هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1905 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1905 حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا أبو صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : لا يصومن أحدكم يوم الجمعة ، إلا يوما قبله أو بعده
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Abu Huraira:

I heard the Prophet (ﷺ) saying, None of you should fast on Friday unless he fasts a day before or after it.

D'après Abu Sâlah, Abu Hurayra (radiallahanho) dit: «J'ai entendu le Prophète (r ) dire: Aucun de vous ne doit jeûner le jour du vendredi que s'il jeûne le jour qui le précède ou le jour qui le suit .»

D'après Abu Sâlah, Abu Hurayra (radiallahanho) dit: «J'ai entendu le Prophète (r ) dire: Aucun de vous ne doit jeûner le jour du vendredi que s'il jeûne le jour qui le précède ou le jour qui le suit .»

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1985] قَوْله فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ بِلَفْظِ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا يَصُومَنَّ بِلَفْظِ النَّهْيِ الْمُؤَكَّدِ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ تَقْدِيرُهُ إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ لِأَنَّ يَوْمًا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ تَقْدِيرُهُ إِلَّا بِيَوْمٍ قَبْلَهُ وَتَكُونُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحِبَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَشْكَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ يَوْمًا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ وَرَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق عَوْف عَن بن سِيرِينَ بِلَفْظِ نَهَى أَنْ يُفْرَدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَوْبَرِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَنْتَ الَّذِي تَنْهَى النَّاسَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ هَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثَلَاثًا لَقَدْ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَصُومالَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) أَمَّا ذُو الْقَعْدَةِ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُ الْقَافِ وَفَتْحُ الْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أن الأشهر الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدَبِ الْمُسْتَحَبِّ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْأَدَبِ يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ لِيَكُونَ الْأَرْبَعَةُ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ.

     وَقَالَ  عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَطْبَقَ النَّاسُ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ هَذَا التَّقْيِيدَ مُبَالَغَةً فِي إِيضَاحِهِ وَإِزَالَةً لِلَّبْسِ عَنْهُ قَالُوا وَقَدْ كَانَ بَيْنَ بَنِي مُضَرَ وَبَيْنَ رَبِيعَةَ اخْتِلَافٌ فِي رَجَبٍ فَكَانَتْ مُضَرُ تَجْعَلُ رَجَبًا هَذَا الشَّهْرَ الْمَعْرُوفَ الْآنَ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَكَانَتْ رَبِيعَةُ تَجْعَلُهُ رَمَضَانَ فَلِهَذَا أَضَافَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُضَرَ وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي رَجَبًا وَشَعْبَانَ الرَّجَبَيْنِ وَقِيلَ كَانَتْ تُسَمِّي جُمَادَى وَرَجَبًا جُمَادَيْنِ وَتُسَمِّي شَعْبَانَ رَجَبًا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَسَّكُونَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَكَانُوا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى قِتَالٍ أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ صَفَرٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي سَنَةٍ بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ وَصَادَفَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَهُمْ وَقَدْ تَطَابَقَ الشَّرْعُ وَكَانُوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدْ حَرَّمُوا ذَا الْحِجَّةِ لِمُوَافَقَةِ الْحِسَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ صَادَفَتْ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ كَانُوا يَنْسَئُونَ أَيْ يُؤَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكفر فَرُبَّمَا احْتَاجُوا إِلَى الْحَرْبِ فِي الْمُحَرَّمِ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى صَفَرٍ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَ صَفَرٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَصَادَفَ تِلْكَ السَّنَةَ رُجُوعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِيوُجُوهًا أُخَرَ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَتْ بِوَاضِحَةٍ وَيُنْكَرُ بَعْضُهَا .

     قَوْلُهُ  (ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا السُّؤَالُ وَالسُّكُوتُ وَالتَّفْسِيرُ أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيمَ وَالتَّقْرِيرَ وَالتَّنْبِيهَ عَلَى عِظَمِ مَرْتَبَةِ هَذَا الشَّهْرِ وَالْبَلَدِ وَالْيَوْمِ.

وَقَولُهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ هَذَا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنَ الْجَوَابِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْإِخْبَارِ بِمَا يَعْرِفُونَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) الْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ بَيَانُ تَوْكِيدِ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَذِكْرُ بَيَانِ إِعْرَابِهِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَعَاصِي بَلِ الْمُرَادُ بِهِ كُفْرَانُ النِّعَمِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شُبْهَةٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) فِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجِبُ تَبْلِيغُهُ بِحَيْثُ يَنْتَشِرُ .

     قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ) احْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ لِجَوَازِ رِوَايَةِ الْفُضَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَا فِقْهَ إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّثُ به .

     قَوْلُهُ  (قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ) إِنَّمَا أَخَذَ بِخِطَامِهِ لِيَصُونَ الْبَعِيرَ مِنَ الِاضْطِرَابِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّهْوِيشِ عَلَى رَاكِبِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ مِنْبَرٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا ارْتَفَعَ كَانَ أَبْلَغَ فِي إِسْمَاعِهِ النَّاسَ وَرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَوُقُوعِ كَلَامِهِ فِي نُفُوسِهِمْ .

     قَوْلُهُ  (انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا) انْكَفَأَ بِهَمْزِ آخِرِهِ أَيِ انْقَلَبَ وَالْأَمْلَحُ هُوَ الَّذِي فيه بياض)وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَقَولُهُ جُزَيْعَةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ جَزِيعَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ تَصْغِيرُ جِزْعَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ جَزَعَ لَهُ مِنْ مَالِهِ أي قطع وبالثاني ضبطه بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ قَالَ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الغنم وكأنها فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَضَفِيرَةٍ بِمَعْنَى مَضْفُورَةٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى آخر الحديث وهم من بن عون فيما قيل وإنما رواه بن سيرين عن أنس فأدرجه بن عَوْنٍ هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الحديث عن بن عَوْنٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْكَلَامَ فَلَعَلَّهُ تركه عمدا وقد رواه أيوب وقرة عن بن سِيرِينَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي خُطْبَةِ عِيدِ الْأَضْحَى فَوَهِمَ فِيهَا الرَّاوِي فَذَكَرَهَا مَضْمُومَةً إِلَى خُطْبَةِ الْحَجَّةِ أوهما حَدِيثَانِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَىالَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) أَمَّا ذُو الْقَعْدَةِ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُ الْقَافِ وَفَتْحُ الْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أن الأشهر الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدَبِ الْمُسْتَحَبِّ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْأَدَبِ يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ لِيَكُونَ الْأَرْبَعَةُ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ.

     وَقَالَ  عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَطْبَقَ النَّاسُ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ هَذَا التَّقْيِيدَ مُبَالَغَةً فِي إِيضَاحِهِ وَإِزَالَةً لِلَّبْسِ عَنْهُ قَالُوا وَقَدْ كَانَ بَيْنَ بَنِي مُضَرَ وَبَيْنَ رَبِيعَةَ اخْتِلَافٌ فِي رَجَبٍ فَكَانَتْ مُضَرُ تَجْعَلُ رَجَبًا هَذَا الشَّهْرَ الْمَعْرُوفَ الْآنَ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَكَانَتْ رَبِيعَةُ تَجْعَلُهُ رَمَضَانَ فَلِهَذَا أَضَافَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُضَرَ وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي رَجَبًا وَشَعْبَانَ الرَّجَبَيْنِ وَقِيلَ كَانَتْ تُسَمِّي جُمَادَى وَرَجَبًا جُمَادَيْنِ وَتُسَمِّي شَعْبَانَ رَجَبًا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَسَّكُونَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَكَانُوا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى قِتَالٍ أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ صَفَرٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي سَنَةٍ بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ وَصَادَفَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَهُمْ وَقَدْ تَطَابَقَ الشَّرْعُ وَكَانُوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدْ حَرَّمُوا ذَا الْحِجَّةِ لِمُوَافَقَةِ الْحِسَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ صَادَفَتْ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ كَانُوا يَنْسَئُونَ أَيْ يُؤَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكفر فَرُبَّمَا احْتَاجُوا إِلَى الْحَرْبِ فِي الْمُحَرَّمِ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى صَفَرٍ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَ صَفَرٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَصَادَفَ تِلْكَ السَّنَةَ رُجُوعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِيوُجُوهًا أُخَرَ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَتْ بِوَاضِحَةٍ وَيُنْكَرُ بَعْضُهَا .

     قَوْلُهُ  (ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا السُّؤَالُ وَالسُّكُوتُ وَالتَّفْسِيرُ أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيمَ وَالتَّقْرِيرَ وَالتَّنْبِيهَ عَلَى عِظَمِ مَرْتَبَةِ هَذَا الشَّهْرِ وَالْبَلَدِ وَالْيَوْمِ.

وَقَولُهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ هَذَا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنَ الْجَوَابِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْإِخْبَارِ بِمَا يَعْرِفُونَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) الْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ بَيَانُ تَوْكِيدِ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَذِكْرُ بَيَانِ إِعْرَابِهِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَعَاصِي بَلِ الْمُرَادُ بِهِ كُفْرَانُ النِّعَمِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شُبْهَةٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) فِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجِبُ تَبْلِيغُهُ بِحَيْثُ يَنْتَشِرُ .

     قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ) احْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ لِجَوَازِ رِوَايَةِ الْفُضَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَا فِقْهَ إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّثُ به .

     قَوْلُهُ  (قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ) إِنَّمَا أَخَذَ بِخِطَامِهِ لِيَصُونَ الْبَعِيرَ مِنَ الِاضْطِرَابِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّهْوِيشِ عَلَى رَاكِبِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ مِنْبَرٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا ارْتَفَعَ كَانَ أَبْلَغَ فِي إِسْمَاعِهِ النَّاسَ وَرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَوُقُوعِ كَلَامِهِ فِي نُفُوسِهِمْ .

     قَوْلُهُ  (انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا) انْكَفَأَ بِهَمْزِ آخِرِهِ أَيِ انْقَلَبَ وَالْأَمْلَحُ هُوَ الَّذِي فيه بياض)وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَقَولُهُ جُزَيْعَةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ جَزِيعَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ تَصْغِيرُ جِزْعَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ جَزَعَ لَهُ مِنْ مَالِهِ أي قطع وبالثاني ضبطه بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ قَالَ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الغنم وكأنها فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَضَفِيرَةٍ بِمَعْنَى مَضْفُورَةٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى آخر الحديث وهم من بن عون فيما قيل وإنما رواه بن سيرين عن أنس فأدرجه بن عَوْنٍ هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الحديث عن بن عَوْنٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْكَلَامَ فَلَعَلَّهُ تركه عمدا وقد رواه أيوب وقرة عن بن سِيرِينَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي خُطْبَةِ عِيدِ الْأَضْحَى فَوَهِمَ فِيهَا الرَّاوِي فَذَكَرَهَا مَضْمُومَةً إِلَى خُطْبَةِ الْحَجَّةِ أوهما حَدِيثَانِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَىالَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) أَمَّا ذُو الْقَعْدَةِ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُ الْقَافِ وَفَتْحُ الْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أن الأشهر الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدَبِ الْمُسْتَحَبِّ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْأَدَبِ يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ لِيَكُونَ الْأَرْبَعَةُ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ.

     وَقَالَ  عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَطْبَقَ النَّاسُ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ هَذَا التَّقْيِيدَ مُبَالَغَةً فِي إِيضَاحِهِ وَإِزَالَةً لِلَّبْسِ عَنْهُ قَالُوا وَقَدْ كَانَ بَيْنَ بَنِي مُضَرَ وَبَيْنَ رَبِيعَةَ اخْتِلَافٌ فِي رَجَبٍ فَكَانَتْ مُضَرُ تَجْعَلُ رَجَبًا هَذَا الشَّهْرَ الْمَعْرُوفَ الْآنَ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَكَانَتْ رَبِيعَةُ تَجْعَلُهُ رَمَضَانَ فَلِهَذَا أَضَافَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُضَرَ وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي رَجَبًا وَشَعْبَانَ الرَّجَبَيْنِ وَقِيلَ كَانَتْ تُسَمِّي جُمَادَى وَرَجَبًا جُمَادَيْنِ وَتُسَمِّي شَعْبَانَ رَجَبًا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَسَّكُونَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَكَانُوا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى قِتَالٍ أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ صَفَرٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي سَنَةٍ بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ وَصَادَفَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَهُمْ وَقَدْ تَطَابَقَ الشَّرْعُ وَكَانُوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدْ حَرَّمُوا ذَا الْحِجَّةِ لِمُوَافَقَةِ الْحِسَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ صَادَفَتْ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ كَانُوا يَنْسَئُونَ أَيْ يُؤَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكفر فَرُبَّمَا احْتَاجُوا إِلَى الْحَرْبِ فِي الْمُحَرَّمِ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى صَفَرٍ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَ صَفَرٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَصَادَفَ تِلْكَ السَّنَةَ رُجُوعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِيوُجُوهًا أُخَرَ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَتْ بِوَاضِحَةٍ وَيُنْكَرُ بَعْضُهَا .

     قَوْلُهُ  (ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا السُّؤَالُ وَالسُّكُوتُ وَالتَّفْسِيرُ أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيمَ وَالتَّقْرِيرَ وَالتَّنْبِيهَ عَلَى عِظَمِ مَرْتَبَةِ هَذَا الشَّهْرِ وَالْبَلَدِ وَالْيَوْمِ.

وَقَولُهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ هَذَا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنَ الْجَوَابِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْإِخْبَارِ بِمَا يَعْرِفُونَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) الْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ بَيَانُ تَوْكِيدِ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَذِكْرُ بَيَانِ إِعْرَابِهِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَعَاصِي بَلِ الْمُرَادُ بِهِ كُفْرَانُ النِّعَمِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شُبْهَةٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) فِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجِبُ تَبْلِيغُهُ بِحَيْثُ يَنْتَشِرُ .

     قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ) احْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ لِجَوَازِ رِوَايَةِ الْفُضَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَا فِقْهَ إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّثُ به .

     قَوْلُهُ  (قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ) إِنَّمَا أَخَذَ بِخِطَامِهِ لِيَصُونَ الْبَعِيرَ مِنَ الِاضْطِرَابِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّهْوِيشِ عَلَى رَاكِبِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ مِنْبَرٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا ارْتَفَعَ كَانَ أَبْلَغَ فِي إِسْمَاعِهِ النَّاسَ وَرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَوُقُوعِ كَلَامِهِ فِي نُفُوسِهِمْ .

     قَوْلُهُ  (انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا) انْكَفَأَ بِهَمْزِ آخِرِهِ أَيِ انْقَلَبَ وَالْأَمْلَحُ هُوَ الَّذِي فيه بياض)وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَقَولُهُ جُزَيْعَةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ جَزِيعَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ تَصْغِيرُ جِزْعَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ جَزَعَ لَهُ مِنْ مَالِهِ أي قطع وبالثاني ضبطه بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ قَالَ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الغنم وكأنها فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَضَفِيرَةٍ بِمَعْنَى مَضْفُورَةٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى آخر الحديث وهم من بن عون فيما قيل وإنما رواه بن سيرين عن أنس فأدرجه بن عَوْنٍ هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الحديث عن بن عَوْنٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْكَلَامَ فَلَعَلَّهُ تركه عمدا وقد رواه أيوب وقرة عن بن سِيرِينَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي خُطْبَةِ عِيدِ الْأَضْحَى فَوَهِمَ فِيهَا الرَّاوِي فَذَكَرَهَا مَضْمُومَةً إِلَى خُطْبَةِ الْحَجَّةِ أوهما حَدِيثَانِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَىالَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) أَمَّا ذُو الْقَعْدَةِ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُ الْقَافِ وَفَتْحُ الْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أن الأشهر الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدَبِ الْمُسْتَحَبِّ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْأَدَبِ يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ لِيَكُونَ الْأَرْبَعَةُ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ.

     وَقَالَ  عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَطْبَقَ النَّاسُ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ هَذَا التَّقْيِيدَ مُبَالَغَةً فِي إِيضَاحِهِ وَإِزَالَةً لِلَّبْسِ عَنْهُ قَالُوا وَقَدْ كَانَ بَيْنَ بَنِي مُضَرَ وَبَيْنَ رَبِيعَةَ اخْتِلَافٌ فِي رَجَبٍ فَكَانَتْ مُضَرُ تَجْعَلُ رَجَبًا هَذَا الشَّهْرَ الْمَعْرُوفَ الْآنَ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَكَانَتْ رَبِيعَةُ تَجْعَلُهُ رَمَضَانَ فَلِهَذَا أَضَافَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُضَرَ وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي رَجَبًا وَشَعْبَانَ الرَّجَبَيْنِ وَقِيلَ كَانَتْ تُسَمِّي جُمَادَى وَرَجَبًا جُمَادَيْنِ وَتُسَمِّي شَعْبَانَ رَجَبًا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَسَّكُونَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَكَانُوا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى قِتَالٍ أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ صَفَرٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي سَنَةٍ بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ وَصَادَفَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَهُمْ وَقَدْ تَطَابَقَ الشَّرْعُ وَكَانُوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدْ حَرَّمُوا ذَا الْحِجَّةِ لِمُوَافَقَةِ الْحِسَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ صَادَفَتْ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ كَانُوا يَنْسَئُونَ أَيْ يُؤَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكفر فَرُبَّمَا احْتَاجُوا إِلَى الْحَرْبِ فِي الْمُحَرَّمِ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى صَفَرٍ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَ صَفَرٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَصَادَفَ تِلْكَ السَّنَةَ رُجُوعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِيوُجُوهًا أُخَرَ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَتْ بِوَاضِحَةٍ وَيُنْكَرُ بَعْضُهَا .

     قَوْلُهُ  (ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا السُّؤَالُ وَالسُّكُوتُ وَالتَّفْسِيرُ أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيمَ وَالتَّقْرِيرَ وَالتَّنْبِيهَ عَلَى عِظَمِ مَرْتَبَةِ هَذَا الشَّهْرِ وَالْبَلَدِ وَالْيَوْمِ.

وَقَولُهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ هَذَا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنَ الْجَوَابِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْإِخْبَارِ بِمَا يَعْرِفُونَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) الْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ بَيَانُ تَوْكِيدِ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَذِكْرُ بَيَانِ إِعْرَابِهِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَعَاصِي بَلِ الْمُرَادُ بِهِ كُفْرَانُ النِّعَمِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شُبْهَةٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) فِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجِبُ تَبْلِيغُهُ بِحَيْثُ يَنْتَشِرُ .

     قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ) احْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ لِجَوَازِ رِوَايَةِ الْفُضَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَا فِقْهَ إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّثُ به .

     قَوْلُهُ  (قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ) إِنَّمَا أَخَذَ بِخِطَامِهِ لِيَصُونَ الْبَعِيرَ مِنَ الِاضْطِرَابِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّهْوِيشِ عَلَى رَاكِبِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ مِنْبَرٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا ارْتَفَعَ كَانَ أَبْلَغَ فِي إِسْمَاعِهِ النَّاسَ وَرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَوُقُوعِ كَلَامِهِ فِي نُفُوسِهِمْ .

     قَوْلُهُ  (انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا) انْكَفَأَ بِهَمْزِ آخِرِهِ أَيِ انْقَلَبَ وَالْأَمْلَحُ هُوَ الَّذِي فيه بياض)وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَقَولُهُ جُزَيْعَةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ جَزِيعَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ تَصْغِيرُ جِزْعَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ جَزَعَ لَهُ مِنْ مَالِهِ أي قطع وبالثاني ضبطه بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ قَالَ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الغنم وكأنها فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَضَفِيرَةٍ بِمَعْنَى مَضْفُورَةٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى آخر الحديث وهم من بن عون فيما قيل وإنما رواه بن سيرين عن أنس فأدرجه بن عَوْنٍ هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الحديث عن بن عَوْنٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْكَلَامَ فَلَعَلَّهُ تركه عمدا وقد رواه أيوب وقرة عن بن سِيرِينَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي خُطْبَةِ عِيدِ الْأَضْحَى فَوَهِمَ فِيهَا الرَّاوِي فَذَكَرَهَا مَضْمُومَةً إِلَى خُطْبَةِ الْحَجَّةِ أوهما حَدِيثَانِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَىالَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) أَمَّا ذُو الْقَعْدَةِ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُ الْقَافِ وَفَتْحُ الْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أن الأشهر الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدَبِ الْمُسْتَحَبِّ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْأَدَبِ يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ لِيَكُونَ الْأَرْبَعَةُ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ.

     وَقَالَ  عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَطْبَقَ النَّاسُ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ هَذَا التَّقْيِيدَ مُبَالَغَةً فِي إِيضَاحِهِ وَإِزَالَةً لِلَّبْسِ عَنْهُ قَالُوا وَقَدْ كَانَ بَيْنَ بَنِي مُضَرَ وَبَيْنَ رَبِيعَةَ اخْتِلَافٌ فِي رَجَبٍ فَكَانَتْ مُضَرُ تَجْعَلُ رَجَبًا هَذَا الشَّهْرَ الْمَعْرُوفَ الْآنَ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَكَانَتْ رَبِيعَةُ تَجْعَلُهُ رَمَضَانَ فَلِهَذَا أَضَافَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُضَرَ وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي رَجَبًا وَشَعْبَانَ الرَّجَبَيْنِ وَقِيلَ كَانَتْ تُسَمِّي جُمَادَى وَرَجَبًا جُمَادَيْنِ وَتُسَمِّي شَعْبَانَ رَجَبًا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَسَّكُونَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَكَانُوا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى قِتَالٍ أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ صَفَرٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي سَنَةٍ بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ وَصَادَفَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَهُمْ وَقَدْ تَطَابَقَ الشَّرْعُ وَكَانُوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدْ حَرَّمُوا ذَا الْحِجَّةِ لِمُوَافَقَةِ الْحِسَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ صَادَفَتْ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ كَانُوا يَنْسَئُونَ أَيْ يُؤَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكفر فَرُبَّمَا احْتَاجُوا إِلَى الْحَرْبِ فِي الْمُحَرَّمِ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى صَفَرٍ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَ صَفَرٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَصَادَفَ تِلْكَ السَّنَةَ رُجُوعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِيوُجُوهًا أُخَرَ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَتْ بِوَاضِحَةٍ وَيُنْكَرُ بَعْضُهَا .

     قَوْلُهُ  (ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا السُّؤَالُ وَالسُّكُوتُ وَالتَّفْسِيرُ أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيمَ وَالتَّقْرِيرَ وَالتَّنْبِيهَ عَلَى عِظَمِ مَرْتَبَةِ هَذَا الشَّهْرِ وَالْبَلَدِ وَالْيَوْمِ.

وَقَولُهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ هَذَا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنَ الْجَوَابِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْإِخْبَارِ بِمَا يَعْرِفُونَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) الْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ بَيَانُ تَوْكِيدِ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَذِكْرُ بَيَانِ إِعْرَابِهِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَعَاصِي بَلِ الْمُرَادُ بِهِ كُفْرَانُ النِّعَمِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شُبْهَةٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) فِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجِبُ تَبْلِيغُهُ بِحَيْثُ يَنْتَشِرُ .

     قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ) احْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ لِجَوَازِ رِوَايَةِ الْفُضَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَا فِقْهَ إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّثُ به .

     قَوْلُهُ  (قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ) إِنَّمَا أَخَذَ بِخِطَامِهِ لِيَصُونَ الْبَعِيرَ مِنَ الِاضْطِرَابِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّهْوِيشِ عَلَى رَاكِبِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ مِنْبَرٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا ارْتَفَعَ كَانَ أَبْلَغَ فِي إِسْمَاعِهِ النَّاسَ وَرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَوُقُوعِ كَلَامِهِ فِي نُفُوسِهِمْ .

     قَوْلُهُ  (انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا) انْكَفَأَ بِهَمْزِ آخِرِهِ أَيِ انْقَلَبَ وَالْأَمْلَحُ هُوَ الَّذِي فيه بياض)وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَقَولُهُ جُزَيْعَةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ جَزِيعَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ تَصْغِيرُ جِزْعَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ جَزَعَ لَهُ مِنْ مَالِهِ أي قطع وبالثاني ضبطه بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ قَالَ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الغنم وكأنها فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَضَفِيرَةٍ بِمَعْنَى مَضْفُورَةٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى آخر الحديث وهم من بن عون فيما قيل وإنما رواه بن سيرين عن أنس فأدرجه بن عَوْنٍ هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الحديث عن بن عَوْنٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْكَلَامَ فَلَعَلَّهُ تركه عمدا وقد رواه أيوب وقرة عن بن سِيرِينَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي خُطْبَةِ عِيدِ الْأَضْحَى فَوَهِمَ فِيهَا الرَّاوِي فَذَكَرَهَا مَضْمُومَةً إِلَى خُطْبَةِ الْحَجَّةِ أوهما حَدِيثَانِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَىالَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) أَمَّا ذُو الْقَعْدَةِ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ كَسْرُ الْقَافِ وَفَتْحُ الْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أن الأشهر الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَدَبِ الْمُسْتَحَبِّ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْأَدَبِ يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ لِيَكُونَ الْأَرْبَعَةُ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ.

     وَقَالَ  عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَطْبَقَ النَّاسُ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ هَذَا التَّقْيِيدَ مُبَالَغَةً فِي إِيضَاحِهِ وَإِزَالَةً لِلَّبْسِ عَنْهُ قَالُوا وَقَدْ كَانَ بَيْنَ بَنِي مُضَرَ وَبَيْنَ رَبِيعَةَ اخْتِلَافٌ فِي رَجَبٍ فَكَانَتْ مُضَرُ تَجْعَلُ رَجَبًا هَذَا الشَّهْرَ الْمَعْرُوفَ الْآنَ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ وَكَانَتْ رَبِيعَةُ تَجْعَلُهُ رَمَضَانَ فَلِهَذَا أَضَافَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُضَرَ وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي رَجَبًا وَشَعْبَانَ الرَّجَبَيْنِ وَقِيلَ كَانَتْ تُسَمِّي جُمَادَى وَرَجَبًا جُمَادَيْنِ وَتُسَمِّي شَعْبَانَ رَجَبًا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَسَّكُونَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَكَانُوا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى قِتَالٍ أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ صَفَرٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي سَنَةٍ بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ وَصَادَفَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَهُمْ وَقَدْ تَطَابَقَ الشَّرْعُ وَكَانُوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ قَدْ حَرَّمُوا ذَا الْحِجَّةِ لِمُوَافَقَةِ الْحِسَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ صَادَفَتْ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ كَانُوا يَنْسَئُونَ أَيْ يُؤَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكفر فَرُبَّمَا احْتَاجُوا إِلَى الْحَرْبِ فِي الْمُحَرَّمِ فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَهُ إِلَى صَفَرٍ ثُمَّ يُؤَخِّرُونَ صَفَرٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَصَادَفَ تِلْكَ السَّنَةَ رُجُوعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِيوُجُوهًا أُخَرَ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَتْ بِوَاضِحَةٍ وَيُنْكَرُ بَعْضُهَا .

     قَوْلُهُ  (ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا السُّؤَالُ وَالسُّكُوتُ وَالتَّفْسِيرُ أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيمَ وَالتَّقْرِيرَ وَالتَّنْبِيهَ عَلَى عِظَمِ مَرْتَبَةِ هَذَا الشَّهْرِ وَالْبَلَدِ وَالْيَوْمِ.

وَقَولُهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ هَذَا مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنَ الْجَوَابِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْإِخْبَارِ بِمَا يَعْرِفُونَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) الْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ بَيَانُ تَوْكِيدِ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَذِكْرُ بَيَانِ إِعْرَابِهِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَعَاصِي بَلِ الْمُرَادُ بِهِ كُفْرَانُ النِّعَمِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شُبْهَةٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) فِيهِ وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجِبُ تَبْلِيغُهُ بِحَيْثُ يَنْتَشِرُ .

     قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ) احْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ لِجَوَازِ رِوَايَةِ الْفُضَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَا فِقْهَ إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّثُ به .

     قَوْلُهُ  (قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ) إِنَّمَا أَخَذَ بِخِطَامِهِ لِيَصُونَ الْبَعِيرَ مِنَ الِاضْطِرَابِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّهْوِيشِ عَلَى رَاكِبِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ مِنْبَرٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا ارْتَفَعَ كَانَ أَبْلَغَ فِي إِسْمَاعِهِ النَّاسَ وَرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَوُقُوعِ كَلَامِهِ فِي نُفُوسِهِمْ .

     قَوْلُهُ  (انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا) انْكَفَأَ بِهَمْزِ آخِرِهِ أَيِ انْقَلَبَ وَالْأَمْلَحُ هُوَ الَّذِي فيه بياض)وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَقَولُهُ جُزَيْعَةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ جَزِيعَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ تَصْغِيرُ جِزْعَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ جَزَعَ لَهُ مِنْ مَالِهِ أي قطع وبالثاني ضبطه بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ قَالَ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الغنم وكأنها فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَضَفِيرَةٍ بِمَعْنَى مَضْفُورَةٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى آخر الحديث وهم من بن عون فيما قيل وإنما رواه بن سيرين عن أنس فأدرجه بن عَوْنٍ هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الحديث عن بن عَوْنٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْكَلَامَ فَلَعَلَّهُ تركه عمدا وقد رواه أيوب وقرة عن بن سِيرِينَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي خُطْبَةِ عِيدِ الْأَضْحَى فَوَهِمَ فِيهَا الرَّاوِي فَذَكَرَهَا مَضْمُومَةً إِلَى خُطْبَةِ الْحَجَّةِ أوهما حَدِيثَانِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَىأَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ إِلَّا فِي أَيَّامٍ مَعَهُ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ لَيْلَى امْرَأَةِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا فِي أَيَّامٍ هُوَ أَحَدُهَا وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُقَيِّدُ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَتُؤَيِّدُ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِطْلَاقِ بِالْإِفْرَادِ وَيُؤْخَذُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُهُ لِمَنْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوِ اتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا كَمَنْ يَصُومُ أَيَّامَ الْبِيضِ أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ صَوْمِهِ لِمَنْ نَذَرَ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ مثلا أَو يَوْم شِفَاء فلَان الحَدِيث الثَّالِث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :1905 ... غــ :1985] قَوْله فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ بِلَفْظِ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا يَصُومَنَّ بِلَفْظِ النَّهْيِ الْمُؤَكَّدِ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ تَقْدِيرُهُ إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ لِأَنَّ يَوْمًا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ تَقْدِيرُهُ إِلَّا بِيَوْمٍ قَبْلَهُ وَتَكُونُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحِبَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَشْكَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ يَوْمًا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ وَرَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق عَوْف عَن بن سِيرِينَ بِلَفْظِ نَهَى أَنْ يُفْرَدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَوْبَرِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَنْتَ الَّذِي تَنْهَى النَّاسَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ هَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثَلَاثًا لَقَدْ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَصُوم أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ إِلَّا فِي أَيَّامٍ مَعَهُ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ لَيْلَى امْرَأَةِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا فِي أَيَّامٍ هُوَ أَحَدُهَا وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُقَيِّدُ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَتُؤَيِّدُ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِطْلَاقِ بِالْإِفْرَادِ وَيُؤْخَذُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُهُ لِمَنْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوِ اتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا كَمَنْ يَصُومُ أَيَّامَ الْبِيضِ أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ صَوْمِهِ لِمَنْ نَذَرَ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ مثلا أَو يَوْم شِفَاء فلَان الحَدِيث الثَّالِث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1905 ... غــ : 1985 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي الكوفي قال: ( حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن الحرث بن ثعلبة قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: ( حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: لا يصوم.
وقال الحافظ ابن حجر: للأكثر لا يصوم بلفظ النفي والمراد به النهي وللكشميهني: لا يصومن بلفظ النهي المؤكد ( إلا) أن يصوم ( يومًا قبله) وهو يوم الخميس ( أو) يصوم يومًا ( بعده) وهو السبت.

وفي المستدرك من حديث أبي هريرة مرفوعًا يوم الجمعة عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده وقال: صحيح الإسناد إلا أن أبا بشر لم أقف له على اسم فقيل العلة كونه عيدًا كما في الحديث.

وعند ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علّي: من كان منكم متطوّعًا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب.

وذكر لمسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش: لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده، وله أيضًا من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم.

وهذه الأحاديث تفيد النهي المطلق في حديث جابر، والزيادة السابقة من تقييد الإطلاق بالإفراد ويؤخذ من الاستثناء الوارد في حديث مسلم جوازه لمن اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كأن اعتاد صوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يوم الجمعة فلا كراهة كما في صوم يوم الشك.
واستشكل زوال الكراهة بتقدم صوم قبله أو بعده بكراهة صوم يوم عرفة فإن كراهة صومه أو كونه على خلاف الأولى على ما رجحه محققو أصحابنا لا يزول بصوم قبله.


وأجيب: بأن في اليوم قبله اشتغالاً بالتروية والإحرام بالحج لمن لم يكن محرمًا ففيه شيء من معنى يوم عرفة، واختلف في صوم يوم الجمعة على أقوال: كراهته مطلقًا وإباحته مطلقًا من غير كراهة وهو قول مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وكراهة إفراده وهو مذهب الشافعية، والرابع أن النهي مخصوص بمن يتحرى صيامه ويخصه دون غيره فمتى صام مع صومه يومًا غيره فقد خرج عن النهي، وهذا يردّه قوله عليه الصلاة والسلام لجويرية أصمت أمس الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى، والخامس: أنه يحرم إلا لمن صام قبله أو بعده أو وافق عادته وهو قول ابن حزم لظواهر الأحاديث ويكره أيضًا إفراد يوم السبت أو الأحد بالصوم لحديث الترمذي وحسنه والحاكم وصححه على شرط الشيخين لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ولأن اليهود تعظم يوم السبت والنصارى يوم الأحد ولا يكره جمع السبت مع الأحد لأن المجموع لم يعظمه أحد.

وهذا الحديث أخرجه مسلم وابن ماجه في الصوم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1905 ... غــ :1985 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ قَالَ حدَّثنا أبِي قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش قَالَ حَدثنَا أبُو صالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ لاَ يَصُومَنَّ أحَدُكُم يَوْمَ الجُمُعَةِ إلاَّ يَوْما قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات السمان.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَابْن مَاجَه جَمِيعًا فِي الصَّوْم أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

قَوْله: (لَا يصومنَّ) بنُون التَّأْكِيد رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (لَا يَصُوم) بِدُونِ النُّون، وَلَفظ النَّفْي، وَالْمرَاد بِهِ النَّهْي.
قَوْله: (إلاَّ يَوْمًا قبله) ، تَقْدِيره: إلاَّ أَن يَصُوم يَوْمًا قبله، لِأَن يَوْمًا لَا يصلح أَن يكون اسْتثِْنَاء من يَوْم الْجُمُعَة..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هُوَ ظرف ليصوم الْمُقدر، أَو يَوْم مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض، وَهُوَ بَاء المصاحبة أَي: بِيَوْم، وَأخذ بَعضهم الْوَجْه الأول من كَلَام الْكرْمَانِي وَسكت عَنهُ، ثمَّ ذكر الْوَجْه الثَّانِي بقوله:.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي، وَفِي طَرِيق الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن أشكاب عَن عمر بن حَفْص، شيخ البُخَارِيّ، فِيهِ: (إِلَّا أَن تَصُومُوا يَوْمًا قبله أَو بعده) .
وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش: لَا يصم أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة إلاَّ أَن يَصُوم قبله أَو يَصُوم بعده) ، وَلمُسلم من طَرِيق هِشَام عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة: (لَا تخصوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من اللَّيَالِي، وَلَا يَوْم الْجُمُعَة بِصَوْم من بَين الْأَيَّام، إلاَّ أَن يكون فِي صَوْم يَصُومهُ أحدكُم) .
وَرَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق عَوْف عَن ابْن سِيرِين بِلَفْظ: (نهى أَن يفرد يَوْم الْجُمُعَة بِصَوْم) ، وَمن طَرِيق أبي الأوبر زِيَاد الْحَارِثِيّ: (أَن رجلا قَالَ لأبي هُرَيْرَة: أَنْت الَّذِي تنْهى النَّاس عَن صَوْم يَوْم الْجُمُعَة؟ قَالَ: هَا، وَرب الْكَعْبَة ثَلَاثًا لقد سَمِعت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يَصُوم أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة وَحده إلاَّ فِي أَيَّام مَعَه) .
وَله من طَرِيق ليلى، امْرَأَة بشير بن الخصاصية، أَنه (سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا تصم يَوْم الْجُمُعَة إلاَّ فِي أَيَّام هُوَ أَحدهَا) .
وَهَذِه الْأَحَادِيث تقيد النَّهْي الْمُطلق فِي حَدِيث جَابر الْمَذْكُور، وَيُؤْخَذ من الِاسْتِثْنَاء جَوَازه لمن صَامَ قبله أَو بعده، أَو اتّفق وُقُوعه فِي أَيَّام لَهُ عَادَة يصومها، كمن يَصُوم أَيَّام الْبيض أَو من لَهُ عَادَة بِصَوْم يَوْم معِين، كَيَوْم عَرَفَة فَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة.