك به وتابعه عبد العزيز الماجشون عن إسحاق عند البخاري (مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعطوا السائل) الذي يسأل التصدق عليه (وإن جاء على فرس) يعني لا تردوه وإن جاء على حالة تدل على غناه كركوب فرس فإنه لولا حاجته للسؤال ما بذل وجهه بل هذا وشبهه من المستورين الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وقد حكي أن عمر بن عبد العزيز بعث مالاً يفرق بالرقة فقال له الذي بعث معه يا أمير المؤمنين تبعثني إلى قوم لا أعرفهم وفيهم غني وفقير فقال كل من مد يده إليك فأعطه وزعم أن المراد وإن جاء على فرس يطلب علفه وطعامه تعسف ركيك قال الحراني ولو في مثله تجيء منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء وما بعدها جاء نصًا على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها فكونه على فرس يؤذن بغناه فلا يليق إعطاؤه دفعًا للتوهم وقال أبو حيان هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة تضمنها السابق والمعنى أعطوه كائنًا من كان ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما يتوهم أنه لا يندرج تحت عموم الحال المحذوفة فأدرج تحته ألا ترى أنه لا يحسن أعطوا السائل ولو كان غنيًا أو فقيرًا انتهى ومقصود الحديث الحث على إعطاء السائل وإن جل ولو ما قل كما يفيده حذف المتعلق لكن إذا وجده ولم يعارضه ما هو أهم وإلا فلا ضير في رده كما يفيده أحاديث أخر قال ابن عبد البر لا أعلم في إرسال هذا الحديث خلافًا عن مالك وليس فيه مسند يحتج به فيما أعلم انتهى وقد وصله ابن عدي من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة ولكن عبد الله ضعيف نعم له شاهد أخرجه أحمد وأبو داود وقاسم بن أصبغ عن الحسين بن علي مرفوعًا للسائل حق وإن جاء على فرس وسنده جيد قاله العراقي وغيره ولكن قال ابن عبد البر سنده ليس بالقوي وجاء بلفظ الموطأ وجه آخر عن أبي هريرة عند ابن عدي وضعفه ومن وجه آخر عند الدارقطني والحاصل أن المرسل صحيح وتتقوى رواية الواصل بتعدد الطرق وباعتضادها بالمرسل (مالك عن زيد بن أسلم) العدوي (عن عمرو) بفتح العين (ابن معاذ) بن سعد بن معاذ (الأشهلي الأنصاري) الأوسي أبي محمد المدني (عن جدته) يقال اسمها حواء بنت يزيد بن السكن صحابية مدنية (أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا نساء المؤمنات) روي بضم الهمزة منادى مفرد والمؤمنات صفة له فيرفع على اللفظ وينصب بالكسرة على المحل وروي بفتح الهمزة منادى مفرد مضاف والمؤمنات صفة لموصوف محذوف أي نساء النفوس أو الطائفة المؤمنات فخرج عن إضافة الموصوف إلى صفته ويجوز أنها منها بتأويل نساء بفاضلات أي فاضلات المؤمنات وأنكر ابن عبد البر رواية الإضافة ورده ابن السيد بأنها قد صحت نقلاً وساعدتها اللغة فلا معنى للإنكار ورواه الطبراني من حديث عائشة بلفظ يا نساء المؤمنين (لا تحقرن إحداكن أن تهدي لجارتها) شيئًا (ولو) كان (كراع شاة) بضم الكاف ما دون العقب وخص النساء لأنهن مواد المودة والبغضاء ولأنهن أسرع انتقالاً في كل منهما (محرقًا) نعت لكراع وهو مؤنث فحقه محرقة لكن وردت الرواية هكذا في الموطآت وغيرها وقل أن تعرض العرب بذكره فلعل الرواية على هذه اللغة والأظهر أنه نهي للمهدى إليها قاله الباجي ومر هذا الحديث سنده ومتنه في جامع ما جاء في الطعام والشراب إشارة إلى أن الطعام اسم لكل ما يطعم وإن قل وأعاده هنا إلى الترغيب في الصدقة وإن قلت والنهي عن احتقارها فلا تكرار قال أبو عمر في ذكر القليل تنبيه على فضل الكثير لمن فهم معنى الخطاب وقد أحسن القائل

افعل الخير ما استطعت وإن كان
قليلاً فلن تطيق لكله

ومتى تفعل الكثير من الخير
إذا كنت تاركًا لأقله

وأحسن منه قول محمد الوراق

لو قد رأيت الصغير من عمل
الخير ثوابًا عجبت من كبره

أو قد رأيت الحقير من عمل
الشر جزاء شفقت من شره

(مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن مسكينًا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف) واحد (فقالت لمولاة لها) لم تسم (أعطيه إياه فقالت ليس لك ما تفطرين عليه فقالت أعطيه إياه قالت) المولاة (ففعلت) أعطيته الرغيف (قالت فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان) شكت (ما كان يهدي لنا) شيئًا قبل ذلك (شاة) مفعول أهدى (وكفنها) أي مطبوخة للأكل (فدعتني عائشة فقالت كلي من هذا) أي لحم الشاة (هذا خير من قرصك) الرغيف الذي أردت منعي عن إعطائه للسائل (مالك قد بلغني أن مسكينًا استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب فقالت لإنسان خذ حبة فأعطه إياها فجعل) ذلك الإنسان (ينظر إليها ويتعجب) إذ لا تقع حبة عنب موقعًا من المستطعم (فقالت عائشة أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال) أي زنة (ذرة) وقد قال الله تعالى { { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } } أي من نقص حسنة أو زيادة سيئة { { وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها } } [الأنبياء: 47] .