هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1838 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ فَتَ هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1838 وحدثني عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن فت هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ، لأن يأخذ أحدكم حبله ، فيحتطب على ظهره ، خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله ، فيسأله أعطاه أو منعه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من شرح الزرقاني

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ.


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم ( عن عطاء بن يزيد) بتحتية فزاي ( الليثي) بمثلثة من أنفسهم وقيل مولاهم ( المدني) نزيل الشام من الثقات مات بالمدينة سنة خمس أو سبع ومائة وقد جاوز الثمانين ( عن أبي سعيد الخدري أن أناسًا) بضم الهمزة ( من الأنصار) قال الحافظ لم يتعين لي أسماؤهم إلا أن في النسائي ما يدل على أن أبا سعيد الراوي منهم وللطبراني عن حكيم بن حزام أنه خوطب ببعض ذلك لكنه ليس أنصاريًا إلا بالمعنى الأعم ( سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه) ثانيًا ( فأعطاهم حتى نفد) بكسر الفاء ودال مهملة أي فرغ ( ما عنده ثم قال ما يكون عندي من خير) ما موصولة متضمنة معنى الشرط وجوابه ( فلن أدخره عنكم) بتشديد المهملة أي لن أجعله دخيرة لغيركم أو لن أحبسه وأخبأه وأمنعه إياه ( ومن يستعفف) بفاءين أي يطلب العفة عن السؤال ( يعفه الله) بنصب الفاء أي يصونه عن ذلك أو يرزقه العفة أي الكف عن الحرام ( ومن يستغن) يظهر الغنى بما عنده من اليسير عن المسألة ( يغنه الله) أي يمده بالغنى من فضله ( ومن يتصبر) يعالج الصبر ويتكلفه على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا ( يصبره الله) يرزقه الله الصبر ويعينه عليه ويوفقه له ( وما أعطي) بضم الهمزة مبني للمفعول ( أحد) نائبه ( عطاء) نصب مفعول ثان لأعطى ( هو خير وأوسع من الصبر) لجمعه مكارم الأخلاق ولأنه كما قال الباجي أمر يدوم له الغنى به لا يفنى ومع عدمه لا يدوم له الغنى وإن كثر وربما يغنى ويمتد الأمل إلى أكثر منه مع عدم الصبر وقال الطيبي يريد أن من طلب من نفسه العفة عن السؤال ولم يظهر الاستغناء يعفه الله أي يصيره عفيفًا ومن ترقى عن هذه المرتبة إلى ما هو أعلى من إظهار الاستغناء عن الخلق لكن إن أعطى شيئًا لم يرده يملأ الله قلبه غنى ومن فاز بالقدح المعلى وتصبر ولم يسأل وإن أعطى لم يقبل فهذا هو الصبر الجامع لمكارم الأخلاق انتهى وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من السخاء وإنفاذ أمر الله وإعطاء السائل مرتين والاعتذار إلى السائل والحض على التعفف وجواز السؤال للحاجة وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه بلا مسألة وأخرجه الشيخان في الزكاة والبخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر) جملة إسمية وقعت حالاً ( وهو يذكر الصدقة) أي يحض عليها الأغنياء جملة حالية إسمية أيضًا وللقعنبي وذكر الصدقة بالجملة الفعلية الحالية ( و) يذكر ( التعفف) بفاءين ( عن المسألة) أي يحض الفقير على التعفف عنها أو يحضه على التعفف ويذم المسألة ( اليد العليا خير من اليد السفلى) قال الباجي أي أكثر ثوابًا سميت يد المعطي العليا لأنه أرفع درجة ومحلاً في الدنيا والآخرة ( واليد العليا هي المنفقة) اسم فاعل من أنفق هكذا رواه مالك قال أبو داود وكذا قال الأكثر عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع وقال واحد عنه المتعففة وكذا قال عبد الوارث عن أيوب قال الحافظ الواحد القائل المتعففة بعين وفاءين هو مسدد في مسنده وأخرجه ابن عبد البر من طريقه وتابعه أبو الربيع الزهراني عند أبي يوسف القاضي في كتاب الزكاة وأما رواية عبد الوارث فلم أقف عليها موصولة وقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ واليد العليا يد المعطي وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ المتعففة فقد صحف انتهى ورجح الخطابي الثانية بأن السياق في ذكر المسألة والتعفف عنها قال الطيبي وتجويز ترجيحه أن قوله وهو يذكر الصدقة إلخ كلام مجمل في معنى العفة عن السؤال وقوله اليد العليا بيان له وهو أيضًا مبهم فينبغي تفسيره بالعفة ليناسب المجمل وتفسيره بالمنفقة لا يناسب المجمل لكن إنما يتم هذا لو اقتصر على قوله اليد العليا هي المنفقة ولم يعقبه بقوله ( و) اليد ( السفلى هي السائلة) لدلالتها على علو المنفقة وسفالة السائلة ورذالتها وهي ما يستنكف منها فظهر بهذا أن رواية المنفقة أرجح نقلاً ودراية انتهى قال ابن عبد البر رواية مالك أولى وأشبه بالأصول ويؤيده حديث طارق المحاربي عند النسائي قال قدمنا المدينة فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب وهو يقول يد المعطي العليا قال الحافظ ولأبي داود وابن خزيمة عن عوف بن مالك عن أبيه مرفوعًا الأيدي ثلاثة فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعًا يد الله فوق يد المعطي ويد المعطي فوق يد المعطى ويد المعطى أسفل الأيدي ولأحمد والبزار عن عطية السعدي اليد المعطية هي العليا والسائلة هي السفلى فهذه الأحاديث متظافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية وأن السفلى هي السائلة وهذا هو المعتمد وقول الجمهور قال القرطبي أي تبعًا لابن عبد البر هذا التفسير نص من الشارع يدفع الخلاف في نوائله وادعى أبو العباس الداني في أطراف الموطأ أنه مدرج ولم يذكر له مستندًا نعم في الصحابة للعسكري بإسناد فيه انقطاع عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اليد العليا خير من اليد السفلى ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة ولا العليا إلا المعطية فهذا يشعر بأن التفسير من ابن عمر ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال كنا نتحدث أن اليد العليا هي المنفقة لكن يؤيد الرفع الأحاديث السابقة وقيل اليد السفلى الآخذة سواء كان بسؤال أو بلا سؤال وقواه قوم بأن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه قال ابن العربي التحقيق أن السفلى يد السائل وأما يد الآخذ فلا لأن يد الله هي المعطية وهي الآخذة وكلتاهما يمين وفيه نظر لأن البحث إنما هو في أيدي الآدميين أما يد الله فباعتبار كونه مالك كل شيء نسبت يده إلى الإعطاء وباعتبار قبوله للصدقة ورضاه بها نسبت إلى الآخذ ويده العليا على كل حال وأما يد الآدمي فأربعة يد المعطي وقد تظافرت الأخبار بأنها عليا ويد السائل وقد تظافرت الأحاديث بأنها السفلى سواء أخذت أم لا وهذا موافق بكيفية الإعطاء والأخذ غالبًا ثالثها يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد مد يد المعطى مثلاً وهذه توصف بأنها عليا علوًا اعتباريا رابعها يد الآخذ بلا سؤال واختلف فيها فذهب جمع إلى أنها سفلى نظرًا إلى المحسوس وأما المعنوي فلا يطرد فقد تكون عليًا في بعض الصور وعليه يحمل كلام من أطلق أنها عليا وعن الحسن البصري العليا المعطية والسفلى المانعة ولم يوافق عليه وأطلق آخرون من المتصوفة أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقًا قال ابن قتيبة وما أرى هؤلاء إلا قومًا استطابوا السؤال فهم يحتجون للدناءة ولو جاز هذا لكان المولى من فوق هو الذي كان رقيقًا فأعتق والمولى من أسفل هو السيد الذي أعتقه وفي مطلع الفوائد للعلامة جمال الدين بن نباتة في تأويل الحديث معنى آخر أن اليد هنا النعمة فكان المعنى العطية الجزيلة خير من العطية القليلة فهذا حث على مكارم الأخلاق بأوجز لفظ ويشهد له أحد التأويلين في قوله ما أبقت غني أي ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله كمن أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى بخلاف ما لو أعطاها لرجل واحد قال وهو أولى من حمل اليد على الجارحة لأن ذلك لا يستمر إذ قد يأخذ من هو خير عند الله ممن يعطي قلت التفاضل هنا يرجع إلى الإعطاء والأخذ ولا يلزم منه أن يكون المعطي أفضل من الآخذ على الإطلاق وقد روى إسحاق في مسنده عن حكيم بن حزام أنه قال يا رسول الله ما اليد العليا قال التي تعطي ولا تأخذ فهذا صريح في أن الآخذة ليست بعليا وكل هذه التأويلات المتعسفة تضمحل عند الأحاديث المتقدمة المصرحة بالمراد فأولى ما فسر الحديث بالحديث ومحصل ما في الأحاديث المتقدمة أن أعلى الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بغير سؤال وأسفل الأيدي السائلة والمانعة قال ابن عبد البر في الحديث إباحة الكلام للخطيب بل كل ما يصلح من موعظة وعلم وقربة والحث على الإنفاق في وجوه الطاعة وتفضيل الغني مع القيام بحقوقه على الفقر لأن العطاء إنما يكون مع الغنى وفيه كراهة السؤال والتنفير عنه ومحله إذا لم تدع إليه ضرورة من خوف هلاك ونحوه وقد روى الطبراني بإسناد فيه مقال عن ابن عمر مرفوعًا ما المعطي من سعة بالأفضل من الآخذ إذا كان محتاجًا انتهى والحديث رواه البخاري عن القعنبي ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) مرسلاً قال أبو عمر باتفاق الرواة يتصل من وجوه عن عمر منها ما أخرجه قاسم بن أصبغ من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء) بالمد أي بسبب العمالة كما في مسلم لا من الصدقة فليس العطاء المذكور من جهة الفقر وقد نقل عياض عن الطحاوي أن العطاء ما يفرقه الإمام بين الأغنياء والفقراء من غير مال الزكاة ( فرده عمر) زهدًا وعدم حرص على التكثير من المال وإيثارًا للغير ففي الصحيحين عن عمر كان صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لم رددته فقال يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيرًا) أفضل ( لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عن المسألة) السؤال للناس ( فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله) زاد في رواية الصحيحين فخذه فتموله أو تصدق به أي اقبله وأدخله في ملكك ومالك ( فقال عمر بن الخطاب أما) بالفتح وخفة الميم ( والذي نفسي بيده لا أسأل أحدًا شيئًا ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته) اتباعًا للأمر النبوي في الوجهين وفيه أن رد عطية الإمام ليس من الأدب ولا سيما منه صلى الله عليه وسلم لعموم قوله تعالى { { وما آتاكم الرسول فخذوه } } وإنما ردها عمر للشبهة التي أزالها صلى الله عليه وسلم عنه قال ابن جرير أجمعوا على أن الأخذ من النبي صلى الله عليه وسلم مستحب واختلف في إعطاء غيره دون مسألة والمعطى من يجوز إعطاؤه فقيل باستحبابه أيضًا كان المعطى سلطانًا أو غيره وهذا هو الراجح يعني بالشرطين المذكورين في قوله لعمر إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مسرف ولا سائل فخذه وقيل هو مخصوص بالسلطان ويؤيده حديث سمرة في السنن إلا أن تسأله ذا سلطان قال وقيل يستحب من غير السلطان لا منه فحرام وقيل مكروه وكان بعضهم يقبل عطية السلطان وبعضهم يكره وهذا محمول على عطية السلطان الجائر والكراهة محمولة على الورع وهو المشهور من تصرف السلف قال الحافظ والتحقيق في المسألة أن من علم حل ماله لا يرد عطيته أو حرمته فيحرم عطيته ومن شك فيها فالاحتياط رده وهو الورع ومن أباحه أخذ بالأصل قال ابن المنذر احتج من رخص فيه بقول الله تعالى في اليهود سماعون للكذب أكالون للسحت { { وقد رهن الشارع درعه عند يهودي مع علمه بذلك وكذلك أخذ الجزية مع العلم بأن أكثر أموالهم ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة ( مالك عن أبي الزناد) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر قولان مرجحان ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده) فيه الحلف على الشيء المقطوع بصدقه لتأكيده في نفس السامع ( ليأخذ) قال ابن عبد البر كذا في جل الموطآت وفي رواية معن وابن نافع لأن يأخذ ( أحدكم حبله) بالإفراد وفي رواية أحبله بالجمع ( فيحطب) بكسر الطاء أي يجمع الحطب ( على ظهره) وفي حديث الزبير بن العوام عند البخاري فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه وذلك مراد في حديث أبي هريرة وحذف لدلالة السياق عليه قاله الحافظ على أن في مسلم من طريق أبي عبيد الله عن أبي هريرة فتجعلها على ظهره فيبيعها وله عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة فيحطب على ظهره فيتصدق ويستغنى به عن الناس ( خير له من أن يأتي رجلاً) وفي حديث الزبير من أن يسأل الناس والمعنى واحد ( أعطاه الله من فضله) صفة رجل ( فيسأله أعطاه) لحمله ثقل المنة مع ذل السؤال ( أو منعه) فاكتسب الذل والخيبة والحرمان وخير ليست بمعنى أفعل التفضيل بل هي هنا كقوله تعالى } } أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا { { إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الاكتساب ويحتمل أنه بحسب اعتقاد السائل تسمية ما يعطاه خيرًا وهو في الحقيقة شر وفيه الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك وعند ابن عبد البر عن عمر مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس قال العلماء ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل وفيه فضل الاكتساب بعمل اليد وقد قيل إنه أفضل المكاسب ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وهو في مسلم من وجوه أخر عن أبي هريرة ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد) وإبهام الصحابي لا يضر لعدالة جميعهم فالحديث صحيح وقد نص على ذلك أحمد وغيره ( أنه قال نزلت أنا وأهلي ببقيع) بباء موحدة ( الغرقد) بغين معجمة وقاف مقبرة المدينة سميت بذلك لشجر غرقد كان هناك وهو شجر عظيم ويقال إنه العوسج ( فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئًا نأكله وجعلوا يذكرون من حاجتهم) ما يأكلون ( فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأسأله ( فوجدت عنده رجلاً يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أجد ما أعطيك فتولى الرجل عنه وهو مغضب) لعدم العطاء ( وهو يقول لعمري) أي حياتي ( إنك لتعطي من شئت) ولعل هذا الرجل كان من أجلاف العرب حديث عهد بالإسلام أو كان منافقًا على أنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينتقم لنفسه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لمغضب علي أن لا أجد ما أعطيه) مع أن هذا لا يقتضي الغضب بوجه ( من سأل منكم وله أوقية) بضم الهمزة وشد الياء وتخفيفها ( أو عدلها) بفتح العين ما يبلغ قيمتها من غير الفضة ( قد سأل إلحافًا) أي إلحاحًا وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه يقال لحفني من فضل لحافه أي أعطاني من فضل ما عنده فخالف ثناء الله بقوله } } لا يسألون الناس إلحافا ومعناه أنهم لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا وقيل هو نفي السؤال والإلحاح معًا كقوله

علي لا حب لا يهتدي لمناره

فمراده نفي المنار والاهتداء به ولا ريب أن نفي السؤال والإلحاح أدخل في التعفف ( قال الأسدي فقلت) عند سماع ذلك ( للقحة) بفتح اللام الأولى ابتدائية أو جواب قسم مقدر وكسر اللام الثانية وقد تفتح وسكون القاف أي ناقة ( لنا خير من أوقية) بالألف قال ( والأوقية أربعون درهمًا) سميت بذلك من الوقاية لأن المال مخزون مصون أو لأنه بقي الشخص من الضرورة قال الباجي هذا إنما هو في السؤال دون الأخذ فتحل لمن له خمس أواق وإن كان تجب عليه زكاتها إذا كان ذا عيال وفي الترمذي وغيره عن ابن مسعود مرفوعًا من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف ولأبي داود وصححه ابن حبان عن سهل بن الحنظلية رفعه من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار فقالوا وما يغنيه قال قدر ما يغديه ويعشيه ( قال) الأسدي ( فرجعت ولم أسأله) يدل على قوة فهمه لأنه اتعظ بغيره ( فقدم) بضم القاف وكسر الدال ( على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب فقسم لنا منه) صريح في أنه قسمه كله وأعطاهم بعضه ( حتى أغنانا الله) لأن من يستغني يغنيه الله وقد وقع نحو هذه القصة لأبي سعيد الخدري قال أسرحتني أمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني لأسأله من حاجة شديدة فأتيته وقعدت فاستقبلني فقال من استغنى أغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن استكفى كفاه الله ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف فقلت ناقتي خير من أوقية فرجعت ولم أسأله رواه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والضياء ( مالك عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب المدني ثقة صدوق ( أنه سمعه يقول ما نقصت صدقة من مال) بل يزيد الله فيه ما نقص منه ويحتمل أنه وإن نقص فله في الآخرة من الأجر ما يجبر ذلك النقص ويحتمل أن يجمع له الأمران قاله عياض وقال الطيبي يحتمل أن من زائدة أي ما نقصت صدقة مالاً ويحتمل أنها صلة لنقصت والمفعول الأول محذوف أي ما نقصت شيئًا من مال بل يزيد في الدنيا بالبركة فيه ودفع المفاسد عنه والإخلاف عليه بما هو أجدى وأنفع وأكثر وأطيب وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه أو في الآخرة بإجزال الأجر وتضعيفه أو فيهما وذلك جائز لإضعاف ذلك النقص بل وقع لبعض العلماء أنه تصدق من ماله فلم يجد فيه نقصًا قال الفاكهاني أخبرني من أثق به أنه تصدق من عشرين درهمًا بدرهم فوزنها فلم تنقص قال وأنا وقع لي ذلك وقول الكلاباذي يراد بالصدقة الفرض وبإخراجها ما لم ينقص ماله لكونها دينًا فيه بعد لا يخفى ( وما زاد الله عبدًا بعفو) أي تجاوز عن الانتصار ( إلا عزًا) أي رفعة في الدنيا فمن عرف بالصفح ساد وعظم في القلوب فيزيد عزة في الدنيا والآخرة بأن يعظم ثوابه أو فيهما قاله عياض ( وما تواضع عبد) من المؤمنين وقار عبودية لله في الائتمار بأمره والانتهاء عن نهيه ومشاهدته لحقارة نفسه ونفي العجب عنها ففي لفظ عبد إشعار بأن ذلك شأنه ولمسلم وغيره وما تواضع أحد لله ( إلا رفعه الله) في الدنيا بأن يثبت له في القلوب المحبة والمكانة أو في الآخرة بأن ينيله الرفعة فيها لتواضعه في الدنيا أو فيهما وقد ظهر صدق الحديث فإن هذه الوجوه كلها موجودة في الدنيا وفي هذا كله رد قول من يقول الصبر والحلم الذل ومن قاله من الأجلة فإنما أراد أنه يشبهه في الاحتمال وعدم الانتصار قاله عياض وقال القرطبي التواضع انكسار والتذلل ضد التكبر فالتواضع إن كان لله أو لرسوله أو للحاكم أو للعالم فهذا واجب يرفع الله به في الدارين وأما لسائر الخلق فإن قصد به وجه الله فإن الله يرفع قدر صاحبه في القلوب ويطيب ذكره في الأفواه ويرفع قدره في الآخرة وإن فعل ذلك لأجل الدنيا فلا عز معه وقال غيره من تواضع لله في تحمل مؤنة خلقه كفاه الله مؤنة ما يرفعه إلى هذا المقام ومن تواضع في قبول الحق ممن دونه قبل الله منه مدحور طاعته ونفعه بقليل حسناته وزاد في رفع درجاته وحفظه بمعقبات رحمته من بين يديه ومن خلفه واعلم أن من جبلة الإنسان الشح بالمال ومشايعة السبعية من إيثار الغضب والانتقام والاسترسال في الكبر الذي هو من نتائج الشيطنة فأراد صلى الله عليه وسلم أن يقلعها فحث أولاً على الصدقة ليتحلى بالسخاء والكرم وثانيًا على العفو ليتعزز بعز الحكم والوقار وثالثًا على التواضع ليرفع درجاته في الدارين ( قال) مالك ( لا أدري أيرفع) العلاء ( هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا) شك في رفعه ومثله لا يكون رأيًا وأسنده عنه جماعة وهو محفوظ مسند قاله ابن عبد البر وأخرجه مسلم والترمذي من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير وحفص بن ميسرة وشعبة وعبد العزيز بن محمد كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا أسند ذلك كله في التمهيد.