هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2001 وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ : إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا ، فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2001 وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن ابن عون ، عن زياد بن جبير ، قال : جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما ، فقال : إني نذرت أن أصوم يوما ، فوافق يوم أضحى أو فطر ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما : أمر الله تعالى بوفاء النذر ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Ziyad b. Jubair reported that a person came to Ibn 'Umar (Allah be pleased with them) and said:

I had taken a vow that I would fast on the day (but it accidentally) synchronises with the day of Adha or the day of Fitr. Thereupon Ibn 'Umar (Allah be pleased with him) said: Allah, the Exalted, has commanded fulfilling of the vow, but the Messenger of Allah (ﷺ) has forbidden the observance of fast on this day.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن زياد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: إني نذرت أن أصوم يوماً فوافق يوم أضحى أو فطر.
فقال ابن عمر رضي الله عنهما: أمر الله تعالى بوفاء النذر ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم.


المعنى العام

وكما يرغب الشرع في صيام أيام بعينها، كيوم عرفة ويوم عاشوراء ويومي الإثنين والخميس والأيام البيض ينهى عن صوم أيام بعينها كيومي العيدين وأيام التشريق، وإفراد يوم الجمعة بصوم، ولله في تشريع الصوم حكمة، وله في منعه حكمة، ومن البدهيات أنه تعالى لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية.
فإن شرع الصوم فلصالح الصائم، وإن شرع الفطر فلصالح الفطر، وحال المسلم خير كله إن أصابه ضر أو نصب أو وصب فصبر كان له أجر، وإن أصابه خير ونعمة ومتعة فشكر كان له أجر، ومن هنا كان الإسلام حريصاً على أن يتمتع المسلم بدنياه بقدر ما يقدر لأخراه { { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا } } [القصص: 77] .
فوصل الراحة والطعام والشراب والشهوة بمشاق الطاعات، وحين أمر بالصوم والحرمان أعقبه بالنهي عن الصيام.
حين أمر بصوم رمضان أعقبه بتحريم صوم يوم العيد وحين أمر بالحج ومشاق هذه العبادة والصيام من أول ذي الحجة أعقب ذلك بتحريم صوم يوم النحر، وشرع ذبيحة الأضحية لتعوض ما فات بالصوم والجهد، بل نهى عن صوم أيام التشريق الثلاثة التي تعقب يوم النحر، وحين استحب صيام يوم الخميس كره صيام يوم الجمعة مفرداً، لأنه يوم الترويح من عناء الأسبوع.
ويوم الاجتماع والعبادة والذكر.

ولله تعالى حكمة بل حكم في اختيار وتخصيص بعض الأيام بالصوم، وتخصيص بعضها بالفطر، ونحاول أن ندركها، وقد ندركها، وقد لا ندركها، وسواء أدركناها أم لم ندركها يجب علينا أن نقول: { { سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } } [البقرة: 285] .

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك إنك سميع مجيب

المباحث العربية

( عن أبي عبيد مولى ابن أزهر) قال الحافظ ابن حجر: في رواية مولى بني أزهر وكذا في رواية مسلم.
اهـ وقد رواه مسلم هنا، وفي كتاب الأضاحي بلفظ مولى ابن أزهر ولم أجد في النسخة التي بين يدي مولى بني أزهر ولعله من اختلاف النسخ.
واسم ابن أزهر عبد الرحمن، وهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف.

( شهدت العيد) في بعض الروايات شهدت يوم الأضحى.

( ثم انصرف) عن مكان الصلاة إلى مكان الخطبة.

( إن هذين يومان) المشار إليه يوم الأضحى ويوم عيد الفطر، وكان الوقت وقت عيد الأضحى، وعيد الفطر بعيد، فكان حقه أن يقول: إن هذا اليوم وذاك اليوم، فلما جمعهما قال: هذان، تغليباً للحاضر على الغائب.

( يوم فطركم من صيامكم) يوم بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، تقديره: أحدهما يوم فطركم.
وفي رواية أما أحدهما فيوم فطركم.

( والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم) يوم بالرفع والتنوين، وجملة تأكلون صفته، والنسك هنا الذبيحة المتقرب بها والأضحية.

( عن قزعة عن أبي سعيد قال: سمعت منه حديثاً فأعجبني....
إلخ)
الضمائر في تركيب الحديث في حاجة إلى توضيح وترتيب، وحاصله:

قال قزعة: [بفتح القاف والزاي والعين] عن أبي سعيد، قال أبو سعيد: سمعت منه [أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم] حديثاً فأعجبني.
سمعته يقول لا يصلح الصيام في يومين، يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان، فقلت له: أي قال قزعة لأبي سعيد: أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو سعيد: أفأقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أسمع؟.

( آنت سمعت؟) بمد الهمزة، على الاستفهام.

( فأقول...؟) الكلام على الاستفهام مع حذف أداته، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لا أقول...إلخ.

( جاء رجل إلى ابن عمر) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، وأخرج ابن حبان سأل رجل ابن عمر وهو يمشي بمنى.

( إني نذرت أن أصوم يوماً) لم يعين هنا اليوم، وفي بعض الروايات نذر أن يصوم كل اثنين وخميس.
وفي رواية أن أصوم كل ثلاثاء وأربعاء.
وفي رواية نذر أن يصوم كل جمعة.

( فوافق يوم أضحى أو فطر) في رواية البخاري فوافق يوم عيد.

وفي رواية فوافق يوم النحر والمسئول عنه مفهوم من المقام، وهو الوفاء بالنذر؟ أو عدم صوم يوم العيد؟

( أمر الله بوفاء النذر) بقوله: { { وليوفوا نذورهم } } [الحج: 29] .

( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم) لم يقطع ابن عمر بالفتيا، ولم يبت في الحكم، وسيأتي الكلام عنه في فقه الحديث.

( عن نبيشة الهذلي) قال النووي: هو بضم النون وفتح الباء وبالشين، وهو نبيشة بن عمرو بن عوف بن سلمة.

( أيام التشريق أيام أكل وشرب) وفي الرواية الثامنة أيام منى قال النووي: وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر، سميت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها، وهو تقديدها، ونشرها في الشمس.
اهـ.

وأضيفت إلى منى لأن الحاج فيها يكون في منى وقال أبو حنيفة: التشريق التكبير دبر كل صلاة.
وعند أبي حنيفة ومالك وأحمد: لا يدخل فيها اليوم الثالث بعد يوم النحر.

( نعم ورب هذا البيت) وفي رواية النسائي أي ورب الكعبة.

( لا يصم أحدكم يوم الجمعة) بلفظ النهي، ويصم بالجزم، وفي بعض الروايات لا يصومن بالنهي والتأكيد، وفي رواية لا يصوم أحدكم بلفظ النفي والمراد به النهي.

( لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام ولا تخصوا يوم الجمعة) قال النووي: هكذا وقع في الأصول تختصوا ليلة الجمعة، ولا تخصوا يوم الجمعة بإثبات تاء في الأول بين الخاء والصاد، وبحذفها في الثاني، وهما صحيحان.

فقه الحديث

أفرد النووي في شرح مسلم باباً لصوم يومي العيدين، وباباً لأيام التشريق، وباباً ليوم الجمعة، وقد جمعتها تحت باب واحد لما بينها من عامل الاشتراك في منع الصوم وحكمته، وتفادياً للتكرار في المعنى العام.

أما صوم العيدين: فقد قال النووي: أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال، سواء صامهما عن نذر، أو عن تطوع، أو عن كفارة أو غير ذلك.
اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث تحريم صوم يومي العيد، سواء النذر والكفارة والتطوع والقضاء والتمتع [أي المتمتع في الحج الذي لم يجد هدياً، ووجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله] قال: وهو ( أي التحريم) بالإجماع.
اهـ.

وتحريم الصوم شيء، وصحة صوم من يصوم مع الحرمة أو عدم صحته شيء آخر، كما أن تحريم الصوم شيء وانعقاد نذر صومه شيء آخر.

ومبنى اختلاف وجهات النظر في ذلك أن النهي عن شيء هل يقتضي عدم صحة المنهي عنه لو وقع؟ أو لا يقتضي عدم الصحة؟

قال الحنفية: إن النهي عن الشيء لا ينفي مشروعية الأصل، ولا يفيد الفساد لو وقع، بل فيه إشارة إلى أن المنهي عنه ممكن الوقوع، وإلا كان النهي عبثاً، فإنك لا تنهى الأعمى عن أن يبصر، وإلا كان أمراً بتحصيل الحاصل، فدل على أن صوم يوم العيد ممكن، وإذا أمكن ثبتت الصحة.

ومثل لهذا الرأي بالنهي عن الصلاة في الدار المغصوبة، فإن الصلاة تصح في ذاتها مع الحرمة.

وجمهور العلماء على أن النهي عن الشيء لذات الشيء يقتضي شرعاً عدم صحة المنهي عنه لو وقع، فصوم الحائض وصلاتها في وقت حيضها فاسد وباطل، لأن المحل في ذاته غير صالح، والظرف غير أهل لأن تقع فيه هذه العبادة، والعبادة في ذاتها لا تصح في هذا الظرف، والعيد ظرف غير أهل لأن يقع فيه الصوم، فالصوم لا يصح إذا وقع فيه، والفرق بينه وبين الدار المغصوبة أن النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة ليس لذات الصلاة، بل للإقامة في الدار المغصوبة مطلقاً، بخلاف صوم يوم العيد، فإن النهي فيه لذات الصوم، فهو يشبه صوم الحائض وصلاتها.

والإمكان الذي ذكروه إمكان عقلي، والنزاع في الشرعي، والمنهي عنه شرعاً غير ممكن فعله شرعاً.
ذكره الحافظ ابن حجر.
ثم قال: ومن الحجج أن النفل المطلق إذا نهي عن فعله لم ينعقد، لأن النهي مطلوب الترك.
سواء كان للتحريم أو التنزيه، والنفل مطلوب الفعل، فلا يجتمع الضدان.
اهـ.

وبناء على هذا الخلاف لو قدم المسافر وعليه يوم من رمضان فصام يوم العيد صح مع الحرمة عند أبي حنيفة خلافاً للجمهور، ومثل ذلك لو نذر صيام يوم مطلق، فصام يوم العيد.

ولو نذر صوم يوم العيد بعينه، كأنه قال: لله علي صوم يوم النحر لا ينعقد نذره، ولا يلزمه صيام أصلاً عند الشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة: ينعقد النذر، ويلزمه صيام يوم غير يوم النحر، فإن صام يوم النحر أجزأه.
قال النووي: وخالف أبو حنيفة الناس كلهم في ذلك.

ولو نذر صيام يوم الثلاثاء القادم مثلاً، فوافق يوم النحر، أو نذر أن يصوم الإثنين والخميس مثلاً فوافق أحدهما يوم النحر فالأكثرون على أن النذر لا يلزم، وليس عليه قضاء، لأن لفظه لم يتناول القضاء، وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصوليين، وهذا أصح قولين للشافعي كما يقول النووي، وعند الحنفية ينعقد النذر ويلزمه القضاء في غير يوم العيد، فإن صام يوم العيد أجزأه.

وفي رواية عن مالك يقضي إن نوى القضاء، وإلا فلا، وعن الأوزاعي يقضي إلا إن نوى استثناء العيد.

ولما كان حديث ابن عمر [روايتنا الخامسة] في صلب هذه المسألة تنازع مراده من الفتيا العلماء.
فقال ابن عبد الملك عن الحنفية: لو كان صومه ممنوعاً منه -لعينه- ما توقف ابن عمر رضي الله عنهما.

وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن كلاً من الدليلين يعمل به، فيصوم يوماً مكان يوم النذر ويترك الصوم يوم العيد.
اهـ وهو بذلك يميل إلى القائلين بانعقاد النذر ووجوب القضاء.

وذهب جماعة إلى أن مراد ابن عمر عدم انعقاد النذر، وأنه لا يجب عليه صوم، لأن الراجح عند الأصوليين أنه إذا اجتمع الأمر والنهي في محل واحد قدم النهي فكأنه قال: لا تصم.
ليس عليك صيام، ولو كان عليه قضاء لذكره، لأنه أمر من نذر أن يمشي في الحج أمره بالركوب عوضاً عن المشي.

وعلة وجوب فطر هذين اليومين تفهم من التعبير في الحديث بيوم فطركم من صيامكم ويوم تأكلون فيه من نسككم قال الحافظ ابن حجر: قيل: وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما، وهو الفصل من الصوم، وإظهار تمامه، وتحديده، بفطر ما بعده.

والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه، ليؤكل منه، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى، فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك.

وأما صوم أيام التشريق فإن روايتنا السابعة والثامنة تصرحان بأنها أيام أكل وشرب، وروى أبو داود والترمذي والنسائي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرج أبو داود وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم عن عمرو بن العاص أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق: إنها الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومهن، وأمر بفطرهن.

وبهذه الأحاديث استدل من قال: لا يصح صومها، لا لمتمتع ولا لغيره، وهو قول علي وعبد الله بن عمرو بن العاص من السلف، والشافعي في الجديد، قال النووي: وهذا هو الأصح عند الأصحاب، وبه قال أبو حنيفة وداود وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد.

القول الثاني يجوز صيامها للمتمتع الذي لم يجد الهدي، ولا يجوز لغيره، وهو قول مالك والشافعي في القديم، وإليه مال البخاري، واستدلوا بما رواه البخاري عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا لم يرخص في أيام التشريق إلا لمتمتع لم يجد الهدي وفي رواية للبخاري عنهما قالا الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هدياً ولم يصم صام أيام منى.

القول الثالث: يجوز صيامها للمتمتع ولصوم له سبب، من قضاء أو نذر أو كفارة، أو تطوع له سبب، أما تطوع لا سبب له فلا يجوز، وهو قول لبعض الشافعية.

القول الرابع: يجوز صيامها مطلقاً، للمتمتع وغيره بسبب وبغير سبب.
رواه ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين.

وأما صوم يوم الجمعة: فإن روايتنا التاسعة والعاشرة والحادية عشرة تنهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم والاستثناء في العاشرة والحادية عشرة يفيد الإطلاق في الرواية التاسعة، ويزيد هذا القيد اعتباراً ما رواه البخاري عن جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا.
قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا.
قال: فافطري.

وللفقهاء في حكم صوم يوم الجمعة أقوال:

القول الأول: منع إفراد يوم الجمعة بصوم، مما يشعر بالتحريم -نقله أبو الطيب الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية، حيث قال ابن المنذر: ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة، كما ثبت النهي عن صوم يوم العيد، وزاد يوم الجمعة الأمر بفطر من أراد إفراده بالصوم.
وقال أبو جعفر الطبري: يفرق بين العيد والجمعة بأن الإجماع منعقد على تحريم صوم يوم العيد ولو صام قبله أو بعده، بخلاف يوم الجمعة فالإجماع منعقد على جواز صومه لمن صام قبله أو بعده.
ونقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن علي وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر قال ابن حزم: لا نعلم مخالفاً لهم من الصحابة.

القول الثاني: قول الجمهور، وأنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق عادة له، فإن وصله بيوم قبله أو بعده، أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبداً، فوافق يوم الجمعة لم يكره، فالنهي للتنزيه.

القول الثالث: قال مالك وأبو حنيفة: لا يكره إفراد يوم الجمعة بصوم مطلقاً، ولم يوافقهما كثير من أصحابهما.
أما مالك فقال في الموطأ: لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه، ومن به يقتدى نهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحراه.

قال النووي: فهذا الذي قاله هو الذي رآه، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره.
وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة، فيتعين القول به، ومالك معذور، فإنه لم يبلغه، قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكاً هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه.
اهـ.

وحاول عياض أن يبرئ مالكاً من هذا الرأي، فزعم أن كلام مالك يؤخذ منه النهي عن إفراده، لأنه كره أن يخص يوم من الأيام بالعبادة، فيكون له في المسألة روايتان.

وقال عبد الوهاب من المالكية يدافع عن رأي مالك: يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده، وقد عاب ابن العربي المالكي هذا القول لأنه قياس مع وجود النص.

وأما الحنفية فقد استدلوا بحديث ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وقلما كان يفطر يوم الجمعة حسنه الترمذي.
قال الحافظ ابن حجر: وليس فيه حجة، لأنه يحتمل أن يريد: كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها، ولا يضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم، جمعاً بين الحديثين.
قال: ومنهم من عد هذا من الخصائص، وليس بجيد، لأنها لا تثبت بالاحتمال.
اهـ.

القول الرابع: لا يكره إفراد يوم الجمعة بصوم إلا لمن أضعفه صومه عن العبادة التي تقع فيه من الصلاة والدعاء والذكر.
نقله المزني عن الشافعي.

والراجح بالأدلة قول الجمهور.
والله أعلم.

وقد تكلم العلماء في الحكمة من النهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم، وكل التمس حكمة لا تخلو عن نظر، قال الحافظ ابن حجر: اختلف في سبب النهي عن إفراده على أقوال:

أحدها: لكونه يوم عيد، والعيد لا يصام، واستشكل ذلك بالإذن بصيامه مع غيره، وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة، ومن صام معه غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم.

ثانيها: لئلا يضعف عن العبادة، وهذا الذي اختاره النووي، وتعقب ببقاء المعنى المذكور مع صوم غيره معه، وأجاب بأنه يحصل له بفضيلة اليوم الذي قبله أو بعده جبر ما يحصل يوم صومه من فتور أو تقصير.
قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، فإن الجبران لا ينحصر في الصوم، بل يحصل بجميع أفعال الخير، فيلزم منه جواز إفراده لمن عمل فيه خيراً كثيراً يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده، كمن أعتق فيه رقبة مثلاً، ولا قائل بذلك، وأيضاً فكأن النهي يختص بمن يخشى عليه الضعف، لا من يتحقق القوة، قال: ويمكن الجواب عن هذا بأن المظنة أقيمت مقام المئنة، كما في جواز الفطر في السفر لمن يشق عليه.

ثالثها: خوف المبالغة في تعظيمه، فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت قال الحافظ: وهو منتقض بثبوت تعظيمه بغير الصيام، وأيضاً فاليهود لا يعظمون السبت بالصيام، فلو كان الملحوظ ترك موافقتهم لتحتم صومه لأنهم لا يصومونه.

رابعها: خوف اعتقاد وجوبه، وهو منتقض بصوم الإثنين والخميس.

خامسها: خشية أن يفرض عليهم، كما خشى صلى الله عليه وسلم من قيامهم الليل لذلك، قال المهلب: وهو منتقض بإجازة صومه مع غيره، وبأنه لو كان كذلك لجاز بعده صلى الله عليه وسلم، لارتفاع السبب.

سادسها: مخالفة النصارى، لأنه يجب عليهم صومه، ونحن مأمورون بمخالفتهم.
قال: وهو ضعيف.

قال: وأقوى الأقوال وأولاها بالصواب أولها، ورد فيه صريحاً حديثان.
أحدهما رواه الحاكم وغيره عن أبي هريرة مرفوعاً يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده، والثاني رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي، وقال من كان منكم متطوعاً عن الشهر فليصم يوم الخميس، ولا يصم يوم الجمعة، فإنه يوم طعام وشراب وذكر.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- من قوله في الرواية الأولى فجاء فصلى ثم انصرف فخطب يؤخذ تقديم صلاة العيد على خطبته.

2- وفيه تعليم الإمام في خطبته ما يتعلق بذلك العيد من أحكام الشرع من مأمور به ومنهي عنه.

3- ومن قول قزعة لأبي سعيد: آنت سمعت هذا مدى استيثاق التابعين من الأحاديث.

4- ومن جواب أبي سعيد وثوق الرواة وعنايتهم بنقل مروياتهم.

5- ومن جواب ابن عمر للرجل تورع ابن عمر عن قطع الفتيا وبت الحكم عند تعارض الأدلة.

6- ومن ملحق الرواية السابعة استحباب الإكثار من ذكر الله في أيام التشريق.

7- ومن الرواية التاسعة جواز الحلف من غير استحلاف، لتأكيد الأمر.

8- وإضافة الربوبية إلى المخلوقات العظيمة، تنويها بتعظيمها.

9- والاكتفاء في الجواب بنعم، من غير ذكر الأمر المفسر بها.

10- وعن الرواية العاشرة قال النووي: فيها النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي، واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب -قاتل الله واضعها ومخترعها- فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة، وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها.

والله أعلم