هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1868 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ يَحْيَى : أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى ، ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ، - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرٍو وَهُوَ ابْنُ مُرَّةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ ، قَالَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَأَتَاهُ أَبِي ، أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى وَحَدَّثَنَاه ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : صَلِّ عَلَيْهِمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  واللفظ له حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن عمرو وهو ابن مرة ، حدثنا عبد الله بن أبي أوفى ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا أتاه قوم بصدقتهم ، قال : اللهم صل عليهم فأتاه أبي ، أبو أوفى بصدقته ، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى وحدثناه ابن نمير ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن شعبة ، بهذا الإسناد ، غير أنه قال : صل عليهم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال اللهم صل عليهم فأتاه أبي أبو أوفى بصدقته فقال اللهم صل على آل أبي أوفى.



المعنى العام

من أسمى أهداف الإسلام الحرص على حسن العلاقة من المتعاملين، ويزيد اهتمامه بذلك حين يكون أحد المتعاملين قريباً من السلطة أو له نوع من الولاية، ويزداد اهتماماً إذا كانت الأمور تقديرية تختلف فيها الأنظار، ويصبح الوضع أشد حساسية إذا كان المشرع أحد أطراف المعاملة وهنا يتوفر كل دواعي الاهتمام.

فالسعاة وهم العاملون على الزكاة رسل الحاكم وعملاؤه وممثلوه في مهمتهم، والحاكم في ذاك الوقت رسول التشريع، والقضية أخذ أموال، والنفس البشرية بطبيعتها تضن به وتحرص عليه.

حقاً هناك قواعد واضحة للمعاملة، تقول في كل كذا كذا، ولا تؤخذ كرائم الأموال ونفائسها وأعزها عند المالك، وتحذير للعامل من الظلم فيقول: واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.
كل ذلك قائم، ولكن هناك أيضاً اختلاف أنظار في سن الماشية، وفي جودة أو رداءة نموها، في قوتها أو ضعفها، وفي سمنها أو هزالها، وقد يوجد خلاف أيضاً إذا كانت كثيرة في عدها، والأمر نحو ذلك في الزروع والثمار، وبخاصة ما طريقه الخرص والتقدير.

فكان من الضروري أن يحصل خلاف بين العامل على الصدقة وبين رب المال، وكان كثيراً ما يقع في نفس كل منهما أنه مظلوم، ويخطر في نفس المالك أن العامل يأخذ أكثر من الحق.
ويخطر في نفس العامل أن المالك يتهرب من الحق، فيشكو كل منهما الآخر.

فماذا يفعل المشرع والحاكم أمام هذه الشكاوي؟ إنه لم يأل جهداً في وصيته لهم حين يبعثهم، لدرجة أن يطلب منهم الدعاء لرب المال بالبركة والإخلاف، ولا يدخر وسعاً في مراقبة تصرفاتهم ومحاسبتهم، لكن الطرف الثاني في حاجة إلى التنبيه والوعظ والتذكير والإيقاظ، إنه في حاجة إلى أن يواجه شح نفسه، ويهذب من حرصه، ويروض طباعه وسلوكه على السخاء والبذل وحسن الأداء والعطاء { { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } } [الحشر: 9] .

إن النفس البشرية جبلت على حب الأخذ دون الإعطاء، وهي حين تدفع الزكاة يغيب عنها أنها تأخذ أكثر مما تعطي، يغيب عنها أنها تأخذ عشرة أمثال ما تعطي، يغيب عنها أن الصدقة تقع في يمين الرحمن قبل أن تقع في يد آخذها، فيربيها -جل شأنه- لصاحبها حتى تكون مثل الجبل، يغيب عنها أن إرضاء الآخذ إرضاء للرب سبحانه وتعالى.

من هنا كانت أحاديثنا توصي رب المال بإرضاء السعاة، وإذا أمعنا النظر وجدنا إرضاء السعاة في مصلحة المالك نفسه وليس في مصلحة السعاة.

لنفترض حين الاختلاف والشكوى.
لنفترض السعاة على صواب مرة وعلى خطأ مرة أخرى، ثم ننظر من المستفيد؟ حين يكون السعاة على حق فيما أخذوا ستخلو عهدة المالك، وينجو من النار، ويثاب ولو رغم أنفه.

وحين يكون السعاة على خطأ وقد أخذوا أكثر من الحق، سيضيع على المالك نفع دنيوي، وسيعطى بدله نفعاً أخروياً، سيكون قد اشترى كثيراً بقليل { { قل متاع الدنيا قليل } } [النساء: 77] ودائماً بزائل، بل لن يضيع عليه نفع دنيوي في حقيقة الأمر وإن ظن ذلك صورة وشكلاً، فالزكاة نماء لا نقص، لأن الله تعالى يمحق الربا ويربي الصدقات، { { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } } [سبأ: 39] .

فهل يوصي المشرع السعاة بالتساهل مع أرباب الأموال، أو يوصي أرباب الأموال بإرضاء السعاة والمسارعة إلى الاستجابة لهم؟ أي الأمرين خير لأرباب الأموال؟.

لقد اختار المشرع ما هو خير لهم، فقال: ارضوا مصدقيكم.
السعاة الذين يحملون صدقتكم، واستجاب الصحابة لهذه الوصية إذ عرفوا أنها في صالحهم، وها هو الصحابي الجليل جرير بن عبد الله راوي الحديث يقول: ما صدر عني مصدق، وما انصرف عني ساع، وما رحل من عندي عامل زكاة بعد أن سمعت هذا الحديث -إلا وهو عني راض.

رضي الله عنهم أجمعين، وصلى وسلم على مبلِّغ الرسالة الأمين.

المباحث العربية

( اللهم صل عليهم) الصلاة في اللغة الدعاء، وهو من قوله تعالى: { { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم } } [التوبة: 103] أي ادعوا لهم بالخير والبركة والإحسان ونحو ذلك.
والصلاة من الله الرحمة والمغفرة والإحسان فمعنى اللهم صل على آل أبي أوفى اللهم بارك لهم وأحسن إليهم.

( فأتاه أبي أبو أوفى) عبد الله بن أبي أوفى من أصحاب بيعة الرضوان، مات سنة سبع وثمانين، وهو آخر من توفى بالكوفة من الصحابة.

( بصدقته) أي بزكاته.

( اللهم صل على آل أبي أوفى) آل الرجل أهله، وفرقوا بين الآل والأهل بأن الآل تقال عن الأشراف فلا يقال: آل الحجام مثلاً، لكن يقال: أهل الحجام وآل الأمير.

ولما كان المطلوب الدعاء للمتصدق، وليس الدعاء للآل قيل: إن لفظ آل هنا زائد مقحم، وقيل إن الآل قد يذكر ويراد ذات الشخص، كما قيل ذلك في حديث أبي موسى الأشعري: لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود.
فقد قيل: إن المراد من آل داود، داود نفسه.

( إن ناساً من المتصدقين) بفتح الصاد المخففة وتشديد الدال المكسورة، والمصدق هنا هو الذي يأخذ الصدقات، وهو الساعي الذي يعينه الإمام لقبضها، والسعاة هم العاملون على الزكاة.

( ملحوظة) : ذكر الإمام مسلم رحمه الله تعالى في باب جزاء مانع الزكاة حديث رقم بلفظ: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن ناساً من المصدقين، يأتوننا فيظلموننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارضوا مصدقيكم قال جرير: ما صدر عني مصدق منذ سمعت هذا إلا وهو علي راض.
ونحن نشرحه هنا.

( يأتوننا فيظلموننا) أي يأتوننا لقبض الزكاة، فيأخذون أكثر مما هو مطلوب منا.

( ما صدر عني مصدق) أي ما ذهب عني مصدق، وما رجع عني عامل الزكاة.

فقه الحديث

هدف الحديثين تنبيه العاملين على الزكاة بأن يحسنوا معاملة أرباب الأموال وأن يكرموهم بالدعاء لهم، وتنبيه أرباب الأموال بأن يحسنوا لقاء العاملين على الزكاة، ويستجيبوا لمطالبهم، بانشراح صدر، وبساطة وجه ليعودوا راضين.

جمعتهما في باب واحد لأنهما تنبيه لمتعاملين في معاملة واحدة، والترابط واضح بينهما.

أما عن الحديث الأول فيقول النووي: مذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة أن الدعاء لدافع الزكاة سنة مستحبة، وليس بواجب، وقال أهل الظاهر: هو واجب.
قال: وبه قال بعض أصحابنا، واعتمدوا الأمر في الآية: { { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } } [التوبة: 103] جعلوا الأمر في صل للوجوب، وعمموه للأمة.
قال: قال الجمهور: الأمر في حقنا للندب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً وغيره لأخذ الزكاة ولم يأمرهم بالدعاء.
قال: وقد يجيب الآخرون بأن وجوب الدعاء كان معلوماً لهم من الآية الكريمة.
قال: وأجاب الجمهور أيضاً بأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لدافع الزكاة وصلاته عليه سكن له بخلاف دعاء غيره صلى الله عليه وسلم.
اهـ والراجح رأى الجمهور، وأن الدعاء للمزكي مستحب، لأن الزكاة تقع الموقع وإن لم يدع، وقياساً على استيفاء جميع الحقوق إذ لا يجب على مستوفي الحق الدعاء لمؤدي الحق.
والله أعلم.

ولا يتعين لفظ الصلاة في دعاء آخذ الزكاة للمزكي، بل ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور إلى أنه لا يصلى على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام استقلالاً، فلا يقال: اللهم صل على آل أبي بكر، ولا على آل عمر، ولكن يصلي عليهم تبعاً، كما جاء في التشهد: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وقد أجاز الإمام أحمد الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً، استدلالاً بهذا الحديث، ويجيب عنه الجمهور بأن هذا خاص به عليه الصلاة والسلام، فالصلاة عليه حقه، يعطيه لمن يشاء، وليس لغيره ذلك.

قال النووي: وأما قول الساعي: اللهم صل على فلان.
فكرهه جمهور أصحابنا، وهو مذهب ابن عباس ومالك وجماعة من السلف، وقال جماعة من العلماء يجوز ذلك بلا كراهة، لهذا الحديث، قال أصحابنا: لا يصلى على غير الأنبياء إلا تبعاً، لأن الصلاة في لسان السلف مخصوصة بالأنبياء، صلاة الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا [عز وجل] مخصوص بالله سبحانه وتعالى فكما لا يقال: محمد عز وجل وإن كان عزيزاً جليلاً لا يقال: أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن صح المعنى، قال: واختلف أصحابنا في النهي عن ذلك، هل هو نهي تنزيه أو محرم؟ أو مجرد أدب؟ على ثلاثة أوجه، الأصح الأشهر أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار لأهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود.
قال: وقال الشيخ أبو محمد الجويني من أئمة الشافعية: السلام في معنى الصلاة، ولا يفرد به غير الأنبياء، لأن الله تعالى قرن بينهما، ولا يفرد به غائب، ولا يقال: قال فلان عليه السلام.
وأما المخاطبة به لحي أو ميت فسنة، فيقال: السلام عليكم أو سلام عليك أو عليكم.
والله أعلم.
اهـ.

وقال النووي في المجموع: ويستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار، فيقال: رضي الله عنه، أو رحمة الله عليه، أو رحمه الله، ونحو ذلك، وأما ما قاله بعض العلماء أن قول: [رضي الله عنه] مخصوص بالصحابة، ويقال في غيرهم [رحمه الله] فقط فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذي عليه الجمهور استحبابه ودلائله أكثر من أن تحصى، فإن كان المذكور صحابياً ابن صحابي قال [رضي الله عنهما] ليشمله وأباه جميعاً.
اهـ.

أما صيغة الدعاء التي استحبها الشافعي لتقال لدافع الزكاة فهي أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهوراً، وبارك لك فيما أبقيت.

وهدف الحديث الثاني الوصايا بالسعاة وطاعة ولاة الأمور، وجمع كلمة المسلمين، وصلاح ذات البين، قال النووي: وهذا كله ما لم يطلب الساعي جوراً فلا موافقة له ولا طاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس في صحيح البخاري: فمن سئلها على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط.
واختلف أصحابنا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: فلا يعط.
فقال أكثرهم: لا يعطى الزيادة، بل يعطى الواجب.
وقال بعضهم: لا يعطى شيئاً أصلاً، لأنه يفسق بطلب الزيادة، وينعزل، فلا يعطى شيئاً، بل يخرج الواجب بنفسه أو يدفعه إلى ساع آخر، وهذا إذا طلب الزائد بغير تأويل، كمن طلب شاتين عن شاة، فأما من طلب زيادة بتأويل، بأن كان مالكياً، يرى أخذ الكبيرة عن الصغار فإنه يعطى الواجب بلا خلاف، ولا يعطى الزائد، لأنه لا يفسق ولا يعصي والحالة هذه.
والله أعلم.

ويتعلق بهذا الحديث أمور ذكرها النووي في المجموع:

الأول: قال: قال أصحابنا: يجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الصدقات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة، ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يبخل، فوجب أن يبعث من يأخذ.

الثاني: قال: واتفقوا على أنه يشترط في الساعي أن يكون مسلماً حراً عدلاً، فقيهاً في أبواب الزكاة.
ولا يشترط فقهه في غير ذلك.

الثالث: قال: قال الشافعي والأصحاب: للمالك أن يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه، وهذا لا خلاف فيه.
ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين.
قال: والأموال الباطنة هي الذهب والفضة والركاز وعروض التجارة وزكاة الفطر [وإنما سميت باطنة لأنها لا يعرف حدودها وقيمتها إلا صاحبها غالباً] .

ثم قال: وله أن يوكل في صرف الزكاة التي له تفريقها بنفسه [أي زكاة الأموال الباطنة] فإن شاء وكل في الدفع إلى الإمام أو الساعي، وإن شاء وكل في الدفع إلى الأصناف الثمانية، وإنما جاز التوكيل في ذلك مع أنها عبادة لأنها تشبه قضاء الديون، ولأنه قد تدعو الحاجة إلى الوكالة، لغيبة المال عن المالك، وسواء وكله في دفعها من مال الموكل أو من مال الوكيل، فهما جائزان بلا خلاف.

ثم قال: وله صرفها [أي زكاة الذهب والفضة والركاز وعروض التجارة وزكاة الفطر] إلى الإمام والساعي، فإن كان الإمام عادلاً أجزأه الدفع إليه بالإجماع، وإن كان جائراً أجزأه على المذهب الصحيح المشهور.
اهـ.

ولست مع هذا القول المشهور، فإنه والحالة هذه قد دفع زكاته باختياره لمن يعلم أنه لن يضعها في مكانها وحقها، فلا يخلو من التبعة، ولا تقع زكاته موقعها.

لكن إن طلبها الإمام الجائر دفعها إليه، وتخلو عهدته، لأن طاعته واجبة.

ثم قال: وهل الأفضل التفريق بنفسه أو الدفع إلى الإمام العادل؟ [ومازال الكلام في زكاة الذهب والفضة والركاز وعروض التجارة وزكاة الفطر] فيه وجهان، أصحهما عند الجمهور الدفع إلى الإمام، لأنه يتيقن سقوط الفرض بهذا الدفع، بخلاف تفريقه بنفسه، فقد يصادف التفريق غير مستحق، ولأن الإمام أعرف بالمستحقين، وبالمصالح، ويقدر الحاجات، وأعرف بمن أخذ من قبل ومن لم يأخذ.
ولأن الإمام يقصد من المحتاجين والمستحقين لها.

وظاهر نص الشافعي أن تفريقها بنفسه أفضل، فقد قال في المختصر: وأحب أن يتولى الرجل قسمها بنفسه، ليكون على يقين من أدائها عنه.
والله أعلم.

أما الأموال الظاهرة، وهي الماشية والزروع والثمار ففي تفريقها بنفسه أو دفعها إلى الإمام قولان:

القول الأول: يجب دفعها إلى الإمام، وإن كان الإمام جائراً، فإن فرقها بنفسه لزمه الضمان إن طلبها الإمام، لقوله تعالى: { { خذ من أموالهم صدقة } } ولأنه مال للإمام فيه حق المطالبة، فوجب الدفع إليه، كالخراج والجزية، ولأنه مع الجور نافذ الحكم، وتسقط تبعة المزكي ولو كان الإمام جائراً.

فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال: نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله ولك أجرها، وإثمها على من بدلها.
وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: اجتمع عندي نفقة فيها صدقة -يعني بلغت نصاب الزكاة- فسألت سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري أن أقسمها أو أدفعها إلى السلطان؟ فأمروني جميعاً أن أدفعها إلى السلطان، ما اختلف علي منهم أحد.
وفي رواية: فقلت لهم: هذا السلطان يفعل ما ترون، فأدفع إليه زكاتي؟ فقالوا كلهم: نعم.
فادفعها.
رواه سعيد بن منصور في مسنده.

وروى أبو داود عن جابر بن عتيك الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا أتوكم فرحبوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون، فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها، وارضوهم، فإن تمام زكاتكم رضاهم، وليدعوا لكم.

وروى البيهقي بإسناد صحيح أو حسن عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه الله أمركم، فمن بر فلنفسه، ومن أثم فعليها.

وروى البيهقي أيضاً بإسناد صحيح أو حسن عن قزعة مولى زياد بن أبيه أن ابن عمر قال: ادفعوها إليهم وإن شربوا الخمر.
ولا خلاف في سقوط التبعة عن المالك في هذه الحالة وإن جار الإمام.

القول الثاني: في زكاة الأموال الظاهرة أن المالك له تفريقها بنفسه وإن كان الأفضل دفعها إلى الإمام خروجاً من خلاف من أوجبه، لكنه إن فرقها لا يضمن.
انتهى بتصرف.

والله أعلم